الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٩ الصفحة 9

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٩

وَهَكَذَا. فَهَذَا الْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لأَِنَّ السِّلْعَةَ مَعْلُومَةٌ وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ.

٨ - أَنْ يَضَعَ عِنْدَ الْبَيَّاعِ دِرْهَمًا، وَيَقُول لَهُ: آخُذُ بِهِ مِنْكُ كَذَا وَكَذَا مِنَ التَّمْرِ مَثَلًا، أَوْ كَذَا وَكَذَا مِنَ اللَّبَنِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. يُقَدِّرُ مَعَهُ فِيهِ سِلْعَةً مَا، وَيُقَدِّرُ ثَمَنَهَا قَدْرًا مَا، وَيَتْرُكُ السِّلْعَةَ يَأْخُذُهَا مَتَى شَاءَ، أَوْ يُؤَقِّتُ لَهَا وَقْتًا يَأْخُذُهَا فِيهِ، فَهَذَا الْبَيْعُ جَائِزٌ أَيْضًا.

٩ - أَنْ يَتْرُكَ عِنْدَ الْبَيَّاعِ دِرْهَمًا فِي سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا فِي كُل يَوْمٍ بِسِعْرِهِ، وَعَقَدَا عَلَى ذَلِكَ الْبَيْعَ، فَهَذَا الْبَيْعُ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لأَِنَّ مَا عَقَدَا عَلَيْهِ مِنَ الثَّمَنِ مَجْهُولٌ، وَذَلِكَ مِنَ الْغَرَرِ الَّذِي يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ.

١٠ - أَنْ يَأْخُذَ الإِْنْسَانُ مِنَ الْبَيَّاعِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ، فَيَأْخُذَ كُل يَوْمٍ وَزْنًا مَعْلُومًا بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ، وَالثَّمَنُ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، أَوْ إِلَى الْعَطَاءِ إِذَا كَانَ الْعَطَاءُ مَعْلُومًا مَأْمُونًا، فَهَذَا الْبَيْعُ جَائِزٌ (١) .

مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ:

لِبَيْعِ الاِسْتِجْرَارِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ صُورَتَانِ:

١١ - إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَأْخُذَ الإِْنْسَانُ مِنَ الْبَيَّاعِ مَا يَحْتَاجُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلاَ يُعْطِيهِ شَيْئًا، وَلاَ يَتَلَفَّظَانِ بِبَيْعٍ، بَل نَوَيَا أَخْذَهُ بِثَمَنِهِ الْمُعْتَادِ،

_________

(١) المنتقى شرح الموطأ للباجي ٥ / ١٥ ط السعادة، والمدونة ٤ / ٢٩٢.

وَيُحَاسِبُهُ بَعْدَ مُدَّةٍ وَيُعْطِيهِ، كَمَا يَفْعَل كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ.

قَال النَّوَوِيُّ: هَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلاَ خِلاَفٍ (أَيْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) لأَِنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لَفْظِيٍّ وَلاَ مُعَاطَاةً.

قَال الأَْذْرَعِيُّ: وَهَذَا مَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيُّ، وَذَكَرَ ابْنُ الصَّلاَحِ نَحْوَهُ فِي فَتَاوِيهِ. وَتَسَامَحَ الْغَزَالِيُّ فَأَبَاحَ هَذَا الْبَيْعَ، لأَِنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِهِ، وَهُوَ عُمْدَتُهُ فِي إِبَاحَتِهِ.

وَقَال الأَْذْرَعِيُّ: قَوْل النَّوَوِيِّ - إِنَّ هَذَا لاَ يُعَدُّ مُعَاطَاةً وَلاَ بَيْعًا - فِيهِ نَظَرٌ، بَل يَعُدُّهُ النَّاسُ بَيْعًا، وَالْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ قَدْرُ ثَمَنِ الْحَاجَةِ مَعْلُومًا لَهُمَا عِنْدَ الأَْخْذِ وَالْعَطَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضَا لَهُ لَفْظًا.

١٢ - الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُول الإِْنْسَانُ لِلْبَيَّاعِ: أَعْطِنِي بِكَذَا لَحْمًا أَوْ خُبْزًا مَثَلًا، فَيَدْفَعَ إِلَيْهِ مَطْلُوبَهُ فَيَقْبِضَهُ وَيَرْضَى بِهِ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يُحَاسِبَهُ وَيُؤَدِّي مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ، فَهَذَا الْبَيْعُ مَجْزُومٌ بِصِحَّتِهِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ الْمُعَاطَاةَ (١) .

مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ:

١٣ - مَسَائِل بَيْعِ الاِسْتِجْرَارِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْبَيْعِ بِغَيْرِ ذِكْرِ الثَّمَنِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمِرْدَاوِيُّ فِي الإِْنْصَافِ هَذِهِ الْمَسَائِل فَقَال:

_________

(١) المجموع ٩ / ١٥٠، ١٥١، ومغني المحتاج ٢ / ٤، وأسنى المطالب ٢ / ٣، وحاشية الشرواني على تحفة المحتاج ٤ / ٢١٦، ٢١٧.

الْبَيْعُ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ لاَ يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الأَْصْحَابُ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ: يَصِحُّ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ، وَقَال: هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ.

وَمِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ كَوْنُ الثَّمَنِ مَعْلُومًا حَال الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الأَْصْحَابُ، وَاخْتَارَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ الثَّمَنُ، وَلَهُ ثَمَنُ الْمِثْل، نَظِيرُهُ: صِحَّةُ النِّكَاحِ بِدُونِ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْل (١) .

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي فَوَائِدِهِ عَلَى مُشْكِل الْمُحَرَّرِ (٢) اخْتِلاَفَ الرِّوَايَاتِ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ فِي مَسَائِل الْبَيْعِ بِغَيْرِ ذِكْرِ الثَّمَنِ، وَأَوْرَدَ صُورَتَيْنِ اخْتَلَفَ فِيهِمَا رَأْيُ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، فَلَمْ يُجِزِ الْبَيْعَ فِي إِحْدَاهُمَا، وَأَجَازَهُ فِي الأُْخْرَى.

١٤ - قَال الْخَلاَّل فِي الْبَيْعِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ مُسَمًّى، عَنْ حَرْبٍ: سَأَلْتُ الإِْمَامَ أَحْمَدَ قُلْتُ: الرَّجُل يَقُول لِرَجُلٍ: ابْعَثْ لِي جَرِيبًا مِنْ بُرٍّ، وَاحْسِبْهُ عَلَيَّ بِسِعْرِ مَا تَبِيعُ. قَال: لاَ يَجُوزُ هَذَا حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُ السِّعْرَ.

وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ قُلْتُ لِلإِْمَامِ أَحْمَدَ: الرَّجُل يَأْخُذُ مِنَ الرَّجُل سِلْعَةً فَيَقُول: أَخَذْتُهَا مِنْكَ عَلَى مَا تَبِيعُ الْبَاقِيَ، قَال: لاَ يَجُوزُ، وَعَنْ

_________

(١) الإنصاف ٤ / ٣١٠.

(٢) النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر ١ / ٢٩٨، ٢٩٩.

حَنْبَلٍ قَال عَمِّي: أَنَا أَكْرَهُهُ، لأَِنَّهُ بَيْعُ مَجْهُولٍ، وَالسِّعْرُ يَخْتَلِفُ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ.

فِي هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ لاَ يُجِيزُ الإِْمَامُ أَحْمَدُ هَذَا الْبَيْعَ.

١٥ - أَمَّا رِوَايَتَا الْجَوَازِ فَهُمَا: قَال أَبُو دَاوُدَ فِي مَسَائِلِهِ: بَابٌ فِي الشِّرَاءِ وَلاَ يُسَمَّى الثَّمَنُ. سَمِعْتُ أَحْمَدَ سُئِل عَنِ الرَّجُل يَبْعَثُ إِلَى الْبَقَّال، فَيَأْخُذُ مِنْهُ الشَّيْءَ بَعْدَ الشَّيْءِ، ثُمَّ يُحَاسِبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، قَال: أَرْجُو أَنْ لاَ يَكُونَ بِذَلِكَ بَأْسٌ، قِيل لأَِحْمَدَ: يَكُونُ الْبَيْعُ سَاعَتَئِذٍ؟ قَال: لاَ.

قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الثَّمَنِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ، وَأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الْقَبْضِ وَإِنَّمَا كَانَ وَقْتَ التَّحَاسُبِ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ: صِحَّةُ الْبَيْعِ بِالسِّعْرِ، أَيِ السِّعْرِ الْمَعْهُودِ بَيْعُهُ بِهِ. وَعَنْ مُثَنَّى بْنِ جَامِعٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي الرَّجُل يَبْعَثُ إِلَى مُعَامِلٍ لَهُ، لِيَبْعَثَ إِلَيْهِ بِثَوْبٍ، فَيَمُرُّ بِهِ فَيَسْأَلُهُ عَنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ فَيُخْبِرُهُ، فَيَقُول لَهُ: اكْتُبْهُ. وَالرَّجُل يَأْخُذُ التَّمْرَ فَلاَ يَقْطَعُ ثَمَنَهُ، ثُمَّ يَمُرُّ بِصَاحِبِ التَّمْرِ فَيَقُول لَهُ: اكْتُبْ ثَمَنَهُ؟ فَأَجَازَهُ إِذَا ثَمَّنَهُ بِسِعْرِ يَوْمِ أَخْذِهِ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الشِّرَاءِ بِثَمَنِ الْمِثْل وَقْتَ الْقَبْضِ لاَ وَقْتَ الْمُحَاسَبَةِ، سَوَاءٌ أَذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَمْ أَطْلَقَ لَفْظَ الأَْخْذِ زَمَنَ الْبَيْعِ. وَرِوَايَةُ الْجَوَازِ هَذِهِ هِيَ مَا اخْتَارَهَا وَأَخَذَ بِهَا

ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ الْقَيِّمِ. يَقُول ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إِعْلاَمِ الْمُوَقِّعِينَ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَصُورَتُهَا: الْبَيْعُ مِمَّنْ يُعَامِلُهُ مِنْ خَبَّازٍ أَوْ لَحَّامٍ أَوْ سَمَّانٍ أَوْ غَيْرِهِمْ، يَأْخُذُ مِنْهُ كُل يَوْمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا، ثُمَّ يُحَاسِبُهُ عَنْ رَأْسِ الشَّهْرِ أَوِ السَّنَةِ عَلَى الْجَمِيعِ، وَيُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ. فَمَنَعَهُ الأَْكْثَرُونَ، وَجَعَلُوا الْقَبْضَ فِيهِ غَيْرَ نَاقِلٍ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ قَبْضٌ فَاسِدٌ يَجْرِي مَجْرَى الْمَقْبُوضِ بِالْغَصْبِ، لأَِنَّهُ مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، هَذَا وَكُلُّهُمْ إِلاَّ مَنْ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ يَفْعَل ذَلِكَ، وَلاَ يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا، وَهُوَ يُفْتِي بِبُطْلاَنِهِ، وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَلاَ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ بِمُسَاوَمَتِهِ لَهُ عِنْدَ كُل حَاجَةٍ يَأْخُذُهَا قَل ثَمَنُهَا أَوْ كَثُرَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ شَرَطَ الإِْيجَابَ وَالْقَبُول لَفْظًا، فَلاَ بُدَّ مَعَ الْمُسَاوِمَةِ أَنْ يَقْرِنَ بِهَا الإِْيجَابَ وَالْقَبُول لَفْظًا.

١٦ - قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: الْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، وَهُوَ عَمَل النَّاسِ فِي كُل عَصْرٍ وَمِصْرٍ: جَوَازُ الْبَيْعِ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ، وَهُوَ مَنْصُوصُ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا (يَعْنِي ابْنَ تَيْمِيَّةَ) وَسَمِعْتُهُ يَقُول: هُوَ أَطْيَبُ لِقَلْبِ الْمُشْتَرِي مِنَ الْمُسَاوَمَةِ، يَقُول لِي: أُسْوَةً بِالنَّاسِ، آخُذُ بِمَا يَأْخُذُ بِهِ غَيْرِي، قَال: وَالَّذِينَ يَمْنَعُونَ ذَلِكَ لاَ يُمْكِنُهُمْ تَرْكُهُ، بَل هُمْ وَاقِعُونَ فِيهِ، وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ سُنَّةِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَلاَ إِجْمَاعِ الأَْمَةِ وَلاَ قَوْل صَاحِبٍ وَلاَ قِيَاسٍ

صَحِيحٍ مَا يُحَرِّمُهُ، وَقَدْ أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْل، وَأَكْثَرُهُمْ يُجَوِّزُونَ عَقْدَ الإِْجَارَةِ بِأُجْرَةِ الْمِثْل، كَالْغَسَّال وَالْخَبَّازِ وَالْمَلاَّحِ وَقَيِّمِ الْحَمَّامِ وَالْمُكَارِي، فَغَايَةُ الْبَيْعِ بِالسِّعْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ بِثَمَنِ الْمِثْل، فَيَجُوزُ كَمَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ بِثَمَنِ الْمِثْل فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَغَيْرِهَا، فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ، وَلاَ تَقُومُ مَصَالِحُ النَّاسِ إِلاَّ بِهِ (١) .

بَيْعُ الاِسْتِنَامَةِ

انْظُرْ: اسْتِرْسَالٌ

_________

(١) إعلام الموقعين ٤ / ٥، ٦.

بَيْعُ الأَْمَانَةِ

التَّعْرِيفُ:

١ - الأَْمَانَةُ لُغَةً: الاِطْمِئْنَانُ، يُقَال: أَمِنَ أَمْنًا وَأَمَانًا وَأَمَنَةً: إِذَا اطْمَأَنَّ وَلَمْ يَخَفْ، فَهُوَ آمِنٌ وَأَمِنٌ وَأَمِينٌ. وَأُمِنَ الرَّجُل وَأَمِنَ أَيْضًا: صَارَ أَمِينًا، وَالْمَصْدَرُ: الأَْمَانَةُ. وَاسْتُعْمِل فِي الأَْعْيَانِ مَجَازًا فَقِيل: الْوَدِيعَةُ مَثَلًا أَمَانَةٌ.

وَأَمَّنَ فُلاَنًا عَلَى كَذَا: وَثِقَ بِهِ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ (١) .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: يُطْلَقُ (بَيْعُ الأَْمَانَةِ) عَلَى مَا فِيهِ اطْمِئْنَانٌ مِنْ قِبَل الْبَائِعِ، لأَِنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَبَيْعُ الأَْمَانَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الثِّقَةِ وَالاِطْمِئْنَانِ فِي التَّعَامُل بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ.

أَنْوَاعُ بَيْعِ الأَْمَانَةِ:

٢ - بَيْعُ الأَْمَانَةِ يُطْلَقُ عَلَى بَيْعِ الْوَفَاءِ، وَبَيْعِ التَّلْجِئَةِ، وَبَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَالْوَضِيعَةِ، وَالإِْشْرَاكِ، وَبَيْعِ الْمُسْتَرْسِل أَوِ الْبَيْعِ بِسِعْرِ السُّوقِ.

_________

(١) المصباح والمعجم الوسيط مادة " أمن ".

وَهَذِهِ الأَْمَانَةُ وَالثِّقَةُ تَارَةً تَكُونُ مَطْلُوبَةً مِنْ قِبَل الْمُشْتَرِي، وَتَارَةً تَكُونُ مَطْلُوبَةً مِنْ قِبَل الْبَائِعِ.

٣ - فَإِنْ كَانَتْ مَطْلُوبَةً مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهَا تَتَحَقَّقُ بِبَيْعِ الْوَفَاءِ؛ لأَِنَّ الْمُشْتَرِي أَمِينٌ عَلَى الْمَبِيعِ حَتَّى يَرُدَّ لَهُ الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَهُ، وَيَأْخُذَ الْبَائِعُ مَبِيعَهُ.

أَمَّا إِذَا كَانَتْ مَطْلُوبَةً مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ - وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الصِّدْقُ بِثَمَنِ مَبِيعِهِ وَشِرَائِهِ لَهُ - فَإِذَا كَانَ الْبَيْعُ بِمِثْل الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلاَ نُقْصَانٍ فَهُوَ بَيْعُ التَّوْلِيَةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْعُ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِبَعْضِ الثَّمَنِ فَهُوَ بَيْعُ إِشْرَاكٍ، وَإِنْ كَانَ بِالثَّمَنِ مَعَ زِيَادَةٍ فَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ، وَإِنْ كَانَ بِأَقَل مِنَ الثَّمَنِ فَهُوَ بَيْعُ الْوَضِيعَةِ أَوِ الْحَطِيطَةِ.

وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْمَبِيعَ، مِنْ مُسَاوَاةٍ أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، وَكَانَ بِسِعْرِ السُّوقِ، فَهُوَ بَيْعُ الْمُسْتَرْسِل أَوِ الْبَيْعُ بِسِعْرِ السُّوقِ.

٤ - وَيُقَابِل بَيْعُ الأَْمَانَةِ بَيْعَ الْمُسَاوَمَةِ، وَهُوَ الْبَيْعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي يَتَرَاضَى عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى الثَّمَنِ الأَْوَّل الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْبَائِعُ.

بَيْعُ الْوَفَاءِ:

٥ - هُوَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنَّ الْبَائِعَ مَتَى رَدَّ الثَّمَنَ يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ

بِالشَّرْطِ. وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ (بَيْعَ الأَْمَانَةِ) عِنْدَ مَنْ سَمَّاهُ كَذَلِكَ مِنَ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِهِ لأَِنَّ الْمَبِيعَ بِمَنْزِلَةِ الأَْمَانَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، لاَ يَحِقُّ لَهُ فِيهِ التَّصَرُّفُ النَّاقِل لِلْمِلْكِ إِلاَّ لِبَائِعِهِ، وَيُسَمِّيهِ الْمَالِكِيَّةُ " بَيْعَ الثُّنْيَا " وَالشَّافِعِيَّةُ " بَيْعَ الْعُهْدَةِ " وَالْحَنَابِلَةُ " بَيْعَ الأَْمَانَةِ ".

وَقَدْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَالْمُتَقَدِّمُونَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ إِلَى: أَنَّ بَيْعَ الْوَفَاءِ فَاسِدٌ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ إِلَى جَوَازِهِ.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا إِلَى أَنَّ بَيْعَ الْوَفَاءِ رَهْنٌ، وَيَثْبُتُ لَهُ جَمِيعُ أَحْكَامِهِ (١) . وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (بَيْعُ الْوَفَاءِ) .

بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ:

٦ - الْمُرَابَحَةُ مَصْدَرُ رَابَحَ. تَقُول: بِعْتُهُ الْمَتَاعَ أَوِ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ مُرَابَحَةً: إِذَا سَمَّيْتَ لِكُل قَدْرٍ مِنَ الثَّمَنِ رِبْحًا (٢) .

وَاصْطِلاَحًا: بَيْعُ مَا مَلَكَهُ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ وَبِفَضْلٍ. أَوْ هُوَ: بَيْعُ السِّلْعَةِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ وَزِيَادَةِ رِبْحٍ مَعْلُومٍ لَهُمَا.

_________

(١) ابن عابدين ٤ / ٢٤٦، والبحر الرائق ٦ / ٨، ومعين الحكام ص ١٨٤، والفتاوى الهندية ٣ / ٢٠٨، ومجلة الأحكام العدلية م (١١٨)، والحطاب ٤ / ٣٧٣، وبغية المسترشدين ص ١٣٣، وكشاف القناع ٣ / ١٤٩ - ١٥٠.

(٢) المصباح المنير.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ لَفْظَ الْمُرَابَحَةِ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَفِي الْمُسَاوَاةِ وَالْوَضِيعَةِ، إِلاَّ أَنَّ النَّوْعَ الْغَالِبَ فِي الْمُرَابَحَةِ الْكَثِيرَ الْوُقُوعِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ.

وَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ مِنَ الْبُيُوعِ الْجَائِزَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ خِلاَفُ الأَْوْلَى، وَتَرْكُهُ أَحَبُّ، لِكَثْرَةِ مَا يَحْتَاجُ الْبَائِعُ فِيهِ إِلَى الْبَيَانِ (١) . فَالأَْوْلَى عِنْدَهُمُ الْبَيْعُ بِطَرِيقِ الْمُسَاوَمَةِ.

بَيْعُ التَّوْلِيَةِ:

٧ - هُوَ نَقْل جَمِيعِ الْمَبِيعِ إِلَى الْمَوْلَى بِمَا قَامَ عَلَيْهِ، بِلَفْظِ: وَلَّيْتُكَ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رِبْحٍ وَلاَ نُقْصَانٍ. وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ (تَوْلِيَة) .

بَيْعُ الإِْشْرَاكِ:

٨ - هُوَ كَبَيْعِ التَّوْلِيَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ بَيْعُ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِبَعْضِ الثَّمَنِ. وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِشْرَاك، بَيْع) .

بَيْعُ الْوَضِيعَةِ:

٩ - هُوَ بَيْعُ الشَّيْءِ بِنُقْصَانٍ مَعْلُومٍ مِنَ الثَّمَنِ الأَْوَّل، وَهُوَ ضِدُّ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ. وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (وَضِيعَة) .

_________

(١) ابن عابدين ٤ / ١٥٢، ١٥٣، وتبيين الحقائق ٤ / ٧٣ - ٧٦، والبدائع ٥ / ٢٢٠ - ٢٢٢، والدسوقي ٣ / ١٥٩، والحطاب ٤ / ٤٩٠، وقليوبي ٢ / ٢٢١، وكشاف القناع ٣ / ٢٣٠، والمغني ٤ / ١٩٩.