الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠ الصفحة 18

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠

جَمِيعِهِ لأَِنَّ الْمَعَرَّةَ عَنْهُ لَمْ تَزُل بِعَفْوِ صَاحِبِهِ، وَلَيْسَ لِلْعَافِي الطَّلَبُ بِهِ؛ لأَِنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ.

وَكَذَلِكَ بِالْعَفْوِ عَنْ بَعْضِهِ لاَ يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْهُ.

وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ جَوَازُ التَّبْعِيضِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ جَلَدَاتٌ مَعْرُوفَةُ الْعَدَدِ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّ الشَّخْصَ لَوْ عَفَا بَعْدَ جَلْدِ بَعْضِهَا، سَقَطَ مَا بَقِيَ مِنْهَا، فَكَذَلِكَ إِذَا أَسْقَطَ مِنْهَا فِي الاِبْتِدَاءِ قَدْرًا مَعْلُومًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ عَفَا بَعْضُ مُسْتَحِقِّي حَدِّ الْقَذْفِ عَنْ حَقِّهِ يَسْقُطُ نَصِيبُ الْعَافِي، وَيُسْتَوْفَى الْبَاقِي؛ لأَِنَّهُ مُتَوَزِّعٌ.

وَهُنَاكَ وَجْهٌ ثَالِثٌ لِلشَّافِعِيَّةِ: أَنْ يَسْقُطَ جَمِيعُ الْحَدِّ كَالْقِصَاصِ. (١)

وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلاَ يَتَأَتَّى عِنْدَهُمْ هَذَا؛ لأَِنَّ الْغَالِبَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ عِنْدَهُمْ حَقُّ اللَّهِ، فَلاَ يَسْقُطُ كُلُّهُ وَلاَ بَعْضُهُ بِالْعَفْوِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَكَذَا إِذَا عَفَا قَبْل الرَّفْعِ إِلَى الْقَاضِي. (٢)

تَبْعِيضُ الصَّدَاقِ:

٣٦ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الصَّدَاقِ مُعَجَّلًا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا؛ لأَِنَّهُ عِوَضٌ فِي

_________

(١) الحطاب ٦ / ٣٠٥، وروضة الطالبين ٨ / ٣٢٦، والمغني ٨ / ٢٣٤، والأشباه والنظائر للسيوطي ص ١٤٤.

(٢) ابن عابدين ٣ / ١٧٣.

عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَجَازَ ذَلِكَ فِيهِ كَالثَّمَنِ (١) . وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (أَجَلٌ، مَهْرٌ)

وَأَمَّا تَنْصِيفُ الصَّدَاقِ بِالطَّلاَقِ قَبْل الدُّخُول وَالْخَلْوَةِ، وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ فَفِيهِ أَوْجُهٌ وَتَفْصِيلٌ يُذْكَرُ فِي مَوَاطِنِهِ، وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (مَهْرٌ) .

التَّبْعِيضُ فِي الطَّلاَقِ:

٣٧ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَتَبَعَّضُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَهْل الْحِجَازِ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَهْل الْعِرَاقِ؛ وَذَلِكَ لأَِنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لاَ يَتَبَعَّضُ ذِكْرٌ لِجَمِيعِهِ، فَذِكْرُ بَعْضِ الطَّلاَقِ كَذِكْرِ كُلِّهِ، وَجُزْءُ الطَّلْقَةِ وَلَوْ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ تَطْلِيقَةٌ. وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ سَوَاءٌ أَبْهَمَ: بِأَنْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ بَعْضَ طَلْقَةٍ.، أَوْ بَيَّنَ فَقَال: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ، أَوْ رُبُعَ طَلْقَةٍ، وَهَكَذَا؛ لأَِنَّ ذِكْرَ مَا لاَ يَتَبَعَّضُ ذِكْرٌ لِجَمِيعِهِ.

التَّبْعِيضُ فِي الْمُطَلَّقَةِ:

٣٨ - إِذَا أَضَافَ الطَّلاَقَ إِلَى جُزْءٍ مِنْهَا: سَوَاءٌ أَضَافَهُ إِلَى بَعْضِهَا شَائِعًا وَأَبْهَمَ فَقَال: بَعْضُكِ وَجُزْؤُكِ طَالِقٌ.، أَوْ نَصَّ عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ

_________

(١) ابن عابدين ٢ / ٣٥٨، ٣٥٩، والمغني ٦ / ٦٩٣، ٦٩٤، والحطاب ٣ / ٥٠٩، ٥١٣، ٥١٤، وروضة الطالبين ٧ / ٢٥٩، وأسنى المطالب ٣ / ٢٠٢.

كَالنِّصْفِ وَالرُّبُعِ، أَوْ أَضَافَهُ إِلَى عُضْوٍ: بَاطِنًا كَانَ كَالْكَبِدِ وَالْقَلْبِ، أَوْ ظَاهِرًا كَالْيَدِ وَالرِّجْل، طَلُقَتْ كُلُّهَا عِنْدَ الأَْئِمَّةِ الثَّلاَثَةِ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ - مَا عَدَا زُفَرَ - فَفَرَّقُوا بَيْنَ إِضَافَةِ الطَّلاَقِ إِلَى جُمْلَتِهَا، أَوْ إِلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا كَالرَّقَبَةِ، أَوِ الْعُنُقِ أَوِ الرُّوحِ، أَوِ الْبَدَنِ أَوِ الْجَسَدِ، أَوْ إِلَى جُزْءٍ شَائِعٍ كَنِصْفِهَا أَوْ ثُلُثِهَا، وَبَيْنَ إِضَافَتِهِ إِلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْجُمْلَةِ كَالْيَدِ وَالرِّجْل حَيْثُ تَطْلُقُ فِي الْحَالَةِ الأُْولَى دُونَ الثَّانِيَةِ. (١)

وَالتَّبْعِيضُ فِي الطَّلاَقِ مِنْ فُرُوعِ قَاعِدَةِ " مَا لاَ يَقْبَل التَّبْعِيضَ فَاخْتِيَارُ بَعْضِهِ كَاخْتِيَارِ كُلِّهِ، وَإِسْقَاطُ بَعْضِهِ كَإِسْقَاطِ كُلِّهِ ".

التَّبْعِيضُ فِي الْوَصِيَّةِ:

٣٩ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّبْعِيضِ فِي الْوَصِيَّةِ، إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ شَائِعٍ. كَمَنْ أَوْصَى بِجُزْءٍ أَوْ سَهْمٍ مِنْ مَالِهِ، فَالْبَيَانُ إِلَى الْوَرَثَةِ يُقَال لَهُمْ: أَعْطُوهُ شَيْئًا؛ لأَِنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَل الْقَلِيل وَالْكَثِيرَ، وَالْوَصِيَّةُ لاَ تَمْتَنِعُ

_________

(١) ابن عابدين ٢ / ٤٣٥، ٤٣٦، ٤٣٧، والحطاب ٤ / ٦٢، ٦٥، وروضة الطالبين ٨ / ٦٣، ٦٤، ٨٥، ٨٦، والمغني ٧ / ٢٤٢، ٢٤٣، والأشباه والنظائر لابن نجيم / ٧٤.

بِالْجَهَالَةِ وَمِثْلُهُ الْحَظُّ، وَالشِّقْصُ، وَالنَّصِيبُ، وَالْبَعْضُ (لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ حَقِيقَتُهَا تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِي جُزْءٍ مِنْ حُقُوقِهِ) . (١)

كَذَلِكَ إِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ: كَمَنْ أَوْصَى بِقُطْنِهِ لِرَجُلٍ، وَبِحَبِّهِ لآِخَرَ، أَوْ أَوْصَى بِلَحْمِ شَاةٍ مُعَيَّنَةٍ لِرَجُلٍ وَبِجِلْدِهَا لآِخَرَ، أَوْ أَوْصَى بِحِنْطَةٍ فِي سُنْبُلِهَا لِرَجُلٍ، وَبِالتِّبْنِ لآِخَرَ.

جَازَتِ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا، وَعَلَى الْمُوصَى لَهُمَا أَنْ يَدُوسَا الْحَبَّ، أَوْ يَسْلُخَا الشَّاةَ، أَوْ يَحْلِجَا الْقُطْنَ. وَلَوْ بَانَتِ الشَّاةُ حَيَّةً فَأُجْرَةُ الذَّبْحِ عَلَى صَاحِبِ اللَّحْمِ خَاصَّةً؛ لأَِنَّ التَّذْكِيَةَ لأَِجْل اللَّحْمِ لاَ الْجِلْدِ. (٢)

وَفِي الْمُغْنِي: إِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخَاتَمٍ وَلآِخَرَ بِفَصِّهِ صَحَّ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الاِنْتِفَاعُ بِهِ إِلاَّ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَأَيُّهُمَا طَلَبَ قَلْعَ الْفَصِّ مِنَ الْخَاتَمِ أُجِيبَ إِلَيْهِ، وَأُجْبِرَ الآْخَرُ عَلَيْهِ. (٣)

التَّبْعِيضُ فِي الْعِتْقِ:

٤٠ - مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا مَمْلُوكًا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَاقِيهِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ:

_________

(١) ابن عابدين ٥ / ٤٢٩، والحطاب ٦ / ٣٦٤، وروضة الطالبين ٦ / ١١٢، والمغني ٦ / ٦٣، ٦٤.

(٢) ابن عابدين ٥ / ٤٢٩.

(٣) ابن عابدين ٥ / ٤٢٥، والحطاب ٦ / ٣٧٢، والمغني ٦ / ٦٤، وروضة الطالبين ٦ / ١٥٠.

فَفِي الْحَالَةِ الأُْولَى:

ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الإِْعْتَاقَ لاَ يَتَجَزَّأُ وَلاَ يَتَبَعَّضُ بِالتَّبْعِيضِ؛ لأَِنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ السِّرَايَةَ، فَمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ مَمْلُوكٍ لَهُ، فَإِنَّهُ يَسْرِي الْعِتْقُ إِلَى بَاقِيهِ.

وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْتَقَ جُزْءًا مُعَيَّنًا كَرَأْسِهِ أَوْ ظَهْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ، أَوْ جُزْءًا مُشَاعًا كَنِصْفِهِ، أَوْ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ، عَتَقَ الرَّقِيقُ كُلُّهُ. (١)

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الإِْعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ، سَوَاءٌ كَانَ بَاقِيهِ لَهُ، أَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا. (٢)

٤١ - وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ: وَهِيَ مَا إِذَا كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا، وَأَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ أَوْ بَعْضَهَا، فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ تَبَعًا لِكَوْنِ الْمُعْتِقِ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا:

فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ ﵃: عَتَقَ مَا عَتَقَ وَيَبْقَى الْبَاقِي رَقِيقًا (٣) . وَبِهِ قَال الْبَتِّيُّ: وَاسْتَدَل بِمَا رَوَى

_________

(١) بدائع الصنائع ٤ / ٨٦، وفتح القدير ٤ / ٢٥٥، وابن عابدين ٣ / ١٥، والحطاب ٦ / ٣٣٦، وروضة الطالبين ١٢ / ١١٠، ١١١، وكشاف القناع ٤ / ٥١٥، ٥١٦، والمغني ٩ / ٣٣٥، ٣٣٦.

(٢) فتح القدير ٤ / ٣٥٥، وبدائع الصنائع ٤ / ٨٦، وابن عابدين ٣ / ١٥.

(٣) بدائع الصنائع ٤ / ٨٦، والمغني ٩ / ٣٣٦.

ابْنُ التَّلْبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ فَلَمْ يَضْمَنْهُ النَّبِيُّ ﷺ. (١)

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْمُعْتِقَ إِنْ كَانَ مُوسِرًا عَتَقَ كُلَّهُ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ بَاقِيهِ لِشَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبَهُ فَقَطْ وَلاَ يَسْرِي إِلَى بَاقِيهِ وَلَوْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ. (٢) لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ شِرْكًا، أَوْ قَال: نَصِيبًا، وَكَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْل فَهُوَ عَتِيقٌ، وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ. (٣)

وَهَذَا قَوْل إِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ جَرِيرٍ.

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ إِلاَّ الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةُ مَعَ الإِْعْسَارِ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالأَْوْزَاعِيِّ (٤) . لِمَا رَوَى

_________

(١) حديث: " أن رجلا أعتق نصيا له. . . " أخرجه أبو داود ٤ / ٢٥٩ ط عزت عبيد دعاس وحسنه ابن حجر في الفتح ٥ / ١٥٩ ط السلفية.

(٢) الحطاب ٦ / ٣٣٦، وروضة الطالببن ١٢ / ١١٢، وكشاف القناع ٤ / ٥١٥، ٥١٦، والمغني ٩ / ٣٤١، ٣٣٦.

(٣) حديث: " من أعتق شقصا له من عبد أو شركا نصيبا. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٥ / ١٣٢ ط السلفية) ومسلم (٣ / ١٢٨٦ ط الحلبي) من حديث ابن عمر.

(٤) فتح القدير ٤ / ٢٦٠، وبدائع الصنائع ٤ / ٨٦، والمغني ٩ / ٣٤١.

أَبُو هُرَيْرَةَ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَعْتَقَ شُقَيْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهُ كُلَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلاَّ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ (١)

وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ. (٢)

وَقَال بَعْضُهُمْ: يُعْتَقُ كُلُّهُ، وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ إِلاَّ الضَّمَانُ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ زُفَرَ وَبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ (٣) .

_________

(١) حديث: " من أعتق شقيصا له في عبد مملوك، فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال. . . " أخرجه أبو داود (٤ / ٢٥٤ ط عزت عبيد دعاس) وأصله في صحيح البخاري (الفتح ٥ / ١٥٦ ط السلفية) .

(٢) فتح القدير ٤ / ٢٥٩.

(٣) بدائع الصنائع ٤ / ٨٦، وفتح القدير ٤ / ٢٦٣.

تَبَعِيَّةٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - التَّبَعِيَّةُ: كَوْنُ الشَّيْءِ مُرْتَبِطًا بِغَيْرِهِ بِحَيْثُ لاَ يَنْفَكُّ عَنْهُ. وَالتَّابِعُ: هُوَ التَّالِي الَّذِي يَتْبَعُ غَيْرَهُ، كَالْجُزْءِ مِنَ الْكُل، وَالْمَشْرُوطِ لِلشَّرْطِ. وَلاَ يَخْرُجُ الاِسْتِعْمَال الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الاِسْتِعْمَال اللُّغَوِيِّ (١) .

أَقْسَامُ التَّبَعِيَّةِ:

التَّبَعِيَّةُ قِسْمَانِ:

٢ - الْقِسْمُ الأَْوَّل: مَا اتَّصَل بِالْمَتْبُوعِ فَيُلْحَقُ بِهِ. لِتَعَذُّرِ انْفِرَادِهِ عَنْهُ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الْقِسْمِ: ذَكَاةُ الْجَنِينِ فَإِنَّهَا تَحْصُل بِذَكَاةِ أُمِّهِ تَبَعًا لَهَا، عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَالصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، خِلاَفًا لِلإِْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ (٢) . وَذَلِكَ بِشُرُوطٍ وَتَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (ذَبَائِحُ) .

_________

(١) انظر في لسان العرب مادة: " تبع "، والصحاح وتاج العروس، والمصباح المنير، والكليات ٢ / ١٠٤ - ١٠٥ ط دار الكتب الثقافية - دمشق، والحموي على ابن نجيم ١ / ١٥٤ ط العامرة.

(٢) ابن عابدين ٣ / ١٤، ٥ / ١٩٣، وجواهر الإكليل ١ / ٢١٦ ط دار المعرفة، والدسوقي مع الشرح الكبير ٢ / ١١٤ ط. الفكر، وحاشية البجيرمي على الخطيب ٤ / ٢٥٥ ط. دار المعرفة، وكشاف القناع ٦ / ٢٠٩ - ٢١٠.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا: الْحَمْل، فَإِنَّهُ لاَ يُفْرَدُ فِي الْبَيْعِ، بَل يَتْبَعُ الأُْمَّ بِلاَ خِلاَفٍ. (١)

٣ - الْقِسْمُ الثَّانِي:

مَا انْفَصَل عَنْ مَتْبُوعِهِ وَالْتَحَقَ بِهِ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الْقِسْمِ: الصَّبِيُّ إِذَا أُسِرَ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَحْوَالٍ:

الأُْولَى: أَنْ يُسْبَى الصَّبِيُّ مُنْفَرِدًا عَنْ أَبَوَيْهِ، فَيَصِيرَ مُسْلِمًا إِجْمَاعًا؛ لأَِنَّ الدِّينَ إِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ تَبَعًا، وَقَدِ انْقَطَعَتْ بِتَبَعِيَّتِهِ لأَِبَوَيْهِ لاِنْقِطَاعِهِ عَنْهُمَا.

الثَّانِيَةُ: أَنْ يُسْبَى مَعَ أَبَوَيْهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى دِينِهِمَا (تَبَعًا) وَبِهَذَا قَال أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ.

الثَّالِثَةُ: أَنْ يُسْبَى مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ.

وَقَال مَالِكٌ: إِنْ سُبِيَ مَعَ أَبِيهِ يَتْبَعُهُ، وَإِنْ سُبِيَ مَعَ أُمِّهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ، لأَِنَّهُ لاَ يَتْبَعُهَا فِي النَّسَبِ، فَكَذَلِكَ فِي الدِّينِ.

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: مَنْ سُبِيَ مِنْ أَوْلاَدِ الْكُفَّارِ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِهِ. (٢)

_________

(١) الحموي على ابن نجيم ١ / ١٥٤ ط العامرة، والخرشي ٥ / ٧١ ط. دار صادر، والدسوقي ٣ / ٥٧ ط. الفكر، والأشباه والنظائر للسيوطي ص ١١٧ ط. العلمية، والمنثور١ / ٢٣٤ ط. الأولى، وكشاف القناع ٣ / ١٦٦ ط النصر.

(٢) المغني ٨ / ٤٢٦، والدسوقي ٢ / ١٨٤، ٢٠٠ و٤ / ٣٠٥.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا: وَلَدُ الْمُسْلِمِ، فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي الإِْسْلاَمِ، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ كَافِرَةً اتِّفَاقًا. (١) .

أَحْكَامُ التَّبَعِيَّةِ:

٤ - التَّبَعِيَّةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا جُمْلَةٌ مِنَ الأَْحْكَامِ، تَرْجِعُ كُلُّهَا إِلَى قَاعِدَةٍ فِقْهِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ (التَّابِعُ تَابِعٌ) وَمَعْنَى كَوْنِ التَّابِعِ تَابِعًا: هُوَ أَنَّ مَا كَانَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فِي الْوُجُودِ لاَ يَنْفَرِدُ بِالْحُكْمِ، بَل يَدْخُل فِي الْحُكْمِ مَعَ مَتْبُوعِهِ، فَإِذَا بِيعَ حَيَوَانٌ فِي بَطْنِهِ جَنِينٌ دَخَل الْجَنِينُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لأُِمِّهِ، وَلاَ يَجُوزُ إِفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ، وَمِثْل هَذَا الصُّوفُ عَلَى الْغَنَمِ، وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ التَّابِعُ شَيْئًا لاَ يَقْبَل الاِنْفِكَاكَ عَنْ مَتْبُوعِهِ، بِأَنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ، كَالْمِفْتَاحِ مِنَ الْقَفْل، فَإِنَّهُ يَدْخُل فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لَهُ، أَوْ كَانَ شَيْئًا جَرَى فِي عُرْفِ الْبَلَدِ أَنَّهُ مِنْ مُشْتَمِلاَتِهِ، فَإِنَّهُ يَدْخُل فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ.

فَمَثَلًا بَيْعُ الدَّارِ يَدْخُل فِيهِ الْمَطْبَخُ، وَفِي بَيْعِ حَدِيقَةِ زَيْتُونٍ تَدْخُل أَشْجَارُ الزَّيْتُونِ. (٢)

_________

(١) ابن عابدين ٣ / ٢٥٢ ط. المصرية، وحاشية الدسوقي مع الشرح الكبير ٤ / ٣٠٨ ط. الفكر، والمنثور ١ / ٢٣٩ ط. الأولى، والمغني ٨ / ١٣٩ ط الرياض.

(٢) الحموي على ابن نجيم ١ / ١٥٤ ط. العامرة، وشرح مجلة الأحكام العدلية للأتاسي ١ / ١٠٧ ط. حمص، والفروق مع تهذيب الفروق والقواعد السنية ٣ / ٢٨٣، ٢٨٧، الفرق التاسع والتسعون والمائة ط. دار المعرفة، والأشباه والنظائر للسيوطي / ١١٧ ط. العلمية، والمجموع للنووي ٩ / ٣٢٤ ط. السلفية، والمغني ٤ / ٨٨ ط. الرياض.