الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠ الصفحة 13

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠

تَبَرُّعٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - التَّبَرُّعُ لُغَةً: مَأْخُوذٌ مِنْ بَرَعَ الرَّجُل وَبَرُعَ بِالضَّمِّ أَيْضًا بَرَاعَةً، أَيْ: فَاقَ أَصْحَابَهُ فِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ بَارِعٌ، وَفَعَلْتُ كَذَا مُتَبَرِّعًا أَيْ: مُتَطَوِّعًا، وَتَبَرَّعَ بِالأَْمْرِ: فَعَلَهُ غَيْرَ طَالِبٍ عِوَضًا. (١)

وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ، فَلَمْ يَضَعِ الْفُقَهَاءُ تَعْرِيفًا لِلتَّبَرُّعِ، وَإِنَّمَا عَرَّفُوا أَنْوَاعَهُ كَالْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا، وَكُل تَعْرِيفٍ لِنَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الأَْنْوَاعِ يُحَدِّدُ مَاهِيَّتَهُ فَقَطْ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ مَعْنَى التَّبَرُّعِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْرِيفِهِمْ لِهَذِهِ الأَْنْوَاعِ، لاَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِ التَّبَرُّعِ بَذْل الْمُكَلَّفِ مَالًا أَوْ مَنْفَعَةً لِغَيْرِهِ فِي الْحَال أَوِ الْمَآل بِلاَ عِوَضٍ بِقَصْدِ الْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ غَالِبًا.

_________

(١) الصحاح للجوهري والمصباح مادة: (برع) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

التَّطَوُّعُ:

٢ - التَّطَوُّعُ: اسْمٌ لِمَا شُرِعَ زِيَادَةً عَلَى الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ (١) وَهُوَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ التَّبَرُّعِ، فَالتَّبَرُّعُ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا، وَقَدْ لاَ يَكُونُ وَاجِبًا، وَيَكُونُ التَّطَوُّعُ أَيْضًا فِي الْعِبَادَاتِ، وَهِيَ النَّوَافِل كُلُّهَا الزَّائِدَةُ عَنِ الْفُرُوضِ وَالْوَاجِبَاتِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلتَّبَرُّعِ:

٣ - حَثَّ الإِْسْلاَمُ عَلَى فِعْل الْخَيْرِ وَتَقْدِيمِ الْمَعْرُوفِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ، وَالتَّبَرُّعِ بِأَنْوَاعِهِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنَ الْخَيْرِ، فَيَكُونُ مَشْرُوعًا بِهَذِهِ الأَْدِلَّةِ.

أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (٢) فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ، وَهُوَ كُل مَعْرُوفٍ يُقَدَّمُ لِلْغَيْرِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِتَقْدِيمِ الْمَال أَمِ الْمَنْفَعَةِ.

وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَْقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ (٣)

وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَإِنَّ الأَْحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى أَعْمَال

_________

(١) التعريفات للجرجاني.

(٢) سورة المائدة / ٢.

(٣) سورة البقرة / ١٨٠.

الْخَيْرِ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَال: أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَال: إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا. قَال: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ: أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلاَ يُبْتَاعُ، وَلاَ يُورَثُ، وَلاَ يُوهَبُ. قَال: فَتَصَدَّقَ عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ، وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيل اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيل، وَالضَّيْفِ، لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُل مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا، غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ

. (١) قَال: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدًا. فَلَمَّا بَلَغْتُ هَذَا الْمَكَانَ: غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ، قَال مُحَمَّدٌ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا.

قَال ابْنُ عَوْنٍ: وَأَنْبَأَنِي مَنْ قَرَأَ هَذَا الْكِتَابَ، أَنَّ فِيهِ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا.

وَمِنْهَا قَوْلُهُ ﷺ: تَهَادَوْا تَحَابُّوا (٢) وَقَوْلُهُ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ ﵎ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ زِيَادَةً فِي حَيَاتِكُمْ؛ لِيَجْعَلَهَا

_________

(١) حديث: " إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها. . . . " أخرجه البخاري (الفتح ٥ / ٣٥٤ - ٣٥٥ - ط السلفية) . ومسلم (٣ / ١٢٥٥ - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.

(٢) حديث: " تهادوا تحابوا " أخرجه البخاري في الأدب المفرد (برقم ٥٩٤ ص ١٥٥ - ط السلفية) وجوده السخاوي في المقاصد (ص ١٦٦ - ط الخانجي) .

لَكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ. (١)

وَأَمَّا الإِْجْمَاعُ فَقَدِ اتَّفَقَتِ الأُْمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّبَرُّعِ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ. (٢)

٤ - وَالتَّبَرُّعَاتُ أَنْوَاعٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا: تَبَرُّعٌ بِالْعَيْنِ، وَمِنْهَا تَبَرُّعٌ بِالْمَنْفَعَةِ، وَتَكُونُ التَّبَرُّعَاتُ، حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً، أَوْ مُضَافَةً إِلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالتَّبَرُّعُ بِأَنْوَاعِهِ يَدُورُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ بِأَقْسَامِهِ.

٥ - وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّبَرُّعَ لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ تَكْلِيفِيٌّ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا تَعْتَرِيهِ الأَْحْكَامُ الْخَمْسَةُ: فَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا، وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا، وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا؛ تَبَعًا، لِحَالَةِ التَّبَرُّعِ وَالْمُتَبَرَّعِ لَهُ وَالْمُتَبَرَّعِ بِهِ.

فَإِنْ كَانَ التَّبَرُّعُ وَصِيَّةً، فَتَكُونُ وَاجِبَةً لِتَدَارُكِ قُرْبَةٍ فَاتَتْهُ كَزَكَاةٍ أَوْ حَجٍّ، وَتَكُونُ مَنْدُوبَةً إِذَا كَانَ وَرَثَتُهُ أَغْنِيَاءَ وَهِيَ فِي حُدُودِ الثُّلُثِ، وَتَكُونُ حَرَامًا إِذَا أَوْصَى لِمَعْصِيَةٍ أَوْ بِمُحَرَّمٍ، وَتَكُونُ مَكْرُوهَةً إِذَا أَوْصَى لِفَقِيرٍ أَجْنَبِيٍّ وَلَهُ فَقِيرٌ قَرِيبٌ، وَتَكُونُ مُبَاحَةً إِذَا أَوْصَى بِأَقَل مِنَ الثُّلُثِ لِغَنِيٍّ أَجْنَبِيٍّ وَوَرَثَتُهُ أَغْنِيَاءُ.

_________

(١) حديث: " إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم. . . " أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (٤ / ٢١٢ - ط القدسي) وقال عن طرقه ابن حجر في بلوغ المرام (ص ٢٢١ - ط عبد الحميد حنفي): كلها ضعيفة، لكن قد يقوي بعضها بعضا.

(٢) مغني المحتاج ٢ / ٢٧٦.

وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي بَاقِي التَّبَرُّعَاتِ كَالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ. (١) .

أَرْكَانُ التَّبَرُّعِ:

٦ - التَّبَرُّعُ أَسَاسُهُ الْعَقْدُ، وَلاَ بُدَّ مِنْ تَوَافُرِ أَرْكَانِ الْعَقْدِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عَدَدِ هَذِهِ الأَْرْكَانِ.

فَالْجُمْهُورُ يَرَوْنَ أَنَّ لِلتَّبَرُّعِ أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ: مُتَبَرِّعٌ، وَمُتَبَرَّعٌ لَهُ، وَمُتَبَرَّعٌ بِهِ، وَصِيغَةٌ. فَالْمُتَبَرِّعُ هُوَ الْمُوصِي أَوِ الْوَاهِبُ أَوِ الْوَاقِفُ أَوِ الْمُعِيرُ. وَالْمُتَبَرَّعُ لَهُ قَدْ يَكُونُ الْمُوصَى لَهُ أَوِ الْمَوْهُوبَ لَهُ أَوِ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ أَوِ الْمُسْتَعِيرَ. وَالْمُتَبَرَّعُ بِهِ قَدْ يَكُونُ مُوصًى بِهِ أَوْ مَوْهُوبًا أَوْ مَوْقُوفًا أَوْ مُعَارًا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَالصِّيغَةُ هِيَ الَّتِي تُنْشِئُ التَّبَرُّعَ وَتُبَيِّنُ إِرَادَةَ الْمُتَبَرِّعِ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلِلتَّبَرُّعِ عِنْدَهُمْ رُكْنٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الصِّيغَةُ، وَالْخِلاَفُ عِنْدَهُمْ فِيمَا تَتَحَقَّقُ بِهِ هَذِهِ الصِّيغَةُ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ تَبَعًا لِنَوْعِ التَّبَرُّعِ (٢) .

_________

(١) بدائع الصنائع ٧ / ٣٣٠ - ٣٣١ ط بولاق، والحطاب ٥ / ٢٢٤، والبهجة شرح التحفة ٢ / ٢٣٦، والدسوقي ٤ / ٣٧٦، ومغني المحتاج ٢ / ٢٦٤، ٣٩٦، والمغني ٥ / ٣٥٤، ٦ / ٤١٤ - ٤١٨.

(٢) بدائع الصنائع ٧ / ٣٣١ - ٣٣٣، والدسوقي مع الشرح الكبير ٣ / ٣٨٩ - ٣٩١، ٤ / ٦٩، ٧٦، ٣٧٥، ٣٩٠، وبداية المجتهد ٢ / ٢٥١ ط دار الفكر ومغني المحتاج ٢ / ٢٦٤ - ٢٦٦، ٣٧٦، ٣٧٩ - ٣٨١، ٣٩٧، ٣ / ٣٩ - ٤٠، ٤٤، ٥٣، والمغني ٥ / ١٩٠، ٦ / ٤٤٠.

شُرُوطُ التَّبَرُّعِ:

٧ - لِكُل نَوْعٍ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ شُرُوطٌ إِذَا تَحَقَّقَتْ كَانَ التَّبَرُّعُ صَحِيحًا. وَإِذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ كَثِيرَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ، فَبَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَبَرِّعِ، وَبَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَبَرَّعِ لَهُ، وَبَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَبَرَّعِ بِهِ، وَبَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّيغَةِ، وَتَفْصِيل شُرُوطِ كُل نَوْعٍ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ فِي مُصْطَلَحِهِ. (١)

آثَارُ التَّبَرُّعِ:

٨ - التَّبَرُّعُ إِذَا تَمَّ بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّةِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ انْتِقَال الْمُتَبَرَّعِ بِهِ إِلَى الْمُتَبَرَّعِ لَهُ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلاَفِ الْمُتَبَرَّعِ بِهِ.

فَفِي الْوَصِيَّةِ مَثَلًا يَنْتَقِل الْمِلْكُ مِنَ الْمُوصِي بَعْدَ وَفَاتِهِ إِلَى الْمُوصَى لَهُ بِقَبُولِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُوصَى بِهِ أَعْيَانًا أَمْ مَنَافِعَ، وَفِي الْهِبَةِ يَنْتَقِل مِلْكُ الْمَوْهُوبِ مِنَ الْوَاهِبِ إِلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ إِذَا قَبَضَهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَيَتَوَقَّفُ انْتِقَالُهُ عَلَى الْقَبْضِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَفِي الْعَارِيَّةِ يَنْتَقِل حَقُّ الاِنْتِفَاعِ إِلَى الْمُسْتَعِيرِ انْتِقَالًا مُؤَقَّتًا، وَأَمَّا الْوَقْفُ

_________

(١) بدائع الصنائع ٣ / ٣٣١، ٣٣٤، ٣٣٥، ٣٣٧ - ٣٣٨، والدسوقي مع الشرح الكبير٤ / ٣٨٠، ٣٩٠، ومغني المحتاج ٢ / ٢٦٤ - ٢٦٦، ٣٧٦، ٣٩٧، ٣ / ٣٩ - ٤٠، ٤٧، والمغني ٦ / ٤٤٠.

فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي انْتِقَال الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ: (١) أَنَّ الْوَقْفَ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَيَبْقَى عَلَى مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ (٢) وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ لَمَّا وَقَفَ أَسْهُمًا لَهُ بِخَيْبَرَ قَال لَهُ النَّبِيُّ ﵊: حَبِّسْ أَصْلَهَا (٣) فَاسْتَنْبَطُوا مِنْ ذَلِكَ النَّصِّ بَقَاءَ الْمَوْقُوفِ عَلَى مِلْكِ وَاقِفِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ التَّبَرُّعَ يُنْتِجُ أَثَرًا شَرْعِيًّا، وَهُوَ انْتِقَال الْمِلْكِ فِي الْعَيْنِ أَوِ الْمَنْفَعَةِ مِنَ الْمُتَبَرِّعِ إِلَى الْمُتَبَرَّعِ لَهُ إِذَا تَمَّ الْعَقْدُ بِشُرُوطِهِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلاَتٌ وَاخْتِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي (عَارِيَّةٌ. هِبَةٌ. وَقْفٌ. وَصِيَّةٌ. إِلَخْ) .

مَا يَنْتَهِي بِهِ التَّبَرُّعُ:

٩ - انْتِهَاءُ التَّبَرُّعِ قَدْ يَكُونُ بِبُطْلاَنِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْ أَحَدٍ، وَقَدْ يَكُونُ بِفِعْل التَّبَرُّعِ أَوْ غَيْرِهِ. وَالأَْصْل فِي التَّبَرُّعِ عَدَمُ انْتِهَائِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ، بِاسْتِثْنَاءِ الإِْعَارَةِ لأَِنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ. وَبِاسْتِعْرَاضِ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ فِي انْتِهَاءِ التَّبَرُّعِ

_________

(١) بدائع الصنائع ٧ / ٣٨٥ وما بعدها ط بولاق، ٨ / ٣٨٩٨، ٣٩١٣ ط الإمام.

(٢) مغني المحتاج ٢ / ٣٨٢، والمغني لابن قدامة ٦ / ١٩٠، والشرح الكبير ٤ / ٧٦ ط الحلبي.

(٣) حديث: " حبس أصلها " سبق تخريجه (ف ٣) .

يَتَبَيَّنُ أَنَّ الاِنْتِهَاءَ يَتَّسِعُ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ التَّبَرُّعِ، وَيَضِيقُ فِي بَعْضِهَا الآْخَرِ، وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى فَقَدْ يَكُونُ إِنْهَاءُ بَعْضِ التَّبَرُّعَاتِ غَيْرَ مُمْكِنٍ كَالْوَقْفِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ أَمْرًا حَتْمِيًّا كَالإِْعَارَةِ. (١)

وَتَفْصِيل مَا يَتَعَلَّقُ بِكُل نَوْعٍ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِهِ.

_________

(١) بدائع الصنائع ٧ / ٣٩٤ ط بولاق والمبسوط ٢ / ٤١، وفتح القدير ٦ / ٤٨ ط الحلبي، وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٩٤، ٤ / ٦٩ - ٧٦، ٩٩ وما بعدها ٣٧٩ - ٣٨٠، ومغني المحتاج ٢ / ٤٠١ - ٤٠٣، ٣ / ٥٤، ٧١، ٧٢، والمغني ٦ / ٢٧٧، ٢٨٠، ٤٣٥، ٤٣٨، ٤٨٠، ومنار السبيل ١ / ٤٣٠.

تَبَرُّكٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - التَّبَرُّكُ لُغَةً: طَلَبُ الْبَرَكَةِ، وَالْبَرَكَةُ هِيَ: النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ، وَالتَّبْرِيكُ: الدُّعَاءُ لِلإِْنْسَانِ بِالْبَرَكَةِ. وَبَارَكَ اللَّهُ الشَّيْءَ وَبَارَكَ فِيهِ وَعَلَيْهِ: وَضَعَ فِيهِ الْبَرَكَةَ، وَفِي التَّنْزِيل: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ (١) وَتَبَرَّكْتُ بِهِ: تَيَمَّنْتُ بِهِ. قَال الرَّاغِبُ الأَْصْفَهَانِيُّ: الْبَرَكَةُ ثُبُوتُ الْخَيْرِ الإِْلَهِيِّ فِي الشَّيْءِ. قَال تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْل الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ﴾ (٢) ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ﴾ (٣) تَنْبِيهًا عَلَى مَا يُفِيضُ بِهِ مِنَ الْخَيْرَاتِ الإِْلَهِيَّةِ. (٤)

وَعَلَى هَذَا فَالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلتَّبَرُّكِ هُوَ: طَلَبُ ثُبُوتِ الْخَيْرِ الإِْلَهِيِّ فِي الشَّيْءِ.

_________

(١) سورة الأنعام / ٩٢.

(٢) سورة الأعراف / ٩٦.

(٣) سورة الأنبياء / ٥٠.

(٤) لسان العرب، والمصباح المنير مادة (برك) والمفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني.

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - التَّوَسُّل:

٢ - التَّوَسُّل لُغَةً: التَّقَرُّبُ. يُقَال: تَوَسَّل الْعَبْدُ إِلَى رَبِّهِ بِوَسِيلَةٍ إِذَا تَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِعَمَلٍ. (١) وَفِي التَّنْزِيل: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ . (٢)

ب - الشَّفَاعَةُ:

٣ - الشَّفَاعَةُ: لُغَةً مِنْ مَادَّةِ شَفَعَ، وَيُقَال: اسْتَشْفَعْتُ بِهِ: طَلَبْتُ مِنْهُ الشَّفَاعَةَ. وَقَال الرَّاغِبُ الأَْصْفَهَانِيُّ: الشَّفَاعَةُ الاِنْضِمَامُ إِلَى آخَرَ نَاصِرًا لَهُ وَسَائِلًا عَنْهُ، وَشَفَّعَ وَتَشَفَّعَ: طَلَبَ الشَّفَاعَةَ، وَالشَّفَاعَةُ: كَلاَمُ الشَّفِيعِ لِلْمَلِكِ فِي حَاجَةٍ يَسْأَلُهَا لِغَيْرِهِ، وَالشَّافِعُ: الطَّالِبُ لِغَيْرِهِ، وَشَفَعَ إِلَيْهِ فِي مَعْنَى: طَلَبَ إِلَيْهِ قَضَاءَ حَاجَةِ الْمَشْفُوعِ لَهُ. (٣)

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الضَّرَاعَةُ وَالسُّؤَال فِي التَّجَاوُزِ عَنْ ذُنُوبِ الْمَشْفُوعِ لَهُ أَوْ قَضَاءِ حَاجَتِهِ.

ج - الاِسْتِغَاثَةُ:

٤ - الاِسْتِغَاثَةُ لُغَةً: طَلَبُ الْغَوْثِ، وَفِي التَّنْزِيل: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ (٤) وَأَغَاثَهُ

_________

(١) لسان العرب، والمصباح المنير، ومختار الصحاح مادة: (وسل) .

(٢) سورة المائدة / ٣٥.

(٣) لسان العرب، وغريب القرآن للأصفهاني مادة (شفع) .

(٤) سورة الأنفال / ٩.