الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٨
تُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ أُخْرَى: كَالْجَاسُوسِ، وَالذَّهَبِ، وَالْعَيْنِ الْبَاصِرَةِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْبَحْرِ:
يَتَعَلَّقُ بِالْبَحْرِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أ - مَاءُ الْبَحْرِ:
٤ - اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى طَهُورِيَّةِ مَاءِ الْبَحْرِ وَجَوَازِ التَّطَهُّرِ بِهِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: سَأَل رَجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِل مَعَنَا الْقَلِيل مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا. أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِل مَيْتَتُهُ. (١)
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ قَال مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ مَاءُ الْبَحْرِ فَلاَ طَهَّرَهُ اللَّهُ وَلأَِنَّهُ مَاءٌ بَاقٍ عَلَى أَصْل خِلْقَتِهِ، فَجَازَ الْوُضُوءُ بِهِ كَالْعَذْبِ. وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُمَا قَالاَ فِي الْبَحْرِ: التَّيَمُّمُ أَعْجَبُ إِلَيْنَا مِنْهُ، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ (٢): أَيْ كَانُوا لاَ يَرَوْنَ جَوَازَ الْوُضُوءِ بِهِ. (ر: طَهَارَة، مَاء) .
_________
(١) حديث: " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " أخرجه الترمذي (١ / / ١٠١ ط الحلبي) وصححه البخاري كما نقله عنه ابن حجر في التلخيص (١ / / ٩ شركة الطباعة الفنية المتحدة) .
(٢) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص ١٢، ١٣، وحاشية الدسوقي ١ / / ٣٤، والفواكه الدواني ١ / / ١٤٤، ومغني المحتاج ١ / ١٧ وكشاف القناع ١ / ٢٦، والمغني ١ / ٨.
ب - صَيْدُ الْبَحْرِ:
٥ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى إِبَاحَةِ صَيْدِ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ، سَوَاءٌ كَانَتْ سَمَكًا أَوْ غَيْرَهُ. لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿أُحِل لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ﴾ (١) أَيْ مَصِيدُهُ وَمَطْعُومُهُ. وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ لَمَّا سُئِل عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِل مَيْتَتُهُ.
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: التِّمْسَاحَ وَالضِّفْدِعَ، لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْل الضِّفْدَعِ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ قَتْلِهِ (٢)
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَال: لاَ تَقْتُلُوا الضَّفَادِعَ، فَإِنَّ نَقِيقَهَا تَسْبِيحٌ (٣) . وَلِلاِسْتِخْبَاثِ فِي التِّمْسَاحِ؛ وَلأَِنَّهُ يَتَقَوَّى بِنَابِهِ وَيَأْكُل النَّاسَ.
وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ: الْحَيَّةَ، وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِتَحْرِيمِهَا وَغَيْرِهَا مِنْ ذَوَاتِ السُّمُومِ الْبَحْرِيَّةِ، وَقَصَرَ الشَّافِعِيَّةُ التَّحْرِيمَ عَلَى الْحَيَّةِ الَّتِي تَعِيشُ فِي الْبَحْرِ وَالْبَرِّ، وَأَمَّا الْحَيَّةُ الَّتِي لاَ تَعِيشُ إِلاَّ فِي الْمَاءِ فَحَلاَلٌ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى إِبَاحَةِ السَّمَكِ مِنْ صَيْدِ
_________
(١) سورة المائدة / / ٩٦.
(٢) حديث: " نهى عن قتل الضفدع. . . " أخرجه أحمد (٣ / / ٤٥٣ ط الميمنية) والبيهقي (٩ / / ٣١٨ ط دائرة المعارف العثمانية) وقوى البيهقي إسناده.
(٣) أثر عبد الله بن عمرو أخرجه البيهقي (٩ / / ٣١٨ ط دائرة المعارف العثمانية) وصحح البيهقي إسناده.
الْبَحْرِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْبَحْرِيَّةِ. (١)
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (أَطْعِمَة) .
ج - مَيْتَةُ الْبَحْرِ:
٦ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى إِبَاحَةِ مَيْتَةِ الْبَحْرِ، سَوَاءٌ كَانَتْ سَمَكًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿أُحِل لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ﴾ (٢) وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِل مَيْتَتُهُ (٣)، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ ﵁ أَنَّهُ قَال: كُل دَابَّةٍ تَمُوتُ فِي الْبَحْرِ فَقَدْ ذَكَّاهَا اللَّهُ لَكُمْ.
وَلَمْ يُبِحِ الْحَنَفِيَّةُ إِلاَّ مَيْتَةَ السَّمَكِ الَّذِي مَاتَ بِآفَةٍ، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَكَانَ غَيْرَ طَافٍ، فَلَيْسَ بِمُبَاحٍ. وَحَدُّ الطَّافِي عِنْدَهُمْ: مَا كَانَ بَطْنُهُ مِنْ فَوْقُ، فَلَوْ كَانَ ظَهْرُهُ مِنْ فَوْقُ، فَلَيْسَ بِطَافٍ فَيُؤْكَل (٤) . وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (أَطْعِمَة) .
د - الصَّلاَةُ فِي السَّفِينَةِ:
٧ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ الصَّلاَةِ فِي السَّفِينَةِ
_________
(١) حاشية ابن عابدين ٥ / / ١٩٤، وحاشية الدسوقي ٢ / / ١١٥، ومغني المحتاج ٤ / / ٢٩٧ وما بعدها، وكشاف القناع ٦ / ١٩٣.
(٢) سورة المائدة / / ٩٦.
(٣) سبق تخريجه (ف ٤) .
(٤) حاشية ابن عابدين ٥ / / ١٩٤ وما بعدها، وحاشية الدسوقي ٢ / / ١١٥، ومغني المحتاج ٤ / / ٢٩٧ وما بعدها، وكشاف القناع ٦ / / ١٩٣، والإنصاف ١٠ / / ٣٨٤.
مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، شَرِيطَةَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلاَةِ، وَأَنْ يَدُورَ إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ إِنْ دَارَتِ السَّفِينَةُ لِغَيْرِهَا إِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ؛ لِوُجُوبِ الاِسْتِقْبَال. وَلاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ لِتَيَسُّرِ اسْتِقْبَالِهِ.
وَخَالَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي النَّافِلَةِ، وَقَصَرُوا وُجُوبَ الدَّوَرَانِ إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى الْفَرِيضَةِ فَقَطْ، وَلاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَدُورَ فِي النَّفْل لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، وَأَجَازُوا كَذَلِكَ لِلْمَلاَّحِ: أَلاَّ يَدُورَ فِي الْفَرْضِ أَيْضًا لِحَاجَتِهِ لِتَسْيِيرِ السَّفِينَةِ. (١) وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (قِبْلَة) .
هـ - حُكْمُ مَنْ مَاتَ فِي السَّفِينَةِ:
٨ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ، وَأَمْكَنَ دَفْنُهُ لِقُرْبِ الْبَرِّ، وَلاَ مَانِعَ، لَزِمَهُمُ التَّأْخِيرُ لِيَدْفِنُوهُ فِيهِ، مَا لَمْ يَخَافُوا عَلَيْهِ الْفَسَادَ، وَإِلاَّ غُسِّل وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَأُلْقِيَ فِي الْبَحْرِ.
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ: أَنَّهُ يُوضَعُ بَعْدَ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ بَيْنَ لَوْحَيْنِ لِئَلاَّ يَنْتَفِخَ، وَيُلْقَى لِيَنْبِذَهُ الْبَحْرُ إِلَى السَّاحِل، لَعَلَّهُ يَقَعُ إِلَى قَوْمٍ يَدْفِنُونَهُ. فَإِنْ كَانَ أَهْل السَّاحِل كُفَّارًا ثُقِّل بِشَيْءٍ لِيَرْسُبَ. فَإِنْ لَمْ
_________
(١) حاشية ابن عابدين ١ / / ٥١٢، وحاشية الدسوقي ١ / / ٢٢٦، ومغني المحتاج ١ / / ١٤٤، وكشاف القناع ١ / / ٣٠٤، وروضة الطالبين ١ / / ٢١٠.
يُوضَعْ بَيْنَ لَوْحَيْنِ ثُقِّل بِشَيْءٍ لِيَنْزِل إِلَى الْقَرَارِ، وَإِلَى تَثْقِيلِهِ ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا. (١)
و الْمَوْتُ غَرَقًا فِي الْبَحْرِ:
٩ - ذَهَبَ الْعُلَمَاءُ إِلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ فِي الْبَحْرِ غَرَقًا، فَإِنَّهُ شَهِيدٌ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيل اللَّهِ. (٢)
وَإِذَا وُجِدَ الْغَرِيقُ فَإِنَّهُ يُغَسَّل وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَأَيِّ مَيِّتٍ آخَرَ، وَإِذَا لَمْ يُعْثَرْ عَلَيْهِ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ صَلاَةُ الْغَائِبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَكَرِهَهَا الْمَالِكِيَّةُ، وَمَنَعَهَا الْحَنَفِيَّةُ لاِشْتِرَاطِهِمْ لِصَلاَةِ الْجِنَازَةِ حُضُورَ الْمَيِّتِ أَوْ حُضُورَ أَكْثَرِ بَدَنِهِ أَوْ نِصْفِهِ مَعَ رَأْسِهِ. (٣) (ر: غُسْل)
_________
(١) حاشية ابن عابدين ١ / / ٥٩٩ وما بعدها، وحاشية الدسوقي ١ / / ٤٢٩، وروضة الطالبين ١ / / ١٤١، والمغني لابن قدامة ٢ / ٥٠٠.
(٢) حديث: " الشهداء خمسة: المطعون. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٢ / / ١٣٩ ط السلفية) ومسلم (٣ / / ١٥٢١ ط الحلبي) .
(٣) حاشية ابن عابدين ١ / ٥٧٧، ٦١١، وحاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ٣١٩، وحاشية الدسوقي ١ / / ٤١٥، ٤٢٧، وشرح روض الطالب ١ / / ٢٩٩، ٣١٥، ٣٢١، والمغني ٢ / ٥١٣، ٥٣٦.
بُخَارٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الْبُخَارُ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا: مَا يَتَصَاعَدُ مِنَ الْمَاءِ أَوِ النَّدَى أَوْ أَيِّ مَادَّةٍ رَطْبَةٍ تَتَعَرَّضُ لِلْحَرَارَةِ. وَيُطْلَقُ الْبُخَارُ أَيْضًا عَلَى: دُخَانِ الْعُودِ وَنَحْوِهِ. وَعَلَى: كُل رَائِحَةٍ سَاطِعَةٍ مِنْ نَتْنٍ أَوْ غَيْرِهِ. (١)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْبَخَرُ:
٢ - الْبَخَرُ هُوَ: الرَّائِحَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ مِنَ الْفَمِ. قَال أَبُو حَنِيفَةَ: الْبَخَرُ: النَّتْنُ يَكُونُ فِي الْفَمِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ أَبْخَرُ، وَهِيَ بَخْرَاءُ. (٢) وَاسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِلْبَخَرِ مَخْصُوصٌ بِالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ فِي الْفَمِ فَقَطْ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْبُخَارِ:
لِلْبُخَارِ أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ، فَقَدْ يَكُونُ طَاهِرًا، وَقَدْ
_________
(١) المصباح المنير، وتاج العروس، ولسان العرب، ومتن اللغة والمعجم الوسيط مادة: " بخر "، والإنصاف ١ / / ٣١٩.
(٢) لسان العرب والمصباح المنير.
يَكُونُ نَجِسًا، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ جَوَازُ أَوْ عَدَمُ جَوَازِ التَّطَهُّرِ بِمَا تَقَاطَرَ مِنَ الْبُخَارِ.
أ - رَفْعُ الْحَدَثِ بِمَا جُمِعَ مِنَ النَّدَى:
٣ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى جَوَازِ التَّطَهُّرِ بِالنَّدَى، وَهُوَ الْمُتَجَمِّعُ عَلَى أَوْرَاقِ الشَّجَرِ إِذَا جُمِعَ؛ لأَِنَّهُ مَاءٌ مُطْلَقٌ.
أَمَّا مَا وَرَدَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ النَّدَى: نَفَسُ دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ، وَمِنْ ثَمَّ فَهَل هُوَ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ؟ فَلاَ يُعَوَّل عَلَيْهِ. (١)
ب - رَفْعُ الْحَدَثِ بِمَا جُمِعَ مِنَ الْبُخَارِ:
٤ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ التَّطَهُّرِ مِنَ الْحَدَثِ وَتَطْهِيرِ النَّجَسِ بِمَا جُمِعَ مِنْ بُخَارِ الْمَاءِ الطَّاهِرِ الْمَغْلِيِّ بِوَقُودٍ طَاهِرٍ؛ لأَِنَّهُ مَاءٌ مُطْلَقٌ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، خِلاَفًا لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الرَّافِعِيُّ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُسَمَّى مَاءً، بَل هُوَ بُخَارٌ. (٢)
أَمَّا الْبُخَارُ الْمُتَأَثِّرُ بِدُخَانِ النَّجَاسَةِ فَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي طَهَارَتِهِ، بِنَاءً عَلَى اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي دُخَانِ
_________
(١) ابن عابدين ١ / / ١٢٠، والحطاب مع المواق بهامشه ١ / / ٥٠، والدسوقي ١ / / ٣٤، وحاشية الباجوري على ابن قاسم ١ / / ٢٧، ومطالب أولي النهى ١ / / ٣٤، وكشاف القناع ١ / ٢٦ - ٢٧.
(٢) جواهر الإكليل ١ / / ٦، والجمل ١ / / ٢٩، وكشاف القناع ١ / ٢٦.
النَّجَاسَةِ، هَل هُوَ طَاهِرٌ أَمْ نَجِسٌ؟ . فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى: أَنَّ دُخَانَ النَّجَاسَةِ وَبُخَارَهَا طَاهِرَانِ، قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيل الاِسْتِحْسَانِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ. وَبِنَاءً عَلَى هَذَا فَإِنَّ الْبُخَارَ الْمُتَصَاعِدَ مِنَ الْمَاءِ النَّجِسِ طَهُورٌ يُزِيل الْحَدَثَ وَالنَّجَسَ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى: أَنَّ دُخَانَ النَّجَاسَةِ نَجِسٌ كَأَصْلِهَا، وَعَلَى هَذَا فَالْبُخَارُ الْمُتَأَثِّرُ بِدُخَانِ النَّجَاسَةِ نَجِسٌ لاَ تَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِهِ، لَكِنْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ. (١)
وَأَمَّا الْبُخَارُ الْمُتَصَاعِدُ مِنَ الْحَمَّامَاتِ وَغَيْرِهَا - كَالْغَازَاتِ الْكَرِيهَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ مِنَ النَّجَاسَةِ - إِذَا عَلِقَتْ بِالثَّوْبِ، فَإِنَّهُ لاَ يَنْجَسُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، تَخْرِيجًا عَلَى الرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنَ الإِْنْسَانِ، فَإِنَّهَا لاَ تَنْجَسُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ سَرَاوِيلُهُ مُبْتَلَّةً أَمْ لاَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَقِيَّةَ الْمَذَاهِبِ لاَ تُخَالِفُ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذَا. (٢)
_________
(١) ابن عابدين ١ / / ٢١٦، ومجمع الأنهر ١ / / ٦١ والدسوقي ١ / ٥٧ - ٥٨، وكشاف القناع ١ / / ٢٨، والإنصاف ١ / / ٣١٩، والجمل ١ / / ١٧٩.
(٢) ابن عابدين ١ / ٢١٦.
بَخَرٌ
التَّعْرِيفُ
١ - الْبَخَرُ: الرَّائِحَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ مِنَ الْفَمِ مِنْ نَتْنٍ وَغَيْرِهِ. يُقَال: بَخِرَ الْفَمُ بَخَرًا مِنْ بَابِ تَعِبَ، إِذَا أَنْتَنَ وَتَغَيَّرَ رِيحُهُ، وَلَمْ يَخْرُجِ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى. (١)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
٢ - لَمَّا كَانَ الْبَخَرُ فِي الإِْنْسَانِ يُؤَدِّي إِلَى النَّفْرَةِ وَالتَّأَذِّي اعْتَبَرَهُ الْفُقَهَاءُ عَيْبًا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْعُيُوبِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْخِيَارُ فِي بَيْعِ الإِْمَاءِ.
وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ: فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَالْفَسْخِ بِهِ. فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ الْقَوْل الآْخَرُ لِلْحَنَابِلَةِ: لاَ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ وَلاَ يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. (٢)
_________
(١) لسان العرب والمصباح المنير مادة: " بخر ".
(٢) ابن عابدين ٢ / ٥٩٧، ٤ / ٧٥، وجواهر الإكليل ١ / ٢٩٩، ٢ / ٤٠، والجمل على المنهج ٤ / ٢١٥، ونهاية المحتاج ٤ / ٢٩، والمغني ٤ / ١٦٨، ٦ / ٦٥٢ ط السعودية.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلْحَنَابِلَةِ: يَثْبُتُ بِالْبَخَرِ الْخِيَارُ وَالْفَسْخُ فِي النِّكَاحِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل الْقَوْل فِي ذَلِكَ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ فِي الْبُيُوعِ، وَبَابِ الْعَيْبِ فِي النِّكَاحِ. وَأَمَّا فِي التَّرْخِيصِ لِمَنْ بِهِ بَخَرٌ فِي حُضُورِ الْجَمَاعَاتِ وَالْجُمَعِ وَعَدَمِهِ - فَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إِلَى بَابِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ.
بَخْسٌ
انْظُرْ: غَبْن