الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠ الصفحة 14

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠

إِغَاثَةً: إِذَا أَعَانَهُ وَنَصَرَهُ، فَهُوَ مُغِيثٌ، وَأَغَاثَهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ: كَشَفَ شِدَّتَهُمْ. (١)

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

التَّبَرُّكُ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى التَّفْصِيل التَّالِي:

(١) التَّبَرُّكُ بِالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ:

٥ - ذَهَبَ بَعْضُ أَهْل الْعِلْمِ إِلَى سُنِّيَّةِ ابْتِدَاءِ كُل أَمْرٍ ذِي بَالٍ يُهْتَمُّ بِهِ شَرْعًا - بِحَيْثُ لاَ يَكُونُ مُحَرَّمًا لِذَاتِهِ، وَلاَ مَكْرُوهًا لِذَاتِهِ، وَلاَ مِنْ سَفَاسِفِ الأُْمُورِ وَمُحَقَّرَاتِهَا - بِالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ، كُلٌّ فِي مَوْضِعِهِ عَلَى سَبِيل التَّبَرُّكِ.

وَجَرَى الْعُلَمَاءُ فِي افْتِتَاحِ كَلِمَاتِهِمْ وَخُطَبِهِمْ وَمُؤَلَّفَاتِهِمْ وَكُل أَعْمَالِهِمُ الْمُهِمَّةِ بِالْبَسْمَلَةِ عَمَلًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: كُل أَمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ أَوْ أَقْطَعُ أَوْ أَجْذَمُ (٢) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: كُل أَمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ أَوْ أَقْطَعُ أَوْ أَجْذَمُ (٣) وَمِنْ

_________

(١) المصباح المنير، وغريب القرآن للأصفهاني.

(٢) حديث: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر أو أقطع أو أجذم ". أخرجه عبد القادر الرهاوي في الأربعين، وعنه السبكي في الطبقات، وإسناده ضعيف جدا. (فيض القدير للمناوي ٥ / ١٣ - ط المكتبة التجارية) .

(٣) حديث: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أبتر أو أقطع أو أجذم " أخرجه ابن ماجه (١ / ٦١٠ - ط الحلبي) وإسناده ضعيف، (فيض القدير للمناوي ٥ / ١٣ - طالمكتبة التجارية) .

هَذَا الْبَابِ الإِْتْيَانُ بِالْبَسْمَلَةِ عِنْدَ الأَْكْل، وَالشُّرْبِ، وَالْجِمَاعِ، وَالاِغْتِسَال، وَالْوُضُوءِ، وَالتِّلاَوَةِ، وَالتَّيَمُّمِ، وَالرُّكُوبِ وَالنُّزُول. (١) وَمَا إِلَى ذَلِكَ.

(٢) التَّبَرُّكُ بِآثَارِ النَّبِيِّ ﷺ:

٦ - اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّبَرُّكِ بِآثَارِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَوْرَدَ عُلَمَاءُ السِّيرَةِ وَالشَّمَائِل وَالْحَدِيثِ أَخْبَارًا كَثِيرَةً تُمَثِّل تَبَرُّكَ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ ﵃ بِأَنْوَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ آثَارِهِ ﷺ نُجْمِلُهَا فِيمَا يَأْتِي:

أ - فِي وَضُوئِهِ:

٧ - كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، (٢) لِفَرْطِ حِرْصِهِمْ عَلَى التَّبَرُّكِ بِمَا مَسَّهُ

_________

(١) حاشية ابن عابدين ١ / ٤، وجواهر الإكليل ١ / ١٠، ٢١٢، وتحفة المحتاج ١ / ٣، وحاشية الباجوري ١ / ٢، ٤، وسبل السلام ١ / ١، وكشف المخدرات ص١٣، والبدائع ١ / ٢٠، ودليل الفالحين شرح رياض الصالحين ٣ / ٢١٥، ٢٣٩، ٤٥٥، وإحياء علوم الدين ٢ / ٢٥٢، ومغني المحتاج ١ / ٤٢، ٥١، ٥٧، وفتح الباري شرح صحيح البخاري ١ / ٣، ٩ / ٥٢١، ٦٠١، ٦٣٣، والأذكار للإمام النووي ص ٢٤، ٣٢، ٣٣، ٢٠٥، وزاد المعاد لابن القيم ٢ / ٢٢

(٢) حديث: " ما تنخم رسول الله ﷺ نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه " أخرجه البخاري (الفتح ٥ / ٣٣٠ - ط السلفية) .

ﷺ بِبَدَنِهِ الشَّرِيفِ، وَكَانَ مَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْ وَضُوئِهِ يَأْخُذُ مِنْ بَلَل يَدِ صَاحِبِهِ. (١)

ب - فِي رِيقِهِ وَنُخَامَتِهِ:

٨ - كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لاَ يَبْصُقُ بُصَاقًا وَلاَ يَتَنَخَّمُ نُخَامَةً إِلاَّ تَلَقَّوْهَا، وَأَخَذُوهَا مِنَ الْهَوَاءِ، وَوَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكُوا بِهَا وُجُوهَهُمْ وَأَجْسَادَهُمْ، وَمَسَحُوا بِهَا جُلُودَهُمْ وَأَعْضَاءَهُمْ تَبَرُّكًا بِهَا. (٢) وَكَانَ يَتْفُل فِي أَفْوَاهِ الأَْطْفَال، وَيَمُجُّ رِيقَهُ فِي الأَْيَادِي، وَكَانَ يَمْضُغُ الطَّعَامَ فَيَمُجُّهُ فِي فَمِ الشَّخْصِ، وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَأْتُونَ بِأَطْفَالِهِمْ لِيُحَنِّكَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ. (٣)

ج - فِي دَمِهِ ﷺ:

٩ - ثَبَتَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ شَرِبُوا دَمَهُ ﷺ عَلَى سَبِيل التَّبَرُّكِ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ﵁

_________

(١) نسيم الرياض في شرح القاضي عياض، وشرح الشفا ٣ / ٣٩٢، وفتح الباري شرح صحيح البخاري ٥ / ٣٣٠، وزاد المعاد في هدي خير العباد ٢ / ١٢٤.

(٢) الحديث بتمامه تقدم تخريجه في الفقرة السابقة.

(٣) نسيم الرياض ٣ / ٣٩٣، والخصائص الكبرى للسيوطي ١ / ١٥٣، وزاد المعاد ٢ / ١٢٤، ومغني المحتاج ٤ / ٢٩٦ وجواهر الإكليل ١ / ٢٢٤ وصحيح مسلم مع النووي ١٤ / ١٢٢ وحديث: " كان الصحابة. . . " ورد بلفظ: " كان رسول الله ﷺ يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم ". أخرجه مسلم (١ / ٢٣٧ - ط الحلبي) .

أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ يَحْتَجِمُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَال: يَا عَبْدَ اللَّهِ اذْهَبْ بِهَذَا الدَّمِ فَأَهْرِقْهُ حَيْثُ لاَ يَرَاكَ أَحَدٌ فَشَرِبَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ، قَال: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا صَنَعْتَ؟ قَال: جَعَلْتُهُ فِي أَخْفَى مَكَانٍ عَلِمْتُ أَنَّهُ مَخْفِيٌّ عَنِ النَّاسِ، قَال: لَعَلَّكَ شَرِبْتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: وَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ، وَوَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ، فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْقُوَّةَ الَّتِي بِهِ مِنْ ذَلِكَ الدَّمِ. (١) وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال لَهُ: مَنْ خَالَطَ دَمُهُ دَمِي لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ. (٢)

د - فِي شَعْرِهِ ﷺ:

١٠ - كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُوَزِّعُ شَعْرَهُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ عِنْدَمَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ الشَّرِيفَ، وَكَانَ الصَّحَابَةُ ﵃ يَحْرِصُونَ عَلَى أَنْ يُحَصِّلُوا شَيْئًا مِنْ شَعْرِهِ ﷺ وَيُحَافِظُونَ عَلَى مَا يَصِل إِلَى أَيْدِيهِمْ مِنْهُ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ. فَعَنْ أَنَسٍ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَتَى مِنًى فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ، ثُمَّ قَال: لِلْحَلاَّقِ: خُذْ وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الأَْيْمَنِ ثُمَّ الأَْيْسَرِ، ثُمَّ جَعَل

_________

(١) الخصائص الكبرى ١ / ١٧١، وحاشية البيجوري ١ / ١٠٤، ودليل الفالحين ٢ / ٢٢٢.

(٢) حديث عبد الله بن الزبير في شربه دم النبي ﷺ. أخرجه الحاكم (٣ / ٥٥٤ - ط دائرة المعارف العثمانية) والطبراني كما في مجمع الزوائد (٨ / ٢٧١ - ط القدسي) وقال الهيثمي: رواه الطبراني والبزار باختصار، ورجال البزار رجال الصحيح غير هنيد بن القاسم وهو ثقة.

يُعْطِيهِ النَّاسَ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَمَّا رَمَى الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ نُسُكَهُ وَحَلَقَ نَاوَل الْحَلاَّقَ شِقَّهُ الأَْيْمَنَ، فَحَلَقَهُ، ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الأَْنْصَارِيَّ ﵁ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الأَْيْسَرَ فَقَال: احْلِقْ، فَحَلَقَهُ، فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَال: اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ. (١)

وَفِي رِوَايَةٍ: فَبَدَأَ بِالشِّقِّ الأَْيْمَنِ فَوَزَّعَهُ الشَّعْرَةَ وَالشَّعْرَتَيْنِ بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ قَال بِالأَْيْسَرِ فَصَنَعَ بِهِ مِثْل ذَلِكَ. (٢)

وَرُوِيَ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ﵁: فَقَدَ قَلَنْسُوَةً لَهُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، فَطَلَبَهَا حَتَّى وَجَدَهَا، وَقَال: اعْتَمَرَ رَسُول اللَّهِ فَحَلَقَ رَأْسَهُ فَابْتَدَرَ النَّاسُ جَوَانِبَ شَعْرِهِ فَسَبَقْتُهُمْ إِلَى نَاصِيَتِهِ فَجَعَلْتُهَا فِي هَذِهِ الْقَلَنْسُوَةِ، فَلَمْ أَشْهَدْ قِتَالًا وَهِيَ مَعِي إِلاَّ رُزِقْتُ النَّصْرَ (٣) .

وَعَنْ أَنَسٍ ﵁ قَال: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَالْحَلاَّقُ يَحْلِقُهُ وَأَطَافَ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَقَعَ شَعْرَةٌ إِلاَّ فِي يَدِ رَجُلٍ. (٤)

_________

(١) حديث: " اقسمه بين الناس. . . " أخرجه مسلم (٢ / ٩٤٧ - ط الحلبي) .

(٢) زاد المعاد لابن القيم ١ / ٢٣٢، ونسيم الرياض ٣ / ١٣٣.

(٣) حديث خالد بن الوليد. أخرجه الحاكم (٣ / ٢٩٩ - ط دائرة المعارف العثمانية) وقال الذهبي في تلخيصه: منقطع.

(٤) حديث أنس: " لقد رأيت رسول الله ﷺ. . . " أخرجه مسلم (٤ / ١٨١٢ - ط الحلبي) .

هـ - فِي سُؤْرِهِ وَطَعَامِهِ

١١ - ثَبَتَ أَنَّ الصَّحَابَةَ ﵃ كَانُوا يَتَنَافَسُونَ فِي سُؤْرِهِ ﷺ لِيَحُوزَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْبَرَكَةَ الَّتِي حَلَّتْ فِي الطَّعَامِ أَوِ الشَّرَابِ مِنْ قِبَل الرَّسُول ﷺ. (١) فَعَنْ سَهْل بْنِ سَعْدٍ ﵁: أَنَّ رَسُول اللَّهِ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ الأَْشْيَاخُ، فَقَال لِلْغُلاَمِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟ فَقَال الْغُلاَمُ: - وَهُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: وَاَللَّهِ يَا رَسُول اللَّهِ لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا، فَتَلَّهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي يَدِهِ. (٢)

وَعَنْ عَمِيرَةَ بِنْتِ مَسْعُودٍ ﵂: أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ هِيَ وَأَخَوَاتُهَا يُبَايِعْنَهُ، وَهُنَّ خَمْسٌ، فَوَجَدَتْهُ يَأْكُل قَدِيدَةً، فَمَضَغَ لَهُنَّ قَدِيدَةً، ثُمَّ نَاوَلَنِي الْقَدِيدَةَ، فَمَضَغَتْهَا كُل وَاحِدَةٍ قِطْعَةً قِطْعَةً، فَلَقِينَ اللَّهَ وَمَا وُجِدَ لأَِفْوَاهِهِنَّ خُلُوفٌ. (٣) وَفِي حَدِيثِ خُنْسِ بْنِ عَقِيلٍ: سَقَانِي

_________

(١) دليل الفالحين ٢ / ٥٦٨، وصحيح مسلم بشرح الإمام النووي ١٥ / ٤٠.

(٢) حديث سهل بن سعد. . . . أخرجه البخاري (الفتح ١٠ / ٨٦ - ط السلفية)، ومسلم (٣ / ١٦٧ - ط الحلبي) .

(٣) حديث عميرة بنت مسعود: أخرجه الطبراني (٢٤ / ٣٤١ - ط وزارة الأوقاف العراقية) وقال الهيثمي في المجمع (٨ / ٢٨٣ - ط القدسي): فيه إسحاق بن إدريس الأسواري وهو ضعيف.

رَسُول اللَّهِ ﷺ شَرْبَةً مِنْ سَوِيقٍ شَرِبَ أَوَّلَهَا وَشَرِبْتُ آخِرَهَا، فَمَا بَرِحْتُ أَجِدُ شِبَعَهَا إِذَا جُعْتُ، وَرَيَّهَا إِذَا عَطِشْتُ، وَبَرْدَهَا إِذَا ظَمِئْتُ. (١)

و فِي أَظَافِرِهِ ﷺ:

١٢ - ثَبَتَ أَنَّهُ ﷺ قَلَّمَ أَظَافِرَهُ، وَقَسَمَهَا بَيْنَ النَّاسِ لِلتَّبَرُّكِ بِهَا، فَقَدْ ذَكَرَ الإِْمَامُ أَحْمَدُ ﵀، مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ ﷺ عَلَى الْمَنْحَرِ وَرَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُوَ يَقْسِمُ أَضَاحِيَّ، فَلَمْ يُصِبْهُ مِنْهَا شَيْءٌ وَلاَ صَاحِبُهُ، فَحَلَقَ رَسُول اللَّهِ ﷺ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ، فَأَعْطَاهُ، فَقَسَمَ مِنْهُ عَلَى رِجَالٍ، وَقَلَّمَ أَظَافِرَهُ فَأَعْطَاهُ صَاحِبَهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ ثُمَّ قَلَّمَ أَظَافِرَهُ وَقَسَمَهَا بَيْنَ النَّاسِ. (٢)

ز - فِي لِبَاسِهِ وَأَوَانِيهِ:

١٣ - ثَبَتَ كَذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ ﵃ كَانُوا يَحْرِصُونَ عَلَى اقْتِنَاءِ مَلاَبِسِهِ وَأَوَانِيهِ لِلتَّبَرُّكِ بِهَا وَالاِسْتِشْفَاءِ.

" فَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ﵄: أَنَّهَا أَخْرَجَتْ جُبَّةً طَيَالِسَةً وَقَالَتْ: إِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ

_________

(١) حديث خنس بن عقيل: عزاه ابن حجر في الإصابة إلى قاسم بن ثابت في الدلائل (١ / ٣٥٨ ط مطبعة السعادة) .

(٢) حديث محمد بن زيد في تقليم الأظافر: أخرجه أحمد (٤ / ٤٢ - ط الميمنية) ورجاله ثقات. وانظر زاد المعاد ١ / ٢٣٢.

كَانَ يَلْبَسُهَا فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا. (١)

وَفِي رِوَايَةٍ: فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا نَسْتَشْفِي بِهَا. (٢)

وَرُوِيَ " عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْبَاجِيِّ قَال: كَانَتْ عِنْدَنَا قَصْعَةٌ مِنْ قِصَاعِ النَّبِيِّ ﷺ فَكُنَّا نَجْعَل فِيهَا الْمَاءَ لِلْمَرْضَى، يَسْتَشْفُونَ بِهَا، فَيُشْفَوْنَ بِهَا. (٣)

ح - فِي مَا لَمَسَهُ وَمُصَلاَّهُ:

١٤ - كَانَ الصَّحَابَةُ ﵃ يَتَبَرَّكُونَ فِيمَا تَلْمِسُ يَدُهُ الشَّرِيفَةُ ﷺ. (٤)

وَمِنْ ذَلِكَ بَرَكَةُ يَدِهِ فِيمَا لَمَسَهُ وَغَرَسَهُ لِسَلْمَانَ ﵁ حِينَ كَاتَبَهُ مَوَالِيهِ عَلَى ثَلاَثِمِائَةِ وَدِيَّةٍ وَهُوَ صِغَارُ النَّخْل يَغْرِسُهَا لَهُمْ كُلَّهَا، تُعَلَّقُ وَتُطْعَمُ، وَعَلَى أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَامَ ﷺ وَغَرَسَهَا لَهُ بِيَدِهِ، إِلاَّ وَاحِدَةً غَرَسَهَا غَيْرُهُ، فَأَخَذَتْ كُلُّهَا إِلاَّ تِلْكَ الْوَاحِدَةَ، فَقَلَعَهَا النَّبِيُّ ﷺ وَرَدَّهَا فَأَخَذَتْ وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَطْعَمَ النَّخْل مِنْ عَامِهِ إِلاَّ الْوَاحِدَةَ، فَقَلَعَهَا رَسُول اللَّهِ

_________

(١) حديث أسماء بنت أبي بكر أخرجه مسلم (٣ / ١٦٤١ - ط نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض٣ / ١٣٤.

(٢) نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض٣ / ١٣٤.

(٣) صحيح مسلم مع شرح الإمام النووي ١٤ / ١٢٣.

(٤) صحيح مسلم بشرح الإمام النووي ١٥ / ٨٢، والشفاء للقاضي عياض ١ / ٢٧٨.

ﷺ وَغَرَسَهَا فَأَطْعَمَتْ مِنْ عَامِهَا، وَأَعْطَاهُ مِثْل بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ، بَعْدَ أَنْ أَدَارَهَا عَلَى لِسَانِهِ، فَوَزَنَ مِنْهَا لِمَوَالِيهِ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةٍ، وَبَقِيَ عِنْدَهُ مِثْل مَا أَعْطَاهُمْ. (١)

وَوَضَعَ يَدَهُ الشَّرِيفَةَ ﷺ عَلَى رَأْسِ حَنْظَلَةَ بْنِ حِذْيَمٍ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، فَكَانَ حَنْظَلَةُ يُؤْتَى بِالرَّجُل قَدْ وَرِمَ وَجْهُهُ، وَالشَّاةِ قَدْ وَرِمَ ضَرْعُهَا، فَيُوضَعُ عَلَى مَوْضِعِ كَفِّ النَّبِيِّ ﷺ فَيَذْهَبُ الْوَرَمُ. (٢)

وَكَانَ يُؤْتَى إِلَيْهِ ﷺ بِالْمَرْضَى وَأَصْحَابِ الْعَاهَاتِ وَالْمَجَانِينِ فَيَمْسَحُ عَلَيْهِمْ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ ﷺ فَيَزُول مَا بِهِمْ مِنْ مَرَضٍ وَجُنُونٍ وَعَاهَةٍ. (٣)

وَكَذَلِكَ كَانُوا يَحْرِصُونَ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ النَّبِيُّ ﷺ فِي مَكَانٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ، لِيَتَّخِذُوهُ مُصَلًّى لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَحْصُل لَهُمْ بَرَكَةُ النَّبِيِّ ﷺ. فَعَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ ﵁ وَهُوَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا - قَال: كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بَنِي سَالِمٍ، وَكَانَ يَحُول بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَادٍ إِذَا جَاءَتِ الأَْمْطَارُ، فَيَشُقُّ عَلَيَّ اجْتِيَازُهُ قِبَل مَسْجِدِهِمْ، فَجِئْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ

_________

(١) حديث سلمان. . . أخرجه البزار (٣ / ٢٦٨ - كشف الأستار - ط الرسالة) وقال الهيثمي في المجمع (٩ / ٣٣٧ - ط القدسي): رجاله رجال الصحيح.

(٢) حديث حنظلة بن حذيم. أخرجه أحمد (٥ / ٦٧ - ٦٨ - ط الميمنية) وقال الهيثمي في المجمع (٩ / ٤١٨ - ط القدسي) رجاله ثقات.

(٣) نسيم الرياض ٣ / ١٤٧.

فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ الْوَادِيَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَ قَوْمِي يَسِيل إِذَا جَاءَتِ الأَْمْطَارُ فَيَشُقُّ عَلَيَّ اجْتِيَازُهُ، فَوَدِدْتُ أَنَّكُ تَأْتِي فَتُصَلِّي فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: سَأَفْعَل إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَغَدَا عَلَيَّ رَسُول اللَّهِ وَأَبُو بَكْرٍ ﵁ بَعْدَمَا اشْتَدَّ النَّهَارُ، وَاسْتَأْذَنَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَال: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَامَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَكَبَّرَ وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ. (١)

(٣) التَّبَرُّكُ بِمَاءِ زَمْزَمَ:

١٥ - ذَهَبَ الْعُلَمَاءُ إِلَى سُنِّيَّةِ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ لِمَطْلُوبِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ؛ لأَِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، لِقَوْلِهِ ﷺ: مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ. (٢)

(٤) التَّبَرُّكُ بِبَعْضِ الأَْزْمِنَةِ وَالأَْمَاكِنِ فِي النِّكَاحِ:

١٦ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى اسْتِحْبَابِ مُبَاشَرَةِ عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ، وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِلتَّبَرُّكِ بِهِمَا، فَقَدْ قَال الرَّسُول ﷺ: أَعْلِنُوا هَذَا

_________

(١) حديث عتبان مالك: أخرجه البخاري (الفتح ٢ / ٣٢٣ - ط السلفية) ومسلم (١ / ٤٥٥ - ط الحلبي) .

(٢) حديث: " ماء زمزم لما شرب له " أخرجه أحمد (٣ / ٣٥٧ - ط الميمنية) وصححه المنذري كما في المقاصد الحسنة للسخاوي (ص٣٥٧ - ط الخانجي) .