الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠ الصفحة 17

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠

ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ بَعْضُهُ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ عَنِ الْبَعْضِ، أَمَّا إِنْ كَانَ مُتَمَيِّزًا عَنِ الْبَعْضِ، بِأَنِ اشْتَرَى دَارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ إِحْدَاهُمَا دُونَ الأُْخْرَى، وَكَانَ شَفِيعًا لَهُمَا أَوْ لإِحْدَاهُمَا دُونَ الأُْخْرَى. فَاخْتَلَفَ الأَْئِمَّةُ عَلَى آرَاءٍ وَأَقْوَالٍ. (١) مَوْطِنُهَا كِتَابُ (الشُّفْعَةِ) .

التَّبْعِيضُ فِي السَّلَمِ:

٢٤ - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ تَسْلِيمِ رَأْسِ مَال السَّلَمِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، فَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْل قَبْضِهِ بَطَل الْعَقْدُ عِنْدَهُمْ. وَأَمَّا لَوْ تَفَرَّقَا قَبْل قَبْضِ بَعْضِهِ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: يَبْطُل فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالثَّوْرِيِّ.

وَأَمَّا الْحُكْمُ فِي الْمَقْبُوضِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ بِقِسْطِهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ طَرِيقَانِ، وَكَلاَمُ الْخِرَقِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ يَقْتَضِي أَلاَّ يَصِحَّ؛ لِقَوْلِهِ: وَيُقْبَضُ الثَّمَنُ كَامِلًا وَقْتَ السَّلَمِ قَبْل التَّفَرُّقِ. وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ تَسْلِيمَ رَأْسِ الْمَال فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، فَإِنْ تَأَخَّرَ بَعْضُهُ انْفَسَخَ كُلُّهُ. (٢)

_________

(١) بدائع الصنائع ٥ / ٢٩، والحطاب ٥ / ٣٢٧، ٣٢٨.

(٢) ابن عابدين ٤ / ٢٠٨، ٢٠٩، والحطاب ٤ / ٥١٤، وروضة الطالبين ٣ / ٤٢١، ٤٢٢، ٤ / ٣، والمغني ٤ / ٣٢٨، ونيل المآرب ١ / ٣٦٥.

وَأَمَّا التَّبْعِيضُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ بِالإِْقَالَةِ فِي بَعْضِهِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهَا؛ لأَِنَّ الإِْقَالَةَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا، وَكُل مَعْرُوفٍ جَازَ فِي الْجَمِيعِ جَازَ فِي الْبَعْضِ كَالإِْبْرَاءِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالْحَكَمِ وَالثَّوْرِيِّ. وَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِلَى أَنَّهَا لاَ تَجُوزُ.

وَرُوِيَتْ كَرَاهَتُهَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَرَبِيعَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَإِسْحَاقَ. (١)

وَأَمَّا لَوِ انْقَطَعَ بَعْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ الْمَحَل، وَالْبَاقِي مَقْبُوضٌ أَوْ غَيْرُ مَقْبُوضٍ، فَفِيهِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي بَابِ (السَّلَمُ) . (٢)

التَّبْعِيضُ فِي الْقَرْضِ:

٢٥ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّبْعِيضِ فِي الإِْقْرَاضِ.

نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَوْلَهُ: يُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ الإِْقْرَاضُ بَعْدَ إِفْرَازِهِ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنَّ قَرْضَ الْمُشَاعِ جَائِزٌ بِالإِْجْمَاعِ.

_________

(١) المغني ٤ / ٣٣٦.

(٢) روضة الطالبين ٤ / ١٢، ٣ / ٤٢٢، والمغني ٤ / ٣٢٧، وابن عابدين ٤ / ٢٠٩.

وَأَمَّا التَّبْعِيضُ فِي إِيفَاءِ الْقَرْضِ كَأَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يُوفِيَهُ أَنْقَصَ مِمَّا أَقْرَضَهُ. فَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا أَمْ لاَ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لأَِصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لأَِنَّ الْقَرْضَ يَقْتَضِي الْمِثْل، فَشَرْطُ النُّقْصَانِ يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ، فَلَمْ يَجُزْ كَشَرْطِ الزِّيَادَةِ.

وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ؛ لأَِنَّ الْقَرْضَ جُعِل لِلرِّفْقِ بِالْمُسْتَقْرِضِ، وَشَرْطُ النُّقْصَانِ لاَ يُخْرِجُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ. (١)

٢٦ - وَأَمَّا تَعْجِيل بَعْضِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّل مِنْ قِبَل الْمَدِينِ فِي مُقَابِل تَنَازُل الْغَرِيمِ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ، فَلاَ يَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، لَكِنْ إِنْ تَنَازَل الْمَقْرُوضُ بِلاَ شَرْطٍ مَلْفُوظٍ أَوْ مَلْحُوظٍ عَنْ بَعْضِ الْحَقِّ فَهُوَ جَائِزٌ. ر: مُصْطَلَحَ (أَجَلٌ) (ف: ٨٩) .

التَّبْعِيضُ فِي الرَّهْنِ:

٢٧ - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ التَّبْعِيضِ فِي الرَّهْنِ، فَيَجُوزُ رَهْنُ بَعْضِ الْمُشَاعِ عِنْدَهُمْ، رَهَنَهُ عِنْدَ شَرِيكِهِ أَوْ غَيْرِهِ، قَبِل الْقِسْمَةَ أَمْ لَمْ يَقْبَلْهَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْبَاقِي مِنَ الْمُشَاعِ لِلرَّاهِنِ أَمْ لِغَيْرِهِ. (٢)

_________

(١) ابن عابدين ٣ / ٣٥٣، والمغني ٤ / ٣٥٧.

(٢) الحطاب ٥ / ٢، وروضة الطالبين ٤ / ٣٨، والمغني٤ / ٣١٦.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ مُقَارِنًا كَنِصْفِ دَارٍ، أَمْ طَارِئًا: كَأَنْ يَرْهَنَ الْجَمِيعَ ثُمَّ يَتَفَاسَخَا فِي الْبَعْضِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الطَّارِئَ لاَ يَضُرُّ، وَالصَّحِيحُ الأَْوَّل، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ شَرِيكِهِ أَمْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّا يُقْسَمُ أَمْ لاَ.

فَالأَْصْل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ، فَلاَ يَجُوزُ التَّبْعِيضُ فِيهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الأَْصْل الصُّوَرُ التَّالِيَةُ:

أ - إِذَا كَانَتْ عَيْنًا بَيْنَهُمَا، رَهَنَاهَا عِنْدَ رَجُلٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَهْنًا وَاحِدًا.

ب - إِذَا ثَبَتَ الشُّيُوعُ فِيهِ ضَرُورَةً، كَمَا لَوْ جَاءَ بِثَوْبَيْنِ، وَقَال: خُذْ أَحَدَهُمَا رَهْنًا وَالآْخَرُ بِضَاعَةً عِنْدَكَ، فَإِنَّ نِصْفَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَصِيرُ رَهْنًا بِالدَّيْنِ،؛ لأَِنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنَ الآْخَرِ، فَيَشِيعُ الرَّهْنُ فِيهِمَا بِالضَّرُورَةِ، فَلاَ يَضُرُّ. (١)

٢٨ - أَمَّا حَقُّ الْوَثِيقَةِ فِي الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْسُ لِلتَّوَثُّقِ، فَلاَ يَتَبَعَّضُ بِأَدَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ؛ لأَِنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِالرَّهْنِ جَمِيعِهِ، فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِكُل الْحَقِّ، وَبِكُل جُزْءٍ مِنْهُ، لاَ يَنْفَكُّ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَقْضِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ أَمْ لاَ يُمْكِنُ.

قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُل مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ رَهَنَ شَيْئًا بِمَالٍ فَأَدَّى

_________

(١) ابن عابدين ٥ / ٣١٥، ٣١٧.

بَعْضَ الْمَال، وَأَرَادَ إِخْرَاجَ بَعْضِ الرَّهْنِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ، وَلاَ يَخْرُجُ شَيْءٌ حَتَّى يُوفِيَهُ آخِرَ حَقِّهِ أَوْ يُبْرِئَهُ مِنْ ذَلِكَ، كَذَلِكَ قَال مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛؛ لأَِنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ بِحَقٍّ فَلاَ يَزُول إِلاَّ بِزَوَال جَمِيعِهِ كَالضَّمَانِ وَالشَّهَادَةِ. (١)

وَكَذَلِكَ إِنْ تَلِفَ بَعْضُ الرَّهْنِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ فَبَاقِيهِ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْحَقِّ. (٢)

وَفِي الْمَوْضُوعِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي بَابِ (الرَّهْنُ) .

التَّبْعِيضُ فِي الصُّلْحِ:

٢٩ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّبْعِيضِ فِي الصُّلْحِ، فَالصُّلْحُ مَبْنَاهُ عَلَى التَّبْعِيضِ إِذَا وَقَعَ عَلَى جِنْسِ الْمُدَّعِي وَكَانَ أَقَل مِنْهُ، وَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ تَبَعًا لِكَوْنِ الْمُدَّعَى عَيْنًا أَوْ دَيْنًا يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (صُلْحٌ) .

التَّبْعِيضُ فِي الْهِبَةِ:

٣٠ - اتَّفَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى جَوَازِ التَّبْعِيضِ فِي الْهِبَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا لاَ يَقْبَل الْقِسْمَةَ، فَتَصِحُّ هِبَةُ الْمُشَاعِ عِنْدَ الأَْئِمَّةِ الثَّلاَثَةِ مُطْلَقًا، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَصِحُّ

_________

(١) ابن عابدين ٥ / ٣٢١، وروضة الطالبين ٤ / ١٠٩، والمغني ٤ / ٣٩٩، ٥ / ٣٦٧، ٣٧٣، ٥ / ٦٥٥.

(٢) نيل المآرب ١ / ٣٧٣.

هِبَةُ الْمُشَاعِ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ إِلاَّ بِضَرَرٍ، بِأَلاَّ يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ أَنْ يُقْسَمَ، كَبَيْتٍ وَحَمَّامٍ صَغِيرَيْنِ. وَأَمَّا هِبَةُ الْمُشَاعِ الَّذِي يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِلاَ ضَرَرٍ فَلاَ تَصِحُّ هِبَتُهُ مُشَاعًا، وَلَوْ كَانَ لِشَرِيكِهِ؛ وَذَلِكَ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْقَبْضِ الْكَامِل. وَقِيل: يَجُوزُ لِشَرِيكِهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ. (١) وَإِنْ وَهَبَ وَاحِدٌ لاِثْنَيْنِ شَيْئًا مِمَّا يَنْقَسِمُ يَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا. وَذَهَبَ الإِْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِهِ. (٢)

وَفِي الْمَوْضُوعِ فُرُوعَاتٌ كَثِيرَةٌ تَفْصِيلُهَا فِي بَابِ الْهِبَةِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.

التَّبْعِيضُ فِي الْوَدِيعَةِ:

٣١ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّبْعِيضَ فِي الْوَدِيعَةِ بِإِنْفَاقِ بَعْضِهَا أَوِ اسْتِهْلاَكِهِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي أَخْذِ بَعْضِ الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ رَدِّهَا أَوْ رَدِّ مِثْلِهَا.

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَنِ اسْتَوْدَعَ شَيْئًا فَأَخَذَ بَعْضَهُ لَزِمَهُ ضَمَانُ مَا أَخَذَهُ، فَإِنْ رَدَّهُ أَوْ مِثْلَهُ لَمْ يَزُل الضَّمَانُ عَنْهُ.

وَقَال مَالِكٌ: لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا رَدَّهُ أَوْ مِثْلَهُ.

_________

(١) ابن عابدين ٤ / ٥١٠، والحطاب ٩ / ٦٠، وروضة الطالبين ٥ / ٣٦٧، ٣٧٣.

(٢) المغني ٥ / ٦٥٥، وروضة الطالبين ٥ / ٣٧٣.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُنْفِقْ مَا أَخَذَهُ وَرَدَّهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ أَنْفَقَهُ ثُمَّ رَدَّهُ أَوْ مِثْلَهُ ضَمِنَ. (١)

التَّبْعِيضُ فِي الْوَقْفِ:

٣٢ - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى جَوَازِ التَّبْعِيضِ فِي الْوَقْفِ، سَوَاءٌ فِيمَا يَقْبَل الْقِسْمَةَ أَوْ لاَ يَقْبَلُهَا، فَيَجُوزُ وَقْفُ الْمُشَاعِ كَنِصْفِ دَارٍ. (٢)

وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ وَقْفِ الْمُشَاعِ إِذَا كَانَ مِمَّا يَقْبَل الْقِسْمَةَ، وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ، وَهُوَ لاَ يَصِحُّ فِي الْمُشَاعِ. وَأَمَّا مَا لاَ يَقْبَلُهَا كَالْحَمَّامِ وَالرَّحَى، فَيَجُوزُ وَقْفُهُ مُشَاعًا عِنْدَهُ أَيْضًا، إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ؛ لأَِنَّ بَقَاءَ الشَّرِكَةِ يَمْنَعُ الْخُلُوصَ لِلَّهِ تَعَالَى. (٣)

وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي بَابِ (الْوَقْفِ) .

التَّبْعِيضُ فِي الْغَصْبِ:

٣٣ - يُرَتِّبُ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَبْعِيضِ الْمَال الْمَغْصُوبِ بِتَلَفِ بَعْضِهِ أَوْ تَعْيِيبِهِ أَحْكَامًا مُخْتَلِفَةً:

_________

(١) ابن عابدين ٤ / ٤٩٨، والحطاب ٥ / ٢٥٣، وروضة الطالبين ٦ / ٣٣٩، والمغني ٦ / ٤٠٠.

(٢) ابن عابدين ٣ / ٣٧٣، والحطاب ٦ / ١٨، وروضة الطالبين ٥ / ٣١٤، والمغني ٥ / ٥٣٨، ٦٤٣.

(٣) ابن عابدين ٣ / ٣٧٣، والمغني ٥ / ٦٤٣، ٥ / ٢٦٠، ٣٦١.

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْجُزْءَ الْغَائِبَ مَضْمُونٌ بِقِسْطِهِ مِنْ أَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ يَوْمِ الْغَصْبِ إِلَى يَوْمِ التَّلَفِ، وَالنَّقْصُ الْحَاصِل بِتَفَاوُتِ السِّعْرِ فِي الْبَاقِي الْمَرْدُودِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِيمَا لاَ يُنْقِصُهُ التَّبْعِيضُ، وَأَمَّا فِيمَا يُنْقِصُهُ - كَأَنْ يَكُونَ ثَوْبًا يُنْقِصُهُ الْقَطْعُ - فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ تَعَيَّبَ الْمَال الْمَغْصُوبُ بِاسْتِهْلاَكِ بَعْضِهِ كَقَطْعِ يَدِ الشَّاةِ خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ تَرْكِ الْمَغْصُوبِ لِلْغَاصِبِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَغْصُوبَ وَيُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ.، بِخِلاَفِ قَطْعِ طَرَفِ دَابَّةٍ غَيْرِ مَأْكُولَةٍ إِذَا اخْتَارَ رَبُّهَا أَخْذَهَا، لاَ يُضَمِّنُهُ شَيْئًا، وَإِلاَّ غَرَّمَهُ كَمَال الْقِيمَةِ؛ لأَِنَّهُ فَوَّتَ جَمِيعَ مَنَافِعِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا. (١)

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ فَصَّلُوا الْكَلاَمَ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى بَعْضِ السِّلْعَةِ الْمَغْصُوبَةِ: فَالتَّعَدِّي عَلَى بَعْضِ السِّلْعَةِ الْمَغْصُوبَةِ إِنْ فَوَّتَ الْمَغْصُوبَ يُضْمَنُ جَمِيعُهُ، كَقَطْعِ ذَنَبِ دَابَّةٍ ذِي هَيْبَةٍ، أَوْ أُذُنِهَا، وَكَذَا مَرْكُوبُ كُل مَنْ يُعْلَمُ أَنَّ مِثْلَهُ لاَ يَرْكَبُ مِثْل ذَلِكَ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْمَرْكُوبِ وَالْمَلْبُوسِ، كَقَلَنْسُوَةِ الْقَاضِي وَطَيْلَسَانِهِ، وَإِنْ لَمْ يُفَوِّتْهُ فَإِنْ كَانَ

_________

(١) ابن عابدين ٥ / ١٢٣، والفروق للكرابيسي ٢ / ٨.

التَّعَدِّي يَسِيرًا، وَلَمْ يَبْطُل الْغَرَضُ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ التَّعَدِّي كَثِيرًا، وَلَمْ يُبْطِل الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ، فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْيَسِيرِ. (١)

وَيُنْظَرُ تَفْصِيل الْكَلاَمِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ فِي بَابِ (الْغَصْبِ) .

التَّبْعِيضُ فِي الْقِصَاصِ:

٣٤ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ مِمَّا لاَ يَتَبَعَّضُ بِالتَّبْعِيضِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي التَّفَاصِيل:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مُسْتَحِقَّ الْقِصَاصِ إِذَا عَفَا عَنْ بَعْضِ الْقَاتِل كَانَ عَفْوًا عَنْ كُلِّهِ، وَكَذَا إِذَا عَفَا بَعْضُ الأَْوْلِيَاءِ، صَحَّ الْعَفْوُ، وَسَقَطَ الْقِصَاصُ كُلُّهُ، وَلَمْ يَبْقَ لأَِحَدٍ إِلَيْهِ سَبِيلٌ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ.

لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَتَل قَتِيلًا، فَجَاءَ وَرَثَةُ الْمَقْتُول لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَتِ امْرَأَةُ الْمَقْتُول، وَهِيَ أُخْتُ الْقَاتِل: قَدْ عَفَوْتُ عَنْ حَقِّي، فَقَال عُمَرُ: " اللَّهُ أَكْبَرُ، عَتَقَ الْقَتِيل.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ زَيْدٍ قَال: دَخَل رَجُلٌ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَوَجَدَ عِنْدَهَا رَجُلًا فَقَتَلَهَا، فَاسْتَعْدَى

_________

(١) الحطاب ٥ / ٢٩٣.

إِخْوَتُهَا عُمَرَ، فَقَال بَعْضُ إِخْوَتِهَا: قَدْ تَصَدَّقْتُ. فَقَضَى لِسَائِرِهِمْ بِالدِّيَةِ. (١)

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ عَفْوَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ لاَ يُسْقِطُ الْقَوَدَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْعَافِي مُسَاوِيًا لِمَنْ بَقِيَ فِي الدَّرَجَةِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ أَنْزَل دَرَجَةً لَمْ يَسْقُطِ الْقَوَدُ بِعَفْوِهِ. فَإِنِ انْضَافَ إِلَى الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا الأُْنُوثَةُ كَالْبَنَاتِ مَعَ الأَْبِ أَوِ الْجَدِّ، فَلاَ عَفْوَ إِلاَّ بِاجْتِمَاعِ الْجَمِيعِ، فَإِنِ انْفَرَدَ الأَْبَوَانِ فَلاَ حَقَّ لِلأُْمِّ فِي عَفْوٍ وَلاَ قَتْلٍ. (٢)

وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْل الْمَدِينَةِ، وَقِيل: هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ إِلَى أَنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَسْقُطُ بِعَفْوِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ؛ لأَِنَّ النَّفْسَ قَدْ تُؤْخَذُ بِبَعْضِ النَّفْسِ بِدَلِيل قَتْل الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ. (٣)

التَّبْعِيضُ فِي الْعَفْوِ عَنِ الْقَذْفِ:

٣٥ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِهِ:

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ أَقْوَال الْمَالِكِيَّةِ (مَا لَمْ يَبْلُغِ الإِْمَامَ) إِلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّبْعِيضِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، فَإِذَا عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ، أَوْ بَعْضُ مُسْتَحِقِّي حَدِّ الْقَذْفِ يَكُونُ لِمَنْ بَقِيَ اسْتِيفَاءُ

_________

(١) بدائع الصنائع ٧ / ٢٤٧، وروضة الطالبين ٩ / ٢٣٩، ٢٤٢، والمغني ٧ / ٧٤٣ وما بعدها، والمنثور في القواعد للزركشي ٣ / ١٥٣، والأشباه والنظائر للسيوطي ص١٤٣، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص ١٨٩.

(٢) الحطاب ٦ / ٢٥٣.

(٣) المغني ٧ / ٧٤٣.