الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٣ الصفحة 3

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٣

ثَانِيًا: الْعَاقِدَانِ (الْمُودِعُ وَالْمُسْتَوْدَعُ)

يُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنَ الْمُودِعِ وَالْمُسْتَوْدَعِ مَا يَلِي:

(أ) شُرُوطُ الْمُودِعِ:

١٢ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُودِعِ أَنْ يَكُونَ جَائِزَ التَّصَرُّفِ. (١) وَهُوَ الْعَاقِل الْمُمَيِّزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْبَالِغُ الْعَاقِل الرَّشِيدُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

وَعَلَى ذَلِكَ، فَلَوْ أَوْدَعَ طِفْلٌ أَوْ مَجْنُونٌ إِنْسَانًا مَالًا، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ قَبُول وَدِيعَتِهِ. فَإِنْ أَخَذَهَا مِنْهُ ضَمِنَهَا، وَلاَ يَبْرَأُ مِنَ الضَّمَانِ إِلاَّ بِالتَّسْلِيمِ إِلَى النَّاظِرِ فِي مَالِهِ. قَال السِّمْنَانِيُّ: لأَِنَّهُ قَبِل مَالًا مِمَّنْ لاَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ، كَمَا لَوْ غَصَبَ الْمُودِعُ وَعَلِمَ الْمُسْتَوْدَعُ بِالْغَصْبِ، وَقَبِل الْوَدِيعَةَ، (٢) وَقَال الشَّيْخُ زَكَرِيَّا الأَْنْصَارِيُّ: لأَِنَّهُ مُقَصِّرٌ بِالأَْخْذِ مِمَّنْ لَيْسَ أَهْلًا

_________

(١) بَدَائِعُ الصَّنَائِعِ ٦ / ٢٠٧، وَتُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ ٧ / ١٠٣، وَأَسْنَى الْمَطَالِبِ ٣ / ٧٥، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٦ / ٣٢٥، وَشَرْحُ مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ ٢ / ٤٥٠، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ ٤ / ١٩٧، وَالْمُغْنِي ٩ / ٢٧٩، وَرَوْضَةُ الْقُضَاةِ ٢ / ٦١٤، وَكِفَايَةُ الطَّالِبِ الرَّبَّانِيِّ وَحَاشِيَةُ الْعَدَوِيّ عَلَيْهِ ٢ / ٢٥٣، وَالْمُهَذَّبُ ١ / ٣٦٦.

(٢) رَوْضَةُ الْقُضَاةِ ٢ / ٦١٤.

لِلإِْيدَاعِ (١) . وَعَلَّل ذَلِكَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: لأَِنَّهُ أَخَذَ مَال غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ شَرْعِيٍّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ غَصَبَهُ (٢) .

وَقَدِ اسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ وَابْنُ عَرَفَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مَا لَوْ خَشِيَ الْوَدِيعُ هَلاَكَهَا فِي يَدِ الْمَحْجُورِ، فَأَخَذَهَا مِنْهُ حِسْبَةً، رَأْفَةً عَلَى الْمَال وَصَوْنًا لَهُ عَنِ الضَّيَاعِ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، (٣) وَقَدْ قَاسَ الْحَنَابِلَةُ ذَلِكَ عَلَى الْمَال الضَّائِعِ، وَالْمَوْجُودِ فِي مَفَازَةٍ - مَهْلَكَةٍ - إِذَا أَخَذَهُ شَخْصٌ لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ، وَتَلِفَ قَبْل التَّمَكُّنِ مِنْ رَدِّهِ، وَعَلَى مَا لَوْ أَخَذَ إِنْسَانٌ الْمَال الْمَغْصُوبَ مِنَ الْغَاصِبِ تَخْلِيصًا لَهُ، لِيَرُدَّهُ إِلَى مَالِكِهِ، فَتَلِفَ قَبْل التَّمَكُّنِ، فَإِنَّهُ لاَ يَضْمَنُهُ؛ لأَِنَّهُ مُحْسِنٌ، وَمَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ. (٤) وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: هُوَ كَمَا لَوْ خَلَّصَ الْمُحْرِمُ طَائِرًا مِنْ جَارِحَةٍ، فَأَمْسَكَهُ لِيَحْفَظَهُ وَيَتَعَهَّدَهُ فَتَلِفَ، فَإِنَّهُ لاَ يَضْمَنُهُ. (٥)

أَمَّا ابْنُ عَرَفَةَ فَقَدْ قَال: وَالأَْظْهَرُ أَنَّ شَرْطَ

_________

(١) أَسْنَى الْمَطَالِبِ ٣ / ٧٥.

(٢) كَشَّافُ الْقِنَاعِ ٤ / ١٩٧.

(٣) كَشَّافُ الْقِنَاعِ ٤ / ١٧٧ - ١٧٨، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٦ / ٣٢٥، وَأَسْنَى الْمَطَالِبِ ٣ / ٧٥ وَمَوَاهِبُ الْجَلِيل ٥ / ٢٥٢.

(٤) كَشَّافُ الْقِنَاعِ ٤ / ١٧٧ - ١٧٨.

(٥) أَسْنَى الْمَطَالِبِ ٣ / ٧٥.

الْوَدِيعَةِ بِاعْتِبَارِ جَوَازِ فِعْلِهَا وَقَبُولِهَا حَاجَةُ الْفَاعِل، وَظَنُّ صَوْنِهَا مِنَ الْقَابِل؛ وَلِهَذَا تَجُوزُ مِنَ الصَّبِيِّ الْخَائِفِ عَلَيْهَا إِنْ بَقِيَتْ بِيَدِهِ. (١)

أَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ إِيدَاعِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَقَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ - قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَحَكَى عَلَيْهِ الاِتِّفَاقَ - وَهُوَ صِحَّةُ إِيدَاعِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ إِذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ. (٢)

وَقَال الْكَاسَانِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: وَأَمَّا بُلُوغُهُ، فَلَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا، حَتَّى يَصِحَّ الإِْيدَاعُ مِنَ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ التَّاجِرُ، فَكَانَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ، فَيَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ كَمَا يَمْلِكُ التِّجَارَةَ.

أَمَّا الصَّبِيُّ غَيْرُ الْمَأْذُونِ فَلاَ يَصِحُّ قَبُول الْوَدِيعَةِ مِنْهُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَحْفَظُ الْمَال عَادَةً (٣) .

وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا، صَحَّ إِيدَاعُهُ لِمَا أُذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ؛ لأَِنَّهُ

_________

(١) حَاشِيَةُ الْبُنَانِيِّ عَلَى شَرْحِ الزُّرْقَانِيِّ لِمُخْتَصَرِ خَلِيلٍ ٦ / ١١٣، وَمَوَاهِبُ الْجَلِيل ٥ / ٢٥٢.

(٢) كَشَّافُ الْقِنَاعِ ٤ / ١٧٧، وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةُ ٤ / ٣٣٨، دُرَرُ الْحُكَّامِ ٢ / ٢٢٩. الْمَادَّةُ (٧٧٦) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّةِ، وَالْمَادَّةُ (١٣٢٢) مِنْ مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ.

(٣) الْبَدَائِعُ ٦ / ٢٠٧.

كَالْبَالِغِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِكَ (١) . (وَالثَّانِي): لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ إِيدَاعِهِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، مَأْذُونًا لَهُ أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ وَأَلْحَقُوا إِيدَاعَهُ بِالْعَدَمِ.

قَال الشَّافِعِيَّةُ: فَإِنْ قَبِلَهُ ضَمِنَهُ بِأَقْصَى الْقِيَمِ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ شَرْطَ الْمُودِعِ كَالْمُوَكَّل، فَمَنْ صَحَّ مِنْهُ أَنْ يُوكِّل غَيْرَهُ صَحَّ مِنْهُ أَنْ يُودِعَ غَيْرَهُ، قَال الْعَدَوِيّ: وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالسَّفِيهُ، فَلاَ يُودِعَانِ وَلاَ يُسْتَوْدَعَانِ، لَكِنْ إِنْ أَوْدَعَاكَ شَيْئًا، وَجَبَ عَلَيْكَ يَا رَشِيدُ حِفْظُهُ. (٢)

(ب) شُرُوطُ الْمُسْتَوْدَعِ:

يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَوْدَعِ شَرْطَانِ:

الأَْوَّل: أَنْ يَكُونَ جَائِزَ التَّصَرُّفِ:

١٣ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَكُونَ جَائِزَ التَّصَرُّفِ. (٣) غَيْرَ

_________

(١) الْمُغْنِي ٩ / ٢٧٩.

(٢) تُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ ٧ / ١٠٣، كِفَايَةُ الطَّالِبِ الرَّبَّانِيِّ، وَحَاشِيَةُ الْعَدَوِيّ عَلَيْهِ ٢ / ٢٥٣.

(٣) الْمُهَذَّبُ ١ / ٣٦٦، وَرَوْضَةُ الْقُضَاةِ ٢ / ٦١٥، وَشَرْحُ مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ ٢ / ٤٥٠، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٦ / ٣٢٥، وَكِفَايَةُ الطَّالِبِ الرَّبَّانِيِّ وَحَاشِيَةُ الْعَدَوِيّ عَلَيْهِ ٢ / ٢٥٣، وَمَيَّارَة عَلَى تُحْفَةِ ابْنِ عَاصِمٍ ٢ / ١٨٩، تُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ ٧ / ١٠٤، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ ٤ / ١٨٦.

أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا الْوَصْفُ عَلَى قَوْلَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ أَنَّ جَائِزَ التَّصَرُّفِ هُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِل الرَّشِيدُ، (١) (وَالثَّانِي) لِلْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا، وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ. (٢)

وَعَلَى كِلاَ الْقَوْلَيْنِ لاَ يَصِحُّ قَبُول الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لاَ يَعْقِل الْوَدِيعَةَ؛ لأَِنَّ حُكْمَ هَذَا الْعَقْدِ لُزُومُ الْحِفْظِ، وَمَنْ لاَ عَقْل لَهُ لاَ يَكُونُ مِنْ أَهْل الْحِفْظِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ اسْتِيدَاعِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:

(الأَْوَّل): لأَِكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمُعْتَمَدِ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ اسْتِيدَاعُ الصَّبِيِّ، مُمَيِّزًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ؛ لأَِنَّ الْقَصْدَ مِنَ الإِْيدَاعِ الْحِفْظُ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ.

وَعَلَى ذَلِكَ، فَلَوْ أَوْدَعَ أَحَدٌ وَدِيعَةً عِنْدَ صَبِيٍّ فَتَلِفَتْ عِنْدَهُ، لَمْ يَضْمَنْهَا، سَوَاءٌ حَفِظَهَا أَمْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا، وَذَلِكَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْتِزَامِهِ

_________

(١) الْمَرَاجِعُ السَّابِقَةُ.

(٢) بَدَائِعُ الصَّنَائِعِ ٦ / ٢٠٧، وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةُ ٤ / ٣٣٨، وَدُرَرُ الْحُكَّامِ ٢ / ٢٢٩، وَالْمَادَّةُ (٧٧٦) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّةِ.

الْحِفْظَ، فَصَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَهَا عِنْدَ بَالِغٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْفَاظٍ، فَتَلِفَتْ (١) .

أَمَّا إِذَا أَتْلَفَهَا الصَّبِيُّ الْمُسْتَوْدَعُ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ عَلَى رَأْيَيْنِ:

فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي الْمَذْهَبِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ إِلَى أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ. (٢) وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَالِكَ سَلَّطَهُ عَلَيْهَا، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ أَقْرَضَهُ شَيْئًا وَأَقْبَضَهُ إِيَّاهُ فَأَتْلَفَهُ، فَلاَ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ.

وَبِأَنَّ صَاحِبَ السِّلْعَةِ قَدْ سَلَّطَ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ ضَمِنَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْحَجْرِ. غَيْرَ أَنَّ اللَّخْمِيَّ وَغَيْرَهُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ أَنْفَقَ الصَّبِيُّ

_________

(١) كَشَّافُ الْقِنَاعِ ٤ / ١٩٧، وَشَرْحُ مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ ٢ / ٤٥٠، وَالْمُغْنِي ٩ / ٢٧٩، وَأَسْنَى الْمَطَالِبِ ٣ / ٧٥، وَالزُّرْقَانِيَّ عَلَى خَلِيلٍ ٦ / ١٢٥، وَالتَّاجُ وَالإِْكْلِيل ٥ / ٢٦٧، وَالْمُهَذَّبُ ١ / ٣٦٦، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٦ / ٣٢٥، وَمَيَّارَة عَلَى التُّحْفَةِ وَحَاشِيَةُ الْحَسَنِ بْنِ رَحَّالٍ عَلَيْهِ ٢ / ١٨٩، وَكِفَايَةُ الطَّالِبِ الرَّبَّانِيِّ وَحَاشِيَةُ الْعَدَوِيّ عَلَيْهِ ٢ / ٢٥٣، الْمَادَّةُ (١٣٧٢) مِنْ مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَذْهَبِ أَحَمَدَ.

(٢) رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٦ / ٣٢٥، وَمَيَّارَة عَلَى التُّحْفَةِ ٢ / ١٨٩، وَالإِْشْرَافُ عَلَى مَذَاهِبِ أَهْل الْعِلْمِ لاِبْنِ الْمُنْذِرِ ١ / ٢٦٥، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ ٤ / ١٩٧، وَالْمُغْنِي ٩ / ٢٧٩، وَانْظُرِ الْمَادَّةَ (١٣٧٢) مِنْ مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ.

الْوَدِيعَةَ فِيمَا لاَ غِنَى لَهُ عَنْهُ وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَلَهُ مَالٌ، وَقَالُوا: يُرْجَعُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ بِالأَْقَل مِمَّا أَتْلَفَهُ أَوْ مِمَّا صُونَ بِهِ مَالُهُ. (١)

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى تَضْمِينِ الصَّبِيِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَذَلِكَ لِعَدَمِ الاِعْتِدَادِ بِاسْتِيدَاعِهِ، وَكَوْنِهِ مِنْ أَهْل الضَّمَانِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالًا لِغَيْرِهِ بِلاَ اسْتِيدَاعٍ وَلاَ تَسْلِيطٍ عَلَى الإِْتْلاَفِ (٢) . وَعَلَّل ابْنُ قُدَامَةَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَا ضَمِنَهُ بِإِتْلاَفِهِ قَبْل الإِْيدَاعِ، ضَمِنَهُ بَعْدَ الإِْيدَاعِ كَالْبَالِغِ، وَأَنَّ الْمُودِعَ مَا سَلَّطَهُ عَلَى إِتْلاَفِ الْوَدِيعَةِ، وَإِنَّمَا اسْتَحْفَظَهُ إِيَّاهَا. (٣)

وَقَدْ بَيَّنَ السُّيُوطِيُّ فِي الأَْشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ أَسَاسَ الْفَرْقِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ التَّلَفِ وَالإِْتْلاَفِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَال: قَاعِدَةٌ: كُل مَنْ ضَمِنَ الْوَدِيعَةَ بِالإِْتْلاَفِ ضَمِنَهَا بِالتَّفْرِيطِ إِلاَّ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا بِالإِْتْلاَفِ عَلَى الأَْظْهَرِ، وَلاَ يَضْمَنُهَا بِالتَّفْرِيطِ قَطْعًا؛ لأَِنَّ الْمُفَرِّطَ هُوَ الَّذِي أَوْدَعَهُ (٤) .

_________

(١) مَيَّارَة عَلَى التُّحْفَةِ ٢ / ١٨٩، وَالتَّاجُ وَالإِْكْلِيل ٥ / ٢٦٧، وَالزُّرْقَانِيَّ عَلَى خَلِيلٍ ٦ / ١٢٥.

(٢) تُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ ٧ / ١٠٤، وَأَسْنَى الْمَطَالِبِ ٣ / ٧٥، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٦ / ٣٢٥، وَالإِْنْصَافُ ٦ / ٣٣٦.

(٣) الْمُغْنِي ٩ / ٢٧٩، وَالإِْنْصَافُ ٦ / ٣٣٦ - ٣٣٧.

(٤) الأَْشْبَاهُ وَالنَّظَائِرُ لِلسُّيُوطِيِّ ص ٤٦٨.

(الثَّانِي) لِلْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ إِذَا كَانَ مَأْذُونًا بِالتِّجَارَةِ، فَيَصِحُّ قَبُولُهُ الْوَدِيعَةَ، لأَِنَّهُ مِنْ أَهْل الْحِفْظِ (١) . قَال الْكَاسَانِيُّ: أَلاَ تَرَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْل الْحِفْظِ، لَكَانَ الإِْذْنُ لَهُ سَفَهًا. وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ، فَلاَ يَصِحُّ قَبُول الْوَدِيعَةِ مِنْهُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَحْفَظُ الْمَال عَادَةً، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ مُنِعَ مِنْهُ مَالُهُ. (٢)

وَقَدْ جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (٧٧٦) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّةِ: وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ الْمَأْذُونُ فَيَصِحُّ إِيدَاعُهُ وَقَبُولُهُ الْوَدِيعَةَ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ قَبِل الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ الْوَدِيعَةَ، فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. أَمَّا إِذَا اسْتَهْلَكَهَا، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَوْلُهُمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يَضْمَنُ. (٣)

وَجْهُ قَوْل أَبِي يُوسُفَ أَنَّ إِيدَاعَهُ لَوْ صَحَّ، فَاسْتِهْلاَكُ الْوَدِيعَةِ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ جُعِل كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، فَصَارَ الْحَال بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْحَال قَبْلَهُ، وَلَوِ اسْتَهْلَكَهَا قَبْل الْعَقْدِ

_________

(١) بَدَائِعُ الصَّنَائِعِ ٦ / ٢٠٧ وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةُ ٤ / ٣٣٨، وَشَرْحُ الْمَجَلَّةِ لِلأَْتَاسِيِّ ٣ / ٢٤١.

(٢) الْبَدَائِعُ ٦ / ٢٠٧.

(٣) مَجْمَعُ الأَْنْهُرِ ٢ / ٣٣٨، وَدُرَرُ الْحُكَّامِ ٢ / ٢٢٩، وَشَرْحُ الْمَجَلَّةِ لِلأَْتَاسِيِّ ٣ / ٢٤٢.

لَوَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ.

وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا: أَنَّ إِيدَاعَ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إِهْلاَكٌ لِلْمَال مَعْنًى، فَكَانَ فِعْل الصَّبِيِّ إِهْلاَكَ مَالٍ قَائِمٍ صُورَةً لاَ مَعْنًى، فَلاَ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَدَلاَلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَضَعَ الْمَال فِي يَدِهِ، فَقَدَ وَضَعَهُ فِي يَدِ مَنْ لاَ يَحْفَظُهُ عَادَةً، وَلاَ يَلْزَمُهُ الْحِفْظُ شَرْعًا، وَلاَ شَكَّ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُ الْوَدِيعَةِ شَرْعًا؛ لأَِنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْل وُجُوبِ الشَّرَائِعِ عَلَيْهِ، وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ لاَ يَحْفَظُ الْوَدِيعَةَ عَادَةً، أَنَّهُ مُنِعَ عَنْهُ مَالُهُ، وَلَوْ كَانَ يَحْفَظُ الْمَال عَادَةً لَدُفِعَ إِلَيْهِ، قَال تَعَالَى: (﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾) (١)، وَبِهَذَا فَارَقَ الْمَأْذُونَ؛ لأَِنَّهُ يَحْفَظُ الْمَال عَادَةً، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ دُفِعَ إِلَيْهِ مَالُهُ، وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْحِفْظُ عَادَةً لَكَانَ الدَّفْعُ إِلَيْهِ سَفَهًا. (٢)

(الثَّالِثُ) لاِبْنِ رُشْدٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ يَصِحُّ أَنْ يَتَوَكَّل، فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا لِغَيْرِهِ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ (٣) .

(الرَّابِعُ) لاِبْنِ عَرَفَةَ الْمَالِكِيِّ، وَهُوَ أَنَّ شَرْطَ

_________

(١) سُورَةُ النِّسَاءِ / ٦.

(٢) الْبَدَائِعُ ٦ / ٢٠٧، وَإِيثَارُ الإِْنْصَافِ فِي آثَارِ الْخِلاَفِ لِسِبْطِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ ص ٢٦٥.

(٣) حَاشِيَةُ الْعَدَوِيّ عَلَى كِفَايَةِ الطَّالِبِ الرَّبَّانِيِّ ٢ / ٢٥٣.

الْوَدِيعَةِ بِاعْتِبَارِ جَوَازِ فِعْلِهَا وَقَبُولِهَا حَاجَةُ الْفَاعِل، وَظَنُّ صَوْنِهَا مِنَ الْقَابِل، فَيَجُوزُ أَنْ يُودَعَ الصَّبِيَّ مَا خِيفَ تَلَفُهُ بِيَدِ مَالِكِهِ، كَمَا يَحْصُل عِنْدَ نُزُول بَعْضِ الظَّلَمَةِ بِبَعْضِ الْبِلاَدِ، وَلِقَاءِ الأَْعْرَابِ الْقَوَافِل وَنَحْوِ ذَلِكَ. . إِنْ ظَنَّ الْمُودِعُ صَوْنَهُ بِيَدِ الصَّبِيِّ الْمُسْتَوْدَعِ. (١)

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا:

١٤ - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ عَقْدِ الْوَدِيعَةِ أَنْ يَكُونَ الْوَدِيعُ مُعَيَّنًا وَقْتَ الإِْيجَابِ، فَلَوْ قَال صَاحِبُ الْعَيْنِ لِجَمَاعَةٍ: أَوْدَعْتُ أَحَدَكُمْ هَذِهِ الْعَيْنَ، أَوْ: لِيَحْفَظْ لِي أَحَدُكُمْ هَذِهِ، لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ. (٢)

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ، (٣) جَاءَ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ لاِبْنِ نُجَيْمٍ نَقْلًا عَنِ الْخُلاَصَةِ: لَوْ وَضَعَ كِتَابَهُ عِنْدَ قَوْمٍ، فَذَهَبُوا وَتَرَكُوهُ، ضَمِنُوا إِذَا ضَاعَ، وَإِنْ قَامُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، ضَمِنَ الأَْخِيرُ؛ لأَِنَّهُ تَعَيَّنَ لِلْحِفْظِ،

_________

(١) حَاشِيَةُ الْبُنَانِيِّ عَلَى الزُّرْقَانِيِّ شَرْحُ خَلِيلٍ ٦ / ١١٣، وَمَوَاهِبُ الْجَلِيل ٥ / ٢٥٢.

(٢) شَرْحُ مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ ٢ / ٤٥٠، وَانْظُرِ الْمَادَّةَ (١٣٢٣) مِنْ مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ.

(٣) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةُ ٤ / ٣٣٨، وَمَجْمَعُ الأَْنْهُرِ ٢ / ٣٣٧، وَرَدُّ الْمُحْتَارِ ٤ / ٤٩٤.