الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٢
أَمَّا مَا يُفْرَضُ ظُلْمًا عَلَى النَّاسِ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْكَفَالَةِ بِذَلِكَ، قَال بَعْضُهُمْ: لاَ يَصِحُّ الضَّمَانُ بِهَا؛ لأَِنَّ الْكَفَالَةَ شُرِعَتْ لاِلْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ بِمَا عَلَى الأَْصِيل شَرْعًا، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ هَاهُنَا شَرْعًا، وَقَال بَعْضُهُمْ: يَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا، وَمِمَّنْ يَمِيل إِلَى ذَلِكَ الرَّأْيِ فَخْرُ الإِْسْلاَمِ الْبَزْدَوِيُّ، قَال: وَأَمَّا النَّوَائِبُ فَهِيَ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ مِنْ حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَنُوبُهُ، فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا؛ لأَِنَّهَا دُيُونٌ فِي حُكْمٍ تُوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا، وَالْعِبْرَةُ فِي الْكَفَالَةِ لِلْمُطَالَبَةِ لأَِنَّهَا شُرِعَتْ لاِلْتِزَامِهَا (١) .
هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَقَوَاعِدُ الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى لاَ تَأْبَى هَذَا إِنْ كَانَ بِحَقٍّ.
فَقَدْ قَال الْمَالِكِيَّةُ: يَصِحُّ الضَّمَانُ بِدَيْنٍ لاَزِمٍ أَوْ آيِلٍ إِلَى اللُّزُومِ (٢) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَشْتَرِكُ فِي الْمَضْمُونِ كَوْنُهُ حَقًّا ثَابِتًا حَال الْعَقْدِ، فَلاَ يَصِحُّ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، سَوَاءٌ أَجْرَى سَبَبَ وُجُوبِهِ أَمْ لاَ؛ لأَِنَّ الضَّمَانَ وَثِيقَةٌ بِالْحَقِّ فَلاَ يَسْبِقُهُ كَالشَّهَادَةِ، وَصَحَّحَ فِي الْقَدِيمِ ضَمَانَ مَا سَيَجِبُ لأَِنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إِلَيْهِ.
_________
(١) العناية شرح الهداية مع فتح القدير ٦ / ٣٣٢
(٢) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٣٣
كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَضْمُونِ كَوْنُهُ مَعْلُومًا جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً وَعَيْنًا فِي الْجَدِيدِ؛ لأَِنَّهُ إِثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ لآِدَمِيٍّ بِعَقْدٍ، فَلاَ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَجْهُول، وَلاَ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ.
وَصَحَّحَهُ فِي الْقَدِيمِ بِشَرْطِ أَنْ تَتَأَتَّى الإِْحَاطَةُ بِهِ، لأَِنَّ مَعْرِفَتَهُ مُتَيَسِّرَةٌ (١) .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَجْهُول، وَضَمَانُ كُل حَقٍّ مِنَ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ الْوَاجِبَةِ، أَوِ الَّتِي تَؤُول إِلَى الْوُجُوبِ (٢) .
(ر: كَفَالَةُ ف ٢٣) .
د - التَّعَاوُنُ عَلَى أَدَاءِ النَّوَائِبِ:
٨ - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ مَنْ قَامَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْقِسْطِ وَالْعَدَالَةِ كَانَ مَأْجُورًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الَّذِي يَأْخُذُ الْمَال بَاطِلًا (٣) .
وَجَاءَ فِي فَتْحِ الْعَلِيِّ الْمَالِكِ: سُئِل أَبُو مُحَمَّدٍ عَمَّنْ رَمَى عَلَيْهِمُ السُّلْطَانُ مَالًا،
_________
(١) مغني المحتاج ٢ / ٢٠٠، والقليوبي ٢ / ٣٢٥ - ٣٢٦
(٢) المغني ٤ / ٥٩٢ و٥٩٣
(٣) العناية بهامش فتح القدير ٦ / ٣٣٢، وحاشية ابن عابدين ٢ / ٢٨٢
فَيَتَعَاوَنُ النَّاسُ فِي جَمْعِهِ عَلَى وَجْهِ الإِْنْصَافِ، فَقَال: نَعَمْ هَذَا مِمَّا يُصْلِحُهُمْ إِذَا خَافُوا وَهَذِهِ ضَرُورَةٌ.
وَسُئِل أَبُو عِمْرَانَ قِيل لَهُ: رَجُلٌ يَكُونُ فِي قَوْمٍ تَحْتَ سُلْطَانٍ غَالِبٍ يَرْسُمُ عَلَيْهِمُ الْغُرْمَ، وَيَكُونُ فِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ مَقَامٌ لاَ يُؤَدِّي مَعَهُمْ، فَقَال: الصَّوَابُ أَنْ يُؤَدِّيَ مَعَهُمْ وَيُعِينَهُمْ إِذَا كَانُوا إِنَّمَا يُؤَدُّونَ مَخَافَةَ مَا يَنْزِل بِهِمْ، قَال: وَلاَ يَبْلُغُ بِهِمْ مَبْلَغَ الإِْثْمِ إِنْ تَرَكَ ذَلِكَ وَعُوفِيَ، وَلَكِنَّ هَذَا الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَل (١) .
وَسُئِل أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ عَنِ الْعَامِل إِذَا رَمَى عَلَى قَوْمٍ دَنَانِيرَ، وَهُمْ أَهْل قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَال لَهُمُ: ائْتُونِي بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَلَمْ يُوَزِّعْهَا عَلَيْهِمْ، فَهَل لَهُمْ سَعَةٌ فِي تَوْزِيعِهَا بَيْنَهُمْ، وَهُمْ لاَ يَجِدُونَ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا؟ وَهَل يُوَزِّعُونَهَا عَلَى قَدْرِ الأَْمْوَال أَوْ عَدَدِ الرُّءُوسِ؟ وَهَل لِمَنْ أَرَادَ الْهُرُوبَ حِينَئِذٍ وَيَرْجِعُ بَعْدَ ذَلِكَ سَعَةٌ، وَيَعْلَمُ أَنَّ حَمْلَهُ يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ؟ وَهَل لَهُ سُؤَال الْعَامِل فِي تَرْكِهِ أَمْ لاَ؟ وَهَل يَقُولُونَ لِلْعَامِل: اجْعَل لَنَا مِنْ قِبَلِكَ مَنْ يُوَزِّعُهَا، وَإِنْ فَعَلُوا خَافُوا أَيْضًا أَنْ يَطْلُبَهُمْ؟ وَهَل تَرَى الشِّرَاءَ لِشَيْءٍ مِنْ هَؤُلاَءِ لِشَيْءٍ يَبِيعُونَهُ مِنْ أَجْل مَا رَمَى عَلَيْهِمْ أَوْ يَتَسَلَّفُونَهُ وَهُمْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَعْوَانٌ،
_________
(١) فتح العلي المالك ٢ / ١٨٦
إِلاَّ أَنَّهُمْ إِنْ أَبْطَئُوا بِالْمَال أَتَتْهُمُ الأَْعْوَانُ؟ فَقَال: إِنْ أَجْمَعُوا عَلَى تَوْزِيعِهِ بِرِضًى مِنْهُمْ وَلَيْسَ فِيهِمْ طِفْلٌ وَلاَ مَوْلًى عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ، فَإِنِ اخْتَلَفُوا فَلاَ يَتَكَلَّفُ السَّائِل مِنْ هَذَا شَيْئًا، وَلْيُؤَدِّ مَا جُعِل عَلَيْهِ، وَتَوْزِيعُهُمْ إِيَّاهُ عَلَى مَا جَعَلَهُ السُّلْطَانُ عَلَيْهِمْ إِمَّا عَلَى الأَْمْوَال أَوِ الرُّءُوسِ، وَمَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ، وَأَمَّا تَسَبُّبُهُ فِي سَلاَمَتِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَلاَ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ عِنْدِي إِلاَّ أَنْ يَسْأَل أَنْ يُعَافَى مِنَ الْمَغْرَمِ قَبْل أَنْ يَنْفُذَ فِيهِ الأَْمْرُ.
وَأَمَّا بَيْعُ هَؤُلاَءِ لِعُرُوضِهِمْ: فَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ أَخَذُوا بِذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ الشِّرَاءُ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ قَبْل الأَْخْذِ بِذَلِكَ فَلاَ بَأْسَ بِالشِّرَاءِ مِنْهُمْ حِينَئِذٍ، وَمَا تَسَلَّفُوهُ فِي حَال الضَّغْطَةِ فَلِمَنْ أَسْلَفَهُمُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ اخْتِلاَفٌ وَهَذَا اخْتِيَارُهُ. قَال الْبَرْزَلِيُّ: وَهَذَا وَاضِحٌ إِنْ تَعَرَّضَ السُّلْطَانُ فَجَعَلَهَا عَلَى الرُّءُوسِ أَوِ الأَْمْوَال (١) .
وَقَال ابْنُ تَيْمِيَةَ: لَوْ وُضِعَتْ مَظْلَمَةٌ عَلَى أَهْل قَرْيَةٍ أَوْ دَرْبٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ مَدِينَةٍ، فَتَوَسَّطَ رَجُلٌ مُحْسِنٌ فِي الدَّفْعِ عَنْهُمْ بِغَايَةِ الإِْمْكَانِ وَقَسَّطَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ لِنَفْسِهِ وَلاَ لِغَيْرِهِ وَلاَ ارْتِشَاءٍ، بَل تَوَكَّل لَهُمْ فِي
_________
(١) فتح العلي المالك ٢ / ١٨٥، ١٨٦
الدَّفْعِ عَنْهُمْ وَالإِْعْطَاءِ كَانَ مُحْسِنًا (١) .
هـ - رُجُوعُ مُؤَدِّي النَّوَائِبِ عَلَى مَنْ أَدَّى عَنْهُ: ٩ - لَوْ أَدَّى أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الَّذِينَ فُرِضَتْ عَلَيْهِمُ الأَْمْوَال، فَهَل لَهُ الْحَقُّ فِي أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَدَّى أَمْ يُعْتَبَرُ مُتَبَرِّعًا؟
قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ مَنْ قَضَى نَائِبَةَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الرُّجُوعِ اسْتِحْسَانًا بِمَنْزِلَةِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ.
قَال شَمْسُ الأَْئِمَّةِ: هَذَا إِذَا أَمَرَهُ بِهِ لاَ عَنْ إِكْرَاهٍ، أَمَّا إِذَا كَانَ مُكْرَهًا فِي الأَْمْرِ فَلاَ يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ فِي الرُّجُوعِ.
وَقَالُوا: لَوْ أَخَذَتِ النَّوَائِبُ مِنَ الأَْكَّارِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى مَالِكِ الأَْرْضِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ قَال لِرَجُلٍ: خَلِّصْنِي مِنْ مُصَادَرَةِ الْوَالِي، أَوْ قَال الأَْسِيرُ ذَلِكَ، فَخَلَّصَهُ رَجَعَ بِلاَ شَرْطٍ عَلَى الصَّحِيحِ (٢) .
وَقَال الشَّيْخُ عُلَيْشٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: سُئِل سُحْنُونٌ عَنْ رُفْقَةٍ مِنْ بِلاَدِ السُّودَانِ يُؤْخَذُونَ بِمَالٍ فِي الطَّرِيقِ لاَ يَنْفَكُّونَ عَنْهُ، فَتُوَلَّى دَفْعَ
_________
(١) السياسة الشرعية لابن تيمية ص ٥٥ ط دار الكتاب العربي
(٢) العناية بهامش فتح القدير ٦ / ٣٣٢، وحاشية ابن عابدين ٢ / ٢٨٢ - ٢٨٣
ذَلِكَ بَعْضُهُمْ مِنْ مَالِهِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَاقِينَ بِمَا يَخُصُّهُمْ، فَهَل لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ؟ فَقَال: نَعَمْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ؛ لأَِنَّهُمْ لاَ يَجِدُونَ الْخَلاَصَ إِلاَّ بِذَلِكَ، وَهِيَ ضَرُورَةٌ لاَ بُدَّ لَهُمْ مِنْهَا، وَأَرَاهُ جَائِزًا، قَال الْبَرْزَلِيُّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ فَدَى مَالًا مِنْ أَيْدِي اللُّصُوصِ، وَالصَّحِيحُ لُزُومُهُمْ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَتَخَلَّصُوا إِلاَّ هَكَذَا، وَذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ أَمْوَالِهِمْ، كَالْخِفَارَةِ عَلَى الزَّرْعِ وَالْغَلاَّتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ أَنَّهُ عَلَى عَدَدِ الأَْحْمَال لاَ عَلَى قِيمَتِهَا، وَيُعَلِّل ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى كَشْفِ أَحْوَال النَّاسِ وَيُخَافُ عَلَى مَنْ حَمَلَهُ غَالٍ مِنْ إِجَاحَتِهِ، أَيْ إِجَاحَتِهِ فِي الطَّرِيقِ، قَال الْبَرْزَلِيُّ: وَقَدِ اخْتَرْتُهُ أَنَا حِينَ قَفَلْنَا مِنَ الْحَجِّ بِبِلاَدِ بَرْقَةَ ضَرَبْنَا الْخِفَارَة مَرَّةً عَلَى عَدَدِ الأَْحْمَال وَمَرَّةً عَلَى عَدَدِ الإِْبِل؛ لأَِنَّهُ كَانَ خَلَطَ عَلَيْنَا أَعْرَابٌ إِفْرِيقِيَّةٌ، فَعَمِلْنَا عَلَى عَدَدِ الإِْبِل خَاصَّةً لَمَّا خِفْتُ عَلَى مَنْ بِيَدِهِ شَيْءٌ غَالٍ فِي الرُّفْقَةِ أَنْ يُسْرَقَ لَهُ أَوْ يُجَاحَ قَصْدًا، وَإِنَّهُ لَحَسَنٌ مِنَ الْفَتْوَى إِذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ قَلِيلًا، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا جِدًّا فَيَتَرَجَّحُ فِيهِ اعْتِبَارُ الأَْمْوَال، وَالأَْوْلَى أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَى مَا يَحْسُنُ يُزَادُ بَعْضُ شَيْءٍ عَلَى مَنْ رَحْلُهُ غَالٍ (١) .
_________
(١) فتح العلي المالك ٢ / ١٨٦، ١٨٧
نَوَافِل
انْظُرْ: تَطَوُّعٌ، نَفْلٌ.
نَوَاقِضُ
انْظُرْ: وُضُوءٌ.
نَوْعٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - النَّوْعُ فِي اللُّغَةِ: الصِّنْفُ، يُقَال: تَنَوَّعَ الشَّيْءُ أَنْوَاعًا، وَنَوَّعْتُهُ تَنْوِيعًا: جَعَلْتُهُ أَنْوَاعًا مُنَوَّعَةً (١) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: قَال الْجُرْجَانِيُّ: هُوَ اسْمٌ دَالٌّ عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مُخْتَلِفَةٍ بِالأَْشْخَاصِ (٢) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْجِنْسُ:
٢ - الْجِنْسُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الضَّرْبُ مِنْ كُل شَيْءٍ، وَالْجَمْعُ أَجْنَاسٌ (٣) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: قَال الْجُرْجَانِيُّ: هُوَ اسْمٌ دَالٌّ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِأَنْوَاعٍ (٤)، وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ النَّوْعِ وَالْجِنْسِ: أَنَّ الْجِنْسَ أَعَمُّ مِنَ النَّوْعِ.
_________
(١) لسان العرب
(٢) التعريفات للجرجاني
(٣) المصباح المنير، ولسان العرب
(٤) التعريفات للجرجاني
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنَّوْعِ:
٣ - يَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ لَفْظَ " نَوْعٍ " فِي كَثِيرٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، مِنْ أَهَمِّهَا بَابُ الزَّكَاةِ، أَمَّا مَقَادِيرُ زَكَاةِ كُل نَوْعٍ وَأَنْصِبَتُهَا فَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (زَكَاة ف ٣٨ وَمَا بَعْدَهَا) . وَيَظْهَرُ أَثَرُ النَّوْعِ فِي مَقَادِيرِ الزَّكَاةِ وَاتِّحَادِ النَّوْعِ وَاخْتِلاَفِهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
اتِّحَادُ النَّوْعِ أَوِ اخْتِلاَفُهُ فِي الْمَاشِيَةِ:
٤ - نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَا يَلِي:
أ - إِنِ اتَّحَدَ النَّوْعُ الزَّكَوِيُّ بِأَنْ كَانَ إِبِلُهُ كُلُّهَا أَرْحَبِيَّةً - أَوْ مَهْرِيَّةً مَحْضَةً - أَوْ كَانَتْ بَقْرُهُ كُلُّهَا جَوَامِيسَ أَوْ عِرَابًا، أَوْ كَانَ غَنَمُهُ كُلُّهَا مَعْزًا، أَوْ ضَأْنًا: أُخِذَتِ الزَّكَاةُ مِنْ نَفْسِ النَّوْعِ اتِّفَاقًا.
وَيَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يُخْرِجَ عَنِ الضَّأْنِ مَعْزًا وَالْعَكْسُ، وَعَنِ الأَْرْحَبِيَّةِ مِنَ الإِْبِل مَهْرِيَّةً وَبِالْعَكْسِ، وَعَنِ الْجَوَامِيسِ بَقَرًا (عِرَابًا) وَبِالْعَكْسِ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مَعَ رِعَايَةِ الْقِيمَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْمُخْرَجِ تُسَاوِي مَا وَجَبَ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ إِلاَّ مِنْ نَفْسِ النَّوْعِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَهُوَ مُقَابِل
الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْل الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْل ابْنِ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ عِنْدِ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ أَخْذُ الضَّأْنِ عَنِ الْمَعْزِ لأَِنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَخْذُ الْمَعْزِ عَنِ الضَّأْنِ (١) .
ب - وَإِنِ اخْتَلَفَ النَّوْعُ كَضَأْنٍ وَمَعْزٍ فِي الْغَنَمِ، وَأَرْحَبِيَّةٍ وَمَهْرِيَّةٍ فِي الإِْبِل، عِرَابٍ وَجَوَامِيسَ فِي الْبَقَرِ فَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَوْل الأَْظْهَرِ: أَنَّ الْمَالِكَ يُخْرِجُ مَا يَشَاءُ مُقَسِّطًا عَلَيْهِمَا بِالْقِيمَةِ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ (٢) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَجِبُ ضَمُّ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ لِتَكْمِيل النِّصَابِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ. ثُمَّ تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ أَغْلَبِهَا إِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِنْ تَسَاوَتْ فَمِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ يُؤْخَذُ أَعْلَى الأَْدْنَى أَوْ أَدْنَى الأَْعْلَى، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُؤْخَذُ الأَْغْبَطُ فِيهِمَا (٣) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (زَكَاة
_________
(١) حاشية ابن عابدين ٢ / ١٩، والدسوقي ١ / ٤٣٥، ومغني المحتاج ١ / ٣٧٤، وكشاف القناع ١ / ١٩٣، والمغني ٢ / ٥٨٣، وشرح الزرقاني ٢ / ١١٩
(٢) مغني المحتاج ١ / ٣٧٤، ٣٧٥، والمحلى شرح المنهاج ٢ / ٩، ١٠، وكشاف القناع ٢ / ١٩٣
(٣) تبيين الحقائق ١ / ٢٦٣، ومغني المحتاج ١ / ٣٧٤ - ٣٧٥، والمحلى شرح المنهاج ٢ / ٩، ١٠