الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠ الصفحة 10

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠

مِنَ الْمُحَرَّمِ (١) وَأَنَّ صَوْمَهُ مُسْتَحَبٌّ أَوْ مَسْنُونٌ. (٢) فَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ سُئِل عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَال: يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ (٣)

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:

٣ - صَوْمُ يَوْمِ تَاسُوعَاءَ مَسْنُونٌ، أَوْ مُسْتَحَبٌّ، كَصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَصُومُ عَاشُورَاءَ، فَذَكَرُوا أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى تَصُومُهُ. فَقَال ﷺ إِنَّهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِل يَصُومُ التَّاسِعَ (٤) إِلاَّ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ آكَدُ فِي الاِسْتِحْبَابِ؛ لأَِنَّهُ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ.

فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ " أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ. وَصِيَامُ يَوْمِ

_________

(١) حديث " أمر رسول الله ﷺ بصوم يوم عاشوراء. . . " أخرجه الترمذي (٣ / ١٢٨ ط مصطفى البابي الحلبي) وقال: حسن صحيح.

(٢) المصباح المنير، ولسان العرب مادة (عشر)، والدر المختار ٢ / ٨٣، ونزهة المتقين شرح رياض الصالحين ٢ / ٨٨٥ - ٨٨٦، وكشاف القناع ٢ / ٣٣٨، والمجموع شرح المهذب ٦ / ٣٨٢، وحاشية قليوبي ٢ / ٧٣، وجواهر الإكليل ١ / ١٤٦، والمغني لابن قدامة ٣ / ١٧٤ ط الرياض الحديثة.

(٣) حديث " يكفر السنة الماضية والباقية. . . ". أخرجه مسلم (٢ / ٨١٩ ط عيسى البابي الحلبي) .

(٤) حديث " أنه في العام المقبل يصوم التاسع. . . ". سبق تخريجه (ف ١) .

عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ (١) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِل إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ. قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: " فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِل حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُول اللَّهِ ﷺ (٢) وَتَكْفِيرُ سَنَةٍ: أَيْ ذُنُوبِ سَنَةٍ مِنَ الصَّغَائِرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَغَائِرُ خُفِّفَ مِنْ كَبَائِرِ السَّنَةِ، وَذَلِكَ التَّخْفِيفُ مَوْكُولٌ لِفَضْل اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَبَائِرُ رُفِعَ لَهُ دَرَجَاتٍ. وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُول فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ: خَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ (٣)

٤ - وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي حِكْمَةِ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ يَوْمِ تَاسُوعَاءَ أَوْجُهًا:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الإِْمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِسَنَدِهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: قَال

_________

(١) حديث " صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة. . . " أخرجه مسلم (٢ / ٨١٨ - ٨١٩ ط عيسى البابي الحلبي) .

(٢) حديث " فإذا كان العام المقبل. . . " سبق تخريجه ف / ١.

(٣) الأثر عن ابن عباس " خالفوا اليهود وصوموا التاسع والعاشر. . . " أخرجه عبد الرزاق والبيهقي موقوفا (مصنف عبد الرزاق ٤ / ٢٨٧، والسنن الكبرى للبيهقي ٤ / ٢٨٧) .

رَسُول اللَّهِ: ﷺ صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا الْيَهُودَ، وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا (١)

الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَصْل يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمٍ.

الثَّالِثُ: الاِحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ الْعَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الْهِلاَل وَوُقُوعِ غَلَطٍ، فَيَكُونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعَاشِرَ فِي نَفْسِ الأَْمْرِ (٢) وَلِلْمَزِيدِ مِنَ التَّفْصِيل فِي ذَلِكَ ر: (صَوْمُ التَّطَوُّعِ) .

تَبَخْتُرٌ

اُنْظُرِ: اخْتِيَالٌ.

_________

(١) حديث " صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود وصوموا. . . " أخرجه أحمد (مسند أحمد بن حنبل١ / ٢٤١) والبزار وقال الهيثمي: فيه محمد بن أبي ليلى وفيه كلام (مجمع الزوائد ٣ / ١٨٨، ١٨٩) .

(٢) ابن عابدين ٢ / ٨٣، والمجموع شرح المهذب ٦ / ٣٨٢، ٣٨٣، والمهذب في فقه الإمام الشافعي ١ / ١٩٥، وروضة الطالبين ٢ / ٣٨٧، وحاشية قليوبي ٢ / ٧٣، وحاشية الدسوقي ١ / ٥١٦، ومواهب الجليل للحطاب ٢ / ٤٠٦، وجواهر الإكليل ١ / ١٤٦، وشرح الزرقاني على مختصر خليل ٢ / ١٩٧، والمغني لابن قدامة ٣ / ٧٤ ط الرياض الحديثة، وكشاف القناع عن متن الإقناع ٢ / ٣٣٨ - ٣٣٩ ونزهة المتقين شرح رياض الصالحين ٢ / ٨٨٥ - ٨٨٦.

تَبْدِيلٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - تَبْدِيل الشَّيْءِ لُغَةً: تَغْيِيرُهُ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِبَدَلِهِ. يُقَال: بَدَّلْتُ الشَّيْءَ تَبْدِيلًا بِمَعْنَى غَيَّرْتُهُ تَغْيِيرًا. وَالأَْصْل فِي التَّبْدِيل: تَغْيِيرُ الشَّيْءِ عَنْ حَالِهِ، وَقَوْلُهُ ﷿: ﴿يَوْمَ تُبَدَّل الأَْرْضُ غَيْرَ الأَْرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ﴾ (١) قَال الزَّجَّاجُ: تَبْدِيلُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: تَسْيِيرُ جِبَالِهَا، وَتَفْجِيرُ بِحَارِهَا، وَجَعْلُهَا مُسْتَوِيَةً لاَ تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلاَ أَمْتًا. وَتَبْدِيل السَّمَاوَاتِ: انْتِشَارُ كَوَاكِبِهَا وَانْفِطَارُهَا وَانْشِقَاقُهَا وَتَكْوِيرُ شَمْسِهَا وَخُسُوفُ قَمَرِهَا. (٢)

وَمَعْنَاهُ فِي الاِصْطِلاَحِ، كَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ، وَمِنْهُ النَّسْخُ: وَهُوَ رَفْعُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُتَأَخِّرٍ. (٣)

وَيُطْلَقُ التَّبْدِيل عَلَى الاِسْتِبْدَال فِي الْوَقْفِ بِمَعْنَى: بَيْعِ الْمَوْقُوفِ عَقَارًا كَانَ أَوْ مَنْقُولًا، وَشِرَاءِ عَيْنٍ بِمَال الْبَدَل لِتَكُونَ مَوْقُوفَةً مَكَانَ الْعَيْنِ

_________

(١) سورة إبراهيم / ٤٨.

(٢) مختار الصحاح، والمصباح المنير، ولسان العرب مادة " بدل ".

(٣) التعريفات للجرجاني.

الَّتِي بِيعَتْ، أَوْ مُقَايَضَةِ عَيْنِ الْوَقْفِ بِعَيْنٍ أُخْرَى. وَيَدُل كَلاَمُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ بَيَانَ التَّغْيِيرِ مِثْل تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَتَخْصِيصُ الْعَامِّ، وَبَيَانُ التَّبْدِيل مِثْل النَّسْخِ أَيْ رَفْعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ أَوَّلًا بِنَصٍّ مُتَأَخِّرٍ. (١)

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:

لِلتَّبْدِيل أَحْكَامٌ تَعْتَرِيهِ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ مَوَاطِنِهِ:

٢ - التَّبْدِيل فِي الْوَقْفِ:

أَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ لِلْوَاقِفِ اشْتِرَاطَ الإِْدْخَال وَالإِْخْرَاجِ فِي وَقْفِهِ، كَمَا أَجَازَ لَهُ مُتَأَخِّرُوهُمْ مَا عُرِفَ بِالشُّرُوطِ الْعَشَرَةِ، وَهِيَ الإِْعْطَاءُ، وَالْحِرْمَانُ، وَالإِْدْخَال، وَالإِْخْرَاجُ، وَالزِّيَادَةُ، وَالنُّقْصَانُ، وَالتَّغْيِيرُ، وَالإِْبْدَال، وَالاِسْتِبْدَال، وَالْبَدَل أَوِ التَّبَادُل. (٢) وَخَالَفَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ. فَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيَّةُ اشْتِرَاطَ الْوَاقِفِ الرُّجُوعَ مَتَى شَاءَ، أَوِ الْحِرْمَانَ، أَوْ تَحْوِيل الْحَقِّ إِلَى غَيْرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مَتَى شَاءَ اشْتِرَاطًا فَاسِدًا، وَأَجَازُوا لَهُ التَّغْيِيرَ إِنْ كَانَ قَدْرَ الْمَصْلَحَةِ (٣) وَلَمْ يُجِزْهُ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ؛ لأَِنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ. (٤)

_________

(١) المغني لابن قدامة ٥ / ٦٠٦ ط الرياض الحديثة، والشرح الكبير للدردير ٤ / ٨٨.

(٢) التلويح على التوضيح ٢ / ١٨، ١٩ ط صبيح، والتعريفات للجرجاني.

(٣) ابن عابدين ٣ / ٣٨٨.

(٤) روضة الطالبين ٥ / ٣٢٩.

وَتَفْصِيل ذَلِكَ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى مُصْطَلَحِ (وَقْفٌ) شَرْطُ الْوَاقِفِ.

التَّبْدِيل فِي الْبَيْعِ:

وَمِنَ التَّبْدِيل الْبَيْعُ؛ لأَِنَّهُ تَبْدِيل مُتَقَوِّمٍ بِمُتَقَوِّمٍ. وَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ الشَّرْعِيَّةِ وَمِنْ ذَلِكَ:

أ - التَّبْدِيل فِي الصَّرْفِ:

٣ - وَهُوَ بَيْعُ جِنْسِ الأَْثْمَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ مَضْرُوبُهَا وَمَصُوغُهَا وَتِبْرُهَا. فَإِنْ بَاعَ فِضَّةً بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ، جَازَ مَتَى كَانَ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَيَدًا بِيَدٍ، (١) وَالأَْصْل فِيهِ مَا رَوَاهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ﵁ " أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَْصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ (٢) وَلأَِنَّهُمَا جِنْسَانِ فَجَازَ التَّفَاضُل فِيهِمَا، كَمَا لَوْ تَبَاعَدَتْ مَنَافِعُهُمَا.

ب - تَبْدِيل أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ بَعْدَ تَعَيُّنِهِ فِي الْعَقْدِ:

٤ - إِذَا تَعَيَّنَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي الْعَقْدِ فَلاَ يَجُوزُ

_________

(١) الاختيار شرح المختار ١ / ٢١١ - ٢١٢ ط مصطفى الحلبي، والمهذب في فقه الإمام الشافعي ١ / ٢٧٧، ٢٧٩، والمغني لابن قدامة ٤ / ٤، ١١، ١٢، وجواهر الإكليل ٢ / ٧ وما بعدها.

(٢) حديث عبادة بن الصامت: أخرجه مسلم (٣ / ١٢١١ - ط الحلبي) .

تَبْدِيلُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ الْمَبِيعُ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ، أَمَّا الثَّمَنُ فَلاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، إِلاَّ فِي مَوَاطِنَ مِنْهَا: الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ.، كَمَا تَتَعَيَّنُ الأَْثْمَانُ فِي الإِْيدَاعِ، فَلاَ يَجُوزُ تَبْدِيلُهَا. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (تَعْيِينٌ) وَفِي (الصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ) .

تَبْدِيل الدِّينِ:

٥ - إِنْ كَانَ التَّبْدِيل مِنْ دِينِ الإِْسْلاَمِ إِلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالرِّدَّةِ، فَإِنَّهُ لاَ يُقَرُّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَتَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (رِدَّةٌ) .

أَمَّا إِنْ كَانَ تَبْدِيل الدِّينِ مِنْ دِينٍ غَيْرِ الإِْسْلاَمِ إِلَى دِينٍ آخَرَ غَيْرِ الإِْسْلاَمِ أَيْضًا، كَمَا لَوْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِقْرَارِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ غَيْرُ الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ يُقَرُّ عَلَى مَا انْتَقَل إِلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ.

وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لاَ يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ أَحْدَثَ دِينًا بَاطِلًا بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِبُطْلاَنِهِ، فَلاَ يُقَرُّ عَلَيْهِ، كَمَا لَوِ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ. فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً لَمْ تَحِل لِمُسْلِمٍ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ لاَ يُقَرُّ، فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً لِمُسْلِمٍ فَتَهَوَّدَتْ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً فَهِيَ كَالْمُرْتَدَّةِ، فَإِنْ كَانَ التَّهَوُّدُ أَوِ التَّنَصُّرُ قَبْل الدُّخُول تَنَجَّزَتِ الْفُرْقَةُ، أَوْ بَعْدَهُ تَوَقَّفَتْ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ،

وَلاَ يُقْبَل مِنْهَا إِلاَّ الإِْسْلاَمُ؛ لأَِنَّهَا أَقَرَّتْ بِبُطْلاَنِ مَا انْتَقَلَتْ عَنْهُ وَكَانَتْ مُقِرَّةً بِبُطْلاَنِ الْمُنْتَقَل إِلَيْهِ، وَلَوِ انْتَقَل يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إِلَى دِينٍ غَيْرِ كِتَابِيٍّ لَمْ يُقَرَّ، وَفِيمَا يُطْلَبُ مِنْهُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ عِنْدَ الاِسْتِتَابَةِ قَوْلاَنِ، أَحَدُهُمَا: الإِْسْلاَمُ فَقَطْ، وَالثَّانِي: هُوَ أَوْ دِينُهُ الأَْوَّل، وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ: هُمَا أَوِ الدِّينُ الْمُسَاوِي لِدِينِهِ السَّابِقِ، فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً تَحْتَ مُسْلِمٍ تَنَجَّزَتِ الْفُرْقَةُ قَبْل الدُّخُول، وَتَوَقَّفَتْ بَعْدَهُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَلَوْ تَهَوَّدَ وَثَنِيٌّ أَوْ تَنَصَّرَ لَمْ يُقَرَّ لاِنْتِقَالِهِ عَمَّا لاَ يُقَرُّ عَلَيْهِ إِلَى بَاطِلٍ، وَالْبَاطِل لاَ يُفِيدُ فَضِيلَةَ الإِْقْرَارِ، وَيَتَعَيَّنُ الإِْسْلاَمُ، كَمُسْلِمٍ ارْتَدَّ، فَإِنْ أَبَى قُتِل. (١)

تَبْدِيل الشَّهَادَةِ فِي اللِّعَانِ:

٦ - لَوْ أَبْدَل أَحَدُ الْمُتَلاَعِنَيْنِ لَفْظَةَ أَشْهَدُ بِأُقْسِمُ، أَوْ أَحْلِفُ، أَوْ أُولِي، لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ؛ لأَِنَّ اللِّعَانَ يُقْصَدُ فِيهِ التَّغْلِيظُ، وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ أَبْلَغُ فِيهِ، وَلَوْ أَبْدَل لَفْظَةَ اللَّعْنَةِ بِالإِْبْعَادِ، أَوْ أَبْدَلَهَا (أَيْ لَفْظَةَ اللَّعْنَةِ) بِالْغَضَبِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، أَوْ أَبْدَلَتِ الْمَرْأَةُ لَفْظَةَ الْغَضَبِ بِالسَّخَطِ، أَوْ قَدَّمَتِ الْغَضَبَ فِيمَا قَبْل الْخَامِسَةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، أَوْ أَبْدَلَتْهُ أَيِ الْغَضَبَ بِاللَّعْنَةِ أَوْ قَدَّمَ الرَّجُل اللَّعْنَةَ فِيمَا قَبْل الْخَامِسَةِ لَمْ

_________

(١) منهاج الطالبين وحاشية قليوبي عليه ٣ / ٢٥٣، وابن عابدين ٣ / ٢٨٥ و٥ / ١٩٠، والدسوقي ٤ / ٣٠٨، والمغني ٦ / ٥٩٣، ٥٩٤.

يُعْتَدَّ بِهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْصُوصَ. (١) وَالأَْصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ . (٢) وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (لِعَانٌ) .

تَبْدِيل الزَّكَاةِ:

٧ - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ تَبْدِيل الزَّكَاةِ بِدَفْعِ قِيمَتِهَا بَدَلًا مِنْ أَعْيَانِهَا، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى جَوَازِهِ، إِذْ دَفْعُ الْقِيمَةِ عِنْدَهُمْ أَفْضَل مِنْ دَفْعِ الْعَيْنِ؛ لأَِنَّ الْعِلَّةَ فِي أَفْضَلِيَّةِ الْقِيمَةِ كَوْنُهَا أَعْوَنَ عَلَى دَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ؛ لاِحْتِمَال أَنَّهُ يَحْتَاجُ غَيْرَ الْحِنْطَةِ مَثَلًا مِنْ ثِيَابٍ وَنَحْوِهَا، بِخِلاَفِ دَفْعِ الْعُرُوضِ، وَهَذَا فِي السَّعَةِ، أَمَّا فِي الشِّدَّةِ فَدَفْعُ الْعَيْنِ أَفْضَل. (٣) وَتَفْصِيل ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي (زَكَاةِ الْفِطْرِ) .

_________

(١) كشاف القناع عن متن الإقناع ٥ / ٣٩١ - ٣٩٢ ط النصر الحديثة، والمغني لابن قدامة ٧ / ٤٣٦ - ٤٣٧ ط الرياض الحديثة.

(٢) سورة النور / ٦ - ٩.

(٣) ابن عابدين ٢ / ٧٦ - ٧٨، وروضة الطالبين ٢ / ٣٠١ - ٣٠٣، والشرح الكبير للدردير ١ / ٥٠٤ - ٥٠٥، والمغني لابن قدامة ٣ / ٥٥، ٦٢، ٦٣، ٦٥.

تَبَذُّلٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - لِلتَّبَذُّل فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ: مِنْهَا: تَرْكُ التَّزَيُّنِ، وَالتَّهَيُّؤِ بِالْهَيْئَةِ الْحَسَنَةِ الْجَمِيلَةِ عَلَى جِهَةِ التَّوَاضُعِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ سَلْمَانَ: فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً وَفِي رِوَايَةٍ مُبْتَذَلَةً. (١) وَالْمِبْذَل وَالْمِبْذَلَةُ: الثَّوْبُ الْخَلِقُ. وَالْمُتَبَذِّل: لاَبِسُهُ. وَفِي حَدِيثِ الاِسْتِسْقَاءِ فَخَرَجَ مُتَبَذِّلًا مُتَخَضِّعًا، (٢) وَفِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ. الْبِذْلَةُ وَالْمِبْذَلَةُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا: مَا يُمْتَهَنُ مِنَ الثِّيَابِ. وَابْتِذَال الثَّوْبِ وَغَيْرِهِ: امْتِهَانُهُ. وَمِنْ مَعَانِي التَّبَذُّل أَيْضًا: تَرْكُ التَّصَاوُنِ. (٣) وَالتَّبَذُّل فِي الاِصْطِلاَحِ: لُبْسُ ثِيَابِ الْبِذْلَةِ. وَالْبِذْلَةُ: الْمِهْنَةُ. وَثِيَابُ الْبِذْلَةِ هِيَ الَّتِي

_________

(١) حديث: " فرأى أم الدرداء متبذلة. . . " وفي رواية " مبتذلة ". أخرجه البخاري في صحيحه (٤ / ٢٠٩) ط السلفية.

(٢) حديث الاستسقاء: " فخرج متبذلا متخضعا. . ". أخرجه الترمذي (٢ / ٤٤٥ - ط مصطفى الحلبي) وقال: حسن صحيح.

(٣) لسان العرب، ومختار الصحاح، والمصباح مادة. " بذل "