الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠
هَذَا، وَقَدْ فَرَّعَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى قَاعِدَةِ: (أَنَّ التَّابِعَ تَابِعٌ) عَدَدًا مِنَ الْقَوَاعِدِ ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ فِي الْمَنْثُورِ، وَالسُّيُوطِيُّ وَابْنُ نُجَيْمٍ فِي كِتَابَيْهِمَا الأَْشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهَا الْقَرَافِيُّ فِي الْفُرُوقِ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالتِّسْعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، الَّذِي فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتْبَعُ الْعَقْدَ عُرْفًا وَمَا لاَ يَتْبَعُهُ. وَتِلْكَ الْقَوَاعِدُ الْفَرْعِيَّةُ هِيَ:
أ - التَّابِعُ لاَ يُفْرَدُ بِالْحُكْمِ:
٥ - الْمُرَادُ بِالتَّابِعِ الَّذِي لاَ يُفْرَدُ بِالْحُكْمِ عَنْ مَتْبُوعِهِ هُوَ الَّذِي لاَ يُوجَدُ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ، بَل يَكُونُ وُجُودُهُ تَبَعًا لِوُجُودِ مَتْبُوعِهِ، بِأَنْ يَكُونَ جُزْءًا أَوْ كَالْجُزْءِ مِنْهُ، فَحِينَئِذٍ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا مُسْتَقِلًّا فِي الْعَقْدِ لِيَتَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ، كَالْجَنِينِ فِي بَطْنِ الْحَيَوَانِ، فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا عَنْ أُمِّهِ، وَكَحَقِّ الشُّرْبِ فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا عَنِ الأَْرْضِ. (١)
وَكَمَنْ بَاعَ دَارًا بِحُقُوقِهَا، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَتَنَاوَل أَرْضَهَا وَبِنَاءَهَا وَمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا مِمَّا هُوَ مِنْ مَصْلَحَتِهَا، كَالأَْبْوَابِ الْمَنْصُوبَةِ، دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا
_________
(١) الحموي على ابن نجيم ١ / ١٥٤، وشرح مجلة الأحكام العدلية للأتاسي ١ / ١٠٧، وتهذيب الفروق والقواعد السنية ٣ / ٢٨٨، والأشباه والنظائر للسيوطي / ١١٧.
لَيْسَ مِنْ مَصَالِحِهَا، كَالْكَنْزِ وَالأَْحْجَارِ الْمَدْفُونَةِ، لأَِنَّ ذَلِكَ مُودَعٌ فِيهَا لِلنَّقْل عَنْهَا، فَأَشْبَهَ الْفُرُشَ وَالسُّتُورَ. (١)
وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا يَسْتَقِل التَّابِعُ فِيهَا بِالْحُكْمِ عَنْ مَتْبُوعِهِ، وَمِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ: إِفْرَادُ الْحَمْل بِالْوَصِيَّةِ دُونَ أُمِّهِ بِشَرْطِ أَنْ يُولَدَ حَيًّا. لأَِقَل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَهَذَا الْقَدْرُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إِنْ أَتَتْ بِهِ لأَِكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، (٢) فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (وَصِيَّةٌ، ثُبُوتُ النَّسَبِ، وَالْمِيرَاثُ) .
ب - مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ:
٦ - تَتَنَاوَل هَذِهِ الْقَاعِدَةُ الأُْصُول الَّتِي تَدْخُل فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، وَتِلْكَ الأُْصُول تَدْخُل تَحْتَ أَصْلَيْنِ:
الأَْوَّل: كُل مَا كَانَ فِي الدَّارِ مِنْ بِنَاءٍ وَغَيْرِهِ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْبَيْعِ عُرْفًا، مِثْل مُلْحَقَاتِ الدَّارِ كَالْمَطْبَخِ وَالْحِجَارَةِ الْمُثَبَّتَةِ فِي الأَْرْضِ وَالدَّارِ لاَ الْمَدْفُونَةِ.
الثَّانِي: مَا كَانَ مُتَّصِلًا اتِّصَال قَرَارٍ، كَالشَّجَرِ
_________
(١) المغني ٤ / ٨٨.
(٢) حاشية ابن عابدين ٥ / ٤١٨، والدسوقي ٤ / ٣٧٥ - ٣٧٦ ط الفكر، وجواهر الإكليل ٢ / ٣١٧ ط. دار المعرفة. وحاشية قليوبي ٣ / ١٥٧ - ١٥٨ ط الحلبي، وكشاف القناع ٤ / ٣٥٦ ط النصر.
فَإِنَّهُ يَدْخُل فِي بَيْعِ الأَْرْضِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِلاَ ذِكْرٍ، وَعَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَيْضًا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبَيْعِ، وَنَصَّ فِي الرَّهْنِ عَلَى عَدَمِ الدُّخُول فِيمَا لَوْ رَهَنَ الأَْرْضَ وَأَطْلَقَ. وَأَمَّا الأَْصْحَابُ فَلَهُمْ فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ الإِْمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ طُرُقٌ، أَصَحُّهَا عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ (أَيْ دُخُول الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ، وَعَدَمُ دُخُولِهَا فِي الرَّهْنِ) . وَالثَّانِي: فِيهِمَا قَوْلاَنِ، وَالثَّالِثُ: الْقَطْعُ بِعَدَمِ الدُّخُول فِيهِمَا، قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَاخْتَارَهُ الإِْمَامُ وَالْغَزَالِيُّ (١) .
ج - التَّابِعُ يَسْقُطُ بِسُقُوطِ الْمَتْبُوعِ:
٧ - هَذِهِ الْقَاعِدَةُ ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ فِي الْمَنْثُورِ وَالسُّيُوطِيُّ وَابْنُ نُجَيْمٍ فِي كِتَابَيْهِمَا. (٢)
وَمُرَادُهُمْ بِالتَّابِعِ الَّذِي يَسْقُطُ بِسُقُوطِ مَتْبُوعِهِ ذَلِكَ التَّابِعُ الَّذِي يَتْبَعُ غَيْرَهُ فِي الْوُجُودِ، وَمِنَ الْفُرُوعِ الَّتِي تَذْكُرُهَا كُتُبُ الْقَوَاعِدِ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ: أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةٌ فِي أَيَّامِ الْجُنُونِ، وَقِيل بِعَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ لاَ يُسْتَحَبُّ لَهُ
_________
(١) شرح مجلة الأحكام العدلية ١ / ١١١ - ١١٢، والفروق ٣ / ٢٨٣، وروضة الطالبين ٣ / ٥٣٦ - ٥٣٧، والمغني ٤ / ٨٦ - ٨٨.
(٢) المنثور ١ / ٢٣٥ ط. الأولى، والأشباه والنظائر للسيوطي / ١١٨، والحموي على ابن نجيم ١ / ١٥٥.
قَضَاءُ سُنَنِهَا الرَّاتِبَةِ؛ لأَِنَّ الْفَرْضَ سَقَطَ فَكَذَا تَابِعُهُ.
وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِعَدَمِ الْوُقُوفِ فَتَحَلَّل بِأَفْعَال الْعُمْرَةِ، فَلاَ يَأْتِي بِالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ؛ لأَِنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلْوُقُوفِ وَقَدْ سَقَطَ.
وَمِمَّا خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: الأَْخْرَسُ الْعَاجِزُ عَنِ التَّلَفُّظِ بِالتَّكْبِيرِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَعِنْدَ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، بَل تَكْفِيهِ النِّيَّةُ، وَيُكَبِّرُ بِقَلْبِهِ؛ لأَِنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ لِلْعَاجِزِ عَنِ النُّطْقِ عَبَثٌ كَمَا قَال الْحَنَابِلَةُ، بَل قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَلَوْ قِيل بِبُطْلاَنِ الصَّلاَةِ بِذَلِكَ لَكَانَ أَقْوَى. (١)
وَمِمَّا خَرَجَ عَنْهَا أَيْضًا: إِمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الأَْقْرَعِ لِلتَّحَلُّل بِالْحَلْقِ، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَوَاجِبٌ أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ؛ لأَِنَّ الْحَلْقَ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالشَّعْرِ فَتَنْتَقِل إِلَى الْبَشَرَةِ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ بِالنَّدْبِ، وَالْحَنَابِلَةُ بِالاِسْتِحْبَابِ. (٢)
_________
(١) الحموي على ابن نجيم ١ / ١٥٥، والزرقاني ١ / ١٩٥ ط. الفكر، والدسوقي ١ / ٢٣٣، وجواهر الإكليل ١ / ٤٦، وروضة الطالبين ١ / ٢٢٩ ط. المكتب الإسلامي، والإنصاف ٢ / ٤٣ ط. التراث، وكشاف القناع ١ / ٣٣١ ط. النصر، والمغني ١ / ٤٦٣.
(٢) الحموي على ابن نجيم ١ / ١٥٥، والدسوقي ٢ / ٤٦، والأشباه والنظائر للسيوطي ص ١١٨، والإنصاف ٤ / ٣٩.
وَمِمَّا خَرَجَ عَنْهَا فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ: مَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بِوَارِثٍ ثَالِثٍ مُشَارِكٍ لَهُمَا فِي الْمِيرَاثِ لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبُ بِالإِْجْمَاعِ؛ لأَِنَّ النَّسَبَ لاَ يَتَبَعَّضُ، فَلاَ يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ دُونَ الْمُنْكِرِ، وَلاَ يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ فِي حَقِّهِمَا؛ لأَِنَّ أَحَدَهُمَا مُنْكِرٌ، وَلَمْ تُوجَدْ شَهَادَةٌ يَثْبُتُ بِهَا النَّسَبُ، وَلَكِنَّهُ يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي الْمِيرَاثِ فِي قَوْل أَكْثَرِ أَهْل الْعِلْمِ؛ لأَِنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ مَالٍ لَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلاَنِهِ، فَلَزِمَهُ الْمَال. (١)
هَذَا، وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ وَابْنُ نُجَيْمٍ قَاعِدَةً أُخْرَى قَرِيبَةً مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُمُ (الْفَرْعُ يَسْقُطُ إِذَا سَقَطَ الأَْصْل) وَجَاءَ فِي شَرْحِ الْمَجَلَّةِ: أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ مُطَّرِدَةٌ فِي الْمَحْسُوسَاتِ وَالْمَعْقُولاَتِ. فَالشَّيْءُ الَّذِي يَكُونُ وُجُودُهُ أَصْلًا لِوُجُودِ شَيْءٍ آخَرَ يَتْبَعُهُ فِي الْوُجُودِ، يَكُونُ ذَلِكَ فَرْعًا مُبْتَنِيًا عَلَيْهِ، كَالشَّجَرَةِ إِذَا ذَوَتْ ذَوَى ثَمَرُهَا، وَكَالإِْيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى أَصْلٌ وَجَمِيعُ الأَْعْمَال فُرُوعُهُ، فَإِذَا سَقَطَ الإِْيمَانُ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى - حَبَطَتِ الأَْعْمَال؛ لأَِنَّ اعْتِبَارَهَا مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ.
وَمِنْ فُرُوعِهَا قَوْلُهُمْ: إِذَا بَرِئَ الأَْصِيل بَرِئَ الضَّامِنُ، أَيِ الْكَفِيل لأَِنَّهُ فَرْعُهُ بِخِلاَفِ الْعَكْسِ. (٢)
_________
(١) الموسوعة الفقهية ٦ / ٧٥، مصطلح إقرار، ف ٦٢، وانظر المراجع المغني ٥ / ١٩٧ - ١٩٩ وابن عابدين ٤ / ٤٦٦ والدسوقي ٣ / ٤١٥ والمهذب ٢ / ٣٥٢ و٣٥٣.
(٢) الأشباه والنظائر للسيوطي ص ١١٩، والحموي على ابن نجيم ١ / ١٥٥، وشرح مجلة الأحكام العدلية للأتاسي ١ / ١١٥.
وَقَدْ يَثْبُتُ الْفَرْعُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ الأَْصْل، كَمَا لَوِ ادَّعَى الزَّوْجُ الْخُلْعَ، وَأَنْكَرَتِ الزَّوْجَةُ، ثَبَتَتِ الْبَيْنُونَةُ بِلاَ خِلاَفٍ، لأَِنَّهُ مُقِرٌّ بِمَا يُوجِبُهَا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ الْمَال الَّذِي هُوَ الأَْصْل. (١)
د - يُغْتَفَرُ فِي التَّوَابِعِ مَا لاَ يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا:
٨ - هَذِهِ الْقَاعِدَةُ ذَكَرَهَا السُّيُوطِيُّ وَابْنُ نُجَيْمٍ، وَقَرِيبٌ مِنْهَا قَوْلُهُمْ: يُغْتَفَرُ فِي الشَّيْءِ ضِمْنًا مَا لاَ يُغْتَفَرُ فِيهِ قَصْدًا، وَقَوْلُهُمْ: يُغْتَفَرُ فِي الثَّوَانِي مَا لاَ يُغْتَفَرُ فِي الأَْوَائِل، وَقَوْلُهُمْ: أَوَائِل الْعُقُودِ تُؤَكَّدُ بِمَا لاَ يُؤَكَّدُ بِهَا أَوَاخِرُهَا، وَإِنَّمَا اُغْتُفِرَ فِي ذَلِكَ لأَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلشَّيْءِ قَصْدًا شُرُوطٌ مَانِعَةٌ، وَإِذَا ثَبَتَ ضِمْنًا أَوْ تَبَعًا لِشَيْءٍ آخَرَ يَكُونُ ثُبُوتُهُ ضَرُورَةَ ثُبُوتِهِ لِمَتْبُوعِهِ أَوْ مَا هُوَ فِي ضِمْنِهِ. (٢)
وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: أَنَّ النَّسَبَ لاَ يَثْبُتُ ابْتِدَاءً بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، أَمَّا لَوْ شَهِدْنَ بِالْوِلاَدَةِ عَلَى الْفِرَاشِ يَثْبُتُ النَّسَبُ تَبَعًا، حَتَّى لَوْ كَانَتِ الشَّاهِدَةُ فِي الْوِلاَدَةِ الْقَابِلَةَ وَحْدَهَا. (٣)
_________
(١) الحموي على ابن نجيم ١ / ١٥٥، وجواهر الإكليل ١ / ٣٣٦، والأشباه والنظائر للسيوطي ص ١١٩، وكشاف القناع ٥ / ٢٣٠.
(٢) الأشباه والنظائر للسيوطي ص١٢٠ - ١٢١ ط العلمية، والحموي على ابن نجيم ١ / ١٥٦، وشرح مجلة الأحكام ١ / ١٣١.
(٣) ابن عابدين ٢ / ٦٢٦، والدسوقي ٤ / ١٨٨، والأشباه والنظائر للسيوطي ص ١٢٠، وكشاف القناع ٦ / ٤٣٦.
وَمِمَّا خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِمَّا هُوَ عَكْسُهَا: أَنَّ الْفَاسِقَ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ الْقَضَاءَ إِذَا ظُنَّ صِدْقُهُ، لَكِنْ إِذَا قُلِّدَ عَدْلٌ فَفَسَقَ فِي أَثْنَاءِ قَضَائِهِ اسْتَحَقَّ الْعَزْل، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَقِيل: إِنَّهُ يَنْعَزِل بِفِسْقِهِ؛ لأَِنَّ عَدَالَتَهُ فِي مَعْنَى الْمَشْرُوطَةِ، فَقَدْ جَازَ تَقْلِيدُهُ ابْتِدَاءً وَلَمْ يَجُزِ انْتِهَاءً فِي وِلاَيَتِهِ، فَلَمَّا زَالَتْ عَدَالَتُهُ زَالَتْ وِلاَيَتُهُ. (١)
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ غَيْرَ الْعَدْل لاَ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ وَلاَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ، لَكِنْ قَال مَالِكٌ: لاَ أَرَى خِصَال الْقُضَاةِ تَجْتَمِعُ الْيَوْمَ فِي أَحَدٍ، فَإِنِ اجْتَمَعَ مِنْهَا خَصْلَتَانِ فِي وَاحِدٍ وَهِيَ الْعِلْمُ وَالْوَرَعُ وُلِّيَ.
وَقَال الْقَرَافِيُّ: إِنْ لَمْ يُوجَدْ عَدْلٌ وُلِّيَ أَمْثَل الْمَوْجُودِينَ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَلاَ يَصِحُّ عِنْدَهُمْ تَوْلِيَةُ الْفَاسِقِ الْقَضَاءَ. (٢)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ تَعَذَّرَ جَمْعُ الشُّرُوطِ فِي رَجُلٍ فَوَلَّى سُلْطَانٌ لَهُ شَوْكَةٌ فَاسِقًا نَفَذَ قَضَاؤُهُ لِلضَّرُورَةِ؛ لِئَلاَّ تَتَعَطَّل مَصَالِحُ النَّاسِ (٣) .
وَقَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: لَمَّا كَانَ تَصَرُّفُ الْقُضَاةِ أَعَمَّ مِنْ تَصَرُّفِ الأَْوْصِيَاءِ (الَّذِينَ
_________
(١) الهداية وفتح القدير ٥ / ٤٥٤، ٤٥٥ ط بولاق: ١٣١٦ هـ، وشرح مجلة الأحكام ١ / ١٣٤.
(٢) الدسوقي ٤ / ١٢٩، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٢١ ط دار المعرفة.
(٣) انظر شرح المحلي على المنهاج وحاشيتي القليوبي وعميرة ٤ / ٢٩٧.
يُشْتَرَطُ فِيهِمُ الْعَدَالَةُ) وَأَخَصَّ مِنْ تَصَرُّفِ الأَْئِمَّةِ (وَفِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِيهِمُ اخْتِلاَفٌ) اُخْتُلِفَ فِي إِلْحَاقِهِمْ بِالأَْئِمَّةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَهُمْ بِالأَْئِمَّةِ؛ لأَِنَّ تَصَرُّفَهُمْ أَعَمُّ مِنْ تَصَرُّفِ الأَْوْصِيَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَهُمْ بِالأَْوْصِيَاءِ؛ لأَِنَّ تَصَرُّفَهُمْ أَخَصُّ مِنْ تَصَرُّفِ الأَْئِمَّةِ. (١)
هـ - التَّابِعُ لاَ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَتْبُوعِ:
٩ - مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ تَقَدُّمُ الْمَأْمُومِ عَلَى إِمَامِهِ فِي تَكْبِيرَةِ الاِفْتِتَاحِ، وَلاَ فِي غَيْرِهَا مِنَ الأَْرْكَانِ، لِحَدِيثِ: إِنَّمَا جُعِل الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا. . . إِلَخْ الْحَدِيثِ. (٢)
و التَّابِعُ لاَ يَكُونُ لَهُ تَابِعٌ:
١٠ - مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: لَوْ قَطَعَ شَخْصٌ الأَْصَابِعَ وَحْدَهَا فِي جِنَايَةٍ وَجَبَتِ الدِّيَةُ، فَإِنْ قَطَعَ الْيَدَ مِنَ الْكُوعِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنَ الدِّيَةِ، وَيُجْعَل الْكَفُّ تَبَعًا لِلأَْصَابِعِ، وَإِنْ قَطَعَ زِيَادَةً
_________
(١) قواعد الأحكام ١ / ٦٨.
(٢) الحموي على ابن نجيم ١ / ١٥٥ ط، العامرة، وابن عابدين ١ / ٣٠٢ - ٣٠٣، وجواهر الإكليل ١ / ٨٢، وروضة الطالبين ١ / ٣٦٩ - ٣٧٣، والمنثور ١ / ٢٣٦، والأشباه والنظائر للسيوطي ص ١١٩ - ١٢٠، والإنصاف ٢ / ٢٣٤ ط. التراث، وكشاف القناع ١ / ٤٦٤ - ٤٦٥. وحديث: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٢ / ٥٨٤ ط السلفية) .
عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُجْعَل تَبَعًا، بَل يَلْزَمُهُ لِلزِّيَادَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ عَلَى قَدْرِهَا؛ لأَِنَّ التَّابِعَ لاَ يَكُونُ لَهُ تَابِعٌ. (١)
وَمِمَّا خَرَجَ عَنْهَا تَوْكِيل الْوَكِيل غَيْرَهُ دُونَ الرُّجُوعِ إِلَى مُوَكِّلِهِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ لِلْوَكِيل أَنْ يُوَكِّل فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ فِيمَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ فِيهِ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ أَصِيلٌ فِيهَا، فَلَهُ أَنْ يُوَكِّل فِيهَا بِلاَ إِذْنِ مُوَكِّلِهِ.
وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ الْوَكِيل الْمُفَوَّضِ وَغَيْرِ الْمُفَوَّضِ، وَذَكَرُوا أَنَّ الْوَكِيل الْمُفَوَّضَ لَهُ أَنْ يُوَكِّل عَلَى الأَْظْهَرِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُفَوَّضِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّل فِيمَا وُكِّل فِيهِ بِلاَ إِذْنٍ، إِلاَّ فِي حَالَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَلاَّ يَلِيقَ الْفِعْل بِهِ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكْثُرَ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ وَحْدَهُ.
وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ: أَنَّ الْوَكِيل لَوْ وُكِّل فِيمَا وُكِّل فِيهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ مُوَكِّلُهُ، نُظِرَ: إِنْ كَانَ أَمْرًا يَتَأَتَّى لَهُ الإِْتْيَانُ بِهِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوَكَّل فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ، لِكَوْنِهِ لاَ يُحْسِنُهُ، أَوْ لاَ يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ، فَلَهُ التَّوْكِيل عَلَى الصَّحِيحِ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ مِثْلِهِ الاِسْتِنَابَةُ.
_________
(١) المنثور ١ / ٢٣٧ ط الأولى، وابن عابدين ٥ / ٣٧١ ط. المصرية، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٧٠ ط. دار المعرفة، وروضة الطالبين ٩ / ٢٨٢ ط المكتب الإسلامي، وكشاف القناع ٦ / ٤٦ ط. النصر.
وَالْمَذْهَبُ الَّذِي عَلَيْهِ الأَْصْحَابُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْوَكِيل لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّل فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلُهُ بِنَفْسِهِ، وَنُقِل عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ الْجَوَازُ. (١)
وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَكَالَةٌ) .
ز - الْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْمَتْبُوعِ لاَ التَّابِعِ:
١١ - فَمَنْ كَانَ تَابِعًا لِغَيْرِهِ، كَالزَّوْجَةِ التَّابِعَةِ لِزَوْجِهَا، وَالْجُنْدِيِّ التَّابِعِ لِقَائِدِهِ، فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّفَرِ الَّذِي يُبِيحُ لَهُمَا الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ نِيَّةُ الْمَتْبُوعِ دُونَ التَّابِعِ؛ لأَِنَّ نِيَّةَ الْمَتْبُوعِ تَنْسَحِبُ عَلَى التَّابِعِ، فَيُعْطَى حُكْمَهُ، فَتَتْبَعُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا، وَالْجُنْدِيُّ قَائِدَهُ، هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ: فَهُمْ كَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي جَعْلِهِمْ نِيَّةَ الزَّوْجَةِ تَابِعَةً لِنِيَّةِ الزَّوْجِ، وَخَالَفُوهُمْ فِي نِيَّةِ الْجُنْدِيِّ فَلَمْ يَجْعَلُوهَا تَابِعَةً لِنِيَّةِ الأَْمِيرِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ تَحْتَ يَدِهِ وَقَهْرِهِ. (٢)
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَمْ يَعْرِضُوا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا. اُطُّلِعَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَاجِعَ. (٣)
_________
(١) ابن عابدين ٤ / ٤١٠، وجواهر الإكليل ٢ / ١٢٨ - ١٢٩، وروضة الطالبين ٤ / ٣١٣ - ٣١٤، والإنصاف ٥ / ٣٦٢.
(٢) ابن عابدين ١ / ٥٣٣ - ٥٣٤، وروضة الطالبين ١ / ٣٨٦، وكشاف القناع ١ / ٥٠٥.
(٣) مواهب الجليل ٢ / ١٣٩ - ١٥٨ ط النجاح، والمدونة ١ / ١١٨ - ١٢٣ ط دار صادر، والدسوقي ١ / ٣٥٨ - ٣٧٣ ط الفكر، وجواهر الإكليل ١ / ٨٨ - ٩٣ ط دار المعرفة، والعدوي على الرسالة ١ / ٣٢١ - ٣٢٥ ط دار المعرفة.