الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٧
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الاِسْتِبْدَادُ:
٢ - الاِسْتِبْدَادُ: مَصْدَرُ اسْتَبَدَّ، يُقَال: اسْتَبَدَّ بِالأَْمْرِ إِذَا انْفَرَدَ بِهِ مِنْ غَيْرِ مُشَارِكٍ لَهُ فِيهِ (١) .
ب: الاِسْتِقْلاَل:
٣ - مِنْ مَعَانِي الاِسْتِقْلاَل: الاِعْتِمَادُ عَلَى النَّفْسِ، وَالاِسْتِبْدَادُ بِالأَْمْرِ، وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى يُرَادِفُ الاِنْفِرَادَ، غَيْرَ أَنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ إِطْلاَقَاتِهِ اللُّغَوِيَّةِ، فَيَكُونُ مِنَ الْقِلَّةِ وَمِنَ الاِرْتِفَاعِ. (٢)
ج - الاِشْتِرَاكُ:
٤ - الاِشْتِرَاكُ ضِدُّ الاِنْفِرَادِ.
أَحْكَامُ الاِنْفِرَادِ:
الاِنْفِرَادُ فِي الصَّلاَةِ:
٥ - صَلاَةُ الْمُنْفَرِدِ جَائِزَةٌ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَالْجَمَاعَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (إِلاَّ فِي الْجُمُعَةِ بِالاِتِّفَاقِ، وَالْعِيدَيْنِ عَلَى خِلاَفٍ)، وَفِي صَلاَةِ الْمُنْفَرِدِ أَجْرٌ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَال: قَال النَّبِيُّ ﷺ إِنَّ صَلاَةَ الْجَمَاعَةِ تَفْضُل صَلاَةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً (٣)
_________
(١) لسان العرب مادة: (بدد) وكشاف القناع ٥ / ٥٠٠، وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٥٢، والمهذب ١ / ٣٥٣
(٢) لسان العرب، والصحاح، وتاج العروس مادة: (قلل) بتصرف
(٣) حديث: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ". أخرجه البخاري (الفتح ٢ / ١٣١ - ط السلفية)، ومسلم (١ / ٤٥٠ - ط الحلبي) من حديث ابن عمر
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً (١) لأَِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ النِّسْبَةِ بَيْنَهُمَا - بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ - ثُبُوتُ الأَْجْرِ فِيهِمَا، وَإِلاَّ فَلاَ نِسْبَةَ وَلاَ تَقْدِيرَ، وَلاَ يَنْقُصُ أَجْرُ الْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا مَعَ الْعُذْرِ، لِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَل صَحِيحًا مُقِيمًا (٢) وَلاَ تَجِبُ الإِْعَادَةُ لِفَرْضٍ عَلَى مَنْ صَلاَّهُ وَحْدَهُ.
أَمَّا صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ فَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلرِّجَال عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقِيل: هِيَ وَاجِبَةٌ إِلاَّ فِي جُمُعَةٍ فَشَرْطٌ، وَكَذَا الْعِيدُ عَلَى الْقَوْل بِوُجُوبِ الْعِيدِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ وَاجِبًا. (٣) (ر: صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ) .
الاِنْفِرَادُ فِي التَّصَرُّفَاتِ:
أ - انْفِرَادُ أَحَدِ الأَْوْلِيَاءِ بِالتَّزْوِيجِ:
٦ - إِنِ اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنَ الأَْوْلِيَاءِ الْمُتَسَاوِينَ فِي جِهَةِ الْقَرَابَةِ وَالدَّرَجَةِ وَالْقُوَّةِ كَالإِْخْوَةِ الأَْشِقَّاءِ، أَوِ الأَْبِ، وَالأَْعْمَامُ كَذَلِكَ، وَتَشَاحَّوْا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَطَلَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يَتَوَلَّى الْعَقْدَ. فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ، وَلِتَسَاوِيهِمْ فِي الْحَقِّ،
_________
(١) الرواية الأخرى من حديث أبي هريرة. أخرجه البخاري (الفتح ٢ / ١٣١) ومسلم (١ / ٤٥٠)
(٢) حديث: " إذا مرض العبد أو سافر. . . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٦ / ١٣٦ - ط السلفية)
(٣) رد المحتار ١ / ٣٦٨، ٣٧١ - ٣٧٣ وما بعدها، وشرح فتح القدير ١ / ٢٢٢، ٢٢٩، ٣٠٠، وحاشية ١ / ٢٠٠، ٢٥٥، ٣١٩، ٣٧٣، والشرح الصغير ١ / ٤٢٤، ٤٢٥، ٤٩٠، ٤٩٦، ونهاية المحتاج ٢ / ٢، ١٢٨ - ١٣٦، ١٤٥ وما بعدها، والمجموع شرح المهذب ٤ / ١٨٢ - ١٨٥، ١٨٩، والمغني لابن قدامة ٢ / ١٧٦، ١٧٧، وكشاف القناع ٦ / ٤٥٣ - ٤٥٥
وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ زَوَّجَ. فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَزَوَّجَ، وَقَالَتْ أَذِنْتُ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَحَّ التَّزْوِيجُ؛ لأَِنَّهُ صَدَرَ مِنْ وَلِيٍّ كَامِل الْوِلاَيَةِ بِإِذْنِ مُوَلِّيَتِهِ فَصَحَّ مِنْهُ، كَمَا لَوِ انْفَرَدَ بِالْوِلاَيَةِ؛ وَلأَِنَّ الْقُرْعَةَ شُرِعَتْ لإِزَالَةِ الْمُشَاحَّةِ لاَ لِسَلْبِ الْوِلاَيَةِ. (١)
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: عِنْدَ تَسَاوِيهِمْ دَرَجَةً وَقَرَابَةً يَنْظُرُ الْحَاكِمُ فِيمَنْ يَرَاهُ أَحْسَنَهُمْ رَأْيًا لِيَتَوَلَّى الْعَقْدَ. (٢)
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَكُونُ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَتَوَلَّى الْعَقْدَ وَيُزَوِّجَ، رَضِيَ الآْخَرُ أَوْ سَخِطَ، إِذَا كَانَ التَّزْوِيجُ مِنْ كُفْءٍ وَبِمَهْرٍ وَافِرٍ. (٣) وَهَذَا إِذَا اتَّحَدَ الْخَاطِبُ.
٧ - أَمَّا إِذَا تَعَدَّدَ الْخَاطِبُ، فَالتَّزْوِيجُ لِمَنْ تَرْضَاهُ الْمَرْأَةُ؛ لأَِنَّ لَهَا الْحَقَّ عِنْدَهُمْ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ إِذَا كَانَتْ بَالِغَةً رَشِيدَةً، وَلاَ يُزَوِّجُهَا إِلاَّ الْوَلِيُّ الَّذِي تَرْضَاهُ بِوَكَالَةٍ، فَإِنْ لَمْ تُعَيِّنِ الْمَرْأَةُ وَاحِدًا مِنَ الْمُسْتَوِينَ دَرَجَةً وَقَرَابَةً، وَأَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ بِانْفِرَادِهِ، أَوْ قَالَتْ: أَذِنْتُ فِي فُلاَنٍ، فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُزَوِّجْنِي مِنْهُ، صَحَّ التَّزْوِيجُ مِنْ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوِلاَيَةِ فِي كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَا يَقُول الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، فَإِنْ بَادَرَ أَحَدُهُمْ فَزَوَّجَهَا مِنْ كُفْءٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُمَيِّزُ
_________
(١) الولي: هو البالغ العاقل الوارث، انظر ابن عابدين ٢ / ٢٩٥، ونهاية المحتاج ٦ / ٣٤٢ - ٣٤٤، وروضة الطالبين ٧ / ٨٧، ٨٨، والمغني لابن قدامة ٦ / ٥١٠، ٥١١، ومطالب أولي النهى ٥ / ٧٢، ٧٣
(٢) حاشية الدسوقي ٢ / ٢٣٣، وجواهر الإكليل ١ / ٢٨٣
(٣) البدائع ٢ / ٢٥١، وشرح فتح القدير ٣ / ١٧٢، ١٨٣ - ١٨٥
أَحَدَهُمْ عَنْ غَيْرِهِ.
وَلَوْ أَذِنَتْ لَهُمْ فِي التَّزْوِيجِ، فَزَوَّجَهَا أَحَدُ الأَْوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ فِي الدَّرَجَةِ، وَزَوَّجَهَا الآْخَرُ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ عُرِفَ السَّابِقُ فَهُوَ الصَّحِيحُ وَالآْخَرُ بَاطِلٌ، وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدَانِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ، أَوْ جُهِل السَّابِقُ مِنْهُمَا، فَبَاطِلاَنِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ. (١)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحَيْ " نِكَاحٌ، وَوِلاَيَةٌ ".
ب - انْفِرَادُ أَحَدِ الأَْوْلِيَاءِ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَال الصَّغِيرِ:
٨ - قَال فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ مَاتَ الرَّجُل عَنْ أَوْلاَدٍ صِغَارٍ، وَلَمْ يُوصِ إِلَى أَحَدٍ عَلَيْهِمْ، فَتَصَرَّفَ فِي أَمْوَالِهِمْ أَحَدُ أَعْمَامِهِمْ، أَوْ إِخْوَتُهُمُ الْكِبَارُ بِالْمَصْلَحَةِ، فَتَصَرُّفُهُ مَاضٍ، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَنَّ مَنْ ذُكِرَ يَقُومُ مَقَامَ الأَْبِ، (٢)
وَلَمْ يَعْثُرْ عَلَى تَعَدُّدِ الأَْوْلِيَاءِ وَانْفِرَادِ أَحَدِهِمْ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَال سِوَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ.
وَإِذَا تَعَدَّدَ الأَْوْلِيَاءُ أَوِ الأَْوْصِيَاءُ فَإِنِ اتَّفَقُوا فِي التَّصَرُّفِ فَالأَْمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا يُرْفَعُ لِلْحَاكِمِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحَيْ (إِيصَاءٍ) (وَوِلاَيَةٍ) .
ج - انْفِرَادُ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ بِالتَّصَرُّفِ:
٩ - لِكُلٍّ مِنَ الْوَكِيلَيْنِ الاِنْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ، إِنْ جَعَل
_________
(١) المراجع السابقة
(٢) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ٣ / ٢٥٦، ٤ / ٤٥٢ ط عيسى الحلبي بمصر، وجواهر الإكليل ٢ / ٩٩
الْمُوَكِّل الاِنْفِرَادَ بِالتَّصَرُّفِ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَبِهَذَا قَال الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ؛ لأَِنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَل لَهُ الاِنْفِرَادَ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِهِ. (١)
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَجُوزُ لأَِحَدِ الْوَكِيلَيْنِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ فِيمَا لاَ يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى اجْتِمَاعِ رَأْيِهِمَا كَتَوْكِيل الْمُوَكِّل لَهَا فِي الْخُصُومَةِ، فَلاَ يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا؛ لأَِنَّ اجْتِمَاعَهُمَا فِيهَا مُتَعَذَّرٌ لِلإِْفْضَاءِ إِلَى الشَّغَبِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَلاَ بُدَّ مِنْ صِيَانَتِهِ عَنِ الشَّغَبِ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ إِظْهَارُ الْحَقِّ، وَلِهَذَا لَوْ خَاصَمَ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الآْخَرِ جَازَ وَلَوْ لَمْ يَحْضُرِ الآْخَرُ عِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ. وَقَال بَعْضُهُمْ: يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ أَثْنَاءَ مُخَاصَمَةِ الأَْوَّل، وَكَتَوْكِيلِهِ لَهُمَا بِطَلاَقِ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، أَوْ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ، أَوْ بِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَى الْمُوَكِّل؛ لأَِنَّ هَذِهِ الأَْشْيَاءَ أَدَاءُ الْوَكَالَةِ فِيهَا تَعْبِيرٌ مَحْضٌ لِكَلاَمِ الْمُوَكِّل، وَعِبَارَةُ الْمُثَنَّى وَالْوَاحِدِ سَوَاءٌ؛ لِعَدَمِ اخْتِلاَفِ الْمَعْنَى.
أَمَّا مَا يَحْتَاجُ إِلَى رَأْيٍ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزْوِيجِ فَلاَ بُدَّ مِنَ اجْتِمَاعِهِمَا (٢) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ لأَِحَدِ الْوَكِيلَيْنِ عَلَى مَالٍ وَنَحْوِهِ الاِنْفِرَادُ بِمَا يَفْعَلُهُ عَنْ مُوَكِّلِهِ، دُونَ إِطْلاَعِ الْوَكِيل الآْخَرِ، إِلاَّ لِشَرْطٍ مِنَ الْمُوَكِّل أَلاَّ يَسْتَبِدَّ أَيُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ أَلاَّ يَسْتَبِدَّ فُلاَنٌ، فَحِينَئِذٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الاِسْتِبْدَادُ، وَسَوَاءٌ فِيمَا ذُكِرَ إِنْ كَانَتْ وَكَالَتُهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ، عَلِمَ أَحَدُهُمَا بِالآْخَرِ أَمْ لاَ،
_________
(١) المهذب ١ / ٣٥٨، وحواشي الشرواني على تحفة المحتاج بشرح المنهاج ٥ / ٣٤٢، وكشاف القناع ٥ / ٤٧٣، والمغني ٥ / ٩٦
(٢) شرح فتح القدير ٦ / ٨٩ - ٩١، والهداية ٣ / ١٤٨
أَوْ وَكَّلاَ جَمِيعًا.
وَالْوَكِيل عَلَى مَالٍ كَأَنْ يَكُونَ وَكَّلَهُمَا عَلَى بَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ، وَنَحْوُ الْمَال: كَطَلاَقٍ وَهِبَةٍ وَوَقْفٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (١) وَالتَّفْصِيل يَكُونُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَكَالَةٌ) .
د - انْفِرَادُ أَحَدِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلشُّفْعَةِ بِطَلَبِهَا:
١٠ - إِنْ كَانَ أَحَدُ الشُّفَعَاءِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلشُّفْعَةِ حَاضِرًا أَوْ قَدِمَ مِنَ السَّفَرِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا وَطَلَبَ الْحَاضِرُ الشُّفْعَةَ، فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ أَخْذُ الْكُل أَوْ تَرْكُهُ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَعْلَمِ الآْنَ مُطَالِبَ سِوَاهُ؛ وَلأَِنَّ فِي أَخْذِهِ الْبَعْضَ تَبْعِيضًا لِصَفْقَةِ الْمُشْتَرِي، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَلاَ يُمْكِنُ تَأْخِيرُ حَقِّهِ إِلَى أَنْ يَقْدُمَ شُرَكَاؤُهُ لأَِنَّ فِي التَّأْخِيرِ إِضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي.
وَإِنْ كَانَ الشُّفَعَاءُ كُلُّهُمْ غَائِبِينَ لَمْ تَسْقُطِ الشُّفْعَةُ لِمَوْضِعِ الْعُذْرِ. فَإِذَا أَخَذَ مَنْ حَضَرَ جَمِيعَ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ، ثُمَّ حَضَرَ شَرِيكٌ آخَرُ قَاسَمَهُ إِنْ شَاءَ؛ لأَِنَّ الْمُطَالَبَةَ إِنَّمَا وُجِدَتْ مِنْهُمَا، وَإِنْ عَفَا بَقِيَ الشِّقْصُ لِلأَْوَّل. فَإِنْ قَاسَمَهُ ثُمَّ حَضَرَ الثَّالِثُ قَاسَمَهُمَا إِنْ أَحَبَّ الأَْخْذَ بِالشُّفْعَةِ، وَبَطَلَتِ الْقِسْمَةُ الأُْولَى؛ لأَِنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ لَهُمَا شَرِيكًا لَمْ يُقَاسِمْ وَلَمْ يَأْذَنْ، وَإِنْ عَفَا الثَّالِثُ عَنْ شُفْعَتِهِ بَقِيَ الشِّقْصُ لِلأَْوَّلَيْنِ؛ لأَِنَّهُ لاَ مُشَارِكَ لَهُمَا وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. (٢)
وَالتَّفْصِيل يَكُونُ فِي مُصْطَلَحِ: (شُفْعَةٌ) .
_________
(١) حاشية الدسوقي ٣ / ٣٩٢، وجواهر الإكليل ٢ / ١٣٠
(٢) رد المحتار على الدر المختار ٥ / ١٤١ وما بعدها، وحاشية الدسوقي ٣ / ٤٩٠، والمهذب ١ / ٣٨٨، ونهاية المحتاج ٥ / ٢١٢ - ٢١٣، والمغني لابن قدامة ٥ / ٣٦٧، وكشاف القناع ٤ / ١٤٨
هـ - انْفِرَادُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِالتَّصَرُّفِ:
١١ - إِذَا كَانَتِ الشَّرِكَةُ شَرِكَةَ مِلْكٍ، كَمَنْ وَرِثُوا دَارًا وَلَمْ يَقْسِمُوهَا، فَلَيْسَ لأَِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الاِنْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ الدَّارِ إِلاَّ بِالتَّرَاضِي، أَوْ بِالْمُهَايَأَةِ أَيِ اسْتِقْلاَل كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالاِنْتِفَاعِ بِجَمِيعِهَا زَمَنًا مُحَدَّدًا وَهَكَذَا.
أَمَّا فِي شَرِكَاتِ الْعَقْدِ، فَفِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ (١) يَجُوزُ لأَِحَدِ الشُّرَكَاءِ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالأَْمَانَةِ؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَفْعِ الْمَال إِلَى صَاحِبِهِ أَمِنَهُ، وَبِإِذْنِهِ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ وَكَّلَهُ، وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا أَنْ يَأْذَنَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ تَصَرَّفَ فِيهَا، وَيَجُوزُ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ مُسَاوَمَةً، وَمُرَابَحَةً، وَتَوْلِيَةً، وَمُوَاضَعَةً، وَكَيْفَمَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ؛ لأَِنَّ هَذَا عَادَةُ التُّجَّارِ، وَأَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ، وَالثَّمَنَ، وَيَقْبِضَهُمَا، وَيُخَاصِمَ فِي الدَّيْنِ وَيُطَالِبَ بِهِ، وَيُحِيل وَيَقْبَل الْحَوَالَةَ، وَيَرُدَّ بِالْعَيْبِ فِيمَا وَلِيَهُ هُوَ، وَفِيمَا وَلِيَ صَاحِبُهُ، وَأَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ مَال الشَّرِكَةِ وَيُؤَجِّرَ، وَأَنْ يَفْعَل كُل مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَمْثَالِهِ مِنَ التُّجَّارِ، إِذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً؛ لِتَنَاوُل الإِْذْنِ لِذَلِكَ دُونَ التَّبَرُّعِ، وَالْحَطِيطَةِ، وَالْقَرْضِ، وَتَزْوِيجِهِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ، وَإِنَّمَا فَوَّضَ
_________
(١) هي أن يشترك اثنان فأكثر بماليهما ليعملا فيه بينهما وربحه بينهما على حسب ما اشترطاه، أو يشترك اثنان فأكثر بماليهما على أن يعمل فيه أحدهما بشرط أن يكون للعامل من الربح أكثر من ربح ماله، ليكون الجزء الزائد في نظير عمله غي مال الشركة. حاشية الدسوقي ٣ / ٣٥٩ ونهاية المحتاج ٥ / ٤، وكشاف القناع ٥ / ٤٩٧، ورد المحتار ٣ / ٣٤٤
إِلَيْهِ الْعَمَل بِرَأْيِهِ فِي التِّجَارَةِ. وَإِنْ عَيَّنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلآْخَرِ جِنْسًا، أَوْ نَوْعًا، أَوْ بَلَدًا، تَصَرَّفَ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لأَِنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالإِْذْنِ فَوَقَفَ عَلَيْهِ. (١)
وَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَأْذَنِ الآْخَرُ تَصَرَّفَ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي الْجَمِيعِ، وَلاَ يَتَصَرَّفُ الآْخَرُ إِلاَّ فِي نَصِيبِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. (٢) وَالتَّفْصِيل يَكُونُ فِي مُصْطَلَحِ (شَرِكَةٌ)
وَ- انْفِرَادُ أَحَدِ الْوَصِيِّينَ أَوِ النَّاظِرَيْنِ بِالتَّصَرُّفِ:
١٢ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُوصِيَ إِذَا أَوْصَى لاِثْنَيْنِ مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَأَطْلَقَ أَوْ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ اجْتِمَاعِهِمَا، فَلاَ يَجُوزُ لأَِحَدِهِمَا الاِنْفِرَادُ. أَمَّا إِذَا نَصَّ عَلَى جَوَازِ الاِنْفِرَادِ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ، عَمَلًا بِقَوْل الْمُوصِي. وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الاِنْفِرَادُ، وَلَوْ نَصَّ عَلَى الاِجْتِمَاعِ؛ لأَِنَّهُ مِنْ قَبِيل الْخِلاَفَةِ، وَالْخَلِيفَةُ يَنُوبُ عَنِ الْمُسْتَخْلِفِ فِي كُل مَا يَمْلِكُهُ، وَفِي الْمَسَائِل الَّتِي لاَ تَحْتَاجُ إِلَى تَبَادُل الرَّأْيِ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ، وَشِرَاءِ حَاجَاتِ الطِّفْل، وَشِرَاءِ كَفَنِ الْمَيِّتِ، وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِجَوَازِ انْفِرَادِ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا.
هَذَا، وَإِنَّ أَحْكَامَ الْوَقْفِ مُسْتَقَاةٌ غَالِبًا مِنْ
_________
(١) شرح فتح القدير ٥ / ٤٠٢ - ٤٠٤، ورد المحتار، ٣ / ٣٤٤، وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٥٢، ونهاية المحتاج ٥ / ٤، والمغني لابن قدامة ٥ / ٢١، ٢٢، وكشاف القناع ٥ / ٩٤٧، ٥٠٠، وما بعدها
(٢) نهاية المحتاج ٥ / ٤، والمهذب ١ / ٣٥٣، واللجنة ترى أن قواعد المذاهب الأخرى لا تأبى هذا البيان، لأن التصرف مبني على الإذن وليس هناك إذن
أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ، وَمَا يَجْرِي عَلَى الْوَصِيِّينَ هُنَا يَجْرِي كَذَلِكَ عَلَى نُظَّارِ الْوَقْفِ. (١)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (وَصِيَّةٌ، وَوَكَالَةٌ، وَالْوَقْفُ) .
ز - انْفِرَادُ الزَّوْجَةِ بِمَسْكَنٍ:
١٣ - لِلزَّوْجَةِ حَقُّ الاِنْفِرَادِ بِمَسْكَنٍ خَاصٍّ بِهَا لَهُ غَلْقٌ وَمَرَافِقُ، (٢) وَلَوْ كَانَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، وَتَسْكُنُ ضَرَّتُهَا فِي جُزْءٍ مُسْتَقِلٍّ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ أَهْل زَوْجِهَا، وَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَمْنَعَ طِفْل زَوْجِهَا غَيْرَ الْمُمَيِّزِ مِنَ السُّكْنَى مَعَهُمَا. وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. (٣)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ إِذَا اشْتَرَطَ عَلَيْهَا سُكْنَاهَا مَعَ أَقَارِبِ الزَّوْجِ أَوْ مَعَ ضَرَّتِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ بِسَكَنٍ مُنْفَرِدٍ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مُسْتَوَاهَا الاِجْتِمَاعِيُّ يَسْمَحُ بِذَلِكَ. (٤)
وَالشُّرُوطُ الْوَاجِبُ تَوَافُرُهَا فِي مَسْكَنِ الزَّوْجَةِ وَتَقْدِيرِ مُسْتَوَاهُ يَكُونُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْتُ الطَّاعَةِ) (وَنَفَقَةٌ) .
_________
(١) الدر المختار ورد المحتار ٥ / ٤٤٩، ٤٥٠، والاختيار شرح المختار ٥ / ٦٧، وشرح الدردير وحاشية الدسوقي ٤ / ٨٨، ٤٥٣، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٠٨، والحطاب ٦ / ٣٣، ٣٧، ونهاية المحتاج ٦ / ١٠٧، وروضة الطالبين ٥ / ٣٤٨، والمغني ٦ / ١٣٦، ١٤٢، وكشاف القناع ٤ / ٢٧٣
(٢) مسكن الزوجة في اصطلاح الفقهاء: محل منفرد معين مختص بالزوجة ليس فيه ما يشاركها به أحد من أهل الدار له غلق يخصه ومرافق. انظر: رد المحتار ٢ / ٦٦٢، ٦٦٣، والشرح الصغير ٢ / ٥٠٧ وما بعدها
(٣) رد المحتار ٢ / ٦٦٢، ٦٦٣، وشرح فتح القدير ٤ / ٢٠٧، ونهاية المحتاج ١ / ٣٧٥، وشرح المنهاج ٣ / ٣٠٠ وما بعدها، وكشاف القناع ٥ / ١٩٦ وما بعدها، والمغني لابن قدامة ٧ / ٢٦، ٢٧
(٤) الشرح الكبير حاشية الدسوقي ٢ / ٥١٢، ٥١٣ بشيء من التصرف
انْفِسَاخٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الاِنْفِسَاخُ: مَصْدَرُ انْفَسَخَ، وَهُوَ مُطَاوِعُ فَسَخَ، وَمِنْ مَعْنَاهُ: النَّقْضُ وَالزَّوَال. يُقَال: فَسَخْتُ الشَّيْءَ فَانْفَسَخَ أَيْ: نَقَضْتُهُ فَانْتَقَضَ، وَفَسَخْتُ الْعَقْدَ أَيْ: رَفَعْتُهُ. (١)
وَالاِنْفِسَاخُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: هُوَ انْحِلاَل الْعَقْدِ إِمَّا بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا بِإِرَادَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَوْ بِإِرَادَةِ أَحَدِهِمَا. (٢)
وَقَدْ يَكُونُ الاِنْفِسَاخُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ، فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُطَاوِعٌ لِلْفَسْخِ وَنَتِيجَةٌ لَهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي أَسْبَابِ الاِنْفِسَاخِ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْقَالَةُ:
٢ - الإِْقَالَةُ فِي اللُّغَةِ، عِبَارَةٌ عَنِ الرَّفْعِ، (٣) وَفِي الشَّرْعِ: رَفْعُ الْعَقْدِ وَإِزَالَتُهُ بِرِضَا الطَّرَفَيْنِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي اعْتِبَارِهَا فَسْخًا أَوْ عَقْدًا جَدِيدًا. (٤)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِقَالَةٌ) .
_________
(١) المصباح المنير ولسان العرب مادة: (فسخ) .
(٢) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص ٣٣٨، والأشباه للسيوطي ص ٢٢٤، والقواعد لابن رجب ص ١٠٧، والفروق للقرافي ٣ / ٢٦٩
(٣) المصباح المنير مادة: (قيل)
(٤) الشرح الصغير للدردير ٣ / ٢٠٩، وقواعد ابن رجب ص ١٠٩، ٣٧٩، والقليوبي ٢ / ١٩٠، والبدائع ٥ / ٣٠٦، ومجلة الأحكام العدلية م ١٦٣، ١٩١، ١٩٤.