الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٢ الصفحة 10

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٢

د - التَّشَوُّفُ لِلْخِطَابِ:

٥ - يَرَى الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلَّتِي تَكُونُ صَالِحَةً لِلْخُطْبَةِ وَالزَّوَاجِ أَنْ تَتَزَيَّنَ اسْتِعْدَادًا لِرُؤْيَةِ مَنْ يَرْغَبُ فِي خِطْبَتِهَا وَالزَّوَاجِ بِهَا.

وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْخَاطِبِ أَنْ يَرَى بِنَفْسِهِ مَنْ يَرْغَبُ فِي زَوَاجِهَا لِكَيْ يَقْدَمَ عَلَى الْعَقْدِ إِنْ أَعْجَبَتْهُ، وَيَحْجُمَ عَنْهُ إِنْ لَمْ تُعْجِبْهُ، لِخَبَرِ إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَل (١) وَذَلِكَ لأَِنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الأُْلْفَةِ وَالْوِئَامِ.

وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ﵁ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً، فَقَال لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ قَال: لاَ. فَقَال: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا. (٢)

وَيَرَى أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ لِلْخَاطِبِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ، لأَِنَّ رُؤْيَتَهُمَا تُحَقِّقُ الْمَطْلُوبَ مِنَ الْجَمَال وَخُصُوبَةِ الْجَسَدِ وَعَدَمِهَا. فَيَدُل الْوَجْهُ عَلَى الْجَمَال أَوْ ضِدُّهُ لأَِنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ، وَالْكَفَّانِ عَلَى خُصُوبَةِ الْبَدَنِ.

وَأَجَازَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ النَّظَرَ إِلَى الرَّقَبَةِ

_________

(١) حديث: " إذا خطب أحدكم امرأة فإن. . . " أخرجه أبو داود (٢ / ٥٦٥ - ٥٦٦ - ط عزت عبيد دعاس) وحسنه ابن حجر في الفتح (٩ / ١٨١ - ط السلفية) .

(٢) حديث: " اذهب فانظر إليها فإنه أحرى. . . " أخرجه ابن ماجه (١ / ٦٠٠ - ط الحلبي) وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح.

وَالْقَدَمَيْنِ. وَأَجَازَ الْحَنَابِلَةُ النَّظَرَ إِلَى مَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْقِيَامِ بِالأَْعْمَال، وَهِيَ سِتَّةُ أَعْضَاءٍ: الْوَجْهُ، وَالرَّأْسُ، وَالرَّقَبَةُ، وَالْيَدُ، وَالْقَدَمُ، وَالسَّاقُ؛ لأَِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ، وَلإِِطْلاَقِ الأَْحَادِيثِ السَّابِقَةِ. (١)

وَلِلتَّفْصِيل (ر: نِكَاحٌ، خِطْبَةٌ) .

تَشْيِيعُ الْجِنَازَةِ

انْظُرْ: جِنَازَةٌ

_________

(١) بداية المجتهد ٢ / ٤ ط م الكليات الأزهرية، وحاشية ابن عابدين ٣ / ٨ وما بعدها ط مصطفى الحلبي بمصر، وحاشية الدسوقي ٢ / ٢١٥، ونهاية المحتاج ٦ / ١٨٣، والمغني ٦ / ٥٥٣ وما بعدها، والمبدع في شرح المقنع ٧ / ٧ وما بعدها.

تَصَادُقٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - التَّصَادُقُ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا: ضِدُّ التَّكَاذُبِ يُقَال: تَصَادَقَا فِي الْحَدِيثِ وَالْمَوَدَّةِ ضِدُّ تَكَاذَبَا وَمَادَّةُ تَفَاعَل لاَ تَكُونُ غَالِبًا إِلاَّ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُقَال: تَحَابَّا وَتَخَاصَمَا، أَيْ أَحَبَّ أَوْ خَاصَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا الآْخَرَ وَاسْتَعْمَل الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا (التَّقَارُرَ) بِمَعْنَى التَّصَادُقِ (١) .

حُكْمُ التَّصَادُقِ:

٢ - حُكْمُ التَّصَادُقِ فِي الْجُمْلَةِ - فِي حَقِّ الْمُتَصَادِقِينَ إِذَا تَعَلَّقَتْ بِهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ، أَوْ كَانَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لاَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ - اللُّزُومُ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الشَّهَادَةِ؛ لأَِنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الإِْقْرَارِ.

قَال أَشْهَبُ: قَوْل كُل أَحَدٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْجَبُ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ.

أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَيْسَ بِلاَزِمٍ. (٢)

_________

(١) تاج العروس، والدسوقي ٢ / ٣٣١، وحاشية القليوبي ٢ / ٣٠٩، وتبصرة الحكام ٢ / ٣٦.

(٢) تبصرة الحكام ٢ / ٣٦.

مَنْ يُعْتَبَرُ تَصَادُقُهُ:

٣ - التَّصَادُقُ الَّذِي يُعْتَدُّ بِهِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ يَكُونُ مِنَ الْبَالِغِ الْعَاقِل الْمُخْتَارِ، فَلاَ يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُ الصَّغِيرِ وَغَيْرُ الْعَاقِل.

صِفَةُ التَّصَادُقِ:

٤ - صِفَةُ التَّصْدِيقِ لَفْظٌ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ يَدُل عَلَى تَوَجُّهِ الْحَقِّ قَبْل الْمُقِرِّ (الْمُصَدِّق) .

وَيَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ: الإِْشَارَةُ وَالْكِتَابَةُ وَالسُّكُوتُ. فَالإِْشَارَةُ مِنَ الأَْبْكَمِ وَمِنَ الْمَرِيضِ.

فَإِذَا قِيل لِلْمَرِيضِ: لِفُلاَنٍ عِنْدَكَ كَذَا، فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَهَذَا تَصْدِيقٌ إِذَا فُهِمَ عَنْهُ مُرَادُهُ. (١)

مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُصَادَقِ:

٥ - يُشْتَرَطُ فِي الْمُصَادِقِ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلاِسْتِحْقَاقِ، وَأَلاَّ يُكَذِّبَهُ الْمُصَادِقُ، فَإِذَا كَذَّبَ الْمُصَادِقُ الْمُصَادَقَ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُفِدْ رُجُوعُهُ، إِلاَّ أَنْ يَرْجِعَ الْمُصَادَقُ إِلَى مَا أَقَرَّ بِهِ.

مَحَل التَّصَادُقِ:

٦ - يَكُونُ التَّصْدِيقُ فِي النَّسَبِ وَالْمَال.

وَالتَّصْدِيقُ فِي النَّسَبِ يُنْظَرُ تَحْتَ عِنْوَانِ (نَسَبٌ) .

_________

(١) تبصرة الحكام ٢ / ٣٦، ٣٨.

وَالتَّصْدِيقُ فِي الْمَال نَوْعَانِ: مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ.

فَالْمُطْلَقُ: مَا صَدَرَ غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِمَا يُقَيِّدُهُ أَوْ يُرْفَعُ حُكْمُهُ أَوْ حُكْمُ بَعْضِهِ، فَإِذَا كَانَ التَّصْدِيقُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ مُلْزِمٌ لِمَنْ صَدَّقَ، وَعَلَيْهِ أَدَاءُ مَا صَدَّقَ فِيهِ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ.

وَإِذَا كَانَ التَّصْدِيقُ مُقَيَّدًا بِقَيْدٍ فَفِي لُزُومِهِ أَوْ عَدَمِهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ) .

التَّصَادُقُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى:

٧ - إِذَا تَصَادَقَ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ عَلَى إِسْقَاطِ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَلاَ عِبْرَةَ بِتَصَادُقِهِمْ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ، إِلاَّ إِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَذَا التَّصَادُقِ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْحَال ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ لاَ بِالتَّصَادُقِ، وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ مِنَ الأَْمْثِلَةِ الآْتِيَةِ:

إِنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ قَبْل الدُّخُول، وَكَانَ قَدْ خَلاَ بِهَا، لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ إِنْ كَانَ الزَّوْجُ بَالِغًا، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ مُطِيقَةً لِلْوَطْءِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ خَلْوَةَ اهْتِدَاءٍ أَمْ خَلْوَةَ زِيَارَةٍ. وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَتَجِبُ الْعِدَّةُ حِينَئِذٍ وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى نَفْيِ الْوَطْءِ؛ لأَِنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلاَ تَسْقُطُ بِالتَّصَادُقِ.

وَيُؤْخَذُ بِتَصَادُقِهِمَا عَلَى نَفْيِ الْوَطْءِ فِيمَا هُوَ حَقٌّ لَهُمَا: فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا، وَلاَ يَتَكَمَّل لَهَا الصَّدَاقُ، وَلاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا. أَيْ كُل مَنْ أَقَرَّ مِنْهُمَا أُخِذَ

بِإِقْرَارِهِ اجْتِمَاعًا أَوِ انْفِرَادًا. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى قَبُول التَّصَادُقِ أَوْ رَدِّهِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ، كَثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ تَارِيخِ الْخَلْوَةِ، وَتَأْكِيدِ الْمَهْرِ، وَالنَّفَقَةِ وَالسَّكَنِ وَالْعِدَّةِ، وَحُرْمَةِ نِكَاحِ أُخْتِهَا فِي عِدَّتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا. وَفِي هَذِهِ الْمَذَاهِبِ اخْتِلاَفٌ فِي الْحُقُوقِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الْخَلْوَةِ. تَفْصِيلُهُ فِي بَابِ: (النِّكَاحِ) .

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَدِيمِ قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا: الْخَلْوَةُ مُؤَثِّرَةٌ، وَتُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي ادِّعَاءِ الإِْصَابَةِ (الْوَطْءِ) وَالْقَوْل الثَّانِي أَنَّهَا كَالْوَطْءِ. وَفِي الْجَدِيدِ: أَنَّ الْخَلْوَةَ وَحْدَهَا لاَ تُؤَثِّرُ فِي الْمَهْرِ.

وَعَلَى هَذَا لَوِ اتَّفَقَا عَلَى حُصُول الْخَلْوَةِ، وَادَّعَتِ الإِْصَابَةَ لَمْ يَتَرَجَّحْ جَانِبُهَا، بَل الْقَوْل قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ.

وَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهَا يَتَقَرَّرُ الْمَهْرُ كُلُّهُ (١) .

التَّصَادُقُ فِي النِّكَاحِ:

٨ - لاَ يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِالتَّصَادُقِ؛ لأَِنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِيهِ، وَوَقْتُهَا عِنْدَ غَيْرِ الْمَالِكِيَّةِ وَقْتُ الْعَقْدِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُنْدَبُ الإِْشْهَادُ وَقْتَ الْعَقْدِ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَ الْعَقْدِ اشْتُرِطَ وُجُوبًا عِنْدَ الدُّخُول، وَلاَ حَدَّ عِنْدَهُمْ إِنْ فَشَا النِّكَاحُ بِوَلِيمَةٍ أَوْ ضَرْبِ دُفٍّ أَوْ دُخَانٍ، أَوْ كَانَ عَلَى الْعَقْدِ أَوِ الدُّخُول

_________

(١) ابن عابدين ٢ / ٣٣٨ - ٣٤١، والشرح الكبير ٢ / ٤٦٨، والمغني ٦ / ٧٠٤ ط الرياض، والروضة ٧ / ٢٦٣.

شَاهِدٌ وَاحِدٌ غَيْرُ الْوَلِيِّ، لِصِحَّةِ النِّكَاحِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ. (١)

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: تَثْبُتُ الزَّوْجِيَّةُ بِالتَّقَارُرِ (أَيِ التَّصَادُقِ) حَقُّ الزَّوْجَيْنِ إِذَا كَانَا بَلَدِيَّيْنِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَلَدِيًّا، وَأَمَّا الطَّارِئَانِ (أَيْ مَنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْل الْبَلَدِ، سَوَاءٌ قَدِمَا مَعًا أَوْ مُفْتَرِقَيْنِ) فَلاَ تَثْبُتُ الزَّوْجِيَّةُ بَيْنَهُمَا بِمُجَرَّدِ التَّصَادُقِ. (٢)

حُكْمُ تَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى طَلاَقٍ سَابِقٍ:

٩ - إِذَا أَقَرَّ رَجُلٌ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ بِطَلاَقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ مُتَقَدِّمٍ عَلَى وَقْتِ إِقْرَارِهِ، وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُ، اسْتَأْنَفَتِ امْرَأَتُهُ الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ إِقْرَارِهِ، فَيُصَدَّقُ فِي الطَّلاَقِ، لاَ فِي إِسْنَادِهِ لِلْوَقْتِ السَّابِقِ وَلَوْ صَدَّقَتْهُ؛ لأَِنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى إِسْقَاطِ الْعِدَّةِ وَهِيَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. فَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَالْعِدَّةُ مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي أُسْنِدَتْ إِلَيْهِ الْبَيِّنَةُ.

هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْعِدَّةِ لأَِنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِحُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ فَيُعَامَل كُلٌّ حَسَبَ إِقْرَارِهِ، فَلَوْ مَاتَتِ الزَّوْجَةُ، وَكَانَتِ الْعِدَّةُ قَدِ انْقَضَتْ بِحَسَبِ إِقْرَارِهِ، فَلاَ يَرِثُهَا لأَِنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً عَلَى مُقْتَضَى دَعْوَاهُ، وَلاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ الطَّلاَقُ رَجْعِيًّا، وَوَرِثَتْهُ إِنْ مَاتَ فِي الْعِدَّةِ

_________

(١) البدائع ٢ / ٢٥٦، والشرح الكبير ٢ / ٢١٧، ونهاية المحتاج ٦ / ٢١٣، ٧ / ٤٥.

(٢) الدسوقي على الشرح الكبير ٢ / ٣٣١ - ٣٣٢.

الْمُسْتَأْنَفَةِ، حَيْثُ كَانَ الطَّلاَقُ رَجْعِيًّا إِنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ. وَلاَ يَتَزَوَّجُ أُخْتَهَا وَلاَ أَرْبَعًا سِوَاهَا فِي الْعِدَّةِ، وَلَوْ صَادَقَتْهُ عَلَى حُصُول الطَّلاَقِ فِي الْمَاضِي نَفْيًا لِتُهْمَةِ التَّوَاطُؤِ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا مُعَامَلَةً لَهَا بِتَصْدِيقِهَا إِيَّاهُ. وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ. (١)

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ أَسْنَدَ الزَّوْجُ الطَّلاَقَ إِلَى زَمَنٍ مَاضٍ، وَصَدَّقَتِ الزَّوْجَةُ الزَّوْجَ فِي الإِْسْنَادِ، فَالْعِدَّةُ مِنَ التَّارِيخِ الَّذِي أُسْنِدَ إِلَيْهِ الطَّلاَقُ، وَلَوْ لَمْ يَقُمْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ. (٢)

وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلاَمِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ. فَقَدْ جَاءَ فِي شَرْحِ منتهى الإرادات: لَوْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ حَاكِمًا وَادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا وَانْتَهَتْ عِدَّتُهَا، فَلَهُ تَزْوِيجُهَا بِشَرْطِهِ إِنْ ظَنَّ صِدْقَهَا، وَلاَ سِيَّمَا إِنْ كَانَ الزَّوْجُ لاَ يَعْرِفُ؛ لأَِنَّ الإِْقْرَارَ (أَيْ بِالزَّوْجِيَّةِ) لِمَجْهُولٍ لاَ يَصِحُّ. وَأَيْضًا الأَْصْل صِدْقُهَا (أَيْ فِيمَا ادَّعَتْهُ مِنْ خُلُوِّهَا عَنِ الزَّوْجِيَّةِ) وَلاَ مُنَازِعَ. (٣)

حُكْمُ مُصَادَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى إِعْسَارِ الزَّوْجِ:

١٠ - يُكْتَفَى بِتَصْدِيقِ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا فِي دَعْوَاهُ الإِْعْسَارَ، وَتَصْدِيقُهَا يَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ، وَيَتَرَتَّبُ

_________

(١) ابن عابدين ٢ / ٦١٠، والشرح الكبير ٢ / ٤٧٧.

(٢) نهاية المحتاج ٧ / ١٨.

(٣) شرح منتهى الإرادات ٣ / ١٨٨، والمغني ٦ / ٤٥٠ - ٤٥١، وكشاف القناع ٥ / ٤٢٤.

عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ثُبُوتِ الإِْعْسَارِ بِالْبَيِّنَةِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ بِالتَّطْلِيقِ بِشُرُوطِهِ الْمُفَصَّلَةِ فِي أَبْوَابِهَا (١) وَيُنْظَرُ (إِعْسَارٌ، نَفَقَةٌ، مَهْرٌ) .

الرُّجُوعُ فِي التَّصْدِيقِ:

١١ - تَقَدَّمَ أَنَّ التَّصْدِيقَ مُلْزِمٌ لِمَنْ صَدَّقَ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَحُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لاَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، كَالزَّكَاةِ، فَمَنْ صَدَّقَ الْمُدَّعِيَ فِيمَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ مَتَى تَوَافَرَتْ شُرُوطُ التَّصْدِيقِ.

وَلَوْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ، وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَنْ إِقْرَارِهِ لاَ يُقْبَل مِنْهُ الرُّجُوعُ.

أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ فَإِنَّهُ إِذَا ثَبَتَ الْحَدُّ بِالإِْقْرَارِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُقِرِّ الرُّجُوعُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الرُّجُوعُ قَبْل الْحَدِّ أَمْ بَعْدَهُ، وَسَقَطَ الْحَدُّ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَرَّضَ لِمَاعِزٍ بِالرُّجُوعِ، فَلَوْلاَ أَنَّهُ يُفِيدُ لَمَا عَرَّضَ لَهُ بِهِ.

وَعَلَّل الْفُقَهَاءُ عَدَمَ جَوَازِ الرُّجُوعِ فِي التَّصْدِيقِ بِحُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ وَحُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لاَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ: بِأَنَّ رُجُوعَهُ نَقْضٌ لِمَا صَدَرَ مِنْهُ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، فَإِذَا قَال: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ، لاَ بَل لِعَمْرٍو، أَوِ ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى مَيِّتٍ

_________

(١) الشرح الكبير ٢ / ٢٩٩، ٥١٩، وقليوبي مع عميرة ٤ / ٨٣، والمغني ٧ / ٥٧٣، والدر وابن عابدين ٢ / ٦٥٦.

شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْ تَرِكَتِهِ فَصَدَّقَهُ ابْنُهُ، ثُمَّ ادَّعَاهُ عَمْرٌو فَصَدَّقَهُ، حُكِمَ بِهِ لِزَيْدٍ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ غَرَامَتُهُ لِعَمْرٍو، وَهَذَا ظَاهِرُ أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.

وَفِي الْقَوْل الآْخَرِ: لاَ يَغْرَمُ لِعَمْرٍو شَيْئًا، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ؛ لأَِنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمَا عَلَيْهِ الإِْقْرَارُ بِهِ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ الْحُكْمُ مِنْ قَبُولِهِ وَذَلِكَ لاَ يُوجِبُ الضَّمَانَ. (١)

_________

(١) المغني ٥ / ١٦٤ ط الرياض، ونهاية المحتاج ٧ / ٤٣، والشرح الكبير ٤ / ٣١٨، والبدائع ٧ / ٦١.