الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠
وَأَمَّا مَنْ قَدَرَ عَلَى صَوْمِ بَعْضِ أَيَّامِ رَمَضَانَ دُونَ جَمِيعِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ صَوْمُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ . (١)
التَّبْعِيضُ فِي الْحَجِّ:
أ - التَّبْعِيضُ فِي الإِْحْرَامِ:
١٤ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّبْعِيضَ لاَ يُؤَثِّرُ فِي انْعِقَادِ الإِْحْرَامِ، فَإِذَا قَال: أَحْرَمْتُ بِنِصْفِ نُسُكٍ، انْعَقَدَ بِنُسُكٍ كَامِلٍ، طِبْقًا لِقَاعِدَةِ: " الْمُضَافِ لِلْجُزْءِ كَالْمُضَافِ لِلْكُل " وَقَاعِدَةِ: " ذِكْرِ بَعْضِ مَا لاَ يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ " وَكَذَلِكَ قَاعِدَةُ " مَا لاَ يَقْبَل التَّبْعِيضَ يَكُونُ اخْتِيَارُ بَعْضِهِ كَاخْتِيَارِ كُلِّهِ، وَإِسْقَاطُ بَعْضِهِ كَإِسْقَاطِ كُلِّهِ "
كَمَا أَجْمَعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ تَغْطِيَةِ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَتَغْطِيَةِ بَعْضِهِ، وَكَذَلِكَ تَغْطِيَةُ جَمِيعِ الْوَجْهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ، وَقَلْمُ جَمِيعِ الأَْظْفَارِ أَوْ بَعْضِهَا، وَحَلْقُ جَمِيعِ الرَّأْسِ، أَوْ بَعْضِهِ، فَإِنَّ الْمُحْرِمَ يُمْنَعُ مِنْ تَغْطِيَةِ بَعْضِ رَأْسِهِ، كَمَا يُمْنَعُ مِنْ تَغْطِيَةِ جَمِيعِهِ، وَهَكَذَا، لأَِنَّ
_________
(١) سورة البقرة / ١٨٥.
النَّبِيَّ ﷺ قَال: لاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ (١) وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ يَحْرُمُ فِعْل بَعْضِهِ. وَكَذَلِكَ لَمَّا قَال تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ﴾ (٢) حَرُمَ حَلْقُ بَعْضِهِ. (٣) وَإِنَّمَا الْفَرْقُ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ دَمٍ وَفِدْيَةٍ. وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِحْرَامٌ وَحَجٌّ) .
ب - التَّبْعِيضُ فِي الطَّوَافِ:
١٥ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ إِنَّمَا شُرِعَ بِجَمِيعِ الْبَيْتِ، وَأَنَّ تَرْكَ بَعْضِ الْبَيْتِ فِي الطَّوَافِ مُبْطِلٌ لَهُ. (٤) وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ طَافَ دَاخِل الْحِجْرِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل فَعَلَيْهِ دَمٌ. (٥) أَمَّا التَّبْعِيضُ فِي عَدَدِ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ فَلاَ يَجُوزُ نَقْصُهُ عَنْ سَبْعَةٍ كَامِلَةٍ خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ: بِأَنَّ الأَْشْوَاطَ الأَْرْبَعَةَ رُكْنٌ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا وَاجِبٌ.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ بُدَّ فِي الطَّوَافِ أَنْ يَمُرَّ فِي الاِبْتِدَاءِ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ، فَلَوْ حَاذَاهُ بِبَعْضِ بَدَنِهِ، وَكَانَ بَعْضُهُ
_________
(١) حديث: " لا تخمروا رأسه. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ١٣٦ ط السلفية) ومسلم (٢ / ٨٦٥ ط الحلبي) .
(٢) سورة البقرة ١٩٦.
(٣) ابن عابدين ٢ / ١٦٢، ٢٠١، ٢٠٤؟ والحطاب ٣ / ١٤٠، ١٦٤، وروضة الطالبين - ٣ / ١٢٥، ١٢٧، ١٣٦، والمغني ٣ / ٣١٩، ٣٢٤.
(٤) الحطاب ٣ / ٧١، ٧٢، وروضة الطالبين ٣ / ٨٠، ٨١، والمغني ٣ / ٣٨٢، ٣٨٣.
(٥) ابن عابدين ٢ / ١٦٧.
الآْخَرُ مُجَاوِزًا إِلَى جَانِبِ الْبَابِ فَفِيهِ قَوْلاَنِ عِنْدَهُمُ:
الْجَدِيدُ: أَنَّهُ لاَ يُعْتَدُّ بِذَلِكَ الشَّوْطِ. وَالْقَدِيمُ: يُعْتَدُّ بِهِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ احْتِمَالاَنِ، وَأَمَّا لَوْ حَاذَى بِجَمِيعِ الْبَدَنِ بَعْضَ الْحَجَرِ دُونَ بَعْضِهِ أَجْزَأَهُ، كَمَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَسْتَقْبِل فِي الصَّلاَةِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ بَعْضَ الْكَعْبَةِ. (١)
التَّبْعِيضُ فِي النُّذُورِ:
١٦ - مَنْ نَذَرَ صَلاَةَ نِصْفِ رَكْعَةٍ أَوْ صِيَامَ بَعْضِ يَوْمٍ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ مَا عَدَا مُحَمَّدًا وَزُفَرَ، وَالْمَالِكِيَّةُ مَا عَدَا ابْنَ الْمَاجِشُونِ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ تَكْمِيلُهُ، وَالتَّكْمِيل فِي الصَّوْمِ يَكُونُ بِصِيَامِ يَوْمٍ كَامِلٍ.
وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَكْفِيهِ إِمْسَاكُ بَعْضِ يَوْمٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّذْرَ يُنَزَّل عَلَى أَقَل مَا يَصِحُّ مِنْ جِنْسِهِ، وَأَنَّ إِمْسَاكَ بَعْضِ الْيَوْمِ صَوْمٌ. وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلاَةِ أَيْضًا. فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْحَنَابِلَةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِلَى أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُهُ إِلاَّ رَكْعَتَانِ.
وَنَقَل الْجَرْهَدِيُّ فِي شَرْحِ الْفَرَائِدِ الْبَهِيَّةِ: أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْمُوَافِقُ لِلْقَاعِدَةِ، وَهِيَ: مَا لاَ
_________
(١) روضة الطالبين ٣ / ٨٠، والمغني ٣ / ٣٧١.
يَقْبَل التَّبْعِيضَ فَاخْتِيَارُ بَعْضِهِ كَاخْتِيَارِ كُلِّهِ، وَإِسْقَاطُ بَعْضِهِ كَإِسْقَاطِ كُلِّهِ. وَلأَِنَّ أَقَل الصَّلاَةِ الْوَاجِبَةِ بِالشَّرْعِ رَكْعَتَانِ، فَوَجَبَ حَمْل النَّذْرِ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يُجْزِئُهُ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لأَِنَّ أَقَل الصَّلاَةِ رَكْعَةٌ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ، وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: أَيْ إِذَا نَذَرَ صَلاَةَ نِصْفِ رَكْعَةٍ، أَوْ صِيَامَ بَعْضِ يَوْمٍ لاَ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ، فَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلاَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ. (١) وَلِتَفْصِيل ذَلِكَ كُلِّهِ يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ (نَذْرٌ، أَيْمَانٌ) .
التَّبْعِيضُ فِي الْكَفَّارَةِ:
١٧ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ التَّبْعِيضِ فِي الْكَفَّارَةِ: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَبْعِيضُ الْكَفَّارَةِ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ وَيَصُومَ شَهْرًا، وَيَصُومَ شَهْرًا أَوْ يُطْعِمَ ثَلاَثِينَ مِسْكِينًا، أَوْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ بِإِطْعَامِ خَمْسَةِ مَسَاكِينَ وَكِسْوَةِ خَمْسَةٍ؛ لأَِنَّ مَا جَازَ فِيهِ التَّخْيِيرُ لاَ يَجُوزُ فِيهِ التَّبْعِيضُ، إِلاَّ
_________
(١) الحطاب ٢ / ٤٥١، وروضة الطالبين ٣ / ٣٠٥، ٣١٣، والمغني ٩ / ١١، والأشباه للسيوطي ص١٤٤.
أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِمُعَيَّنٍ وَرَضِيَ تَبْعِيضَهُ، وَالْحَقُّ هُنَا لِلَّهِ تَعَالَى. (١)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى جَوَازِ التَّبْعِيضِ فِي الْكَفَّارَةِ.
قَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَطْعَمَ خَمْسَةَ مَسَاكِينَ وَكَسَا خَمْسَةً مُطْلَقًا جَازَ؛ لأَِنَّهُ أُخْرِجَ مِنَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِعِدَّةِ الْوَاجِبِ، فَأَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنِ الإِْطْعَامِ إِنْ كَانَ الإِْطْعَامُ أَرْخَصَ مِنَ الْكِسْوَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَلاَ يَجُوزُ. هَذَا فِي إِطْعَامِ الإِْبَاحَةِ (التَّمْكِينُ مِنَ التَّنَاوُل دُونَ التَّزَوُّدِ) أَمَّا إِذَا مَلَّكَهُ الطَّعَامَ فَيَجُوزُ وَيُقَامُ مَقَامَ الْكِسْوَةِ. (٢) .
التَّبْعِيضُ فِي الْبَيْعِ
١٨ - يَجُوزُ التَّبْعِيضُ فِي الْبَيْعِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ يَرْجِعُ عَلَى أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ، أَوْ لاَ يُفْضِي إِلَى الْجَهَالَةِ وَالْمُنَازَعَةِ، وَلاَ خِلاَفَ فِي هَذَا. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الآْثَارِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى وُقُوعِ التَّبْعِيضِ، وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ ذَلِكَ:
يَخْتَلِفُ حُكْمُ التَّبْعِيضِ بِاخْتِلاَفِ كَوْنِ الْعَقْدِ وَقَعَ عَلَى مِثْلِيٍّ كَالْمَكِيل، أَوِ الْمَوْزُونِ، أَوِ الْمَذْرُوعِ، أَوْ قِيَمِيٍّ.
_________
(١) الحطاب ٣ / ٢٧٤، وروضة الطالبين ٨ / ٣١٠، والمنثور في القواعد للزركشي ١ / ٢٥٥.
(٢) ابن عابدين ٣ / ٦١، والمغني ٨ / ٧٥٩، وقواعد ابن رجب ٢٢٩.
١٩ - فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ قَدْ وَقَعَ عَلَى مِثْلِيٍّ (مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ) وَلَمْ يَكُنْ فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ، كَمَنْ بَاعَ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَهِيَ أَقَل أَوْ أَكْثَرُ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ الأَْقَل بِحِصَّتِهِ أَوْ يَفْسَخَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَلأَِنَّهُ وَجَدَ الْمَبِيعَ نَاقِصًا فَكَانَ لَهُ الْفَسْخُ كَغَيْرِ الصُّبْرَةِ، وَكَنُقْصَانِ الصِّفَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لِلْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لاَ خِيَارَ لَهُ؛ لأَِنَّ نُقْصَانَ الْقَدْرِ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْبَاقِي مِنَ الْكَيْل بِخِلاَفِ غَيْرِهِ.
ثُمَّ التَّخْيِيرُ عِنْدَ النُّقْصَانِ فِي الْمِثْلِيِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا لَمْ يَقْبِضْ كُل الْمَبِيعِ أَوْ بَعْضَهُ، فَإِنْ قَبَضَ أَيْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالنَّقْصِ لاَ يُخَيَّرُ، بَل يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ. وَأَيْضًا هُوَ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ كَوْنِهِ مُشَاهِدًا لِلْمَبِيعِ حَيْثُ يَنْتَفِي التَّغْرِيرُ.
وَأَمَّا الْمَوْزُونُ الَّذِي فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ، كَمَا لَوْ بَاعَ لُؤْلُؤَةً عَلَى أَنَّهَا تَزِنُ مِثْقَالًا فَوَجَدَهَا أَكْثَرَ سُلِّمَتْ لِلْمُشْتَرِي؛ لأَِنَّ الْوَزْنَ فِيمَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَصْفٌ بِمَنْزِلَةِ الذُّرْعَانِ فِي الثَّوْبِ. (١) وَلِلتَّفْصِيل ر: (خِيَارٌ) .
٢٠ - وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ قَدْ وَقَعَ عَلَى مَذْرُوعٍ:
_________
(١) ابن عابدين ٤ / ٣٠، ومجلة الأحكام العدلية ٢ / ٢٢٤، ٢٢٥، ومنح الجليل ٢ / ٦٩٤.
كَمَنْ بَاعَ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ مِائَةُ ذِرَاعٍ مَثَلًا فَبَانَ أَنَّهُ أَقَل، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا: أَخَذَ الْمُشْتَرِي الأَْقَل بِكُل الثَّمَنِ أَوْ تَرَكَ، وَإِنْ بَانَ أَكْثَرَ أَخَذَ الأَْكْثَرَ قَضَاءً بِلاَ خِيَارٍ لِلْبَائِعِ؛ لأَِنَّ الذَّرْعَ فِي الْقِيَمِيَّاتِ وَصْفٌ لِتَعَيُّبِهِ بِالتَّبْعِيضِ. بِخِلاَفِ الْقَدْرِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ، وَالْوَصْفُ لاَ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ إِلاَّ إِذَا كَانَ مَقْصُودًا بِتَنَاوُل الْمَبِيعِ لَهُ، كَأَنْ يَقُول فِي بَيْعِ الْمَذْرُوعِ: كُل ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ. (١)
وَالْقَوْل الثَّانِي عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ كَانَ النَّاقِصُ يَسِيرًا لَزِمَهُ الْبَاقِي بِمَا يَنُوبُهُ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْبَاقِي بَيْنَ أَخْذِهِ بِمَا يَنُوبُهُ أَوْ رَدِّهِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: الْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَالثَّانِيَةُ: الْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ زَائِدًا وَبَيْنَ تَسْلِيمِ الْمِائَةِ، فَإِنْ رَضِيَ بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ فَلاَ خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ أَبَى تَسْلِيمَهُ زَائِدًا، فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ، وَالأَْخْذِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَقَسِّطِ الزَّائِدَ.
وَكَذَلِكَ فِي صُورَةِ النُّقْصَانِ أَيْضًا رِوَايَتَانِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. إِحْدَاهُمَا: الْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَالثَّانِيَةُ: الْبَيْعُ
_________
(١) ابن عابدين ٤ / ٣٠، والدسوقي ٣ / ١٣٥، ومنح الجليل ٢ / ٥٠٥.
صَحِيحٌ، وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإِْمْسَاكِ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ.
وَقَال أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَيْسَ لَهُ إِمْسَاكُهُ إِلاَّ بِكُل الثَّمَنِ أَوِ الْفَسْخُ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْمَعِيبَ لَيْسَ لِمُشْتَرِيهِ إِلاَّ الْفَسْخُ، أَوْ إِمْسَاكُهُ بِكُل الثَّمَنِ (١) .
التَّبْعِيضُ فِي الْقِيَمِيَّاتِ:
٢١ - أَمَّا التَّبْعِيضُ فِي الأَْعْيَانِ الأُْخْرَى فَذَكَرَ صَاحِبُ رَوْضَةِ الطَّالِبِينَ: أَنَّهُ لَوْ بَاعَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ سَيْفٍ أَوْ إِنَاءٍ وَنَحْوِهِمَا صَحَّ وَصَارَ مُشْتَرَكًا، وَلَوْ عَيَّنَ بَعْضَهُ وَبَاعَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لأَِنَّ تَسْلِيمَهُ لاَ يَحْصُل إِلاَّ بِقَطْعِهِ، وَفِيهِ نَقْصٌ وَتَضْيِيعٌ لِلْمَال.
وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ جِدَارٍ أَوْ أُسْطُوَانَةٍ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَهُ شَيْءٌ لَمْ يَصِحَّ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إِلاَّ بِهَدْمِ مَا فَوْقَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَهُ شَيْءٌ، فَإِنْ كَانَ قِطْعَةً وَاحِدَةً تَتْلَفُ كُلِّيَّةً بِالتَّبْعِيضِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَتْلَفُ جَازَ. (٢)
وَقَوَاعِدُ الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى تَقْضِي بِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ.
_________
(١) ابن عابدين ٤ / ١٠٩، وروضة الطالبين ٣ / ٣٥٧، والمغني ٤ / ١٤٤، ١٤٦، ١٤٧، ومنح الجليل ٢ / ٦٩٤ - ٥٠٥.
(٢) روضة الطالبين ٤ / ٣٠، والدسوقي ٣ / ١٣، ١٤، ١٣٥، ومنح الجليل ٢ / ٦٩٤.
التَّبْعِيضُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ:
٢٢ - إِذَا اشْتَرَى شَيْئَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا، وَكَانَا مِمَّا يَنْقُصُهُمَا التَّفْرِيقُ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ:
إِحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ إِلاَّ رَدُّهُمَا، أَوْ أَخْذُ الأَْرْشِ مَعَ إِمْسَاكِهِمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْل الشَّافِعِيِّ، وَقَوْل أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا قَبْل الْقَبْضِ، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشْقِيصِ عَلَى الْبَائِعِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ.
وَالثَّانِيَةُ: لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ وَإِمْسَاكُ الصَّحِيحِ، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ. (١)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ رَدِّ الْمَعِيبِ، وَالرُّجُوعِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، إِذَا كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا، فَإِنْ كَانَ سِلْعَةً فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا يَنُوبُ السِّلْعَةَ الْمَعِيبَةَ مِنْ قِيمَةِ السِّلْعَةِ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ، لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ تَكُنِ السِّلْعَةُ الْمَعِيبَةُ وَجْهَ الصَّفْقَةِ. (٢) فَإِنْ كَانَتْ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إِلاَّ رَدُّ الْجَمِيعِ أَوِ الرِّضَى بِالْجَمِيعِ. (٣)
التَّبْعِيضُ فِي الشُّفْعَةِ:
٢٣ - قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُل مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الشَّفِيعَيْنِ لَوْ تَرَكَ
_________
(١) ابن عابدين ٤ / ٩٣، وروضة الطالبين ٣ / ٤٨٩، والمغني ٤ / ١٧٧، ١٧٩.
(٢) الحطاب ٤ / ٤٩٥.
شُفْعَتَهُ، لَمْ يَكُنْ لِلآْخَرِ إِلاَّ أَخْذُ الْجَمِيعِ أَوْ تَرْكُ الْجَمِيعِ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْبَعْضِ، وَهَذَا قَوْل مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لأَِنَّ فِي أَخْذِ الْبَعْضِ إِضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَالضَّرَرُ لاَ يُزَال بِالضَّرَرِ.
وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ وَاحِدًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ بَعْضِ الْمَبِيعِ لِذَلِكَ. فَإِنْ فَعَل سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ؛ لأَِنَّهَا لاَ تَتَبَعَّضُ، فَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهَا سَقَطَ جَمِيعُهَا كَالْقِصَاصِ. (١)
وَالأَْصْل فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَاعِدَةُ " مَا لاَ يَقْبَل التَّبْعِيضَ يَكُونُ اخْتِيَارُ بَعْضِهِ كَاخْتِيَارِ كُلِّهِ، وَإِسْقَاطُ بَعْضِهِ كَإِسْقَاطِ كُلِّهِ ".
وَقَاعِدَةُ " مَا جَازَ فِيهِ التَّخْيِيرُ لاَ يَجُوزُ فِيهِ التَّبْعِيضُ " قَال الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ: وَالشَّفِيعُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الأَْخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَالتَّرْكِ، فَلَوْ أَرَادَ أَخْذَ بَعْضِ الشُّفْعَةِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. (٢)
وَكَذَلِكَ إِذَا وَجَدَ الشَّفِيعُ بَعْضَ ثَمَنِ الشِّقْصِ لاَ يَأْخُذُ قِسْطَهُ مِنَ الْمُثَمَّنِ (الْمَبِيعِ) طِبْقًا لِقَاعِدَةِ " إِنَّ بَعْضَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ لاَ يَجِبُ قَطْعًا ".
_________
(١) بدائع الصنائع ٥ / ٢٥، والفروق للكرابيسي ٢ / ١١٩، والحطاب ٥ / ٣٢٧، ٣٢٨، وروضة الطالبين ٥ / ١٠٦، والمغني ٥ / ٣٦٦.
(٢) المنثور في القواعد للزركشي ١ / ٢٥٦.