الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠
تُلْبَسُ فِي حَال الشُّغْل، وَمُبَاشَرَةِ الْخِدْمَةِ، وَتَصَرُّفِ الإِْنْسَانِ فِي بَيْتِهِ. (١)
وَهُوَ بِهَذَا لاَ يَخْرُجُ فِي مَعْنَاهُ الاِصْطِلاَحِيِّ عَمَّا ذُكِرَ لَهُ مِنْ مَعَانٍ لُغَوِيَّةٍ.
حُكْمُهُ الإِْجْمَالِيُّ:
٢ - التَّبَذُّل بِمَعْنَى تَرْكِ التَّزَيُّنِ. تَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا، وَتَارَةً يَكُونُ مَسْنُونًا.، وَتَارَةً يَكُونُ مَكْرُوهًا.، وَتَارَةً يَكُونُ مُبَاحًا، وَهُوَ الأَْصْل.
٣ - فَيَكُونُ وَاجِبًا: فِي الإِْحْدَادِ، وَهُوَ تَرْكُ الزِّينَةِ وَنَحْوِهَا لِلْمُعْتَدَّةِ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الطَّلاَقِ الْبَائِنِ. (٢)
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِهِ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَالأَْصْل فِيهِ قَوْل اللَّهِ ﵎: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ (٣) وَقَوْلُهُ ﷺ: لاَ يَحِل لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. (٤) (٥)
وَإِحْدَادُهَا يَكُونُ بِتَجَنُّبِ الزِّينَةِ، وَالطِّيبِ،
_________
(١) منهاج الطالبين ١ / ٣١٥.
(٢) رد المحتار على الدر المختار ٢ / ٦١٦.
(٣) سورة البقرة / ٢٣٤.
(٤) حديث: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ١٤٦ ط السلفية) . ومسلم (٢ / ١١٢٤ ط عيسى البابي الحلبي) .
(٥) سورة البقرة / ٢٣٤.
وَلُبْسِ الْحُلِيِّ، وَالْمُلَوَّنِ وَالْمُطَرَّزِ مِنَ الثِّيَابِ لِلتَّزَيُّنِ، وَالْكُحْل وَالاِدِّهَانِ، وَكُل مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ تُعْتَبَرَ مَعَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ مُتَزَيِّنَةً مَا لَمْ تَدْعُ إِلَى ذَلِكَ ضَرُورَةٌ، فَتُقَدَّرُ حِينَئِذٍ بِقَدْرِهَا، كَالْكُحْل مَثَلًا لِلرَّمَدِ، فَإِنَّهُ يُرَخَّصُ لَهَا بِاسْتِعْمَالِهِ لَيْلًا وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَل عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ حَادَّةٌ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلَتْ فِي عَيْنِهَا صَبْرًا، فَقَال: مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟ فَقَالَتْ: إِنَّمَا هُوَ صَبْرٌ يَا رَسُول اللَّهِ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ، قَال: إِنَّهُ يَشُبُّ الْوَجْهَ، فَلاَ تَجْعَلِيهِ إِلاَّ بِاللَّيْل، وَتَنْزِعِينَهُ بِالنَّهَارِ. (١)
وَحَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ ﵂ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلاَ تَكْتَحِل وَلاَ تَتَطَيَّبُ وَلاَ تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلاَّ ثَوْبَ عَصْبٍ، وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ. (٢)
وَالْمُطَلَّقَةُ طَلاَقًا بَائِنًا كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا عِنْدَ
_________
(١) حديث. " إنه يشب الوجه، فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعينه بالنهار. . . ". أخرجه أبو داود (٢ / ٧٢٧ - ٧٢٨) ط عزت عبيد دعاس. والنسائي (٦ / ٢٠٤) ط المطبعة التجارية. قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير: (٣ / ٢٣٩ ط المطبعة العربية) أعله عبد الحق والمنذري بجهالة حال المغيرة ومن فوقه.
(٢) حديث أم عطية: " كنا ننهى أن نحد. . . " أخرجه البخاري (٩ / ٤٩١ ط السلفية) .
الْحَنَفِيَّةِ، فَيَجِبُ عَلَيْهَا تَجَنُّبُ مَا تَتَجَنَّبُهُ الْحَادَّةُ، إِظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ. (١) وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيل مُصْطَلَحَ (إِحْدَادٌ) .
٤ - وَيَكُونُ التَّبَذُّل مَسْنُونًا فِي الاِسْتِسْقَاءِ. وَهُوَ طَلَبُ الْعِبَادِ السُّقْيَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا. فَيَخْرُجُونَ إِلَى الصَّحْرَاءِ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ خَاشِعِينَ مُتَضَرِّعِينَ وَجِلِينَ نَاكِسِينَ رُءُوسَهُمْ، إِذْ ذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى الإِْجَابَةِ. فَيُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ، وَيُكْثِرُونَ مِنَ الدُّعَاءِ وَالاِسْتِغْفَارِ. (٢)
قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: خَرَجَ رَسُول اللَّهِ ﷺ لِلاِسْتِسْقَاءِ مُتَبَذِّلًا مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا مُتَضَرِّعًا حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى. (٣) وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيل مُصْطَلَحَ (اسْتِسْقَاءٌ) . (٤)
_________
(١) الاختيار شرح المختار ٢ / ٢٣٦ ط مصطفى الحلبي ١٩٣٦، وابن عابدين ٢ / ٥٣٦، ٦١٦ - ٦١٨، والمهذب في فقه الإمام الشافعي ٢ / ١٥٠، وحاشية الجمل على شرح المنهج ٤ / ٤٥٧ - ٤٥٨، وروضة الطالبين ٨ / ٤٠٥، والشرح الكبير ٢ / ٤٧٨ - ٤٧٩، ومواهب الجليل شرح مختصر خليل ٤ / ١٥٤، ونيل المآرب بشرح دليل الطالب ٢ / ١٠٩ م الفلاح، ومنار السبيل في شرح الدليل ٢ / ٢٨٥ - ٢٨٦ المكتب الإسلامي، والمغني لابن قدامة ٧ / ٥١٧ - ٥٢٠ م الرياض الحديثة.
(٢) حاشية قليوبي على منهاج الطالبين ١ / ٣١٤ - ٣١٥، وحاشية ابن عابدين ١ / ٥٦٦ - ٥٦٧.
(٣) حديث: ابن عباس ﵁: " خرج رسول الله ﷺ للاستسقاء متبذلا. . . " (سبق تخريجه ف ١) .
(٤) ابن عابدين ١ / ٥٦٦ - ٥٦٧، والمهذب في فقه الإمام الشافعي ١ / ١٣١ - ١٣٢، والشرح الكبير ١ / ٤٠٥، والمغني لابن قدامة ٢ / ٤٣٠ م الرياض الحديثة.
٥ - وَيَكُونُ التَّبَذُّل مَكْرُوهًا: فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ؛ لأَِنَّ التَّزَيُّنَ مَسْنُونٌ لَهُمَا بِاتِّفَاقٍ، فَيَغْتَسِل وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، وَالْجَدِيدُ مِنْهَا أَفْضَل، وَأَوْلاَهَا الْبَيَاضُ، وَيَتَطَيَّبُ. وَالأَْحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: حَدِيثُ مَنِ اغْتَسَل يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ، ثُمَّ صَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلاَتِهِ، كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا (١) وَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ ﵁ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَقُول: مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ جُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ. (٢)
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَال. أَمَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُنَّ إِذَا أَرَدْنَ حُضُورَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ يَتَنَظَّفْنَ بِالْمَاءِ وَلاَ يَتَطَيَّبْنَ، وَلاَ يَلْبَسْنَ الشُّهْرَةَ مِنَ الثِّيَابِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ،
_________
(١) حديث: " من اغتسل يوم الجمعة، ولبس من أحسن ثيابه ومس من طيب. . . " أخرجه أبو داود (١ / ٢٤٤ - ط عزت عبيد دعاس) وقال الحافظ بن حجر في تلخيص الحبير (٢ / ٦٩ - ط المطبعة العربية): ومداره على ابن إسحاق، وقد صرح في رواية ابن حبان والحاكم بالتحديث.
(٢) حديث عبد الله بن سلام: " ما على أحدكم لو اشترى ثوبين. . . " أخرجه ابن ماجه (١ / ٣٤٨ - ط عيسى البابي الحلبي) وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلاَتٍ (١) أَيْ غَيْرَ مُتَعَطِّرَاتٍ؛ لأَِنَّهُنَّ إِذَا تَطَيَّبْنَ وَلَبِسْنَ الشُّهْرَةَ مِنَ الثِّيَابِ دَعَا ذَلِكَ إِلَى الْفَسَادِ وَالاِفْتِتَانِ بِهِنَّ. فَهَذِهِ الأَْحَادِيثُ قَدْ دَلَّتْ عَلَى كَرَاهَةِ التَّبَذُّل لِلرِّجَال فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، وَعَلَى اسْتِحْبَابِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلنِّسَاءِ فِيهِمَا. (٢)
وَانْظُرْ: (جُمُعَةً وَعِيدَيْنِ) .
وَيُكْرَهُ التَّبَذُّل فِي مَجَامِعِ النَّاسِ وَلِقَاءِ الْوُفُودِ. وَانْظُرْ لِتَفْصِيل ذَلِكَ مُصْطَلَحَ: (تَزَيُّنٌ) . وَيُكْرَهُ تَبَذُّل الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَالرَّجُل لِزَوْجَتِهِ؛ ذَلِكَ لأَِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَزَيَّنَ لِلآْخَرِ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (٣) وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْل الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (٤) فَالْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ حَقٌّ
_________
(١) حديث: " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله. . . " أخرجه أبو داود، (١ / ٣٨١ - ط عزت عبيد الدعاس) وقال النووي في المجموع (٤ / ١٩٩ - ط إدارة الطباعة المنيرية) إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
(٢) ابن عابدين ١ / ٥٤٥، ٥٥٦ والمهذب في فقه الإمام الشافعي ١ / ١٢٠، ١٢٦، وروضة الطالبين ٢ / ٤٥، ٧٦، وحاشية الجمل على شرح المنهج ٢ / ٣٧ - ٣٨، ٤٦ - ٤٧، ٩٨ - ٩٩، والشرح الكبير ١ / ٣٨١، ٣٩٨، وجواهر الإكليل ١ / ٩٦، ١٠٣، والمغني لابن قدامة ٢ / ٣٤٥ - ٣٤٨، ٣٧٠، والإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل ١ / ١٩٧، ٢٠٠، وكشاف القناع عن متن الإقناع ٢ / ٤٢، ٥١ - ٥٢ م النصر الحديثة، ونزهة المتقين شرح رياض الصالحين من كلام سيد المرسين للنووي ٢ / ٨٢٧ - ٨٢٨.
(٣) سورة النساء / ١٩.
(٤) سورة البقرة / ٢٢٨.
لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الآْخَرِ، وَمِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَتَزَيَّنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، فَكَمَا يُحِبُّ الزَّوْجُ أَنْ تَتَزَيَّنَ لَهُ زَوْجَتُهُ. فَكَذَلِكَ هِيَ تُحِبُّ أَنْ يَتَزَيَّنَ لَهَا. قَال أَبُو زَيْدٍ: تَتَّقُونَ اللَّهَ فِيهِنَّ كَمَا عَلَيْهِنَّ أَنْ يَتَّقِينَ اللَّهَ فِيكُمْ. وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: " إِنِّي لأَُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُول: ﴿وَلَهُنَّ مِثْل الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ .
وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَلْبَسُ الثِّيَابَ النَّفِيسَةَ وَيَقُول: إِنَّ لِي نِسَاءً وَجَوَارِي، فَأُزَيِّنُ نَفْسِي كَيْ لاَ يَنْظُرْنَ إِلَى غَيْرِي. وَقَال أَبُو يُوسُفَ: يُعْجِبُنِي أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي امْرَأَتِي، كَمَا يُعْجِبُهَا أَنْ أَتَزَيَّنَ لَهَا. (١)
وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيل مُصْطَلَحَ (زِينَةٌ) .
كَمَا يُكْرَهُ التَّبَذُّل فِي الصَّلاَةِ عَدَا مَا كَانَ مِنْهُ فِي صَلاَةِ الاِسْتِسْقَاءِ عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ بَيَانُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُصَلِّي فَرْدًا أَمْ فِي جَمَاعَةٍ، إِمَامًا كَانَ أَمْ
_________
(١) فتح القدير ٤ / ٢٠٠ دار صادر، وابن عابدين ٢ / ١١٣، ٥٣٧، ٦٥٢، ٣ / ١٨٨، ٥ / ٢٣٩، ٢٧١، ٢٧٤، ٤٨١ - ٤٨٢، وروضة الطالبين ٧ / ٣٤٤، والمهذب في فقه الإمام الشافعي ٢ / ٦٧ - ٦٨، وحاشية الجمل على شرح المنهج ٤ / ٢٨٠، وقليوبي على منهاج الطالبين ٣ / ٢٥٢، ٤ / ٧٣، وجواهر الإكليل ١ / ٣٢٨ - ٣٢٩، وكشاف القناع عن متن الإقناع ٥ / ١٨٤ - ١٨٥ م النصر الحديثة، والمغني لابن قدامة ٧ / ١٨ م الرياض الحديثة، وشرح منتهى الإرادات ٣ / ٩٢، ٩٦، ومصنف عبد الرزاق ٣ / ١٤٦.
مَأْمُومًا، كَأَنْ يَلْبَسَ الْمُصَلِّي ثَوْبًا يَزْرِي بِهِ. (١)
وَذَلِكَ لأَِنَّ مُرِيدَ الصَّلاَةِ يَعُدُّ نَفْسَهُ لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ، وَلِذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَرْتَدِيَ أَكْمَل ثِيَابِهِ وَأَحْسَنَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُل مَسْجِدٍ﴾ (٢) وَهَذِهِ الآْيَةُ وَإِنْ كَانَ نُزُولُهَا فِيمَنْ كَانَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا إِلاَّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لاَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَالْمُرَادُ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ عِنْدَ الصَّلاَةِ بِمَا لاَ يَصِفُ الْبَشَرَةَ وَيُخِل بِالصَّلاَةِ، وَالرَّجُل وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. (٣)
٦ - وَيَكُونُ التَّبَذُّل مُبَاحًا فِي غَيْرِ الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ، كَمَنْ يَلْبَسُ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ فِي عَمَلِهِ أَوْ شُئُونِهِ الْخَاصَّةِ.
٧ - أَمَّا التَّبَذُّل بِمَعْنَى عَدَمِ التَّصَاوُنِ، فَهُوَ مَذْمُومٌ شَرْعًا لإِخْلاَلِهِ بِالْمُرُوءَةِ، وَلأَِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى عَدَمِ قَبُول الشَّهَادَةِ. وَهُوَ حَرَامٌ إِنْ كَانَ عَدَمُ التَّصَاوُنِ عَنِ الْمَعَاصِي وَتَفْصِيلُهُ فِي (الشَّهَادَةِ) .
تَبْذِيرٌ
اُنْظُرْ: إِسْرَافٌ.
_________
(١) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٧ / ١٩٥ - ١٩٧، وكشاف القناع عن متن الإقناع ١ / ٢٧٩ م النصر الحديثة.
(٢) سورة الأعراف / ٣١.
(٣) المهذب في فقه الإمام الشافعي ١ / ٧١، ونهاية المحتاج ٢ / ٥، وقليوبي وعميرة ١ / ١٧٦، وكشاف القناع عن متن الإقناع ١ / ٢٦٣ - ٢٦٤، ٢٨٦ م النصر الحديثة.
تِبْرٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - التِّبْرُ لُغَةً: الذَّهَبُ كُلُّهُ.
وَقَال ابْنُ الأَْعْرَابِيِّ: التِّبْرُ: الْفُتَاتُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَبْل أَنْ يُصَاغَا، فَإِذَا صِيغَا، فَهُمَا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ.
وَقَال الْجَوْهَرِيُّ: التِّبْرُ: مَا كَانَ مِنَ الذَّهَبِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ. فَإِذَا ضُرِبَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَيْنٌ، وَلاَ يُقَال: تِبْرٌ إِلاَّ لِلذَّهَبِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُهُ لِلْفِضَّةِ أَيْضًا. (١)
وَقِيل: يُطْلَقُ التِّبْرُ عَلَى غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. كَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ.
وَاصْطِلاَحًا: اسْمٌ لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَبْل ضَرْبِهِمَا، أَوْ لِلأَْوَّل فَقَطْ، (٢) وَالْمُرَادُ الأَْعَمُّ.
_________
(١) لسان العرب المحيط، والمصباح المنير مادة: " تبر ".
(٢) حاشية ابن عابدين ٤ / ٣١٠، وجواهر الإكليل ٢ / ١٧١. وحاشية قليوبي على شرح المنهاج ٣ / ٥٢.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالتِّبْرِ:
الرِّبَا فِي التِّبْرِ:
٢ - أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلاَّ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إِلاَّ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئًا غَائِبًا بِنَاجِزٍ (١) وَخَبَرِ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَمِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا. (٢)
كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَسْكُوكَهُ، وَتِبْرَهُ، وَمَصُوغَهُ سَوَاءٌ فِي مَنْعِ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا؛ لِمَا رَوَاهُ عُبَادَةُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ مُدْيٌ بِمُدْيٍ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُدْيٌ
_________
(١) حديث " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل. . . " أخرجه البخاري الفتح (٤ / ٣٨٠ ط السلفية) ومسلم (٣ / ١٢٠٨ ط الحلبي) .
(٢) حديث " الذهب بالذهب وزنا بوزن، ومثلا بمثل، والفضة. . . " رواه مسلم (٣ / ١٢١٢ ط الحلبي) .
بِمُدْيٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى. (١) وَلاَ بَأْسَ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ، وَالْفِضَّةُ أَكْثَرُهُمَا، يَدًا بِيَدٍ، وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلاَ، وَلاَ بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ، وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا، يَدًا بِيَدٍ، وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلاَ.
وَلِعُمُومِ الأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِهَذَا الْخُصُوصِ (٢) . .
الزَّكَاةُ فِي تِبْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ:
٣ - الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ إِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا نُقُودًا أَوْ تِبْرًا فَفِيهِ الزَّكَاةُ، إِذَا بَلَغَ نِصَابًا وَحَال عَلَيْهِ الْحَوْل. (٣) ر: (زَكَاةٌ: زَكَاةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) .
جَعْل التِّبْرِ رَأْسَمَالٍ فِي الشَّرِكَاتِ:
٤ - يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التِّبْرُ رَأْسَ مَالٍ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ إِنْ تَعَامَل النَّاسُ بِهِ - أَيْ بِاسْتِعْمَالِهِ ثَمَنًا - فَيُنَزَّل التَّعَامُل حِينَئِذٍ مَنْزِلَةَ الضَّرْبِ، فَيَكُونُ
_________
(١) حديث " الذهب بالذهب تبرها وعينها. . . " أخرجه أبو داود (٣ / ٦٤٤ - ٦٤٦ ط عزت عبيد دعاس) وأصله في صحيح مسلم (٣ / ١٢١٠ ط الحلبي) .
(٢) الاختيار ٢ / ٣٩ ط دار المعرفة، وبداية المجتهد ٢ / ١٣٨، ١٣٩، وشرح روض الطالب ٢ / ١٢٢ ط الرياض، والمغني لابن قدامة ٤ / ١٠، ١١ ط الرياض.
(٣) فتح الباري ٣ / ٢١٠، وانظر تفسير القرطبي والطبري، وأحكام القرآن للجصاص، كلهم في تفسير الآيتين ٣٤، ٣٥ من سورة التوبة.