الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٥ الصفحة 11

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٥

د - قَطْعُ الأَْصَابِعِ:

٦ - قَطْعُ الإِْصْبَعِ الأَْصْلِيَّةِ إِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَهِيَ عُشْرُ دِيَةِ النَّفْسِ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ زَائِدَةً فَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ فِي قُوَّةِ الإِْصْبَعِ الأَْصْلِيَّةِ فَفِيهَا دِيَةُ الإِْصْبَعِ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْجِنَايَاتِ وَالدِّيَاتِ (١) .

إِصْرَارٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الإِْصْرَارُ لُغَةً: مُدَاوَمَةُ الشَّيْءِ وَمُلاَزَمَتُهُ وَالثُّبُوتُ عَلَيْهِ (٢)

وَاصْطِلاَحًا: الإِْصْرَارُ: هُوَ الْعَزْمُ بِالْقَلْبِ عَلَى الأَْمْرِ وَعَلَى تَرْكِ الإِْقْلاَعِ عَنْهُ. (٣) وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَل الإِْصْرَارُ فِي الشَّرِّ وَالإِْثْمِ وَالذُّنُوبِ. (٤)

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:

٢ - الإِْصْرَارُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ جَهْلٍ، أَوْ عَنْ عِلْمٍ. فَإِذَا كَانَ الإِْصْرَارُ عَنْ جَهْلٍ فَقَدْ يُعْذَرُ مَنْ لاَ يَعْلَمُ حُرْمَةَ الْفِعْل الَّذِي أَصَرَّ عَلَيْهِ. أَمَّا إِذَا كَانَ عَنْ عِلْمٍ

_________

(١) ابن عابدين ١ / ٣٧١، ٣٧٤، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٧٠، والقليوبي ٤ / ١٤٧، والمغني ٨ / ٣٥، ٣٦.

(٢) المصباح المنير ولسان العرب مادة (صرر) .

(٣) القرطبي ٤ / ٢١١، والتعريفات للجرجاني.

(٤) لسان العرب مادة (صرر) .

بِالْحُكْمِ فَإِنَّ الْفَاعِل يَكُونُ آثِمًا إِذَا كَانَ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَيَتَضَاعَفُ إِثْمُهُ بِمِقْدَارِ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ جُرْمٍ، لأَِنَّ الإِْصْرَارَ عَلَى الصَّغِيرَةِ كَبِيرَةٌ، وَالإِْصْرَارُ عَلَى الْكَبَائِرِ يُؤَدِّي إِلَى عِظَمِ ذَنْبِهَا وَزِيَادَةِ وِزْرِهَا. (١) وَأَمَّا إِذَا كَانَ الإِْصْرَارُ عَلَى غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ، كَالإِْصْرَارِ عَلَى عَدَمِ إِفْشَاءِ أَسْرَارِ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَدُوِّ رَغْمَ مَا يُلاَقِيهِ مِنْ عَنَتِ الأَْعْدَاءِ.

وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا، كَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى فِعْل الطَّاعَاتِ وَتَرْكِ الْمَعَاصِي.

أَمَّا الإِْصْرَارُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ دُونَ تَحَقُّقِهَا فَفِيهِ رَأْيَانِ:

الأَْوَّل: يُؤَاخَذُ بِهِ الإِْنْسَانُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، (٢) وَقَوْلُهُ ﵊: إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِل وَالْمَقْتُول فِي النَّارِ. قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ هَذَا الْقَاتِل فَمَا بَال الْمَقْتُول، قَال: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْل صَاحِبِهِ. (٣)

الثَّانِي: لاَ يُؤَاخَذُ بِهِ الإِْنْسَانُ، لِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ وَاحِدَةٌ (٤)

_________

(١) طهارة القلوب للدريني ص ١١٢، والقليوبي ٢ / ٩٤، والفخر الرازي ٩ / ١١.

(٢) سورة الحج / ٢٥.

(٣) حديث: " إذا التقى المسلمان. . . . . " أخرجه البخاري (الفتح ١ / ٨٥ ط السلفية) وأخرجه مسلم (٤ / ٢٢١٣ - ٢٢١٤ ط الحلبي) بلفظ مقارب.

(٤) حديث: " من هم بسيئة. . . . " أخرجه البخاري من حديث ابن عباس ﵄ مرفوعا بلفظ: " من هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة " (فتح الباري ١١ / ٣٢٣ ط السلفية) .

وَقَدْ ضَعَّفَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الرَّأْيَ، وَحَمَل الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى عَمَلِهَا. (١)

مُبْطِلاَتُ الإِْصْرَارِ:

٣ - أ - يَبْطُل الإِْصْرَارُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِالتَّوْبَةِ، حَيْثُ لاَ إِصْرَارَ مَعَ التَّوْبَةِ، لِمَا رُوِيَ: مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ، وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً (٢) وَلِلْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ: " لاَ كَبِيرَةَ مَعَ الاِسْتِغْفَارِ، وَلاَ صَغِيرَةَ مَعَ الإِْصْرَارِ ".

ب - يَبْطُل الإِْصْرَارُ بِتَرْكِ الْمُصَرِّ عَلَيْهِ وَاتِّبَاعِ غَيْرِهِ. (٣)

مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:

٤ - أ - قَرَّرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الإِْصْرَارَ عَلَى الصَّغَائِرِ مُسْقِطٌ لِلْعَدَالَةِ - انْظُرْ (شَهَادَةٌ، وَتَوْبَةٌ) .

ب - إِصْرَارُ الْمُرْتَدِّ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ يُوجِبُ الْقَتْل، لِحَدِيثِ رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَنْ بَدَّل دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ (٤) اُنْظُرْ (رِدَّةٌ) .

ج - إِصْرَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى السُّكُوتِ عَلَى جَوَابِ الدَّعْوَى يُعَدُّ مِنْهُ إِنْكَارًا وَنُكُولًا. انْظُرْ (دَعْوَى) (٥) .

_________

(١) القرطبي ٤ / ٢١٥.

(٢) حديث: " ما أصر من استغفر. . . . " أخرجه أبو داود (٢ / ١٧٧ - ط عزت عبيد دعاس) والترمذي (٥ / ٥٥٨ ط الحلبي) . وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وليس إسناده بالقوي.

(٣) القرطبي ٤ / ٢١١، والنسفي ١ / ١٨٣، والشهاب ٣ / ٦٤.

(٤) حديث: " من بدل دينه فاقتلوه ". أخرجه البخاري (الفتح ١٢ / ٢٦٧ ط السلفية) .

(٥) ابن عابدين ٣ / ٣٠٣، ٤ / ٣٧٦، ٤ / ٤٣٠ ط بولاق، وقليوبي ٤ / ١٧٧، ٣١٩، ٣٣٨، ومسلم الثبوت ٢ / ١٤٣، والخرشي ٧ / ١٧٥، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٧٨، والمغني ٦ / ١٦٧، ٦٧٤، ٨ / ١٢٤، ٩ / ٦٤، ٦٦، ٢٧١ ط الرياض.

اصْطِيَادٌ

انْظُرْ: صَيْدٌ

أَصْلٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الأَْصْل يُجْمَعُ عَلَى أُصُولٍ. (١)

وَقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمَال الأَْصْل، فَاسْتُعْمِل فِي كُل مَا يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ غَيْرُهُ وَيَبْتَنِي عَلَيْهِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَبْتَنِي عَلَيْهِ وَيَتَفَرَّعُ عَنْهُ، فَالأَْبُ أَصْلٌ لِلْوَلَدِ، وَالأَْسَاسُ أَصْلٌ لِلْجِدَارِ، وَالنَّهْرُ أَصْلٌ لِلْجَدْوَل. وَسَوَاءٌ أَكَانَ الاِبْتِنَاءُ حِسِّيًّا كَمَا مُثِّل، أَمْ عَقْلِيًّا كَابْتِنَاءِ الْمَدْلُول عَلَى الدَّلِيل.

٢ - وَيُطْلَقُ الأَْصْل فِي الاِصْطِلاَحِ بِمَعَانٍ تَرْجِعُ كُلُّهَا إِلَى اسْتِنَادِ الْفَرْعِ إِلَى أَصْلِهِ وَابْتِنَائِهِ عَلَيْهِ، وَمِنْ تِلْكَ الْمَعَانِي الاِصْطِلاَحِيَّةِ:

(١) الدَّلِيل فِي مُقَابَلَةِ الْمَدْلُول.

(٢) الْقَاعِدَةُ الْكُلِّيَّةُ.

_________

(١) اللسان، والقاموس، مادة (أصل) .

(٣) الْمُسْتَصْحَبُ، وَهُوَ الْحَالَةُ الْمَاضِيَةُ.

(٤) مَا يُقَابِل الأَْوْصَافَ.

(٥) وَعَلَى أُصُول الإِْنْسَانِ: أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ وَإِنْ عَلَوْا.

(٦) عَلَى الْمُبْدَل مِنْهُ فِي مُقَابَلَةِ الْبَدَل.

(٧) وَعَلَى أَصْل الْقِيَاسِ (الْمَحَل الْمَقِيسِ عَلَيْهِ)

(٨) وَعَلَى الأُْصُول فِي بَابِ الْبُيُوعِ، وَنَحْوُهَا الأَْشْجَارُ وَالدُّورُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ الثَّمَرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ.

(٩) وَعَلَى أُصُول الْمَسَائِل فِي الْمِيرَاثِ، يُخْرَجُ مِنْهُ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَوْ فُرُوضُهَا بِلاَ كَسْرٍ.

(١٠) وَعَلَى الأَْصْل فِي بَابِ رِوَايَةِ الأَْخْبَارِ: (الشَّيْخُ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ فِي مُقَابَلَةِ الْفَرْعِ، وَهُوَ الرَّاوِي، أَوِ النُّسْخَةُ الْمَنْقُول مِنْهَا فِي مُقَابَلَةِ النُّسْخَةِ الْمَنْقُولَةِ) .

(١١) وَعَلَى أُصُول كُل عِلْمٍ (مَبَادِئُهُ وَالْقَوَاعِدُ الْعَامَّةُ الَّتِي تُسْتَخْدَمُ فِي دِرَاسَتِهِ) .

وَفِيمَا يَلِي بَيَانَ هَذِهِ الأَْنْوَاعِ بِإِيجَازٍ:

أ - الأَْصْل بِمَعْنَى الدَّلِيل:

٣ - يُطْلَقُ الأَْصْل بِمَعْنَى الدَّلِيل، (١) كَقَوْل الْفُقَهَاءِ: الأَْصْل فِي وُجُوبِ الْحَجِّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِْجْمَاعُ.

أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ . (٢)

وَالأُْصُول الَّتِي يُسْتَدَل بِهَا فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هِيَ: الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، وَالسُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ الشَّرِيفَةُ، وَالإِْجْمَاعُ، وَالْقِيَاسُ. وَهُنَاكَ أَدِلَّةٌ مُخْتَلَفٌ

_________

(١) كشاف اصطلاحات الفنون، وشرح مسلم الثبوت ١ / ٨ ط بولاق.

(٢) سورة آل عمران / ٩٧.

فِيهَا. وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.

وَأُصُول الإِْثْبَاتِ: الأَْدِلَّةُ الَّتِي تَقَدَّمَ فِي التَّقَاضِي، مِثْل الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ وَالإِْقْرَارِ وَالنُّكُول.

ب - الأَْصْل بِمَعْنَى الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ:

٤ - الْقَاعِدَةُ الْكُلِّيَّةُ حُكْمٌ أَكْثَرِيٌّ، يَنْطَبِقُ عَلَى مُعْظَمِ جُزْئِيَّاتِ مَوْضُوعِهَا. (١) وَتُسَمَّى الأَْحْكَامُ الدَّاخِلَةُ فِيهَا فُرُوعَهَا، وَاسْتِخْرَاجُهَا مِنَ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ تَفْرِيعٌ عَلَيْهَا.

فَقَوْل الْفُقَهَاءِ: " الْيَقِينُ لاَ يَزُول بِالشَّكِّ " أَصْلٌ مِنْ أُصُول الْفِقْهِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَدْخُل فِي (أُصُول الْفِقْهِ) بِمَعْنَاهُ الْعِلْمِيِّ، كَمَا سَيَأْتِي.

وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (قَوَاعِدُ) وَالْمُلْحَقُ الأُْصُولِيُّ.

ج - الأَْصْل بِمَعْنَى الْحَالَةِ الْمَاضِيَةِ الْمُسْتَصْحَبَةِ:

٥ - يُطْلَقُ الأَْصْل عَلَى الْمُسْتَصْحَبِ، وَهُوَ الْحَالَةُ الْمَاضِيَةُ، فِي مُقَابَلَةِ الْحَالَةِ الطَّارِئَةِ، كَقَوْلِهِمْ: إِذَا شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ وَالْحَدَثِ يُسْتَصْحَبُ الأَْصْل. (٢)

د - الأَْصْل بِمَعْنَى مَا قَابَل الْوَصْفَ:

٦ - مِنْ ذَلِكَ تَفْرِقَةُ الْحَنَفِيَّةِ بَيْنَ الْبَاطِل وَالْفَاسِدِ فِي الْمُعَامَلاَتِ، فَمَا كَانَ الْخَلَل فِي أَصْلِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ، وَمَا كَانَ فِي وَصْفِهِ فَهُوَ مُنْعَقِدٌ فَاسِدٌ، وَتَفْصِيلُهُ فِي (بُطْلاَنٌ، وَفَسَادٌ) . (٣)

هـ - أُصُول الإِْنْسَانِ:

٧ - أُصُول الإِْنْسَانِ هُمْ: أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَأَجْدَادُهُ وَجَدَّاتُهُ

_________

(١) الأشباه والنظائر بحاشية الحموي ص ٢٢.

(٢) نهاية السول في شرح منهاج الأصول ٣ / ١٢١ ط التوفيق الأدبية، والمستصفى ١ / ٢١٨ ط بولاق، والكليات لأبي البقاء، والكشاف، وشرح مسلم الثبوت ١ / ٨.

(٣) شرح مسلم الثبوت ١ / ٣٩٦، ٣٧٩ ط بولاق.

مِنَ الطَّرَفَيْنِ. وَسُمُّوا بِذَلِكَ لأَِنَّهُ فَرْعٌ لَهُمْ. وَيُقَال لِلأُْصُول وَالْفُرُوعِ: عَمُودَا النَّسَبِ، وَالْقَرَابَةِ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ تُسَمَّى قَرَابَةَ الْوِلاَدِ، أَوِ الْوِلاَدَةِ.

وَالأُْصُول مِنْ أَقْرَبِ الْقَرَابَاتِ إِلَى الإِْنْسَانِ، وَلِذَا كَانَ لَهُمْ فِي الشَّرْعِ أَحْكَامٌ يُشَارِكُونَ فِيهَا سَائِرَ الْقَرَابَاتِ، مِنَ الْمَحْرَمِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

ثُمَّ إِنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِلأُْصُول إِذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ، وَلاَ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إِلَيْهِمْ. وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ (ر: زَكَاةٌ. نَفَقَةٌ) وَلِكُلٍّ نَوْعٍ مِنَ الأُْصُول أَحْكَامٌ تَخُصُّهُ (ر: أَبٌ. أُمٌّ. جَدٌّ. جَدَّةٌ) .

٨ - وَلِلأُْصُول وَلِلْفُرُوعِ - كُلٌّ تُجَاهُ الآْخَرِ - أَحْكَامٌ مُعَيَّنَةٌ يَخْتَصُّونَ بِهَا دُونَ سَائِرِ الأَْقَارِبِ، عَدَّهَا السُّيُوطِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا يَلِي:

(١) لاَ يُقْطَعُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بِسَرِقَةِ مَال الآْخَرِ.

(٢) وَلاَ يَقْضِي وَلاَ يَشْهَدُ لِلآْخَرِ.

(٣) وَلاَ يَدْخُلُونَ فِي الْوَصِيَّةِ لِلأَْقَارِبِ.

(٤) وَتَحْرُمُ مَوْطُوءَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَمَنْكُوحَتُهُ عَلَى الآْخَرِ.

(٥) وَمَنْ مَلَكَ مِنْهُمُ الآْخَرَ عَتَقَ عَلَيْهِ.

(٦) جَوَازُ بَيْعِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمْ لِلْكَافِرِ إِنْ كَانَ مَمْلُوكًا، لأَِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ.

(٧) وُجُوبُ النَّفَقَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَوُجُوبُ الْفِطْرَةِ (ر: زَكَاةُ الْفِطْرِ) .

وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَسَائِل تَفْصِيلاَتٌ وَاشْتِرَاطَاتٌ وَخِلاَفٌ.

وَلِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ تُنْظَرُ كُل مَسْأَلَةٍ فِي بَابِهَا. (١)

_________

(١) الأشباه والنظائر للسيوطي ص ٢١٦، والأشباه لابن نجيم بحاشية الحموي ص ٥١٨ الطبعة الهندية.

٩ - وَلِلأُْصُول أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ يَنْفَرِدُونَ بِهَا عَنْ الْفُرُوعِ وَسَائِرِ الْقَرَابَاتِ، حَصَرَ مِنْهَا السُّيُوطِيُّ - مِنَ الشَّافِعِيَّةِ - جُمْلَةً هِيَ مَا يَلِي:

(١) لاَ يُقْتَل الأَْصْل بِالْفَرْعِ قِصَاصًا، وَكَذَلِكَ لاَ يُقْتَل الأَْصْل قِصَاصًا إِذَا كَانَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ الْفَرْعَ، أَمَّا الْفَرْعُ فَيُقْتَل بِالأَْصْل. كَمَا يُقْتَل لِلأَْصْل أَيْضًا، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الأَْصْل وَلِيَّ الدَّمِ، كَمَا لَوْ قَتَل الْوَلَدُ عَمَّهُ وَكَانَ أَبُو الْوَلَدِ وَلِيَّ الدَّمِ.

(٢) لاَ يُحَدُّ الأَْصْل بِقَذْفِهِ لِلْفَرْعِ، وَيُحَدُّ الْفَرْعُ بِقَذْفِهِ.

(٣) لاَ يُحْبَسُ الأَْصْل بِدَيْنِ الْفَرْعِ.

(٤) لاَ تُقْبَل شَهَادَةُ الْفَرْعِ عَلَى أَصْلِهِ بِمَا يُوجِبُ قَتْلًا.

(٥) لاَ يَجُوزُ الْمُسَافَرَةُ بِالْفَرْعِ الصَّغِيرِ إِلاَّ بِإِذْنِ أُصُولِهِ.

(٦) وَلاَ يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ لِلْجِهَادِ إِلاَّ بِإِذْنِهِمْ.

(٧) لاَ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الأَْصْل وَالْفَرْعِ بِالْبَيْعِ إِنْ كَانَا مَمْلُوكَيْنِ.

(٨) لِلأَْصْل أَنْ يَمْنَعَ الْفَرْعَ مِنَ الإِْحْرَامِ.

(٩) إِذَا دَعَاهُ أَصْلُهُ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ يُجِيبُهُ، وَفِي بُطْلاَنِ الصَّلاَةِ بِذَلِكَ اخْتِلاَفٌ.

(١٠) لِلأَْصْل تَأْدِيبُ الْفَرْعِ وَتَعْزِيرُهُ.

(١١) لِلأَْصْل الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَ لِلْفَرْعِ.

(١٢) يَتْبَعُ الْفَرْعُ - إِنْ كَانَ صَغِيرًا - أَصْلَهُ فِي الإِْسْلاَمِ.

(١٣) يُهَنَّأُ كُلٌّ مِنَ الأُْصُول بِالْمَوْلُودِ.

وَوَافَقَ ابْنُ نُجَيْمٍ - مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - عَلَى أَكْثَرِ هَذِهِ الْفُرُوعِ، وَأَضَافَ:

(١٤) لاَ يَجُوزُ لِلْفَرْعِ قَتْل أَصْلِهِ الْحَرْبِيِّ إِلاَّ دِفَاعًا عَنْ نَفْسِهِ. (١)

وَفِي كُل مَا سَبَقَ مِنْ هَذِهِ الأَْحْكَامِ الْخَاصَّةِ بِأُصُول الإِْنْسَانِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ فِي كُل شَيْءٍ مِنْهَا إِلَى بَابِهِ

والأَْصْل بِمَعْنَى الْمُتَفَرَّعِ مِنْهُ:

١٠ - تَتَعَلَّقُ بِالأَْصْل بِهَذَا الْمَعْنَى أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ مِنْهَا قَوَاعِدُ فِقْهِيَّةٌ.

وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ فِي الْمَادَّتَيْنِ التَّالِيَتَيْنِ:

أ - قَدْ يَثْبُتُ الْفَرْعُ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ الأَْصْل (م ٨١) فَلَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى اثْنَيْنِ أَنَّ أَحَدَهُمَا اسْتَقْرَضَ مِنْهُ مَبْلَغًا، وَأَنَّ الثَّانِيَ قَدْ كَفَلَهُ، فَاعْتَرَفَ الْكَفِيل وَأَنْكَرَ الآْخَرُ، وَعَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ إِثْبَاتِ دَعْوَاهُ، يُؤْخَذُ الْمَبْلَغُ مِنَ الْكَفِيل، لأَِنَّ الْمَرْءَ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ.

وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ شَخْصٌ لِمَجْهُول النَّسَبِ أَنَّهُ أَخُوهُ، وَأَنْكَرَ الأَْبُ، وَلاَ بَيِّنَةَ، يُؤَاخَذُ الْمُقِرُّ بِإِقْرَارِهِ، فَيُقَاسِمُهُ الْمُقَرُّ لَهُ حِصَّتَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ، وَلاَ تَثْبُتُ الأُْبُوَّةُ.

ب - إِذَا سَقَطَ الأَْصْل سَقَطَ الْفَرْعُ (م ٥٠) وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْفَرْعِ سُقُوطُ الأَْصْل. فَلَوْ أَبْرَأَ الدَّائِنُ الْمَدِينَ بَرِئَ الْكَفِيل أَيْضًا، وَسَقَطَ الرَّهْنُ إِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُوَثَّقًا بِكَفِيلٍ أَوْ رَهْنٍ. بِخِلاَفِ مَا لَوْ أَبْرَأَ الدَّائِنُ الْكَفِيل، أَوْ رَدَّ الرَّهْنَ، فَإِنَّ الدَّيْنَ لاَ يَسْقُطُ.

ز - الأَْصْل بِمَعْنَى الْمُبْدَل مِنْهُ:

١١ - وَذَلِكَ كَمَا فِي إِحْدَى قَوَاعِدِ الْمَجَلَّةِ وَنَصُّهَا:

_________

(١) الأشباه والنظائر للسيوطي ولابن نجيم الصفحات السابقة.

" إِذَا تَعَذَّرَ الأَْصْل يُصَارُ إِلَى الْبَدَل، (م ٥٣) وَمِثَالُهُ:

يَجِبُ رَدُّ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ مَا دَامَتْ قَائِمَةً، فَإِذَا هَلَكَتْ يُرَدُّ بَدَلُهَا مِنْ مِثْلِهَا أَوْ قِيمَتِهَا.

وَإِذَا تَعَذَّرَ رَدُّ الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ ظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ، يَسْتَرِدُّ الْمُشْتَرِي مِنَ الْبَائِعِ فَرْقَ نُقْصَانِ الْعَيْبِ.

لَكِنْ إِذَا وُجِدَتِ الْقُدْرَةُ عَلَى الأَْصْل قَبْل اسْتِيفَاءِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْبَدَل يَنْتَقِل الْحُكْمُ إِلَى الأَْصْل، كَالْمُعْتَدَّةِ بِالأَْشْهُرِ بَدَلًا عَنِ الْحَيْضِ، فَلَوْ حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ يَرْجِعُ الْحُكْمُ إِلَى الأَْصْل، فَتَعْتَدُّ بِالْحَيْضِ، وَكَالْمُتَيَمِّمِ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ خِلاَل صَلاَتِهِ يَلْزَمُهُ التَّوَضُّؤُ لَهَا. (١)

ح - الأَْصْل فِي الْقِيَاسِ:

١٢ - الأَْصْل أَحَدُ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ الأَْرْبَعَةِ، وَهِيَ: الأَْصْل وَالْفَرْعُ وَالْعِلَّةُ وَالْحُكْمُ. فَمَنْ قَاسَ الذُّرَةَ عَلَى الْبُرِّ فِي جَرَيَانِ الرِّبَا فِيهِ، بِجَامِعِ الْكَيْل فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنَّ الْبُرَّ فِي هَذَا الْقِيَاسِ هُوَ الأَْصْل، وَالذُّرَةُ فَرْعٌ، وَالْكَيْل الْعِلَّةُ، وَتَحْرِيمُ الرِّبَا هُوَ الْحُكْمُ. (٢)

وَيُرْجَعُ فِي تَفْصِيل ذَلِكَ إِلَى مَبَاحِثِ الْقِيَاسِ مِنَ الْكُتُبِ الأُْصُولِيَّةِ، وَإِلَى الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.

ط - الأُْصُول بِمَعْنَى الدُّورِ وَالأَْشْجَارِ فِي مُقَابِل الْمَنْفَعَةِ وَالثَّمَرَةِ:

١٣ - يَتَحَدَّثُ الْفُقَهَاءُ عَنْ بَيْعِ الأَْصْل دُونَ الثَّمَرَةِ، وَالثَّمَرَةِ دُونَ الأَْصْل، وَبَيْعِ الأَْصْل بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ الثَّمَرَةُ. فَيَذْكُرُونَ أَنَّهُ إِنْ بَاعَ النَّخْل مَثَلًا، وَلَمْ

_________

(١) شرح المجلة للأتاسي ١ / ١١٦ وما بعدها.

(٢) شرح مسلم الثبوت ٢ / ٢٤٨، والمستصفى ٢ / ٣٣٤ ط بولاق.