الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٧ الصفحة 8

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٧

وَالْمُرَادُ بِالضَّمَانِ أَدَاءُ الْمِثْل فِي الْمِثْلِيَّاتِ وَأَدَاءُ الْقِيمَةِ فِي الْقِيَمِيَّاتِ. (١) وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (ضَمَانٌ) .

انْفِصَالٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الاِنْفِصَال لُغَةً: الاِنْقِطَاعُ، يُقَال: فَصَل الشَّيْءَ فَانْفَصَل أَيْ قَطَعَهُ فَانْقَطَعَ، فَهُوَ مُطَاوِعُ فَصَل، وَهُوَ ضِدُّ الاِتِّصَال. (٢)

وَالاِنْفِصَال هُوَ الاِنْقِطَاعُ الظَّاهِرُ، وَالاِنْقِطَاعُ يَكُونُ ظَاهِرًا وَخَافِيًا، (٣) وَهَذَا مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ.

وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْبَيْنُونَةُ:

٢ - الْبَيْنُونَةُ تَأْتِي بِمَعْنَى الاِنْفِصَال، (٤) وَكَثُرَتْ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ فِي الطَّلاَقِ غَيْرِ الرَّجْعِيِّ.

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:

٣ - الأَْجْزَاءُ الَّتِي تَنْفَصِل مِنَ الْبَدَنِ تَارَةً تَبْقَى لَهَا الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَا قَبْل الاِنْفِصَال، وَتَارَةً تَتَغَيَّرُ،

_________

(١) مجلة الأحكام. م ٤١٦، والقليوبي ٢ / ٣٢٣.

(٢) لسان العرب المحيط، وكشاف اصطلاحات الفنون (فصل) .

(٣) الفروق في اللغة ص ١٤٤.

(٤) لسان العرب المحيط مادة: (بين) .

فَالأَْوَّل نَحْوُ ٢ كُل عُضْوٍ يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ قَبْل الاِنْفِصَال فَإِنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ بَعْدَ الاِنْفِصَال ٢. فَأَجْزَاءُ الْعَوْرَةِ لاَ فَرْقَ فِي حُرْمَةِ النَّظَرِ إِلَيْهَا قَبْل الاِنْفِصَال (١) وَبَعْدَهُ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي أَحْكَامِ النَّظَرِ مِنْ بَابِ الْحَظْرِ وَالإِْبَاحَةِ.

٤ - وَمِمَّا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِالاِنْفِصَال اسْتِدْخَال الْمَرْأَةِ الذَّكَرَ الْمَقْطُوعَ، فَلاَ حَدَّ فِيهِ، وَإِنْ حَرُمَ ذَلِكَ الْفِعْل. (٢)

٥ - وَمَا انْفَصَل مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيِّتِ أَخَذَ حُكْمَهُ عِنْدَ الْبَعْضِ، يُغَسَّل وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ؛ لإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ﵃، قَال أَحْمَدُ: صَلَّى أَبُو أَيُّوبَ عَلَى رِجْلٍ، وَصَلَّى عُمَرُ عَلَى عِظَامٍ بِالشَّامِ، وَصَلَّى أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى رُءُوسٍ بِالشَّامِ، رَوَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بِإِسْنَادِهِ، وَقَال الشَّافِعِيُّ: أَلْقَى طَائِرٌ يَدًا بِمَكَّةَ مِنْ وَقْعَةِ الْجَمَل فَعُرِفَتْ بِالْخَاتَمِ، وَكَانَتْ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ، فَصَلَّى عَلَيْهَا أَهْل مَكَّةَ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُعْرَفْ مِنَ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ.

وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: إِنْ وُجِدَ الأَْكْثَرُ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ فَلاَ؛ لأَِنَّهُ بَعْضٌ لاَ يَزِيدُ عَلَى النِّصْفِ فَلَمْ يُصَل عَلَيْهِ، كَالَّذِي بَانَ فِي حَيَاةِ صَاحِبِهِ كَالشَّعْرِ وَالظُّفْرِ.

وَلَمْ يُفَرِّقِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْحَيِّ وَأَجْزَاءِ الْمَيِّتِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْهُ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُسْتَحَبُّ لَفُّ وَدَفْنُ مَا انْفَصَل مِنْ حَيٍّ كَيَدِ سَارِقٍ،

_________

(١) الدر وحاشية ابن عابدين ٥ / ٢٣٨.

(٢) بجيرمي على الخطيب ٤ / ١٤١ ط الحلبي، الطحطاوي على مراقي الفلاح ص ٥٣ ط دار الإيمان، وشرح الروض ١ / ٦٥.

وَظُفْرٍ، وَعَلَقَةٍ، وَشَعْرٍ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ وُجُوبَ لَفِّ الْيَدِ وَدَفْنِهَا. (١) وَتَنْتَهِي الْعِدَّةُ بِانْفِصَال الْوَلَدِ عَنْ رَحِمِ أُمِّهِ انْفِصَالًا كَامِلًا، وَفِي انْفِصَال الْمُضْغَةِ تَفْصِيلٌ يُذْكَرُ فِي (الْعِدَّةِ) . (٢)

انْفِصَال السِّقْطِ:

٦ - السِّقْطُ إِنِ انْفَصَل حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ كَالْكَبِيرِ فِي التَّسْمِيَةِ، وَالإِْرْثِ، وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، وَفِي غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ، وَالصَّلاَةِ عَلَيْهِ، وَدَفْنِهِ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ التَّسْمِيَةَ إِنْ مَاتَ قَبْل الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ وِلاَدَتِهِ (٣) .

وَإِنِ انْفَصَل مَيِّتًا، فَإِنَّهُ لاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ يُدْفَنُ، وَفِي غُسْلِهِ خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ: مِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ الْغُسْل إِنْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ تَغْسِيل السِّقْطِ مُطْلَقًا، وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يُوجِبُ تَكْفِينَهُ، وَالْبَعْضُ يَكْتَفِي بِلَفِّهِ بِخِرْقَةٍ، وَيُفَصِّل الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ (الْجَنَائِزِ) (٤) .

وَتَسْمِيَةُ مَنْ وُلِدَ مَيِّتًا فِيهَا خِلاَفٌ كَذَلِكَ،

_________

(١) شرح الروض ١ / ٣١٣، والمغني ٢ / ٥٣٩، والخرشي ٢ / ١٤١، والطحطاوي ص ٣١٩.

(٢) نهاية المحتاج ٧ / ١٢٧، ١٣٨.

(٣) البحر الرائق ٢ / ٢٠٢ ط العلمية، والخرشي ٢ / ١٣٨ ط دار صادر، وشرح الروض ١ / ٣١٣ ط الميمنية، والمغني ٢ / ٥٢٢ ط الرياض.

(٤) البحر الرائق ٢ / ١٩٨، ٢٠٣، والخرشي ٢ / ١٤٢، وشرح الروض ١ / ٣١٣، وابن عابدين ١ / ٥٩٥ ط الرياض.

فَالْبَعْضُ يَقُول بِالتَّسْمِيَةِ، وَالْبَعْضُ يَمْنَعُهَا، وَيَتَكَلَّمُونَ عَنْ ذَلِكَ فِي مَبْحَثِ (الْعَقِيقَةِ وَالْجَنَائِزِ) (١) .

وَلاَ يَرِثُ مَنِ انْفَصَل بِنَفْسِهِ مَيِّتًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَا إِذَا انْفَصَل بِفِعْلٍ عِنْدَ أَغْلَبِ الْفُقَهَاءِ لاَ يَرِثُ، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ يَرِثُ وَيُورَثُ؛ لأَِنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ عَلَى الْجَانِي الْغُرَّةَ فَقَدْ حَكَمَ بِحَيَاتِهِ (٢)، وَيَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي (الإِْرْثِ)، وَالْبَعْضُ يَذْكُرُهُ فِي (الْجَنَائِزِ) .

٧ - وَانْفِصَال الزَّوْجَيْنِ يَكُونُ بِوَاحِدٍ مِنْ ثَلاَثَةِ أُمُورٍ، الْفَسْخِ أَوِ الاِنْفِسَاخِ، وَالطَّلاَقِ، وَالْمَوْتِ.

٨ - وَانْفِصَال الْمُسْتَثْنَى عَنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ زَمَنًا طَوِيلًا فِي صِيَغِ الإِْقْرَارِ وَالْيَمِينِ وَنَحْوِهِمَا يُبْطِل الاِسْتِثْنَاءَ، وَقِيل: يَصِحُّ التَّأْخِيرُ مَا دَامَ الْمَجْلِسُ (٣)، وَيَتَكَلَّمُ الأُْصُولِيُّونَ عَنْ ذَلِكَ فِي شَرَائِطِ الاِسْتِثْنَاءِ، وَالْفُقَهَاءُ فِي الإِْقْرَارِ، وَالطَّلاَقِ غَالِبًا.

وَبِالإِْضَافَةِ إِلَى مَا تَقَدَّمَ بِذِكْرِ الاِنْفِصَال فِي الْغُسْل (٤)، وَالْبَيْعِ - الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ - وَفِي الرَّهْنِ - زِيَادَةُ الْمَرْهُونِ الْمُنْفَصِلَةُ، وَفِي الْوَصِيَّةِ.

_________

(١) البحر الرائق ٢ / ٢٠٣، والخرشي ٢ / ١٣٨، ونهاية المحتاج ٨ / ١٣٩ ط مصطفى الحلبي، والمغني ٢ / ٥٢٣ ط الرياض.

(٢) الفتاوى الهندية ٦ / ٤٥٦ ط بولاق الأولى، والطحطاوي على مراقي الفلاح ص ٣٢٧ ط دار الإيمان، والمغني مع الشرح ٧ / ١٩٨ ط المنار الأولى. وشرح السراجية ٣٢١ ط الكردي.

(٣) مسلم الثبوت ١ / ٢٢١ ط دار صادر.

(٤) شرح الروض ١ / ٦٥.

أَنْقَاضٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - أَنْقَاضٌ: جَمْعٌ مُفْرَدُهُ نِقْضٌ. وَالنِّقْضُ - بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا - الْمَنْقُوضُ أَيِ الْمَهْدُومُ.

وَالنِّقْضُ: اسْمٌ لِبِنَاءِ الْمَنْقُوضِ إِذَا هُدِمَ، وَالنَّقْضُ - بِالْفَتْحِ - الْهَدْمُ (١) .

وَاسْتَعْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ بِالْمَعْنَى نَفْسِهِ (٢) .

الأَْحْكَامُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهِ.

أَوَّلًا: حُكْمُ التَّصَرُّفِ فِي أَنْقَاضِ الْوَقْفِ:

٢ - مَا انْهَدَمَ مِنْ بِنَاءِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِأَنْقَاضِهِ فِي عِمَارَتِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ إِعَادَةُ عَيْنِهِ بِيعَ وَصُرِفَ الثَّمَنُ فِي عِمَارَتِهِ.

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمَسْجِدِ إِذَا انْهَدَمَ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنِ الاِنْتِفَاعُ بِالْمَسْجِدِ وَلاَ إِعَادَةُ بِنَائِهِ انْتَفَعَ بِأَنْقَاضِهِ أَوْ بِثَمَنِهَا فِي مَسْجِدٍ آخَرَ.

وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَالْحَنَفِيَّةِ غَيْرِ مُحَمَّدٍ، وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ كَابْنِ زَرْبٍ وَابْنِ لُبَابَةَ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. إِلاَّ أَنَّهُ عِنْدَهُمْ إِذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِأَنْقَاضِ الْمَسْجِدِ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يُحْفَظُ وَلاَ يُبَاعُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ يَعُودُ إِلَى الْبَانِي أَوْ إِلَى

_________

(١) لسان العرب، وتاج العروس، والنهاية لابن الأثير ص ١٠٧.

(٢) الدسوقي ٤ / ٩٦ ط دار الفكر.

الْوَرَثَةِ. وَقَال الشَّيْخُ خَلِيلٌ وَالشَّيْخُ عُلَيْشٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ نَقْضِ الْعَقَارِ الْمَوْقُوفِ (١) .

ثَانِيًا: حُكْمُ نَقْضِ الأَْبْنِيَةِ الْمُقَامَةِ:

الأَْبْنِيَةُ إِمَّا أَنْ يُقِيمَهَا الإِْنْسَانُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ.

مَا يُقِيمُهُ الإِْنْسَانُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ:

٣ - مَا يُقِيمُهُ الإِْنْسَانُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْغَيْرِ يَجِبُ نَقْضُهُ، وَذَلِكَ كَمَنْ أَخْرَجَ جَنَاحًا إِلَى الطَّرِيقِ وَكَانَ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ نَقْضُهُ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ (٢) . وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ. وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ سُقُوطِهِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى صَاحِبِهِ. وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ (٣) وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ: (ر: جِنَايَةٌ - تَلَفٌ - ضَمَانٌ) .

مَا يُقِيمُهُ الإِْنْسَانُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ:

٤ - مَا يُقِيمُهُ الإِْنْسَانُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ أَوْ بِدُونِ إِذْنِهِ.

_________

(١) منتهى الإرادات ٢ / ٥١٥ ط دار الفكر، والمغني ٥ / ٦٣١ ط الرياض، والبدائع ٦ / ٢٢١ ط الجمالية، وابن عابدين ٣ / ٣٨٢، ٣٨٣ ط ثالثة، وفتح القدير ٥ / ٤٤٦ ط دار إحياء التراث العربي، ومغني المحتاج ٢ / ٣٩٢ ط الحلبي، ومنح الجليل ٤ / ٦٩ ط النجاح ليبيا، والمواق بهامش الحطاب ٦ / ٤٢ ط النجاح.

(٢) حديث: " لا ضرر ولا ضرار " أخرجه ابن ماجه (٢ / ٧٨٤ - ط الحلبي)، وقال النووي: (له طرق يقوي بعضها بعضا) . جامع العلوم والحكم لابن رجب (ص ٢٨٦ - ط الحلبي) .

(٣) جواهر الإكليل ٢ / ١٢٢ ط دار المعرفة بيروت، والمهذب ١ / ٣٤١ ط دار المعرفة بيروت، والاختيار ٥ / ٤٥ ط دار المعرفة بيروت، ومنتهى الإرادات ٢ / ٢٦٩.

أ - مَا يُقِيمُهُ الإِْنْسَانُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَذَلِكَ كَمَنْ يَسْتَعِيرُ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا. فَإِنْ كَانَتِ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً أَوْ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ، وَشَرَطَ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ نَقْضَ الْبِنَاءِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْوَقْتِ أَوْ عِنْدَ الرُّجُوعِ، فَإِنَّ الْمُسْتَعِيرَ يُلْزَمُ بِنَقْضِ الْبِنَاءِ لِحَدِيثِ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ (١) .

وَإِنْ كَانَ الْمُعِيرُ لَمْ يَشْتَرِطِ النَّقْضَ، فَإِنْ رَضِيَ الْمُسْتَعِيرُ بِالنَّقْضِ نَقَضَ، وَإِنْ أَبَى لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ: لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ (٢)؛ وَلأَِنَّهُ بُنِيَ بِإِذْنِ رَبِّ الأَْرْضِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ قَلْعَهُ، وَفِي الْقَلْعِ ضَرَرٌ بِنَقْصِ قِيمَتِهِ بِذَلِكَ. وَيَكُونُ - فِي هَذِهِ الْحَالَةِ - الْخِيَارُ لِلْمُعِيرِ بَيْنَ أَخْذِ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ، وَبَيْنَ قَلْعِهِ مَعَ ضَمَانِ نُقْصَانِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، أَوْ يُبْقِيهِ بِأَجْرِ مِثْلِهِ.

وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (٣) .

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَتِ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً أَوْ مُؤَقَّتَةً وَانْتَهَى وَقْتُهَا فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُجْبِرَ الْمُسْتَعِيرَ عَلَى نَقْضِ الْبِنَاءِ؛ لأَِنَّ فِي التَّرْكِ ضَرَرًا بِالْمُعِيرِ؛ لأَِنَّهُ لاَ نِهَايَةَ لَهُ وَلاَ غَرَرَ مِنْ جِهَتِهِ.

وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً وَأَرَادَ إِخْرَاجَهُ قَبْل الْوَقْتِ فَلاَ يُجْبَرُ الْمُسْتَعِيرُ عَلَى النَّقْضِ بَل يَكُونُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ ضَمَّنَ صَاحِبَ الأَْرْضِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ قَائِمًا سَلِيمًا وَتَرَكَهُ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بِنَاءَهُ وَلاَ شَيْءَ عَلَى

_________

(١) حديث: " المسلمون على شروطهم. . . " أخرجه الترمذي (التحفة ٤ / ٥٨٤ ط السلفية) وله طرق يشهد بعضها لبعض.

(٢) حديث: " ليس لعرق ظالم حق " أخرجه أبو داود (٣ / ٤٥٤ - ط عزت عبيد دعاس) وقواه ابن حجر في الفتح (٥ / ١٩ - ط السلفية) .

(٣) منتهى الإرادات ٢ / ٣٩٤، ومغني المحتاج ٢ / ٢٧١ - ٢٧٣.

صَاحِبِ الأَْرْضِ.

ثُمَّ إِنَّمَا يَثْبُتُ نَقْضُ الْبِنَاءِ إِذَا لَمْ يَكُنِ النَّقْضُ مُضِرًّا بِالأَْرْضِ، فَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِهَا فَالْخِيَارُ لِلْمَالِكِ؛ لأَِنَّ الأَْرْضَ أَصْلٌ وَالْبِنَاءَ تَابِعٌ، فَكَانَ الْمَالِكُ صَاحِبَ أَصْلٍ فَلَهُ الْخِيَارُ، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ الْبِنَاءَ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِالنَّقْضِ (١) .

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الإِْعَارَةِ الْمُشْتَرَطَةِ أَوِ الْمُعْتَادَةِ وَفِي الأَْرْضِ بِنَاءٌ، فَالْمُعِيرُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِلْزَامِ الْمُسْتَعِيرِ بِالْهَدْمِ، وَبَيْنَ أَخْذِ الْبِنَاءِ وَدَفْعِ قِيمَتِهِ مَنْقُوضًا (٢) .

ب - مَا يُقِيمُهُ الإِْنْسَانُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ، كَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا، فَإِنَّ الْغَاصِبَ يُجْبَرُ عَلَى نَقْضِ الْبِنَاءِ مَتَى طَالَبَهُ رَبُّ الأَْرْضِ بِذَلِكَ، وَيُلْزَمُ بِتَسْوِيَتِهَا وَأَرْشِ نَقْصِهَا، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (٣) .

إِلاَّ أَنَّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا كَانَتِ الأَْرْضُ تَنْقُصُ بِالنَّقْضِ فَلِلْمَالِكِ أَخْذُ الْبِنَاءِ وَضَمَانُ قِيمَتِهِ مَنْقُوضًا، وَهُوَ أَيْضًا رَأْيُ الْمَجْدِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ.

وَقَال الْكَرْخِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ قِيمَةَ الأَْرْضِ وَلاَ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَخْذِ الْبِنَاءِ وَدَفْعِ قِيمَتِهِ مَنْقُوضًا، وَبَيْنَ أَمْرِ الْغَاصِبِ بِهَدْمِهِ وَتَسْوِيَةِ أَرْضِهِ (٤) .

_________

(١) بدائع الصنائع ٦ / ٢١٦.

(٢) حاشية الدسوقي ٣ / ٤٣٩ ط دار الفكر.

(٣) كشاف القناع ٤ / ٨١ ط النصر بالرياض، ومغني المحتاج ٢ / ٢٩١، وابن عابدين ٥ / ١٢٦، والبدائع ٧ / ١٤٩.

(٤) الدسوقي ٣ / ٤٥٤.

وَمَنْ غَصَبَ لَبِنًا أَوْ آجُرًّا أَوْ خَشَبَةً فَأَدْخَلَهَا فِي الْبِنَاءِ، فَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ يُلْزَمُ الْغَاصِبُ بِرَدِّهَا، وَإِنِ انْتَقَضَ الْبِنَاءُ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يَمْلِكُ الْمَالِكُ الاِسْتِرْدَادَ لأَِنَّ الْمَغْصُوبَ بِالإِْدْخَال فِي الْبِنَاءِ صَارَ شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ الأَْوَّل، وَلِذَلِكَ لاَ يُنْقَضُ الْبِنَاءُ. وَقَال الْكَرْخِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ: لاَ يُنْقَضُ الْبِنَاءُ إِذَا كَانَ الْبِنَاءُ حَوْل الْخَشَبَةِ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْبِنَاءِ، أَمَّا إِذَا بَنَى عَلَيْهَا يُنْقَضُ الْبِنَاءُ،

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ هَدْمِ الْبِنَاءِ وَأَخْذِ مَا غُصِبَ مِنْهُ، وَبَيْنَ إِبْقَائِهِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْغَصْبِ (١) .

مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:

٥ - نَقْضُ الْبِنَاءِ يَأْتِي فِي مَوَاطِنَ مُتَعَدِّدَةٍ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، فَهُوَ يَرِدُ فِي إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ بِدُونِ إِذْنِ الإِْمَامِ (٢)، وَفِي الشُّفْعَةِ فِيمَنِ اشْتَرَى أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ وَقَضَى لَهُ بِشُفْعَةِ الأَْرْضِ (٣)، وَفِي بَابِ الإِْجَارَةِ فِيمَا إِذَا بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ وَانْتَهَتْ مُدَّةُ الإِْجَارَةِ (٤)، وَفِي الشَّرِكَةِ إِذَا طَلَبَ الشَّرِيكُ نَقْضَ حَائِطٍ مُشْتَرَكٍ (٥)، وَفِي الصُّلْحِ (٦) .

_________

(١) المراجع السابقة في الغصب.

(٢) مغني المحتاج ٢ / ٣٦٩.

(٣) بدائع الصنائع ٥ / ٢٩.

(٤) المهذب ١ / ٤١١.

(٥) المنتهى ٢ / ٢٨١.

(٦) المنتهى ٢ / ٢٦٨.

انْقِرَاضٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الاِنْقِرَاضُ لُغَةً: الاِنْقِطَاعُ، وَالْمَوْتُ وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ عَنْ ذَلِكَ (١) .

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:

٢ - أ - يَخْتَلِفُ الأُْصُولِيُّونَ فِي انْقِرَاضِ عَصْرِ أَهْل الإِْجْمَاعِ، أَهُوَ شَرْطٌ فِي حُجِّيَّةِ الإِْجْمَاعِ؟ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ، وَقِيل إِنْ كَانَ الإِْجْمَاعُ بِالْقَوْل وَالْفِعْل أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَلاَ يُشْتَرَطُ، وَإِنْ كَانَ الإِْجْمَاعُ بِالسُّكُوتِ عَنْ مُخَالَفَةِ الْقَائِل فَيُشْتَرَطُ، رُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ، وَقَال الْجُوَيْنِيُّ: إِنْ كَانَ عَنْ قِيَاسٍ كَانَ شَرْطًا (٢) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ (إِجْمَاعٌ) .

- ب - وَفِي الْوَقْفِ، يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْوَقْفَ لاَ يَصِحُّ عَلَى مَنْ يَنْقَرِضُ كَالْوَقْفِ عَلَى الأَْوْلاَدِ؛ لأَِنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ التَّأْبِيدَ فِي الْوَقْفِ، وَيَصِحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي هَذِهِ الْحَال، إِذَا انْقَرَضَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ (٣)، لَهُمْ تَفْصِيلاَتٌ فِيمَنْ يَرْجِعُ إِلَيْهِ الْوَقْفُ، تَنْظُرُ فِي مُصْطَلَحِ (وَقْفٌ) .

_________

(١) لسان العرب، المحيط، ترتيب القاموس (قرض)، النظم المستعذب هامش المهذب ١ / ٤٤٨، نشر دار المعرفة.

(٢) إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول ص ٨٣، ٨٤ ط مصطفى الحلبي.

(٣) ابن عابدين ٣ / ٣٦٦، ٣٦٧ ط بولاق الأولى، والخرشي ٧ / ٨٩ - ٩١، المهذب ١ / ٤٤٨، نشر دار المعرفة، والروضة ٥ / ٣٢٦، وكشاف القناع ٤ / ٢٥٢.