الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٣
ذَلِكَ، فَالتَّأْخِيرُ جَائِزٌ، وَلاَ يُعَدُّ بِذَلِكَ مُتَعَدِّيًا وَلاَ مُمَاطِلًا. (١)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الْعُذْرُ قَدْ يَكُونُ حِسِّيًّا، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَوِيًّا. فَأَمَّا الْحِسِّيُّ: فَلِوُجُودِ الْوَدِيعَةِ فِي مَحَلٍّ بَعِيدٍ لاَ يَسْتَطِيعُ الْوُصُول إِلَيْهِ حِينَ طَلَبِهَا.
وَأَمَّا الْمَعْنَوِيُّ: فَكَمَا إِذَا خَافَ الْوَدِيعُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ظَالِمٍ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ دَائِنٍ أَنْ يَحْبِسَهُ وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْوَفَاءِ، أَوْ كَانَتِ امْرَأَةً وَخَافَتْ مِنْ فَاسِقٍ، أَوْ خَافَ عَلَى مَالِهِ بِأَنْ كَانَ مَدْفُونًا مَعَهَا، فَإِذَا ظَهَرَ اغْتَصَبَهُ غَاصِبٌ، أَوْ كَانَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ ظَالِمًا فَطَلَبَ الْوَدِيعَةَ لِيَظْلِمَ بِهَا، بِأَنْ كَانَتْ سَيْفًا فَعَلِمَ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ طَلَبَهُ لِيَقْتُل بِهِ رَجُلًا بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ كَانَتْ كِتَابًا فِيهِ إِقْرَارُ الْمُودِعِ بِمَال الْغَيْرِ، أَوْ بِقَبْضِ دَيْنِهِ مِنَ الْغَيْرِ فَلَهُ عِنْدَ وُجُودِ عُذْرٍ مِنْ هَذِهِ الأَْعْذَارِ أَنْ يَمْنَعَ الْوَدِيعَةَ مِنْ مَالِكِهَا، وَلاَ يَكُونُ ظَالِمًا بِمَنْعِهَا حِينَئِذٍ، حَتَّى لَوْ هَلَكَتِ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ الطَّلَبِ لاَ يَضْمَنُهَا. (٢)
_________
(١) كِفَايَة الأَْخْيَار ٢ / ١٠، وَالْمَادَّة (١٣٣٦) مِنْ مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَذْهَب أَحْمَدَ.
(٢) دُرَر الْحُكَّام ٢ / ٢٧٥، وَشَرْح الْمَجَلَّةِ لِلأَْتَاسِيِّ ٣ / ٢٧٧، وَالدَّرّ الْمُنْتَقَى ٢ / ٣٤٠، وَرَدّ الْمُحْتَارِ ٤ / ٤٩٥، وَالْبَحْر الرَّائِق ٧ / ٢٧٥، وَالأَْشْبَاه وَالنَّظَائِر لاِبْنِ نَجِيم ص ٣٣٠.
وَإِذَا أَخَّرَ الْوَدِيعُ رَدَّ الْوَدِيعَةِ لِصَاحِبِهَا بَعْدَ طَلَبِهَا لِلإِْشْهَادِ عَلَى الرَّدِّ فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ مَالِكُهَا قَدْ أَشْهَدَ عَلَى تَسْلِيمِهَا إِلَيْهِ، وَذَلِكَ لِقَبُول قَوْلِهِ فِي الرَّدِّ إِلَيْهِ عِنْدَ ادِّعَائِهِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى بَيِّنَةٍ. (١)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوَثُّقِ، فَإِنَّهُ يُعَدُّ مَعْذُورًا فِي تَأْخِيرِ رَدِّهَا إِلَيْهِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ، إِذْ لاَ يُقْبَل قَوْلُهُ فِي رَدِّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِلاَّ بِالْبَيِّنَةِ. وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُهُ لِلإِْشْهَادِ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ مُصَدِّقٌ فِي دَعْوَى رَدِّهَا لِصَاحِبِهَا بِدُونِهِ. فَإِنْ أَخَّرَهُ فَتَلِفَتْ، كَانَ ضَامِنًا؛ لأَِنَّهُ مُتَسَبِّبٌ فِي ضَيَاعِهَا. (٢)
٢٩ - وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْتِزَامِ الْوَدِيعِ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ إِلَى رَبِّهَا أَنْ يَقُومَ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ بِنَفْسِهِ أَوْ عَلَى يَدِ أَمِينِهِ - كَزَوْجَتِهِ وَخَازِنِهِ وَوَكِيلِهِ وَنَحْوِهِمْ إِلَى الْمُودِعِ - اسْتِبْرَاءً مِنْ تَحَمُّل التَّبِعَةِ، وَرِعَايَةً لِلأَْمَانَةِ وَأَدَاءً لِحَقِّهَا. وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. (٣)
_________
(١) تُحْفَة الْمُحْتَاج ٧ / ١٢٤.
(٢) الزُّرْقَانِيِّ عَلَى خَلِيلٍ ٦ / ١٢٤.
(٣) بدائع الصَّنَائِع ٦ / ٢٠٨، وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة ٤ / ٣٥٤، النَّتْف فِي الْفَتَاوَى للسغدي ٢ / ٥٨٠، شَرْح الْمَجَلَّةِ لِلأَْتَاسِيِّ ٣ / ٢٧٨، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ ٤ / ١٩٨، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ ٢ / ٤٥٥.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى - إِلَى أَنَّهُ كَمَا يَصِحُّ لِلْوَدِيعِ رَدُّ الْوَدِيعَةِ إِلَى مَالِكِهَا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ رَدُّهَا إِلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ عَادَةً لأَِنَّ أَيْدِيَهُمْ كَيَدِهِ وَذَلِكَ تَخَلُّصًا مِنْ دَرْكِهَا، وَإِيصَالًا لِلْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ.
وَالْقَوْل الثَّانِي لِلْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَلْزَمُ رَدُّهَا إِلَى الْمُودِعِ بِالذَّاتِ. (١)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ طَلَبَ وَكِيل الْمُودِعِ الْوَدِيعَةَ يَلْزَمُ الْوَدِيعَ رَدُّهَا إِذَا ثَبَتَتْ وِكَالَةُ الْوَكِيل بِالْبَيِّنَةِ. (٢)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ إِلَى وَكِيلِهِ فَتَمَكَّنَ وَأَبَى ضَمِنَ، وَالأَْصَحُّ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا وَكِيلُهُ. (٣)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ - فِي حَالَةِ رَدِّهَا إِلَى غَيْرِ مَالِكِهَا - إِلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَوْثِيقُ رَدِّهَا بِالشَّهَادَةِ، لِيُصَدَّقَ فِي دَعْوَى الرَّدِّ إِذَا أَنْكَرَ الْقَابِضُ، قَال
_________
(١) رَدّ الْمُحْتَارِ / ٤٩٥، وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة ٤ / ٣٥٤، وَالْبَحْر الرَّائِق ٧ / ٢٧٤، وَدُرَر الْحُكَّام ٢ / ٢٧٧، وَالْمُبْدِع ٥ / ٢٤٤، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ ٤ / ١٩٨، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ ٢ / ٤٥٥، وَالْمَادَّة (١٣٣٧) و(١٣٤٢) مِنْ مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَذْهَب أَحْمَدَ.
(٢) دُرَر الْحُكَّام ٢ / ٢٧٣.
(٣) الْمُبْدِع ٥ / ٢٤٤.
ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إِلَى غَيْرِ الْيَدِ الَّتِي دَفَعَتْهَا إِلَيْهِ، فَعَلَيْهِ مَا عَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ مِنَ الإِْشْهَادِ، قَال اللَّهُ ﷿: (﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ﴾) (١) . فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ، فَلاَ يُصَدَّقُ فِي الدَّفْعِ إِذَا أَنْكَرَ الْقَابِضُ، وَلاَ أَحْفَظُ فِي هَذَا الْوَجْهِ نَصَّ خِلاَفٍ، إِلاَّ عَلَى قَوْل ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ بَعَثَ بِبِضَاعَةٍ إِلَى رَجُلٍ مَعَ رَجُلٍ، أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ الإِْشْهَادُ فِي دَفْعِهَا إِلَيْهِ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ وَإِنْ أَنْكَرَ الْقَابِضُ، دَيْنًا كَانَتْ أَوْ صِلَةً. (٢)
وَفِي وُجُوبِ الإِْشْهَادِ عَلَى دَفْعِ الْوَدِيعَةِ إِلَى وَكِيل الْمَالِكِ وَجْهَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْبَغَوِيِّ الْوُجُوبُ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، يَلْزَمُهُ الإِْشْهَادُ، وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَابْنِ الرِّفْعَةِ عَدَمُهُ؛ لأَِنَّ قَوْل الْوَدِيعِ مَقْبُولٌ فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ، فَلاَ يَقْتَضِي الإِْشْهَادَ؛ لأَِنَّ الْوَدَائِعَ حَقُّهَا الإِْخْفَاءُ، بِخِلاَفِ قَضَاءِ الدِّينِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الأَْنْوَارِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلاَمِ النَّوَوِيِّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْوَكَالَةِ. (٣)
وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ لِلْوَدِيعِ تَأْخِيرَ الرَّدِّ
_________
(١) سُورَة النِّسَاء: ٦.
(٢) الْمُقْدِمَات الْمُمَهِّدَات لاِبْن رُشْد ٢ / ٤٦١، وَانْظُرْ مَوَاهِب الْجَلِيل ٥ / ٢٦٢، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ ٢ / ٣١٠.
(٣) سَنَى الْمَطَالِب ٣ / ٨٥، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٦ / ٣٤٥.
لِلإِْشْهَادِ عَلَيْهِ إِذَا طَلَبَ مَالِكُهَا رَدَّهَا إِلَى وَكِيلِهِ.
قَال النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ: إِذَا قَال لَهُ: رُدَّهَا عَلَى فُلاَنٍ وَكِيلِي، فَطَلَبَ الْوَكِيل، فَلَمْ يُرَدَّ، فَهُوَ كَمَا لَوْ طَلَبَ الْمَالِكُ فَلَمْ يُرَدَّ، لَكِنْ لَهُ التَّأْخِيرُ لِيَشْهَدَ عَلَى الْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ بِالْقَبْضِ، لأَِنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَطْلُبِ الْوَكِيل، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الرَّدِّ، لَمْ تَصِرْ مَضْمُونَةً، وَإِلاَّ فَوَجْهَانِ، لأَِنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ إِلَى وَكِيلِهِ عَزَلَهُ، فَيَصِيرُ مَا فِي يَدِهِ كَالأَْمَانَةِ الشَّرْعِيَّةِ، مِثْل الثَّوْبِ تُطَيِّرُهُ الرِّيحُ إِلَى دَارِهِ، وَفِيهَا وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تَمْتَدُّ إِلَى الْمُطَالَبَةِ، (وَأَصَحُّهُمَا) تَنْتَهِي بِالتَّمَكُّنِ مِنَ الرَّدِّ. (١)
ب - رَدُّ الْوَدِيعَةِ الْمُشْتَرَكَةِ: ٣٠ - إِذَا كَانَتِ الْوَدِيعَةُ مَشَاعًا لِشَخْصَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، كَمَا إِذَا أَوْدَعَ رَجُلاَنِ مَالَهُمَا الْمُشْتَرَكَ عِنْدَ شَخْصٍ، ثُمَّ طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي غِيَابِ الآْخَرِ حِصَّتَهُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي لُزُومِ رَدِّ نَصِيبِهِ إِلَيْهِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
(أَحَدُهَا) لأَِبِي حَنِيفَةَ: وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَدِيعِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ نَصِيبَهُ حَتَّى يَحْضُرَ الآْخَرَ؛ لأَِنَّ
_________
(١) رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٦ / ٣٤٥، وَانْظُرْ أَسْنَى الْمَطَالِب ٣ / ٨٤، وَتُحْفَة الْمُحْتَاج وَحَاشِيَة الشرواني عَلَيْهِ ٧ / ١٢٤.
الْوَدِيعَ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَال الْمُشْتَرَكِ، فَيَكُونُ إِعْطَاؤُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَعَدِّيًا عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ، حَيْثُ أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْقِسْمَةَ بَيْنَهُمَا. (١)
وَوَجْهُ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الْوَدِيعَ لَوْ دَفَعَ شَيْئًا إِلَى الشَّرِيكِ الْحَاضِرِ، فَلاَ يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مِنَ النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا، وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مِنْ نَصِيبِهِ خَاصَّةً، وَلاَ وَجْهَ إِلَى الأَْوَّل؛ لأَِنَّ دَفْعَ نَصِيبِ الْغَائِبِ إِلَيْهِ مُمْتَنِعٌ شَرْعًا، وَلاَ سَبِيل إِلَى الثَّانِي؛ لأَِنَّ نَصِيبَهُ شَائِعٌ فِي الْكُل، إِذِ الْوَدِيعَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا، وَلاَ تَتَمَيَّزُ إِلاَّ بِالْقِسْمَةِ، وَالْقِسْمَةُ عَلَى الْغَائِبِ غَيْرُ جَائِزَةٍ. (٢)
(الثَّانِي) لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَدِيعِ قِسْمَةُ الْوَدِيعَةِ وَإِعْطَاؤُهُ حِصَّتَهُ، وَلاَ تَسْلِيمُ الْجَمِيعِ، بَل يَرْفَعُ الأَْمْرَ إِلَى الْحَاكِمِ لِيُقَسِّمَهَا وَيَدْفَعَ إِلَيْهِ نَصِيبَهُ لاِتِّفَاقِهِمَا عَلَى الإِْيدَاعِ فَكَذَا فِي الاِسْتِرْدَادِ. (٣)
(الثَّالِثُ) لِلْحَنَابِلَةِ وَالصَّاحِبَيْنِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَيْهِ جَرَتْ مَجَلَّةُ
_________
(١) الدَّرّ الْمُخْتَار مَعَ رَدِّ الْمُحْتَارِ ٤ / ٤٩٩، وَالْبَحْر الرَّائِق ٧ / ٢٧٨، وَالْبَدَائِع ٦ / ٢١٠، وَدُرَر الْحُكَّام ٢ / ٢٧٧، وَشَرْح الْمَجَلَّةِ لِلأَْتَاسِيِّ ٣ / ٢٨٣، ٢٨٥.
(٢) بَدَائِع الصَّنَائِع ٦ / ٢١٠.
(٣) رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٦ / ٣٤٥، وَتُحْفَة الْمُحْتَاج ٧ / ١٢٤، وَأَسْنَى الْمَطَالِب ٣ / ٨٤. وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ ٤ / ١٨٤.
الأَْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ: وَهُوَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَتِ الْوَدِيعَةُ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَتْ مِنَ الْقِيمِيَّاتِ. (١)
فَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ الَّتِي لاَ تَنْقُصُ بِالْقِسْمَةِ، فَطَلَبَ الْحَاضِرُ نَصِيبَهُ مِنْهَا، فَيُؤْمَرُ الْوَدِيعُ بِالدَّفْعِ إِلَيْهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ حِصَّتِهِ يَكُونُ ضَامِنًا لَهَا.
قَال الْحَنَابِلَةُ: لأَِنَّهُ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ يُمْكِنُ فِيهِ تَمْيِيزُ نَصِيبِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ نَصِيبِ الآْخَرِ بِغَيْرِ غَبْنٍ وَلاَ ضَرَرٍ، فَإِذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لَزِمَ دَفْعُهُ إِلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ مُتَمَيِّزًا. (٢)
وَقَال الصَّاحِبَانِ: لأَِنَّ لِكُلٍّ مِنَ الْمُتَشَارِكَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي غِيَابِ الآْخَرِ وَبِدُونِ إِذْنِهِ، كَمَا إِذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ دَيْنٌ مُشْتَرَكٌ عَلَى رَجُلٍ، فَجَاءَ أَحَدُهُمَا وَطَلَبَ حِصَّتَهُ مِنَ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إِلَيْهِ حِصَّتَهُ. (٣)
وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْقِيمِيَّاتِ، فَلَيْسَ لِلْوَدِيعِ أَنْ
_________
(١) كَشَّاف الْقِنَاع ٤ / ٢٠٥، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ ٢ / ٤٥٨، وَدُرَر الْحُكَّام ٢ / ٢٧٧، وَشَرْح الْمَجَلَّةِ لِلأَْتَاسِيِّ ٣ / ٢٨٣ الْمَادَّة (٧٩٦)، وَرَدّ الْمُحْتَارِ ٤ / ٤٩٩، وَالْبَدَائِعِ ٦ / ٢١٠، وَالْمَادَّة (١٣٣٩) مِنْ مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَذْهَب أَحْمَدَ.
(٢) الْمُبْدِع ٥ / ٢٤٦.
(٣) دُرَر الْحُكَّام ٢ / ٢٧٧، وَشَرْح الْمَجَلَّةِ لِلأَْتَاسِيِّ ٣ / ٢٨٣، مَجَلَّة الأَْحْكَامِ الْعَدْلِيَّة الْمَادَّة (٧٩٦) .
يُعْطِيَ الْحَاضِرَ حِصَّتَهُ، فَإِنْ فَعَل وَهَلَكَتْ ضَمِنَهَا.
لأَِنَّ قِسْمَةَ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ بَيْعٌ، وَلَيْسَ لِلْوَدِيعِ أَنْ يَبِيعَ عَلَى الْمُودِعِ، لأَِنَّ قِسْمَةَ ذَلِكَ لاَ يُؤْمَنُ فِيهَا الْحَيْفُ، لأَِنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى التَّقْوِيمِ، وَذَلِكَ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ. (١)
وَلأَِنَّ الإِْفْرَازَ غَالِبٌ فِي الْمِثْلِيِّ، وَالْمُبَادَلَةَ غَالِبَةٌ فِي الْقِيمِيِّ، وَبِمَا أَنَّ الْوَدِيعَ لَيْسَ مَأْذُونًا بِالْمُبَادَلَةِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْقِيمِيَّ. (٢)
كَيْفِيَّةُ رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَمُؤْنَتُهُ
٣١ - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ رَدَّ الْوَدِيعَةِ يَحْصُل بِرَفْعِ الْيَدِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَالِكِ، عَلَى وَجْهٍ يَجْعَلُهُ مُتَمَكِّنًا مِنْ رَقَبَتِهَا دُونَ مَانِعٍ، كَمَا إِذَا وَضَعَهَا أَمَامَهُ، وَقَال لَهُ اقْبِضْهَا. وَلاَ يَلْزَمُ الْوَدِيعَ نَقَلُهَا إِلَى دَارِ الْمُودِعِ أَوْ دُكَّانِهِ أَوْ إِلَى أَيِّ مَكَانٍ آخَرَ إِذَا طَلَبَ ذَلِكَ مِنْهُ الْمُودِعُ، سَوَاءٌ قَلَّتِ الْمُؤْنَةُ أَوْ كَثُرَتْ، لأَِنَّ الْوَدِيعَ إِنَّمَا قَبَضَ الْعَيْنَ لِمَنْفَعَةِ مَالِكِهَا عَلَى الْخُصُوصِ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ الْغَرَامَةُ
_________
(١) الْمُبْدِع ٥ / ٢٤٧، وَانْظُرْ كَشَّاف الْقِنَاع ٤ / ٢٠٥، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ ٢ / ٤٥٨، وَمَجَلَّة الأَْحْكَامِ الْعَدْلِيَّة ٧٩٦.
(٢) دُرَر الْحُكَّام ٢ / ٢٧٨.
عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ عَلَى حِفْظِهَا فِي مِلْكِ صَاحِبِهَا، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ التَّمْكِينُ مِنْ أَخْذِهَا.
وَعَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا امْتَنَعَ الْوَدِيعُ عَنْ نَقْلِهَا إِلَيْهِ، وَهَلَكَتْ بَعْدَهُ بِيَدِهِ، لاَ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، لأَِنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ، وَلَيْسَ عَلَى الْوَدِيعِ شَيْءٌ غَيْرَ التَّخْلِيَةِ وَالتَّمْكِينِ. (١)
٣٢ - مَكَانُ رَدِّ الْوَدِيعَةِ
مَكَانُ رَدِّ الْوَدِيعَةِ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الإِْيدَاعُ، سَوَاءٌ قَلَّتْ مُؤْنَةُ حَمْل الْوَدِيعَةِ أَوْ كَثُرَتْ، لأَِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْوَدِيعِ بَعْدَ الطَّلَبِ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَمَالِكِهَا، لاَ الْحَمْل وَالرَّدُّ.
وَلاَ يُجْبَرُ الْوَدِيعُ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ فِي مَكَانٍ آخَرَ، وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. (٢)
_________
(١) كَشَّاف الْقِنَاع ٤ / ٢٠٣، شَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ ٢ / ٤٥٧، وَالْمُغْنِي ٩ / ٢٦٩، وَالْبَحْر الرَّائِق ٧ / ٢٧٦، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٦ / ٣٤٤، وَأَسْنَى الْمَطَالِب ٣ / ٨٤، وَتُحْفَة الْمُحْتَاج ٧ / ١٢٤، وَدُرَر الْحُكَّام ٢ / ٢٧٢. الْمَادَّة (٧٩٤) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّة.
(٢) الْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَةَ ٩ / ٢٦٩، وَالْفَتَاوَى الْفِقْهِيَّة الْكُبْرَى لاِبْنِ حَجَر الهيتمي ٤ / ٧١، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ ٤ / ٢٠٣، وَدُرَر الْحُكَّام ٢ / ٢٧٩، وَشَرْح الْمَجَلَّةِ لِلأَْتَاسِيِّ ٣ / ٢٨٦.
مَوْتُ الْوَدِيعِ قَبْل رَدِّ الْوَدِيعَةِ: ٣٣ - إِذَا مَاتَ الْوَدِيعُ قَبْل رَدِّ الْوَدِيعَةِ، وَانْتَقَلَتْ إِلَى يَدِ وَارِثِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا لِمَالِكِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِهِ وَالتَّمْكِينِ مِنْهُ، لِزَوَال الاِئْتِمَانِ (١) .
إِذَا وُجِدَ فِي تَرِكَةِ مُتَوَفٍّ صُنْدُوقٌ أَوْ كِتَابٌ أَوْ كِيسٌ فِيهِ نَقُودٌ، كُتِبَ عَلَيْهِ بِخَطِّ الْمُتَوَفَّى أَنَّهُ وَدِيعَةٌ لِفُلاَنٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ فِعْلُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّ عَلَى الْوَارِثِ أَنْ يَعْمَل وُجُوبًا بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ وَدِيعَةٌ لِفُلاَنٍ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى إِثْبَاتٍ بِوَجْهٍ آخَرَ. (٢)
(وَالثَّانِي) لِلشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ قُدَامَةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ:
_________
(١) الإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر ١ / ٢٥٥، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ ٢ / ٤٥٦، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ ٤ / ٢٠٢، وَالْمَادَّة (٨٣٤) مِنْ مُرْشِدِ الْحَيْرَانِ، وَالْمَادَّةِ (٨٠١) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّة.
(٢) رَدّ الْمُحْتَارِ ٤ / ٣٥٤، وَالتَّاج وَالإِْكْلِيل ٥ / ٢٥٩، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ ٤ / ٢٠٣، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ ٢ / ٤٥٧، وَالإِْفْصَاحِ لاِبْنِ هُبَيْرَة ٢ / ٢٧، وَمُخْتَصِر الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّة لاِبْن تَيْمِيَّةَ ص ٦٠٨، وَدُرَر الْحُكَّام ٤ / ١٤٣، وَمَوَاهِب الْجَلِيل ٥ / ٢٥٩، وَالزُّرْقَانِيَّ عَلَى خَلِيلٍ ٦ / ١٢٠.