الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠ الصفحة 9

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠

وَأُصُول الدِّيَانَاتِ، وَصِفَاتِ الْبَارِي ﷿، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْقِسْمِ عَلَى ثَلاَثَةِ مَذَاهِبَ:

الأَْوَّل: أَنَّهُ لاَ مَدْخَل لِلتَّأْوِيل فِيهَا، بَل تَجْرِي عَلَى ظَاهِرِهَا، وَلاَ يُؤَوَّل شَيْءٌ مِنْهَا. وَهَذَا قَوْل الْمُشَبِّهَةِ.

الثَّانِي: أَنَّ لَهَا تَأْوِيلًا، وَلَكِنَّا نُمْسِكُ عَنْهُ، مَعَ تَنْزِيهِ اعْتِقَادِنَا عَنِ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ﴾ (١)، قَال ابْنُ بُرْهَانٍ: وَهَذَا قَوْل السَّلَفِ.

وَقَال الشَّوْكَانِيُّ: وَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ وَالْمَنْهَجُ الْمَصْحُوبُ بِالسَّلاَمَةِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مَهَاوِي التَّأْوِيل، وَكَفَى بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ قُدْوَةً لِمَنْ أَرَادَ الاِقْتِدَاءَ، وَأُسْوَةً لِمَنْ أَحَبَّ التَّأَسِّيَ، عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ وُرُودِ الدَّلِيل الْقَاضِي بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ وَهُوَ قَائِمٌ مَوْجُودٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟

وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ. قَال ابْنُ بُرْهَانٍ: وَالأَْوَّل مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ بَاطِلٌ، وَالآْخَرَانِ مَنْقُولاَنِ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَنُقِل هَذَا الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ. وَقَال ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الأَْلْفَاظِ الْمُشْكِلَةِ: إِنَّهَا حَقٌّ وَصِدْقٌ، وَعَلَى

_________

(١) سورة آل عمران / ٧.

الْوَجْهِ الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَوَّل شَيْئًا مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ قَرِيبًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ لِسَانُ الْعَرَبِ وَيَفْهَمُونَهُ فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ لَمْ نُنْكِرْ عَلَيْهِ وَلَمْ نُبَدِّعْهُ، وَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ بَعِيدًا تَوَقَّفْنَا عَلَيْهِ وَاسْتَبْعَدْنَاهُ وَرَجَعْنَا إِلَى الْقَاعِدَةِ فِي الإِْيمَانِ بِمَعْنَاهُ مَعَ التَّنْزِيهِ. (١) وَفِي إِعْلاَمِ الْمُوَقِّعِينَ، قَال الْجُوَيْنِيُّ: ذَهَبَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ إِلَى الاِنْكِفَافِ عَنِ التَّأْوِيل، وَإِجْرَاءِ الظَّوَاهِرِ عَلَى مَوَارِدِهَا، وَتَفْوِيضِ مَعَانِيهَا إِلَى الرَّبِّ تَعَالَى، وَالَّذِي نَرْتَضِيهِ رَأْيًا وَنَدِينُ اللَّهَ بِهِ عَقْدُ اتِّبَاعِ سَلَفِ الأُْمَّةِ، فَحُقَّ عَلَى ذِي الدِّينِ أَنْ يَعْتَقِدَ تَنْزِيهَ الْبَارِي عَنْ صِفَاتِ الْمُحْدَثِينَ، وَلاَ يَخُوضَ فِي تَأْوِيل الْمُشْكِلاَتِ، وَيَكِل مَعْنَاهَا إِلَى الرَّبِّ تَعَالَى. (٢)

٥ - ثَانِيًا: النُّصُوصُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفُرُوعِ، وَهَذِهِ لاَ خِلاَفَ فِي دُخُول التَّأْوِيل فِيهَا. وَالتَّأْوِيل فِي النُّصُوصِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الاِسْتِنْبَاطِ، وَهُوَ قَدْ يَكُونُ تَأْوِيلًا صَحِيحًا، وَقَدْ يَكُونُ تَأْوِيلًا فَاسِدًا. فَيَكُونُ صَحِيحًا إِذَا كَانَ مُسْتَوْفِيًا لِشُرُوطِهِ، مِنَ الْمُوَافَقَةِ لِوَضْعِ اللُّغَةِ، أَوْ عُرْفِ الاِسْتِعْمَال، وَمِنْ قِيَامِ الدَّلِيل عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي حُمِل عَلَيْهِ، وَمِنْ كَوْنِ الْمُتَأَوِّل أَهْلًا لِذَلِكَ.

_________

(١) إرشاد الفحول / ١٧٦، ١٧٧.

(٢) أعلام الموقعين ٤ / ٢٤٦.

وَيَتَّفِقُ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَبُول الْعَمَل بِالتَّأْوِيل الصَّحِيحِ مَعَ اخْتِلاَفِهِمْ فِي طُرُقِهِ وَمَوَاضِعِهِ، وَمَا يُعْتَبَرُ قَرِيبًا، وَمَا يُعْتَبَرُ بَعِيدًا. يَقُول الآْمِدِيُّ: التَّأْوِيل مَقْبُولٌ مَعْمُولٌ بِهِ إِذَا تَحَقَّقَ بِشُرُوطِهِ، وَلَمْ يَزَل عُلَمَاءُ الأَْمْصَارِ فِي كُل عَصْرٍ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ إِلَى زَمَنِنَا عَامِلِينَ بِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ (١) . وَفِي الْبُرْهَانِ: تَأْوِيل الظَّاهِرِ عَلَى الْجُمْلَةِ مُسَوِّغٌ إِذَا اُسْتُجْمِعَتِ الشَّرَائِطُ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَصْل التَّأْوِيل ذُو مَذْهَبٍ، وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ فِي التَّفَاصِيل. (٢)

وَعَلَى أَيِّ حَالٍ فَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ فِي كُل مَسْأَلَةٍ، وَعَلَيْهِ اتِّبَاعُ مَا أَوْجَبَهُ ظَنُّهُ كَمَا يَقُول الآْمِدِيُّ (٣) .

وَيَقُول الْغَزَالِيُّ: مَهْمَا كَانَ الاِحْتِمَال قَرِيبًا، وَكَانَ الدَّلِيل أَيْضًا قَرِيبًا، وَجَبَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ التَّرْجِيحُ، وَالْمَصِيرُ إِلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ، فَلَيْسَ كُل تَأْوِيلٍ مَقْبُولًا بِوَسِيلَةِ كُل دَلِيلٍ، بَل ذَلِكَ يَخْتَلِفُ وَلاَ يَدْخُل تَحْتَ ضَبْطٍ. (٤)

وَيَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: لِكُل مَسْأَلَةٍ ذَوْقٌ يَجِبُ أَنْ تُفْرَدَ بِنَظَرٍ خَاصٍّ. (٥)

_________

(١) إرشاد الفحول ص ١٧٧، والأحكام للآمدي ٢ / ١٣٦.

(٢) البرهان للجويني ١ / ٥١٥.

(٣) الأحكام للآمدي ٢ / ١٤١.

(٤) المستصفى ١ / ٣٨٩.

(٥) روضة الناظر ص ٩٣.

هَذَا، وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي كُتُبِ الأُْصُول أَمْثِلَةٌ لِلْمَسَائِل الْفَرْعِيَّةِ الَّتِي اُسْتُنْبِطَتْ أَحْكَامُهَا عَنْ طَرِيقِ تَأْوِيل النُّصُوصِ، مَعَ بَيَانِ وُجْهَةِ نَظَرِ الَّذِينَ نَحَوْا هَذَا الْمَنْحَى وَالَّذِينَ عَارَضُوهُمْ.

أَثَرُ التَّأْوِيل:

٦ - لِلتَّأْوِيل أَثَرٌ ظَاهِرٌ فِي الْمَسَائِل الْفَرْعِيَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنَ النُّصُوصِ، إِذْ هُوَ سَبَبُ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي أَحْكَامِ هَذِهِ الْمَسَائِل. وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، أَنَّ الْعَمَل بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ لاَ يُنْكَرُ عَلَى صَاحِبِهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْخِلاَفُ شَاذًّا، لَكِنَّ الأَْفْضَل مُرَاعَاةُ الْخِلاَفِ، وَذَلِكَ بِتَرْكِ مَا هُوَ جَائِزٌ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ غَيْرُهُ يَرَاهُ حَرَامًا، وَبِفِعْل مَا هُوَ مُبَاحٌ إِذَا كَانَ غَيْرُهُ يَرَاهُ وَاجِبًا. وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (اخْتِلاَفٌ) . وَنَذْكُرُ هُنَا بَعْضَ الآْثَارِ الْعَمَلِيَّةِ لِلتَّأْوِيل مِنْ خِلاَل بَعْضِ الْمَسَائِل:

٧ - أَوَّلًا: أَمْثِلَةٌ لِلتَّأْوِيل الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ:

أ - مِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ كُل مَنْ ثَبَتَتْ إِمَامَتُهُ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ، وَحَرُمَ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ لِلنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ خُرُوجَ طَائِفَةٍ عَلَى

الإِْمَامِ بِتَأْوِيلٍ يُبِيحُ لَهُمْ ذَلِكَ فِي نَظَرِهِمْ يُعْتَبَرُ بَغْيًا لِفَسَادِ تَأْوِيلِهِمْ. وَيَجِبُ دَعْوَتُهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ وَالدُّخُول فِي الْجَمَاعَةِ وَكَشْفِ شُبَهِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا وَجَبَ قِتَالُهُمْ كَمَا فَعَل عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَعَ الْخَوَارِجِ. وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (بُغَاةٌ) .

ب - وُجُوبُ الزَّكَاةِ أَمْرٌ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ، وَالتَّأْوِيل فِي مَنْعِ أَدَائِهَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ.، وَيَجِبُ حَمْل الْمَانِعِينَ عَلَى أَدَائِهَا بِالْقُوَّةِ، وَقَدْ فَعَل ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَعَ مَانِعِي الزَّكَاةِ الَّذِينَ تَأَوَّلُوا قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَل عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ (١) فَقَالُوا: إِنَّ ذَلِكَ لاَ يَتَأَتَّى لِغَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى قِيَامِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ مَقَامَهُ (٢) . وَالتَّفْصِيل يُنْظَرُ فِي (الزَّكَاةُ) .

ج - حُرْمَةُ شُرْبِ الْخَمْرِ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ، وَالتَّأْوِيل لاِسْتِحْلاَل شُرْبِهَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ، وَيَجِبُ تَوْقِيعُ الْحَدِّ عَلَى شَارِبِهَا الْمُتَأَوِّل. وَقَدْ حَدَثَ أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ شَرِبَ

_________

(١) سورة التوبة / ١٠٣.

(٢) التبصرة لابن فرحون بهامش فتح العلي المالك ٢ / ٢٨٠، والاختيار ١ / ١٠٤، وأسنى المطالب ٤ / ١١١، وشرح منتهى الإرادات ١ / ٤١٧.

الْخَمْرَ (١)، فَقَال لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَال: إِنَّ اللَّهَ ﷿ يَقُول: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ (٢) وَإِنِّي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَهْل بَدْرٍ وَأُحُدٍ، فَطَلَبَ عُمَرُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنْ يُجِيبُوهُ، فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: " إِنَّمَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عُذْرًا لِلْمَاضِينَ لِمَنْ شَرِبَهَا قَبْل أَنْ تَحْرُمَ، وَأَنْزَل: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَل الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾ (٣) حُجَّةٌ عَلَى النَّاسِ. وَقَال لَهُ عُمَرُ: إِنَّكَ أَخْطَأْتَ التَّأْوِيل يَا قُدَامَةُ، إِذَا اتَّقَيْتَ اجْتَنَبْتَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ (٤) .

٨ - ثَانِيًا: تَأْوِيلٌ مُتَّفَقٌ عَلَى قَبُولِهِ:

وَذَلِكَ مِثْل التَّأَوُّل فِي الْيَمِينِ إِذَا كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: مَنْ حَلَفَ فَتَأَوَّل فِي يَمِينِهِ فَلَهُ تَأْوِيلُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا لَمْ يَنْفَعْهُ تَأْوِيلُهُ. وَلاَ يَخْلُو حَال الْحَالِفِ الْمُتَأَوِّل مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَظْلُومًا، مِثْل مَنْ

_________

(١) أثر " قدامة بن مظعون. . . " أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (٩ / ٢٤٢ - ط المجلس العلمي بالهند) .

(٢) سورة المائدة / ٩٣.

(٣) سورة المائدة / ٩٠.

(٤) المغني ٨ / ٣٠٤، وهامش الفروق ١ / ١٨٢، ومغني المحتاج ٤ / ١٩٣.

يَسْتَحْلِفُهُ ظَالِمٌ عَلَى شَيْءٍ لَوْ صَدَّقَهُ لَظَلَمَهُ، أَوْ ظَلَمَ غَيْرَهُ، أَوْ نَال مُسْلِمًا مِنْهُ ضَرَرٌ، فَهَذَا لَهُ تَأْوِيلُهُ.

ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ ظَالِمًا كَاَلَّذِي يَسْتَحْلِفُهُ الْحَاكِمُ عَلَى حَقٍّ عِنْدَهُ، فَهَذَا تَنْصَرِفُ يَمِينُهُ إِلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ الَّذِي عَنَاهُ الْمُسْتَحْلِفُ وَلاَ يَنْفَعُ الْحَالِفَ تَأْوِيلُهُ، وَلاَ نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ " قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ (١) وَلأَِنَّهُ لَوْ سَاغَ التَّأْوِيل لَبَطَل الْمَعْنَى الْمُبْتَغَى بِالْيَمِينِ.

ثَالِثُهَا: أَلاَّ يَكُونَ ظَالِمًا وَلاَ مَظْلُومًا، فَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ أَنَّ لَهُ تَأْوِيلَهُ. هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ. وَالْمَذَاهِبُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَظْلُومَ إِذَا تَأَوَّل فِي يَمِينِهِ فَلَهُ تَأْوِيلُهُ. (٢) (ر: أَيْمَانٌ) .

٩ - ثَالِثًا: هُنَاكَ مِنَ التَّأْوِيلاَتِ مَا اعْتَبَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ قَرِيبًا، فَأَصْبَحَ دَلِيلًا فِي اسْتِنْبَاطِ الْحُكْمِ، فِي حِينِ اعْتَبَرَهُ الْبَعْضُ الآْخَرُ بَعِيدًا، فَلاَ يَصْلُحُ دَلِيلًا.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ، وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالأَْكْل أَوِ الْجِمَاعِ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ

_________

(١) حديث: " يمينك على ما يصدقك به صاحبك " أخرجه مسلم (٣ / ١٢٧٤ - ط الحلبي) .

(٢) البدائع ٣ / ٢٠، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير ٢ / ٣٧٧، ومغني المحتاج ٤ / ٤٧٥، والمغني ٨ / ٧٢٧.

وَالْمَالِكِيَّةِ، وَبِالْجِمَاعِ فَقَطْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَعَلَى ذَلِكَ فَمَنْ رَأَى هِلاَل رَمَضَانَ وَحْدَهُ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، فَإِنْ ظَنَّ إِبَاحَةَ الْفِطْرِ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ فَأَفْطَرَ بِمَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَفِي الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لاِنْتِهَاكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ، أَمَّا ظَنُّ الإِْبَاحَةِ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (١)، وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ (٢) - وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ، إِذْ رَدُّ الشَّهَادَةِ يُعْتَبَرُ تَأْوِيلًا قَرِيبًا فِي ظَنِّ الإِْبَاحَةِ. (٣) وَمِثْل هَذِهِ الاِخْتِلاَفَاتِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، بَل بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبِ الْوَاحِدِ كَثِيرَةٌ فِي الْمَسَائِل الْفَرْعِيَّةِ. فَالْحَنَفِيَّةُ مَثَلًا لاَ يُوجِبُونَ الزَّكَاةَ فِي مَال الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَيُنْتَقَضُ عِنْدَهُمُ الْوُضُوءُ بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلاَةِ، خِلاَفًا لِبَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.

_________

(١) سورة البقرة / ١٨٥.

(٢) حديث: " صوموا لرؤيته. . . " أخرجه البخاري (الفتح٤ / ١١٩ - ط السلفية) ومسلم (٢ / ٧٥٩ - ط الحلبي) .

(٣) البدائع ٢ / ٨٠، والاختيار ١ / ١٢٩، والشرح الصغير١ / ٢٥٠، والدسوقي ١ / ٥٣٢، والمجموع ٦ / ٢٣٥، وكشاف القناع ٢ / ٣٢٦.

وَالْمَعْرُوفُ كَمَا سَبَقَ أَنَّهُ لاَ يُنْكَرُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ. وَتَفْصِيل مَا أُجْمِل هُنَا مَوْطِنُهُ الْمُلْحَقُ الأُْصُولِيُّ.

تَابِعٌ

اُنْظُرْ: تَبَعِيَّةٌ.

تَابُوتٌ

اُنْظُرْ: جَنَائِزُ.

تَارِيخٌ

اُنْظُرْ: تَأْرِيخٌ.

تَاسُوعَاءُ

التَّعْرِيفُ:

١ - التَّاسُوعَاءُ: هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ (١) اسْتِدْلاَلًا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ ﷺ صَامَ عَاشُورَاءَ، فَقِيل لَهُ: إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى تُعَظِّمُهُ، فَقَال: فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِل إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ (٢)

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

٢ - عَاشُورَاءُ: وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ أَمَرَ رَسُول اللَّهِ ﷺ بِصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ: الْعَاشِرِ

_________

(١) المصباح المنير، ولسان العرب مادة " تسع "، وروضة الطالبين ٢ / ٣٨٧، وكشاف القناع عن متن الإقناع ٢ / ٣٣٨ ط النصر الحديثة، والشرح الكبير ١ / ٥١٦، وجواهر الإكليل ١ / ١٤٦.

(٢) حديث: " فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع. . . " أخرجه مسلم (٢ / ٧٩٨ ط عيس البابي الحلبي) .