الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٥ الصفحة 13

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٥

لأَِنَّ الْمِلْكَ لَهُ.

فَإِنْ حَضَرَ قَبْل رَدِّ الْوَكِيل وَرَضِيَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيل رَدُّهُ لأَِنَّ الْحَقَّ لَهُ. (١)

هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إِذَا أَمَرَ الْمُوَكِّل وَكِيلَهُ بِشِرَاءِ سِلْعَةٍ مَوْصُوفَةٍ وَخَالَفَ الْوَكِيل فَاشْتَرَاهَا مَعِيبَةً.

أَمَّا أَمْرُ الْمُوَكِّل وَكِيلَهُ بِشِرَاءِ سِلْعَةٍ عَيَّنَهَا لَهُ وَهِيَ مَعِيبَةٌ فَقَدْ قَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ لاَ يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَعْلَمَ الْوَكِيل بِالْعَيْبِ قَبْل الشِّرَاءِ وَإِمَّا أَنْ لاَ يَعْلَمَ بِهِ.

فَإِنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ قَبْل الشِّرَاءِ فَلَيْسَ لَهُ شِرَاؤُهُ، لأَِنَّ الْعَيْبَ إِذَا جَازَ بِهِ الرَّدُّ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلأَنْ يُمْنَعَ مِنَ الشِّرَاءِ أَوْلَى.

فَإِنِ اشْتَرَاهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَزِمَ الْوَكِيل الشِّرَاءُ، لأَِنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَعِيبٍ، إِلاَّ إِذَا رَضِيَهُ الْمُوَكِّل فَلَهُ، لأَِنَّ الْوَكِيل نَوَى الْعَقْدَ لَهُ.

وَإِنْ لَمْ يَرْضَهُ الْمُوَكِّل لَزِمَ الْمَعِيبُ الْوَكِيل.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْوَكِيل بِالْعَيْبِ قَبْل الشِّرَاءِ بِحَيْثُ اشْتَرَى السِّلْعَةَ وَوَجَدَهَا مَعِيبَةً فَلَهُ الرَّدُّ لاِقْتِضَاءِ الأَْمْرِ السَّلاَمَةَ. (٢)

هَذَا إِذَا اشْتَرَى الْوَكِيل فِي ذِمَّتِهِ.

أَمَّا إِذَا اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَال الَّذِي وُكِّل فِي

_________

(١) المغني ٥ / ٢٦١.

(٢) مطالب أولي النهى ٣ / ٤٧٣.

الشِّرَاءِ بِهِ فَشِرَاءٌ فُضُولِيٌّ.

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ شِرَاءَ الْوَكِيل لاَ يَصِحُّ لِلْمُوَكِّل. (١)

وَقَالُوا: لِلْوَكِيل وَلِلْمُوَكِّل رَدُّ مَا اشْتَرَاهُ الْوَكِيل غَيْرَ عَالِمٍ بِعَيْبِهِ، أَمَّا الْمُوَكِّل فَلأَِنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ، وَأَمَّا الْوَكِيل فَلِقِيَامِهِ مَقَامَهُ.

وَلاَ يَرُدُّ وَكِيلٌ مَا عَيَّنَهُ لَهُ مُوَكِّلٌ كَاشْتَرِ هَذَا الثَّوْبَ أَوِ الْحَيَوَانَ، فَاشْتَرَاهُ بِعَيْبٍ وَجَدَهُ الْوَكِيل فِيهِ قَبْل إِعْلاَمِ الْمُوَكِّل قَال فِي الرِّعَايَتَيْنِ: هَذَا أَوْلَى، وَقَال فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الأَْظْهَرُ، وَقَال فِي الإِْنْصَافِ: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِقَطْعِهِ نَظَرَ وَكِيلِهِ بِتَعْيِينِهِ، فَرُبَّمَا رَضِيَهُ عَلَى جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، قَال الْبُهُوتِيُّ: وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ مُعَيَّنٍ، فَاشْتَرَاهُ، وَوَجَدَهُ مَعِيبًا؛ فَلَهُ الرَّدُّ قَبْل إِعْلاَمِهِ مُوَكِّلَهُ.

وَيَرُدُّ الْوَكِيل مَبِيعًا وَجَدَهُ مَعِيبًا مَا لَمْ يُعَيِّنْهُ لَهُ الْمُوَكِّل.

فَإِنِ ادَّعَى بَائِعُ مَعِيبٍ رِضَا مُوَكِّلِهِ بِالْعَيْبِ وَالْمُوَكِّل غَائِبٌ؛ حَلَفَ الْوَكِيل أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ رِضَا مُوَكِّلِهِ، وَرَدَّ الْمَبِيعَ لِلْعَيْبِ، ثُمَّ إِنْ حَضَرَ الْمُوَكِّل فَصَدَّقَ بَائِعًا عَلَى رِضَاهُ بِعَيْبِهِ، أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ لاِنْعِزَال الْوَكِيل مِنَ الرَّدِّ بِرِضَا الْمُوَكِّل بِالْعَيْبِ، وَالْمَعِيبُ بَاقٍ لِلْمُوَكِل؛

_________

(١) مطالب أولي النهى ٣ / ٤٧٣.

فَلَهُ اسْتِرْجَاعُهُ وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَى الرِّضَا مِنْ قَبْلِهِ.

وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ بَائِعٌ رِضَا مُوَكِّلٍ، وَقَال لَهُ: تَوَقَّفْ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُوَكِّل فَرُبَّمَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ؛ لَمْ يَلْزَمِ الْوَكِيل ذَلِكَ؛ لاِحْتِمَال هَرَبِ الْبَائِعِ أَوْ فَوَاتِ الثَّمَنِ بِتَلَفِهِ، وَإِنْ طَاوَعَهُ لَمْ يَسْقُطْ رَدُّ مُوَكِّلٍ.

وَيَتَّجِهُ: لاَ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَعِيبِ الَّذِي ادَّعَى بَائِعٌ رِضَا الْمُوَكِّل بِعَيْبِهِ قَبْل مُرَاجَعَةِ الْمُوَكِّل؛ لاِعْتِرَافِ الْبَائِعِ بِالْمَبِيعِ أَنَّهُ لِلْمُوَكِّل وَحْدَهُ، وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. قَال الرُّحَيْبَانِيُّ: وَهَذَا الاِتِّجَاهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَيَبْقَى الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ أَمَانَةً إِلَى حُضُورِ الْمُوَكِّلِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ أَخَذَهُ الْمُوَكِّلُ، وَإِنِ ادَّعَى الْبَائِعُ تَلَفَهُ بِلاَ تَعَمُّدٍ وَلاَ تَفْرِيطٍ؛ فَالْقَوْل قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لأَِنَّهُ أَمِينٌ.

وَإِنْ أَسْقَطَ وَكِيلٌ اشْتَرَى مَعِيبًا خِيَارَهُ مِنْ عَيْبٍ وَجَدَهُ، وَلَمْ يَرْضَ مُوَكِّلُهُ بِالْعَيْبِ فَلِلْوَكِيل رَدُّهُ؛ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ. (١)

الأَْمْرُ الثَّالِثُ: مُخَالَفَةُ الْوَكِيل فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ بِأَنْ عَقَدَ عَقْدًا صَحِيحًا:

١١٠ - إِذَا وَكَّل شَخْصٌ آخَرَ فِي أَنْ يَعْقِدَ لَهُ عَقْدًا فَاسِدًا، لَمْ يَمْلِكِ الْوَكِيل أَنْ يَعْقِدَهُ، لأَِنَّ الْمُوَكِّل

_________

(١) مطالب أولي النهى ٣ / ٤٧٣ - ٤٧٥.

لاَ يَمْلِكُهُ، فَالْوَكِيل مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَلأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْذَنْ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ. (١)

وَلَكِنْ هَل يَمْلِكُ الْوَكِيل أَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا صَحِيحًا غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ بَدَلًا مِنَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ الَّذِي وُكِّل فِيهِ؟ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ ذَلِكَ، فَلَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ بَيْعِهِمَا، أَوْ بَيْعِ أَيِّهِمَا لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لاَ يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْخَل وَالْخَيْل أَوْ بَيْعَهُمَا بَدَلًا مِنْهُمَا، لأَِنَّ الْمُوَكِّل لَمْ يَأْذَنْ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَذِنَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَهُوَ لاَ يَمْلِكُهُ. (٢)

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ اسْتِحْسَانًا، فَلَوْ قَال الْمُوَكِّل لِلْوَكِيل: بِعْهُ بَيْعًا فَاسِدًا فَبَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا نَفَذَ عَلَى الآْمِرِ اسْتِحْسَانًا، لأَِنَّهُ مِنْ جِنْسِ التَّصَرُّفِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ خَيْرٌ لِلآْمِرِ مِمَّا أَمَرَهُ بِهِ، فَلاَ يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْمُوَكِّلِ، كَالْوَكِيل بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ إِذَا بَاعَ بِأَلْفَيْنِ. (٣)

_________

(١) المغني ٥ / ٢٥٢، والروض المربع ١ / ٢٠٨، وروضة الطالبين ٤ / ٣٢٣، وعقد الجواهر الثمينة ٢ / ٦٧٦.

(٢) المبسوط ١٩ / ٥٦، والفتاوى البزازية ٣ / ٤٧٦، وروضة الطالبين ٤ / ٣٢٣، وعقد الجواهر الثمينة ٢ / ٦٧٦، والمغني ٥ / ٢٥٢، والانصاف ٥ / ٣٩٢.

(٣) المبسوط ١٩ / ٥٦، والفتاوى البزازية ٣ / ٤٧٦.

الأَْمْرُ الرَّابِعُ: مُخَالَفَةُ الْوَكِيل اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ فِي الْعَقْدِ:

١١١ - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا أَمَرَ الْمُوَكِّل وَكِيلَهُ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا وَيَشْتَرِطُ الْخِيَارَ لِلآْمِرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ خِيَارٍ، أَوْ بِخِيَارٍ دُونَ الثَّلاَثَةِ فَدَفَعَهُ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ وَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ، لأَِنَّهُ أَتَى بِعَقْدٍ هُوَ أَضَرُّ عَلَى الآْمِرِ فَإِنَّهُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ الرَّأْيُ فِي هَذِهِ الثَّلاَثَةِ إِلَى الْمُوَكِّل بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ أَوْ يُمْضِيَهُ، وَقَدْ أَتَى بِعَقْدٍ لاَ يَثْبُتُ فِيهِ هَذَا الْقَدْرُ مِنَ الرَّأْيِ لِلآْمِرِ، فَكَانَ مُخَالِفًا كَالْغَاصِبِ.

وَلَوْ قَال: بِعْهُ وَاشْتَرِطِ الْخِيَارَ لِي شَهْرًا فَبَاعَهُ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لَهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ جَازَ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ اسْتِحْسَانًا، وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِمَا، لأَِنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ فِي مُدَّةِ الشَّهْرِ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ مَعَهُ، فَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِعَقْدٍ يَكُونُ فِيهِ الرَّأْيُ إِلَى الآْمِرِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَهُوَ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ فَكَانَ ضَامِنًا، وَإِنَّ مِنْ أَصْل أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ لاَ يَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنَّمَا هَذَا وَكِيلٌ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَهُ، وَالْوَكِيل بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إِذَا بَاعَ بَيْعًا جَائِزًا نَفَذَ عَلَى الآْمِرِ اسْتِحْسَانًا. فَهَذَا مِثْلُهُ. (١)

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَال الْمُوَكِّل لِوَكِيلِهِ فِي الْبَيْعِ: بِعْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَبَاعَ مُطْلَقًا لَمْ يَصِحَّ

_________

(١) المبسوط ١٩ / ٥٥ - ٥٦.

الْبَيْعُ، أَمَّا لَوْ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ وَأَطْلَقَ فَلَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيل شَرْطُ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَا لَيْسَ لِلْوَكِيل بِالشِّرَاءِ شَرْطُ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ.

وَإِذَا شَرَطَ الْبَائِعُ أَوِ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لأَِنْفُسِهِمَا أَوْ لِلْمُوَكِّل فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ. (١)

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَجُوزُ لِلْوَكِيل شَرْطُ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ وَيَكُونُ لَهُ وَلِمُوَكِّلِهِ، وَإِنْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ فَقَطْ لَمْ يَصِحَّ، وَلَهُ شَرْطُ الْخِيَارِ لِمُوَكِّلِهِ، لأَِنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا.

وَلاَ يَمْلِكُ الْوَكِيل فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ شَرْطَ الْخِيَارِ لِلْعَاقِدِ مَعَهُ، لأَِنَّهُ إِلْزَامٌ لِمُوَكِّلِهِ بِمَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَعَقْدُ الْوَكَالَةِ لاَ يَقْتَضِيهِ.

وَمُقْتَضَى عِبَارَاتِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْمُوَكِّل إِذَا أَمَرَ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ أَوِ الشِّرَاءِ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْعَقْدِ فَإِنَّ الْوَكِيل لَيْسَ لَهُ مُخَالَفَةُ أَمْرِ مُوَكِّلِهِ. (٢)

التَّوْكِيل فِي الْخُصُومَةِ:

إِقْرَارُ الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ:

١١٢ - لَوْ وَكَّل شَخْصٌ آخَرَ فِي خُصُومَةٍ، فَهَل يَجُوزُ لِلْوَكِيل أَنْ يُقِرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ فِيهَا؟ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:

_________

(١) روضة الطالبين ٤ / ٣٣٢.

(٢) كشاف القناع ٣ / ٤٧٨، والمبدع ٤ / ٣٧٠.

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْبَل إِقْرَارُ وَكِيل الْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ لاَ بِقَبْضِ الْحَقِّ وَلاَ بِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الإِْقْرَارَ مَعْنًى يَقْطَعُ الْخُصُومَةَ وَيُنَافِيهَا فَلاَ يَمْلِكُهُ الْوَكِيل كَالإِْبْرَاءِ، وَلأَِنَّ الْوَكِيل مَأْمُورٌ لاَ يَمْلِكُ الإِْنْكَارَ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ الْمُوَكِّل مِنَ الإِْقْرَارِ فَلَوْ مَلَكَ الإِْقْرَارَ لاَمْتَنَعَ عَلَى الْمُوَكِّل الإِْنْكَارُ فَافْتَرَقَا، وَلأَِنَّ الْوَكِيل مَأْمُورٌ بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ مُنَازَعَةٌ، وَالإِْقْرَارُ ضِدُّهَا لأَِنَّهُ مُسَالَمَةٌ، وَالأَْمْرُ بِالشَّيْءِ لاَ يَتَنَاوَل ضِدَّهُ. (١)

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى جَوَازِ إِقْرَارِ الْوَكِيل عَلَى مُوَكِّلِهِ فِي الْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي فَقَطْ، بِاسْتِثْنَاءِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، أَمَّا عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي فَلاَ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ مُطْلَقًا اسْتِحْسَانًا.

وَوَجْهُ عَدَمِ قَبُول إِقْرَارِهِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عَلَى الْمُوَكِّل أَنَّ فِي الإِْقْرَارِ هُنَا شُبْهَةً فَامْتَنَعَ، أَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ فَيَجُوزُ الإِْقْرَارُ فِيهِ، لأَِنَّ التَّوْكِيل صَحِيحٌ وَصِحَّتُهُ تَتَنَاوَل مَا يَمْلِكُهُ، وَذَلِكَ مُطْلَقُ الْجَوَابِ بِالإِْقْرَارِ وَالإِْنْكَارِ دُونَ أَحَدِهِمَا عَيْنًا فَيَنْصَرِفُ إِلَيْهِ تَحَرِّيًا لِلصِّحَّةِ، وَقَدْ خَصَّصَا ذَلِكَ

_________

(١) تكملة ابن عابدين ٧ / ٣٦٥، تكملة فتح القدير ٨ / ١١٤، وجواهر الاكليل ٢ / ١٢٥، ومواهب الجليل ٥ / ١٨٨، وبداية المجتهد ٢ / ٢٧٢، وقوانين الأحكام الشرعية ص ٣٥٧، ورضة الطالبين ٤ / ٣٢٠، والإنصاف ٥ / ٣٩٣، والمغني ٥ / ٢١٨.

بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ دُونَ غَيْرِهِ، لأَِنَّ الْمُوَكِّل إِنَّمَا وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَحَقِيقَتُهَا لاَ تَكُونُ إِلاَّ عِنْدَ الْقَاضِي فَلَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي غَيْرِهِ، لأَِنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْخُصُومَةِ الَّتِي هُوَ وَكِيلٌ فِيهَا.

وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمَا قَبُول الإِْقْرَارِ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَيْضًا، لأَِنَّ الْوَكِيل قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ، وَإِقْرَارُهُ لاَ يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَذَلِكَ نَائِبُهُ. (١)

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى قَبُول إِقْرَارِ وَكِيل الْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ أَمْ فِي غَيْرِهِ، لأَِنَّ الْمُوَكِّل أَقَامَ الْوَكِيل مَقَامَ نَفْسِهِ مُطْلَقًا فَيَقْتَضِي أَنْ يَمْلِكَ مَا كَانَ يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ، وَهُوَ مَالِكٌ لِلإِْقْرَارِ بِنَفْسِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ، فَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ، وَهَذَا لأَِنَّهُ إِنَّمَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ مَا لاَ يَكُونُ مُوجِبًا إِلاَّ بِانْضِمَامِ الْقَضَاءِ إِلَيْهِ. (٢)

أَمَّا لَوِ اسْتَثْنَى الْمُوَكِّل الإِْقْرَارَ بِأَنْ قَال لِلْوَكِيل: وَكَّلْتُكَ بِالْخُصُومَةِ غَيْرَ جَائِزِ الإِْقْرَارِ صَحَّ التَّوْكِيل وَالاِسْتِثْنَاءُ عَلَى

_________

(١) حاشية قرة عيون الأخيار ٧ / ٣٦٥، والمبسوط ١٩ / ٦، والمادة ١٥١٧ من المجلة، والفتاوى الهندية، ٣ / ٦١٧، والفتاوى البزازية ٣ / ٤٦٧، وتكملة فتح القدير ٨ / ١١٤.

(٢) تكملة ابن عابدين ٧ / ٣٦٥، والمبسوط ١٩ / ٦، والفتاوى الهندية ٣ / ٦١٧.

الظَّاهِرِ، فَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ غَيْرِهِ لاَ يَصِحُّ الإِْقْرَارُ وَيَخْرُجْ بِهِ عَنِ الْوَكَالَةِ فَلاَ تُسْمَعُ خُصُومَتُهُ. (١) (: ف٦٣)

تَصَرُّفُ الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ فِي الْحَقِّ:

١١٣ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ لاَ يَمْلِكُ الْمُصَالَحَةَ عَنِ الْحَقِّ، وَلاَ الإِْبْرَاءَ مِنْهُ، لأَِنَّ الإِْذْنَ فِي الْخُصُومَةِ لاَ يَقْتَضِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. (٢)

وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ أَنَّ يَبِيعَ وَلاَ أَنْ يَهِبَ، لأَِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَيْسَتْ مِنَ الْخُصُومَةِ، بَل هِيَ ضِدُّ الْخُصُومَةِ قَاطِعَةٌ لَهَا، وَالأَْمْرُ بِالشَّيْءِ لاَ يَتَضَمَّنُ ضِدَّهُ.

كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيل أَنْ يُؤَجِّل الْحَقَّ. (٣)

حَقُّ الْوَكِيل بِالْقَبْضِ فِي الْخُصُومَةِ:

١١٤ - إِذَا وَكَّل شَخْصٌ آخَرَ فِي قَبْضِ حَقٍّ لَهُ قِبَل فُلاَنٍ فَجَحَدَ مَنْ عَلَيْهِ هَذَا الْحَقُّ، فَهَل يَمْلِكُ الْوَكِيل إِثْبَاتَ هَذَا الْحَقِّ الْمَأْذُونِ فِي قَبْضِهِ؟

_________

(١) تكملة ابن عابدين ٧ / ٣٦٦، والمادة (١٥١٨) من مجلة الأحكام العدلية.

(٢) المبسوط ١٩ / ١٢، وقرة عيون الأخيار ١ / ٢٨٢، وتكملة فتح القدير ٨ / ١١٤، والمهذب ١ / ٣٥٨، والمغني ٥ / ٢١٨، ومطالب أولي النهى ٣ / ٤٨٤، وعقد الجواهر الثمينة ٢ / ٦٨٦.

(٣) المبسوط ١٩ / ١٠ - ١٢، وتكملة حاشية ابن عابدين ٧ / ٣٦١.

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:

فَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ إِلَى أَنَّ الْوَكِيل فِي قَبْضِ الْحَقِّ يَكُونُ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ إِذَا جَحَدَهُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، لأَِنَّهُ لاَ يَتَوَصَّل إِلَى الْقَبْضِ إِلاَّ بِإِثْبَاتِ الْحَقِّ فَكَانَ إِذْنًا فِيهِ عُرْفًا.

وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْحَقِّ الْمَأْذُونِ فِي قَبْضِهِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، كَمَا لاَ فَرْقَ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ رَبُّ الْحَقِّ عَالِمًا بِبَذْل الْغَرِيمِ مَا عَلَيْهِ، أَوْ جَحْدِهُ أَوْ مَطْلِهُ. (١)

وَقَيَّدَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ - كَمَا جَاءَ فِي الْفُنُونِ - صِحَّةَ خُصُومَةِ الْوَكِيل بِالْقَبْضِ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْوَكِيل يَعْلَمُ ظُلْمَ مُوَكِّلِهِ فِي الْخُصُومَةِ، وَظَاهِرُ هَذَا الْقَوْل - كَمَا قَال ابْنُ مُفْلِحٍ - صِحَّةُ الْخُصُومَةِ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ ظُلْمَ الْمُوَكِّلِ، فَلَوْ ظَنَّ ظُلْمَهُ جَازَ وَيَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ، وَمَعَ الشَّكِّ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالاَنِ: قَال ابْنُ مُفْلِحٍ: لَعَل الْجَوَازَ أَوْلَى. (٢)

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ كَذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْوَكِيل بِالْقَبْضِ لاَ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ فِي

_________

(١) المغني مع الشرح الكبير ٥ / ٢١٩، والإنصاف ٥ / ٣٩٤، ومعونة أولي النهى ٤ / ٦٦٣، والمهذب ١ / ٣٥٨.

(٢) الانصاف ٥ / ٣٩٤.