الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٧
وَالْبَاطِل مِنْ عِبَادَةٍ وَعَقْدٍ وَغَيْرِهِمَا غَيْرُ مُنْعَقِدٍ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الْمُعَامَلاَتُ فَفِي انْعِقَادِ فَاسِدِهَا خِلاَفٌ، وَأَغْلَبُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ كَذَلِكَ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ يَنْعَقِدُ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَالاِنْعِقَادُ حِينَئِذٍ بِمَشْرُوعِيَّةِ الأَْصْل دُونَ الْوَصْفِ. (١)
وَمِنَ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَنْعَقِدُ مَعَ الْهَزْل كَالنِّكَاحِ، وَالطَّلاَقِ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاَقُ، وَالرَّجْعَةُ، (٢) وَمِنْهَا مَا لاَ يَنْعَقِدُ مَعَهُ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. (٣)
وَأَغْلَبُ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ تَنْعَقِدُ بِإِشَارَةِ الأَْخْرَسِ، كَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. (٤)
أَمَّا إِشَارَةُ الْقَادِرِ عَلَى النُّطْقِ فَلاَ يَتِمُّ بِهَا الاِنْعِقَادُ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ إِذْ لاَ يَعْدِل عَنِ الْعِبَارَةِ إِلَى الإِْشَارَةِ إِلاَّ لِعُذْرٍ. (٥)
_________
(١) ابن عابدين ٤ / ٧
(٢) حديث: " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة " أخرجه الترمذي التحفة (٤ / ٣٦٢ ط السلفية) وحسنه ابن حجر في التلخيص ٣ / ٢١٠ ط شركة الطباعة الفنية المتحدة.
(٣) المرجع السابق، والمغني مع الشرح الكبير ٧ / ٤٣١ ط المنار الأولى
(٤) نتائج الأفكار تكملة فتح القدير ٨ / ٥١١ ط بولاق الأولى، وابن عابدين ٤ / ٩، ٥ / ٤٧٠، وجواهر الإكليل ١ / ٣٤٨، والحطاب ٤ / ٢٥٨ ط ليبيا، ونهاية المحتاج ٦ / ٤٢٦ ط مصطفى الحلبي، والكافي لابن قدامة ٢ / ٨٠٢ ط المكتب الإسلامي، والمغني مع الشرح ٧ / ٤٣٠.
(٥) نهاية المحتاج ٦ / ٤٢٦، والكافي لابن قدامة ٢ / ٨٠٢، وابن عابدين ٤ / ٩، وأشباه ابن نجيم ص ٣٤٣، ٣٤٤ مكتبة الهند
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ إِشَارَةَ غَيْرِ الأَْخْرَسِ يُعْتَدُّ بِهَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ. (١)
وَانْعِقَادُ الإِْمَامَةِ الْكُبْرَى يَكُونُ بِاخْتِيَارِ أَهْل الْحَل وَالْعَقْدِ، غَيْرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يَتَفَاوَتُونَ فِي تَحْدِيدِ أَقَل عَدَدٍ تَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعَةُ مِنْ أَهْل الْحَل وَالْعَقْدِ، وَمَوْطِنُ ذَلِكَ مُصْطَلَحُ (الإِْمَامَةِ الْكُبْرَى) . (٢)
أَوْ يَكُونُ بِعَهْدٍ مِنَ الإِْمَامِ لِمَنْ بَعْدَهُ مَعَ الْمُبَايَعَةِ مِنْ أَهْل الْحَل وَالْعَقْدِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صِحَّةِ الْعَهْدِ بِالإِْمَامَةِ لأَِمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ﵁ عَهِدَ بِهَا إِلَى عُمَرَ ﵁.
وَالثَّانِي: أَنَّ عُمَرَ عَهِدَ بِهَا إِلَى أَهْل الشُّورَى، فَقَبِلَتِ الْجَمَاعَةُ دُخُولَهُمْ فِيهَا، وَهُمْ أَعْيَانُ الْعَصْرِ، اعْتِقَادًا لِصِحَّةِ الْعَهْدِ بِهَا، فَصَارَ الْعَهْدُ بِهَا إِجْمَاعًا فِي انْعِقَادِ الإِْمَامَةِ. (٣)
أَمَّا انْعِقَادُ الإِْمَامَةِ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلاَ اخْتِيَارٍ فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهَا لاَ تَنْعَقِدُ، وَيَلْزَمُ أَهْل الاِخْتِيَارِ عَقْدُ الإِْمَامَةِ لَهُ، لَكِنْ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى انْعِقَادِهَا بِالتَّغَلُّبِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي (الإِْمَامَةِ الْكُبْرَى) . (٤)
وَتَنْعَقِدُ الْوِلاَيَاتُ مَعَ الْحُضُورِ بِاللَّفْظِ مُشَافَهَةً، وَمَعَ الْغَيْبَةِ مُكَاتَبَةً، وَمُرَاسَلَةً، وَكَيْفِيَّةُ انْعِقَادِ كُل وِلاَيَةٍ تُذْكَرُ فِي مَوْطِنِهَا، وَيَتَكَلَّمُ الْفُقَهَاءُ عَنْ ذَلِكَ
_________
(١) الحطاب ٤ / ٢٢٩
(٢) الأحكام السلطانية للماوردي ص ٦ ط مصطفى الحلبي.
(٣) الأحكام السلطانية للماوردي ص ١٠.
(٤) المرجع السابق ص ٨، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص ٧ ط مصطفى الحلبي.
غَالِبًا فِي كُتُبِ السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالأَْحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. (١)
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
٤ - يَتَكَلَّمُ الْفُقَهَاءُ فِي الأَْيْمَانِ عَنِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ، وَمَوَاطِنُ الاِنْعِقَادِ يَصْعُبُ سَرْدُهَا لِذَا يَرْجِعُ إِلَى كُل عِبَادَةٍ أَوْ تَصَرُّفٍ فِي مَوْطِنِهِ لِبَيَانِ الاِنْعِقَادِ مِنْ عَدَمِهِ.
انْعِكَاسٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الاِنْعِكَاسُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ انْعَكَسَ مُطَاوِعُ عَكَسَ. (٢) وَالْعَكْسُ: رَدُّ أَوَّل الشَّيْءِ عَلَى آخِرِهِ. يُقَال: عَكَسَهُ يَعْكِسُهُ عَكْسًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ. (٣) وَمِنْهُ قِيَاسُ الْعَكْسِ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ وَهُوَ: إِثْبَاتُ عَكْسِ حُكْمِ شَيْءٍ لِمِثْلِهِ لِتَعَاكُسِهِمَا فِي الْعِلَّةِ، كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ: أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَال: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ (٤)
وَالاِنْعِكَاسُ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ: انْتِفَاءُ الْحُكْمِ
_________
(١) الأحكام السلطانية للماوردي ص ٦٩، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص ٤٨.
(٢) تاج العروس (عكس)
(٣) المصباح (عكس)
(٤) حديث: " أيأتي أحدنا شهوته. . . " أخرجه مسلم ٢ / ٦٩٨ ط الحلبي
بِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ كَانْتِفَاءِ حُرْمَةِ الْخَمْرِ بِزَوَال إِسْكَارِهَا. (١)
وَضِدُّ الاِنْعِكَاسِ الاِطِّرَادُ، كَمَا أَنَّ ضِدَّ الْعَكْسِ الطَّرْدُ. (ر: اطِّرَادٌ) .
٢ - وَذَهَبَ جُمْهُورُ الأُْصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّ الاِنْعِكَاسَ مَعَ الاِطِّرَادِ مَسْلَكٌ مِنَ الْمَسَالِكِ الَّتِي بِهَا تُعْرَفُ الْعِلَّةُ. وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ الْحَنَفِيَّةُ وَكَثِيرٌ مِنَ الأَْشْعَرِيَّةِ كَالْغَزَالِيِّ وَالآْمِدِيِّ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ. (٢)
كَمَا ذَهَبَ بَعْضُ الأُْصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّ الاِنْعِكَاسَ مِنْ شَرَائِطِ الْعِلَّةِ، وَالآْخَرُونَ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِيهَا هَذَا الشَّرْطَ. (٣)
وَتَمَامُ الْكَلاَمِ عَلَى ذَلِكَ مَوْطِنُهُ الْمُلْحَقُ الأُْصُولِيُّ.
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
٣ - ذَكَرَ الأُْصُولِيُّونَ الاِنْعِكَاسَ فِي مَبَاحِثِ الْعِلَّةِ مِنَ الْقِيَاسِ، فِي شُرُوطِهَا، وَفِي مَسَالِكِهَا، بِاعْتِبَارِهِ أَحَدَ شُرُوطِهَا وَمَسَالِكِهَا عَلَى الْخِلاَفِ الَّذِي تَقَدَّمَ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي مَبْحَثِ التَّرْجِيحَاتِ الْقِيَاسِيَّةِ بِاعْتِبَارِهِ أَحَدَ طُرُقِ التَّرْجِيحِ بَيْنَ الأَْقْيِسَةِ، (٤) وَفِي الْكَلاَمِ عَلَى الْحِكْمَةِ وَالْمَظِنَّةِ، وَأَنَّهُ لاَ يَجِبُ فِي مَظِنَّةِ الْحِكْمَةِ الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ، (٥) وَفِي الْكَلاَمِ عَلَى قَوَادِحِ الْعِلَّةِ. (٦)
_________
(١) كشاف اصطلاحات الفنون (طرد)، والمستصفى ٢ / ٣٠٧، ٣٠٨، وفواتح الرحموت ٢ / ٢٨٢
(٢) مسلم الثبوت ٢ / ٣٠٢، وإرشاد الفحول ص ٢٢٠ ط م الحلبي.
(٣) فواتح الرحموت ٢ / ٢٨٢، وشرح جمع الجوامع ٢ / ٣٤٣ ط م الحلبي.
(٤) فواتح الرحموت ٢ / ٣٢٨
(٥) فواتح الرحموت ٢ / ٢٧٤
(٦) شرح جمع الجوامع ٢ / ٣٠٥ ط م الحلبي
أَنْفٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الأَْنْفُ: الْمَنْخِرُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ، وَالْجَمْعُ آنَافٌ وَأُنُوفٌ (١)
مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الأَْحْكَامِ:
تَخْتَلِفُ الأَْحْكَامُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالأَْنْفِ بِاخْتِلاَفِ مَوَاضِعِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ.
أ - فِي الْوُضُوءِ:
٢ - غَسْل الأَْنْفِ مِنَ الدَّاخِل (الاِسْتِنْشَاقُ) سُنَّةٌ، وَغَسْلُهُ مِنَ الظَّاهِرِ فَرْضٌ بِاعْتِبَارِهِ جُزْءًا مِنَ الْوَجْهِ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (وُضُوءٍ) .
ب - فِي الْغُسْل:
٣ - غَسْل ظَاهِرِ الأَْنْفِ فِي الْغُسْل فَرْضٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ. وَغَسْل بَاطِنِهِ (وَهُوَ الاِسْتِنْشَاقُ) فَرْضٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَسُنَّةٌ عِنْدَ غَيْرِهِمْ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (غُسْلٍ) .
ج - السُّجُودُ عَلَى الأَْنْفِ فِي الصَّلاَةِ:
٤ - تَمْكِينُ الأَْنْفِ مَعَ الْجَبْهَةِ فِي السُّجُودِ سُنَّةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
_________
(١) لسان العرب والمصباح المنير
أَنَّ النَّبِيَّ سَجَدَ وَمَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ عَلَى الأَْرْضِ. (١)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهُ وَاجِبٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ لِلْحَنَابِلَةِ وَالْقَوْل الْمَرْجُوحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: الْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ (٢) وَإِشَارَتُهُ إِلَى أَنْفِهِ تَدُل عَلَى أَنَّهُ أَرَادَهُ. (٣)
د - وُصُول شَيْءٍ إِلَى جَوْفِ الصَّائِمِ عَنْ طَرِيقِ الأَْنْفِ:
٥ - إِذَا اسْتَعَطَ الصَّائِمُ فَوَصَل الدَّوَاءُ إِلَى جَوْفِهِ أَوْ حَلْقِهِ أَوْ دِمَاغِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لاَ يَفْسُدُ إِلاَّ بِالْوُصُول إِلَى الْجَوْفِ أَوِ الْحَلْقِ - كَذَلِكَ مَنِ اسْتَنْشَقَ فَوَصَل الْمَاءُ إِلَى جَوْفِهِ أَوْ حَلْقِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ.
وَلِلْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ إِذَا بَالَغَ فِي الاِسْتِنْشَاقِ فَوَصَل الْمَاءُ إِلَى جَوْفِهِ أَوْ حَلْقِهِ رَأْيَانِ: الْفَسَادُ وَعَدَمُهُ (٤) .
_________
(١) حديث: " أن النبي ﷺ سجد. . . " أخرجه أبو داود (١ / ٤٧١ - ط عزت عبيد دعاس) وصححه ابن خزيمة (١ / ٣٢٣ - ط المكتب الإسلامي) .
(٢) حديث: " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم " أخرجه البخاري (٢ / ٢٩٧ - الفتح - ط السلفية)، ومسلم (١ / ٣٥٤ - ط الحلبي)
(٣) المغني ١ / ٥١٦ ط الرياض، والمهذب ١ / ٨٣ ط دار المعرفة، والبدائع ١ / ٢٠٨ ط الجمالية، ومنح الجليل ١ / ١٥١ ط النجاح ليبيا
(٤) منتهى الإرادات ١ / ٤٤٧ ط دار الفكر، والمغني ٣ / ١٠٨، والمهذب ١ / ١٨٩ - ١٩٠، ومنح الجليل ١ / ٣٩٩ - ٤٠٠، والهداية ١ / ١٢٥ ط المكتبة الإسلامية
هـ - الْجِنَايَةُ عَلَى الأَْنْفِ:
٦ - الْجِنَايَةُ عَلَى الأَْنْفِ عَمْدًا تُوجِبُ الْقِصَاصَ مَتَى أَمْكَنَ اسْتِيفَاءُ الْمِثْل بِلاَ حَيْفٍ. وَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالأَْنْفُ بِالأَْنْفِ﴾ . (١)
فَإِذَا لَمْ يُمْكِنِ اسْتِيفَاءُ الْمِثْل أَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَالْوَاجِبُ هُوَ الدِّيَةُ، وَفِي ذَهَابِ الشَّمِّ وَحْدَهُ الدِّيَةُ.
وَفِي ذَهَابِ الشَّمِّ وَمَارِنِ الأَْنْفِ دِيَتَانِ.
وَإِنْ قَطَعَ جُزْءًا مِنَ الأَْنْفِ وَجَبَ فِيهِ الدِّيَةُ بِقَدْرِهِ. (٢)
وَفِي الْمَوْضُوعِ تَفْصِيلٌ كَثِيرٌ (ر: جِنَايَةٌ، وَدِيَةٌ، وَأَطْرَافٌ، وَجِرَاحٌ) .
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
٧ - لِلأَْنْفِ أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ وَتَرِدُ فِي مَسَائِل مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَذَلِكَ كَالاِسْتِنْشَاقِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ، وَبَابِ الْغُسْل، وَغُسْل الْمَيِّتِ، وَفِي صَبِّ لَبَنِ الْمُرْضِعِ فِيهِ، وَهَل يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِذَلِكَ أَمْ لاَ، وَذَلِكَ فِي بَابِ الرَّضَاعِ، وَاتِّخَاذِ أَنْفٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَذَلِكَ فِي بَابِ اللِّبَاسِ.
إِنْفَاقٌ
انْظُرْ: نَفَقَةٌ.
_________
(١) سورة المائدة / ٤٥
(٢) منتهى الإرادات ٣ / ٢٩٢ ط ٣١٧، والمهذب ٢ / ١٨٠ - ٢٠٣، ومنح الجليل ٤ / ٣٦٦، ٤٠٦، ٤٠٨، البدائع ٧ / ٢٩٧ - ٣١١.
أَنْفَالٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - النَّفَل بِالتَّحْرِيكِ: الْغَنِيمَةُ، وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيزِ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَْنْفَال﴾ (١) سَأَلُوا عَنْهَا؛ لأَِنَّهَا كَانَتْ حَرَامًا عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ فَأَحَلَّهَا اللَّهُ لَهُمْ. وَأَصْل مَعْنَى الأَْنْفَال مِنَ النَّفْل - بِسُكُونِ الْفَاءِ - أَيِ الزِّيَادَةِ. (٢)
وَاصْطِلاَحًا، اخْتُلِفَ فِي تَعْرِيفِهَا عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ:
٢ - الأَْوَّل: هِيَ الْغَنَائِمُ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ، وَمُجَاهِدٍ فِي رِوَايَةٍ، وَالضِّحَاكِ وَقَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ فِي رِوَايَةٍ.
٣ - الثَّانِي: الْفَيْءُ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الأُْخْرَى عَنْ كُلٍّ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ، وَهُوَ مَا يَصِل إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَال الْمُشْرِكِينَ بِغَيْرِ قِتَالٍ، فَذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ.
٤ - الثَّالِثُ: الْخُمُسُ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الأُْخْرَى عَنْ مُجَاهِدٍ.
٥ - الرَّابِعُ: التَّنْفِيل، وَهُوَ مَا أُخِذَ قَبْل إِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِدَارِ الإِْسْلاَمِ وَقِسْمَتِهَا، فَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ التَّنْفِيل إِلاَّ مِنَ الْخُمْسِ (٣) . وَتَفْصِيلُهُ فِي
_________
(١) سورة الأنفال / ١
(٢) لسان العرب والمصباح المنير في المادة، والمفردات في غريب القرآن للأصفهاني (نفل)
(٣) أحكام القرآن للجصاص ٣ / ٥٥
مُصْطَلَحِ (تَنْفِيلٍ) .
٦ - خَامِسًا: السَّلَبُ، وَهُوَ الَّذِي يُدْفَعُ إِلَى الْفَارِسِ زَائِدًا عَنْ سَهْمِهِ مِنَ الْمَغْنَمِ، تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْقِتَال، كَمَا إِذَا قَال الإِْمَامُ: وَمَنْ قَتَل قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ " أَوْ قَال لِسَرِيَّةٍ: مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ، أَوْ يَقُول: فَلَكُمْ نِصْفُهُ أَوْ ثُلُثُهُ أَوْ رُبُعُهُ (١) .
٧ - فَالأَْنْفَال بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الأَْقْوَال تُطْلَقُ عَلَى أَمْوَال الْحَرْبِيِّينَ الَّتِي آلَتْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ بِقِتَالٍ أَوْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَيَدْخُل فِيهَا الْغَنِيمَةُ وَالْفَيْءُ. قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَال عُلَمَاؤُنَا ﵏: هَا هُنَا ثَلاَثَةُ أَسْمَاءٍ: الأَْنْفَال، وَالْغَنَائِمُ، وَالْفَيْءُ.
فَالنَّفَل الزِّيَادَةُ، وَتَدْخُل فِيهِ الْغَنِيمَةُ، وَهِيَ مَا أُخِذَ مِنْ أَمْوَال الْكُفَّارِ بِقِتَالٍ.
وَالْفَيْءُ، وَهُوَ مَا أُخِذَ بِغَيْرِ قِتَالٍ، وَسُمِّيَ كَذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ رَجَعَ إِلَى مَوْضِعِهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ وَهُوَ انْتِفَاعُ الْمُؤْمِنِ بِهِ. (٢)
وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا بَذَلَهُ الْكُفَّارُ لِنَكُفَّ عَنْ قِتَالِهِمْ، وَكَذَلِكَ مَا أُخِذَ بِغَيْرِ تَخْوِيفٍ كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ، وَالْعُشْرِ، وَمَال الْمُرْتَدِّ، وَمَال مَنْ مَاتَ مِنَ الْكُفَّارِ وَلاَ وَارِثَ لَهُ. (٣)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الرَّضْخُ:
٨ - الرَّضْخُ لُغَةً: الْعَطَاءُ غَيْرُ الْكَثِيرِ، وَاصْطِلاَحًا: مَالٌ مِنَ الْغَنِيمَةِ لاَ يَزِيدُ عَلَى سَهْمٍ وَاحِدٍ مِنَ
_________
(١) الفخر الرازي ١٥ / ١١٥ الطبعة الأولى
(٢) أحكام القرآن لابن العربي ٢ / ٨٢٥
(٣) الوجيز ١ / ٢٨٨، والمبسوط ١٠ / ٧، والعدوي على الخرشي ٣ / ١٢٨، والمصباح المنير في المادة
الْغَانِمِينَ، تَقْدِيرُهُ إِلَى وَلِيِّ الأَْمْرِ، أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ كَقَائِدِ الْجَيْشِ يُعْطَى لِمَنْ حَضَرَ الْمَعْرَكَةَ، وَأَعَانَ عَلَى الْقِتَال، مِنَ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ، وَنَحْوِهِمْ، وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّونَ وَالْعَبِيدُ بِقَدْرِ مَا يَبْذُلُونَ مِنْ جَهْدٍ، مِثْل مُدَاوَاةِ الْجَرْحَى وَالْمَرْضَى، وَالدَّلاَلَةُ عَلَى الطَّرِيقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. (١)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
٩ - يَخْتَلِفُ حُكْمُ الأَْنْفَال بِحَسَبِ مُفْرَدَاتِهَا السَّابِقَةِ مِنْ: غَنِيمَةٍ، وَفَيْءٍ، وَسَلَبٍ، وَرَضْخٍ، وَتَنْفِيلٍ، وَيُنْظَرُ حُكْمُ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِهِ (٢)
انْفِرَادٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الاِنْفِرَادُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ انْفَرَدَ وَهُوَ بِمَعْنَى تَفَرَّدَ. (٣) وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ عَنْ ذَلِكَ (٤)
_________
(١) المبسوط ١٠ / ١٦، وفتح القدير ٤ / ٣٢٦، والوجيز ١ / ٢٩٠، والمغني ٨ / ٤١٥ ط الرياض، والقواعد لابن رجب ص ٣١١ ط دار المعرفة، والمدونة ٣ / ٣٣ ط دار صادر
(٢) ابن عابدين ٣ / ٢٣٨، وفتح القدير ٤ / ٣٣٣، وحاشية الدسوقي ٢ / ١٩٠ ط دار الفكر، ومغني المحتاج ٣ / ١٠٢ ط مصطفى الحلبي، والمغني ٨ / ٣٧٨ ط الرياض
(٣) لسان العرب، المحيط، ومختار الصحاح، والمصباح المنير مادة: (فرد)
(٤) شرح فتح القدير ٦ / ٨٩، وما بعدها، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ٣ / ٣٩٢، والمهذب ١ / ٣٥٣، وكشاف القناع ٥ / ٥٠٠، وما بعدها