الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٥
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: مُخَالَفَةُ الْوَكِيل عَلَى النَّسِيئَةِ بِأَنِ اشْتَرَى حَالًّا:
٩٧ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مُخَالَفَةِ الْوَكِيل عَلَى النَّسِيئَةِ بِأَنِ اشْتَرَى حَالًّا فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ لِلْوَكِيل وَلاَ يَلْزَمُ مُوَكِّلَهُ، لأَِنَّهُ خَالَفَ قَيْدَ مُوَكِّلِهِ فَيَلْزَمُهُ هُوَ دُونَ مُوَكِّلِهِ. (١)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا خَالَفَ الْوَكِيل مُخَصَّصَاتِ الْمُوَكِّل فَإِنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّل فَإِنْ شَاءَ أَمْضَى فِعْلَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ وَتَلْزَمُ السِّلْعَةُ الْوَكِيل. (٢)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: مَتَى خَالَفَ الْوَكِيل الْمُوَكِّل فِي الشِّرَاءِ بِعَيْنِهِ بِأَنِ اشْتَرَى لَهُ بِعَيْنِ مَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ فَتَصَرُّفُهُ بَاطِلٌ، لأَِنَّ الْمُوَكِّل لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ مِلْكِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ. (٣)
وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الشِّرَاءَ لاَ يَقَعُ إِلاَّ إِذَا أَجَازَهُ الْمُوَكِّل لأَِنَّ الْقَاعِدَةَ عِنْدَهُمْ أَنَّ كُل تَصَرُّفٍ خَالَفَ الْوَكِيل مُوَكِّلَهُ فِيهِ فَكَتَصَرُّفٍ فُضُولِيٍّ. (٤)
_________
(١) البدائع ٧ / ٣٤٦٧ - ٣٤٦٨، والفتاوى الهندية ٣ / ٥٧٥.
(٢) التاج والإكليل ٥ / ١٩٦، والزرقاني ٦ / ٧٩ والخرشي ٦ / ٧٣.
(٣) مغني المحتاج ٢ / ٢٢٩، وروضة الطالبين ٤ / ٣٢٤.
(٤) شرح منتهى الإرادات ٢ / ٣١٠، وكشاف القناع ٣ / ٤٥٠.
ب - الْمُخَالَفَةُ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ:
٩٨ - إِذَا أَمَرَ الْمُوَكِّل وَكِيلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِجِنْسٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الثَّمَنِ، فَخَالَفَ وَاشْتَرَى بِجِنْسٍ آخَرَ مِنْهُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذَا الشِّرَاءِ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ إِلَى أَنَّ الشِّرَاءَ يَكُونُ بَاطِلًا لِمُخَالَفَةِ الْوَكِيل مَا أَمَرَ بِهِ مُوَكِّلُهُ. لأَِنَّ الْمُوَكِّل لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ مِلْكِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. (١)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى جَوَازِ جَعْل الدَّرَاهِمِ مَكَانَ الدَّنَانِيرِ وَالْعَكْسِ، لأَِنَّ مَنْ رَضِيَ بِدِرْهَمٍ رَضِيَ مَكَانَهُ بِدِينَارٍ، أَمَّا الْعُرُوضُ فَلاَ يَصِحُّ جَعْلُهَا مَكَانَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مُطْلَقًا، لأَِنَّهَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الأَْثْمَانِ. (٢)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَال الْمُوَكِّل لِوَكِيلِهِ: اشْتَرِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَاشْتَرَى بِمَا سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، فَإِنَّ الشِّرَاءَ لاَ يَلْزَمُ الْمُوكِّل وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ، لأَِنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِمُوَكِّلِهِ.
أَمَّا لَوْ قَال لَهُ: اشْتَرِهَا لِي بِمِائَةِ دِينَارٍ فَاشْتَرَاهَا
_________
(١) مغني المحتاج ٢ / ٢٢٩، والمغني ٥ / ٢٥٧ - ٢٥٨، ومطالب أولي النهى ٣ / ٤٦٨، والإنصاف ٥ / ٣٨٢.
(٢) المغني ٥ / ٢٥٧، منتهى الإرادات ٢ / ٤٧٦، وبدائع الصنائع ٧ / ٣٤٦٧.
بِأَلْفِ دِرْهَمٍ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِينَارٍ فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الشِّرَاءَ لاَ يَلْزَمُ الْمُوَكِّل وَيَلْزَمُ الْوَكِيلَ، لأَِنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ حَقِيقَةً فَكَانَ التَّقَيُّدُ بِأَحَدِهِمَا مُفِيدًا (١)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى بِعُرُوضٍ بَدَلًا مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، فَإِنَّ الشِّرَاءَ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمُوَكِّلِ، فَإِنْ أَجَازَهُ وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ وَإِلاَّ وَقَعَ لِلْوَكِيل. (٢)
أَمَّا إِذَا اشْتَرَى الْوَكِيل بِالدَّرَاهِمِ وَقَدْ نَصَّ لَهُ الْمُوَكِّل عَلَى الدَّنَانِيرِ أَوِ اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ وَقَدْ نَصَّ لَهُ الْمُوَكِّل عَلَى الدَّرَاهِمِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلاَنِ مَشْهُورَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشِّرَاءَ لاَزِمٌ لِلْمُوَكِّل بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ.
وَالثَّانِي: لِلْمُوَكِّل الْخِيَارُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسَانِ، وَمَحَل الْقَوْلَيْنِ إِذَا كَانَ كُلٌّ مِنَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ نَقْدَ الْبَلَدِ وَثَمَنَ الْمِثْلِ، وَالسِّلْعَةُ مِمَّا تُبَاعُ بِهِ وَاسْتَوَتْ قِيمَتُهُمَا، وَإِلاْ خُيِّرَ الْمُوَكِّل قَوْلًا وَاحِدًا. (٣)
_________
(١) البدائع ٧ / ٣٤٦٧، والبحر الرائق ٧ / ١٥٩، وتكملة ابن عابدين ٧ / ٣٣٠، وتكملة فتح القدير ٨ / ٤٦.
(٢) حاشية الدسوقي ٣ / ٣٤٤، وجواهر الإكليل ٢ / ١٢٧، شرح الخرشي ٦ / ٧٦، ومواهب الجليل ٥ / ١٩٦.
(٣) الخرشي ٦ / ٧٦.
ج - الْمُخَالَفَةُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ:
٩٩ - إِذَا خَالَفَ الْوَكِيل فِي قَدْرِ الثَّمَنِ الْمُوكَّل بِالشِّرَاءِ بِهِ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْمُخَالَفَةُ إِلَى خَيْرٍ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
فَإِنْ كَانَتِ الْمُخَالَفَةُ إِلَى خَيْرٍ كَأَنْ أَمْرَهُ بِشِرَاءِ دَابَّةٍ بِأَلْفٍ فَاشْتَرَاهَا بِأَقَل صَحَّ الشِّرَاءُ وَلَزِمَ الْمُوكِّل، لأَِنَّ الْمُخَالَفَةَ إِلَى خَيْرٍ خِلاَفٌ فِي الصُّورَةِ فَقَطْ، فَلاَ تُعَدُّ مُخَالَفَةً حَقِيقِيَّةً.
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مِنْ هَذَا الأَْصْل مَا إِذَا نَهَى الْمُوَكِّل وَكِيلَهُ عَنِ النَّقْصِ كَأَنْ يَقُول لَهُ اشْتَرِهِ بِمِائَةٍ وَلاَ تَشْتَرِهِ بِدُونِهَا فَخَالَفَهُ وَاشْتَرَاهُ بِتِسْعِينَ لَمْ يَجُزِ الشِّرَاءُ، لِمُخَالَفَتِهِ مُوَكِّلَهُ، وَلأَِنَّ النُّطْقَ أَبْطَل حَقَّ الْعُرْفِ. (١)
أَمَّا إِنْ كَانَتِ الْمُخَالَفَةُ لَيْسَتْ فِي صَالِحِ الْمُوَكِّلِ، بِأَنِ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الْمُقَدَّرِ لَهُ.
فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى الْوَكِيل بِأَكْثَرَ
_________
(١) البدائع ٧ / ٣٤٦٧، البحر الرائق ٧ / ١٥٩، وتكملة ابن عابدين ٧ / ٣١١، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٤٤، ومواهب الجليل ٥ / ١٩٦، والوجيز ١ / ١٩٣، ومغني المحتاج ٢ / ٢٢٨ - ٢٢٩، المغني ٥ / ٢٥٥، ومطالب أولي النهى ٣ / ٤٦٨.
مِنَ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى يَلْزَمُ الْوَكِيل وَلاَ يَلْزَمُ الْمُوَكِّل. (١)
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى الْوَكِيل السِّلْعَةَ بِأَكْثَرَ مِنَ الْمَبْلَغِ الْمُسَمَّى وَكَانَتِ الزِّيَادَةُ يَسِيرَةً مِثْل وَاحِدٍ فِي عِشْرِينَ، وَاثْنَيْنِ فِي أَرْبَعِينَ فَيَلْزَمُ الْمُوَكِّل وَلاَ خِيَارَ لَهُ لِيَسَارَةِ الزِّيَادَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَشَأْنُ النَّاسِ التَّغَابُنُ فِي ذَلِكَ. إِمَّا إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ كَثِيرَةً فَإِنَّ الشِّرَاءَ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ الْمُوَكِّلِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَبُول وَعَدَمِهِ، فَإِذَا لَمْ يَقْبَل الزِّيَادَةَ لَزِمَ الْوَكِيل.
وَلَكِنْ لَوِ الْتَزَمَ الْوَكِيل الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي حَدَّدَهُ لَهُ الْمُوَكِّل فَإِنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ لَهُ وَيَلْزَمُهُ الْعَقْدُ، لِتَصْحِيحِ الْمُخَالَفَةِ. (٢)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ إِلَى أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ بِأَكْثَرَ مِنَ الْمَبْلَغِ الْمُقَدَّرِ بَاطِلٌ، لأَِنَّهُ تَصْرِفٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ. (٣)
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الشِّرَاءَ صَحِيحٌ وَيَضْمَنُ الْوَكِيل الزِّيَادَةَ. (٤)
_________
(١) البدائع ٧ / ٣٤٦٧، والبحر الرائق ٧ / ١٥٩، الفتاوى الهندية ٣ / ٥٧٥.
(٢) الشرح الكبير ٣ / ٣٨٣، ومواهب الجليل ٥ / ١٩٦، وجواهر الإكليل ٢ / ١٢٧، وشرح الخرشي ٦ / ٧٤.
(٣) مغني المحتاج ٢ / ٢٢٨ - ٢٢٩، والوجيز ١ / ١٩٣، والمبدع ٤ / ٣٧١.
(٤) المبدع ٤ / ٣٧١، والإنصاف ٥ / ٣٨٣ - ٣٨٤.
الأَْمْرُ الثَّانِي: الْمُخَالَفَةُ فِي الْمُشْتَرَى:
أـ الْمُخَالَفَةُ فِي جِنْسِ الْمُشْتَرَى:
١٠٠ - إِذَا خَالَفَ الْوَكِيل فَاشْتَرَى خِلاَفَ مَا وُكِّل فِي شِرَائِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذَا الشِّرَاءِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الشِّرَاءَ لاَ يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّل وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْوَكِيل، لأَِنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ مُوَكِّلِهِ فَوَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ، وَلاَ يَلْزَمُ بِهِ الْمُوَكِّلَ، لأَِنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ بِهَذَا الشِّرَاءِ. (١)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُوَكِّل مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَبُول وَعَدَمِهِ، فَإِنْ شَاءَ قَبِل وَإِنْ شَاءَ رَدَّ. فَإِذَا رَدَّهُ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيل لِمُخَالَفَتِهِ مَا أَمَرَ بِهِ مُوَكِّلُهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الثَّمَنِ مِنْ مَالِهِ هُوَ. (٢)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْوَكِيل اشْتَرَى غَيْرَ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِعَيْنِ الْمَال أَوْ يَشْتَرِيَهُ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ الْمَال كَانَ الشِّرَاءُ بَاطِلًا، وَإِنِ اشْتَرَاهُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّل وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيل وَلاَ يَقَعُ لِلْمُوَكِّل وَإِنْ نَوَى الْمُوكِّلَ، لأَِنَّ الْخِطَابَ وَقَعَ مِنْهُ وَإِنَّمَا
_________
(١) البدائع ٧ / ٣٤٦٧، والفتاوى الهندية ٣ / ٥٧٥، والمادة ١٤٧٠ من المجلة.
(٢) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٨٣، وجواهر الإكليل ٢ / ١٢٧، والخرشي ٦ / ٧٣.
يَنْصَرِفُ بِالنِّيَّةِ إِلَى الْمُوَكِّل إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لإِذْنِهِ، فَإِنْ خَالَفَ لَغَتْ نِيَّتُهُ.
وَإِنْ سَمَّاهُ فَقَال الْبَائِعُ: بِعْتُكَ، فَقَال: اشْتَرَيْتُ لِفُلاَنٍ، فَكَذَا يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيل فِي الأَْصَحِّ وَتَلْغُو تَسْمِيَةُ الْمُوَكِّل فِي الْقَبُول لأَِنَّهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الشِّرَاءِ، فَإِذَا سَمَّاهُ وَلَمْ يُمْكِنْ صَرْفُهَا إِلَيْهِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ.
وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَبْطُل الْعَقْدُ، لأَِنَّهُ صَرَّحَ بِإِضَافَتِهِ إِلَى الْمُوَكِّل وَقَدِ امْتَنَعَ إِيقَاعُهُ لَهُ فَيُلْغَى. (١)
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ مُخَالَفَةَ الْوَكِيل فِي جِنْسِ الْمُشْتَرَى لاَ تَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَكِيل قَدِ اشْتَرَاهُ فِي ذِمَّتِهِ، أَوِ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ الْمَال.
فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَ ثَمَنَهُ فَالشِّرَاءُ صَحِيحٌ، لأَِنَّهُ إِنَّمَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِلْكًا لِغَيْرِهِ.
وَإِذَا ثَبَتَتْ صِحَّةُ الشِّرَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَعَنْ أَحْمَدَ فِي نَفَاذِهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: الشِّرَاءُ لاَزِمٌ لِلْمُشْتَرِي، لأَِنَّهُ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إِذَنْ غَيْرِهِ فَكَانَ الشِّرَاءُ لَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ.
_________
(١) مغني المحتاج ٢ / ٢٢٩ - ٢٣٠، وحاشية الجمل ٣ / ٤١٤.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَقِفُ نَفَاذُ الشِّرَاءِ عَلَى إِجَازَةِ الْمُوَكِّل فَإِنْ أَجَازَهُ لَزِمَهُ، لأَِنَّهُ اشْتَرَى لَهُ وَقَدْ أَجَازَهُ فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى بِإِذْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ لَمْ يَلْزَمِ الْمُوَكِّل وَلَزِمَ الْوَكِيل؛ لأَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ الْمُوَكِّلَ، لأَِنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي شِرَائِهِ، وَلَزِمَ الْوَكِيلَ، لأَِنَّ الشِّرَاءَ صَدَرَ مِنْهُ وَلَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ.
أَمَّا إِنِ اشْتَرَاهُ الْوَكِيل بِعَيْنِ الْمَالِ، مِثْل أَنْ يَقُول الْوَكِيل: بِعْنِي الدَّابَّةَ بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ فَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْمُوَكِّلِ، فَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ بَطَل وَإِنْ أَجَازَهُ صَحَّ. (١)
ب - الْمُخَالَفَةُ فِي قَدْرِ الْمُشْتَرَى:
١٠١ - إِذَا أَمَرَ الْمُوَكِّل وَكِيلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ شَيْئًا، فَاشْتَرَى الْوَكِيل الشَّيْءَ وَزِيَادَةً مِنْ جِنْسِهِ بِنَفْسِ الثَّمَنِ الَّذِي أَمَرَهُ الْمُوَكِّل أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ هَذَا الشَّيْءَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذَا التَّصَرُّفِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْقِيمِيَّاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ:
فَأَمَّا الْقِيمِيَّاتُ فَلاَ يَنْفُذُ بِشَيْءٍ عَلَى الْمُوَكِّل (إِجْمَاعًا) فَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ هَرَوِىٍّ بِعَشَرَةٍ،
_________
(١) المغني ٥ / ٢٤٩ - ٢٥٠.
فَاشْتَرَى لَهُ ثَوْبَيْنِ هَرَوِيَّيْنِ بِعَشَرَةٍ مِمَّا يُسَاوِي كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَشَرَةً لَمْ يَلْزَمِ الْمُوَكِّل؛ لأَِنَّ ثَمَنَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ؛ إِذْ لاَ يُعْرَفُ إِلاَّ بِالْحَزْرِ.
أَمَّا الْمَوْزُونُ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَال لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ، فَاشْتَرَى عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ مِمَّا يُبَاعُ مِنْهُ عَشَرَةٌ بِدِرْهَمٍ.
فَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ وَكَذَا مُحَمَّدٌ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُوَكِّل مِنْهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَلاَ يَلْزَمُهُ الْبَاقِي، لأَِنَّ الْوَكِيل يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الأَْمْرِ فَلاَ يَتَعَدَّى تَصَرُّفُهُ مَوْضِعَ الأَْمْرِ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَشْرَةٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِشِرَاءِ الزِّيَادَةِ، فَنَفَذَ شِرَاؤُهَا عَلَيْهِ، وَشِرَاءُ الْعَشَرَةِ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَذَلِكَ بِخِلاَفِ مَا إِذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ فَرَسِهِ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ؛ لأَِنَّ الزِّيَادَةَ هُنَا بَدَل مِلْكِ الْمُوَكِّل فَتَكُونُ لَهُ.
- وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَلْزَمُ الْمُوَكِّل الْعِشْرُونَ؛ لأَِنَّهُ أَمَرَهُ بِصَرْفِ الدِّرْهَمِ فِي اللَّحْمِ، وَظَنَّ أَنَّ سِعْرَهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ، فَاشْتَرَى بِهِ عِشْرِينَ رِطْلًا فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا، وَصَارَ كَمَا إِذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ فَرَسِهِ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ.
- وَإِذَا كَانَتْ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ مِنَ اللَّحْمِ لاَ تُسَاوِي دِرْهَمًا نَفَذَ الْكُل عَلَى الْوَكِيل بِالاِتِّفَاقِ.
وَلَوِ اشْتَرَى عَشَرَةَ أَرْطَالٍ وَنِصْفَ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ
يَلْزَمُ الْمُوَكِّل اسْتِحْسَانًا. (١)
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي مُقَابِل الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْل أَصْبَغَ بِأَنَّهُ لَوْ قَال الْمُوَكِّل لِلْوَكِيل: اشْتَرِ لِي شَاةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى لَهُ شَاتَيْنِ بِدِينَارٍ تَسَاوَى كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دِينَارًا صَحَّ، وَيَلْزَمُ الْمُوَكِّل. (٢)
وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الشِّرَاءَ يَصِحُّ إِذَا كَانَتْ إِحْدَى الشَّاتَيْنِ تُسَاوِي الدِّينَارَ وَإِنْ لَمْ تُسَاوِهِ الشَّاةُ الأُْخْرَى، أَمَّا إِذَا لَمْ تُسَاوِ إِحْدَاهُمَا دِينَارًا لَمْ يَصِحَّ فِي الْمَذْهَبِ.
وَإِنْ سَاوَتْ كُل وَاحِدَةٍ مِنَ الشَّاتَيْنِ نِصْفَ دِينَارٍ صَحَّ لِلْمُوَكِّل وَيَلْزَمُهُ لاَ لِلْوَكِيلِ، وَإِنْ كَانَتْ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لاَ تُسَاوِي نِصْفَ دِينَارٍ فَرِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: يَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْمُوَكِّل.
وَقِيل: الزَّائِدُ عَلَى الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ الْمُقَدَّرَيْنِ لِلْوَكِيل. (٣)
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَا إِذَا وَصَفَ الْمُوَكِّل الشَّاةَ أَوْ لَمَ يَصِفْهَا.
_________
(١) البحر الرائق ٧ / ١٥٨، والبدائع ٧ / ٣٤٧٠، واللباب٢ / ٤٩.
(٢) المبدع ٤ / ٢٧٢، وجواهر الإكليل ٢ / ١٢٨.
(٣) مطالب أولي النهى ٣ / ٤٧١، والمبدع ٤ / ٣٧٢، والإنصاف ٥ / ٣٨٦، وانظر كشاف القناع ٣ / ٤٧٧ - ٤٧٨.