الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤١
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ دَمُ النِّفَاسِ قَبْل طُهْرٍ تَامٍّ تَلْفِقُ مِنْ أَيَّامِ الدَّمِ سِتِّينَ يَوْمًا، وَتُلْغِي أَيَّامَ الاِنْقِطَاعِ، وَتَغْتَسِل كُلَّمَا انْقَطَعَ، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ (١) .
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا إِذَا رَأَتِ النَّقَاءَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فَهُوَ نِفَاسٌ، كَمَا لَوْ تَخَلَّل بَيْنَهُمَا دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الإِْمْكَانِ.
وَفِي النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّل عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلاَنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ طُهْرٌ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ نِفَاسٌ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (٢) .
أَمَّا إِذَا لَمْ تَبْلُغْ مُدَّةُ النَّقَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا: فَإِمَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ التَّقَطُّعُ سِتِّينَ يَوْمًا، أَوْ لاَ، فَإِذَا لَمْ يَتَجَاوَزْهَا نُظِرَ: فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مُدَّةُ النَّقَاءِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ أَقَل الطُّهْرِ بِأَنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً، فَأَزْمِنَةُ الدَّمِ نِفَاسٌ قَطْعًا، وَفِي النَّقَاءِ الْقَوْلاَنِ - كَالْحَيْضِ (٣) .
الأَْوَّل: أَنَّهُ نِفَاسٌ، وَيُسَمَّى قَوْل السَّحْبِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ النَّقَاءَ طُهْرٌ؛ لأَِنَّ الدَّمَ إِذَا دَل عَلَى النِّفَاسِ وَجَبَ أَنْ يَدُل النَّقَاءُ عَلَى الطُّهْرِ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِقَوْل اللَّقْطِ، وَقَوْل التَّلْفِيقِ (٤) .
_________
(١) الْخُرَشِيُّ ١ / ٢١٠.
(٢) الْمَجْمُوعُ ٢ / ٥٢٨.
(٣) رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ١ / ١٧٨.
(٤) مُغْنِي الْمُحْتَاجِ ١ / ١١٩ بِتَصَرُّفٍ.
وَإِنْ جَاوَزَ التَّقَطُّعُ سِتِّينَ يَوْمًا: فَإِمَّا أَنْ يَبْلُغَ النَّقَاءُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَمْ لاَ، فَإِنْ بَلَغَ زَمَنُ النَّقَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ جَاوَزَ الْعَائِدَ فَالْعَائِدُ حَيْضٌ بِلاَ خِلاَفٍ، وَالنَّقَاءُ قَبْلَهُ طُهْرٌ.
وَإِنْ لَمْ يَبْلُغِ النَّقَاءُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً رُدَّتْ إِلَى التَّمْيِيزِ، وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدِأَةً فَهَل تُرَدُّ إِلَى أَقَل النِّفَاسِ أَمْ غَالِبِهِ؟ فِيهِ خِلاَفٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً رُدَّتْ إِلَى الْعَادَةِ، وَفِي الأَْحْوَال كُلِّهَا يُرَاعَى التَّلْفِيقُ، فَإِنْ سَحَبْنَا فَالدِّمَاءُ فِي أَيَّامِ الْمَرَدِّ مَعَ النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّل نِفَاسٌ، وَإِنْ لَفَّقْنَا فَلاَ يَخْفَى حُكْمُهُ، وَهَل يُلَفَّقُ مِنَ الْعَادَةِ أَمْ مِنْ مُدَّةِ الإِْمْكَانِ وَهِيَ السِّتُّونَ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي فَصْل التَّلْفِيقِ (١) .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ: أَنَّ عَوْدَةَ الدَّمِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ فِي مُدَّةِ الأَْرْبَعِينَ مَشْكُوكٌ فِي كَوْنِهِ دَمَ نِفَاسٍ أَوْ دَمَ فَسَادٍ؛ لأَِنَّهُ تَعَارَضَ فِيهِ الأَْمَارَتَانِ، كَمَا إِذَا لَمْ تَرَ الدَّمَ مَعَ الْوِلاَدَةِ ثُمَّ رَأَتْهُ فِي الْمُدَّةِ، أَيْ فِي الأَْرْبَعِينَ، فَمَشْكُوكٌ فِيهِ، فَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتَقْضِي صَوْمَ الْفَرْضِ، وَلاَ يَأْتِيهَا فِي الْفَرْجِ زَمَنَ هَذَا الدَّمِ (٢) .
مُجَاوَزَةُ الدَّمِ أَكْثَرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ:
١٠ - لِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ الدَّمِ الَّذِي يَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ النِّفَاسِ:
_________
(١) الْمَرْجِعُ السَّابِقُ نَفْسُهُ.
(٢) كَشَّافُ الْقِنَاعِ ١ / ٢٢٠.
فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْمُبْتَدِأَةِ بِالْحَبَل، وَبَيْنَ مَنْ لَهَا عَادَةٌ فِي النِّفَاسِ:
فَأَمَّا الْمُبْتَدِأَةُ بِالْحَبَل - وَهِيَ الَّتِي حَبِلَتْ مِنْ زَوْجِهَا قَبْل أَنْ تَحِيضَ - إِذَا وَلَدَتْ فَرَأَتِ الدَّمَ زِيَادَةً عَلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ؛ لأَِنَّ الأَْرْبَعِينَ لِلنُّفَسَاءِ كَالْعَشَرَةِ لِلْحَيْضِ، ثُمَّ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ فِي الْحَيْضِ اسْتِحَاضَةٌ، فَكَذَا الزِّيَادَةُ عَلَى الأَْرْبَعِينَ فِي النِّفَاسِ.
وَأَمَّا صَاحِبَةُ الْعَادَةِ فِي النِّفَاسِ إِذَا رَأَتْ زِيَادَةً عَلَى عَادَتِهَا: فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَرْبَعِينَ فَالزِّيَادَةُ اسْتِحَاضَةٌ؛ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ الأَْرْبَعِينَ فَمَا زَادَ يَكُونُ نِفَاسًا إِلَى الأَْرْبَعِينَ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الأَْرْبَعِينَ تُرَدُّ إِلَى عَادَتِهَا، فَتَكُونُ عَادَتُهَا نِفَاسًا، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا يَكُونُ اسْتِحَاضَةً (١) .
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَيَرَوْنَ أَنَّ دَمَ النِّفَاسِ إِنْ زَادَ عَنِ السِّتِّينَ يَوْمًا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ فِي الزِّيَادَةِ، خِلاَفًا لِمَا فِي الإِْرْشَادِ، فَإِنَّهَا تُعَوِّل عَلَى عَادَتِهِ (٢) .
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ: فَقَدْ جَاءَ فِي الْمَجْمُوعِ: إِذَا عَبَرَ دَمُ النُّفَسَاءِ السِّتِّينَ فَفِيهِ طَرِيقَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَالْحَيْضِ إِذَا عَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فِي الرَّدِّ إِلَى التَّمْيِيزِ إِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً أَوِ الْعَادَةِ إِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، أَوِ الأَْقَل أَوِ الْغَالِبِ إِنْ
_________
(١) بَدَائِعُ الصَّنَائِعِ ١ / ٤٢، ٤٣.
(٢) الْخُرَشِيُّ ١ / ٢١٠.
كَانَتْ مُبْتَدِأَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي - حَكَاهُ الْمَحَامِلِيُّ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَالْمُتَوَلِّي، وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَآخَرُونَ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ - أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلاَثَةَ أَوْجُهٍ:
أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ كَالطَّرِيقِ الأَْوَّل.
وَالثَّانِي: أَنَّ السِّتِّينَ كُلَّهَا نِفَاسٌ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ اسْتِحَاضَةٌ، وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الْقَاصِّ فِي الْمِفْتَاحِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ، حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْهُ، قَال الْمَاوَرْدِيُّ: قَالَهُ الْمُزَنِيُّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيْضِ بِأَنَّ الْحَيْضَ مَحْكُومٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ وَلَيْسَ مَقْطُوعًا بِهِ، فَجَازَ أَنْ يَنْتَقِل عَنْهُ إِلَى ظَاهِرٍ آخَرَ، وَالنِّفَاسُ مَقْطُوعٌ بِهِ، فَلاَ يَنْتَقِل عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ إِلاَّ بِيَقِينٍ، وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الأَْكْثَرِ، قَال الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا الْقَائِل يَجْعَل الزَّائِدَ اسْتِحَاضَةً إِلَى تَمَامِ طُهْرِهَا الْمُعْتَادِ إِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً أَوِ الْمَرْدُودِ إِلَيْهِ إِنْ كَانَتْ مُبْتَدِأَةً ثُمَّ مَا بَعْدَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ السِّتِّينَ نِفَاسٌ، وَالَّذِي بَعْدَهُ حَيْضٌ عَلَى الاِتِّصَال بِهِ؛ لأَِنَّهُمَا دَمَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَجَازَ أَنْ يَتَّصِل أَحَدُهُمَا بِالآْخَرِ (١) .
_________
(١) الْمَجْمُوعُ ٢ / ٥٣٠.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ جَاوَزَ الدَّمُ الأَْرْبَعِينَ وَصَادَفَ عَادَةَ حَيْضِهَا وَلَمْ يَزِدْ عَنْ عَادَتِهَا فَالْمُجَاوِزُ حَيْضٌ؛ لأَِنَّهُ فِي عَادَتِهَا أَشْبَهُ مَا لَوْ لَمْ يَتَّصِل بِنِفَاسٍ، أَوْ زَادَ الدَّمُ عَنِ الْعَادَةِ وَتَكَرَّرَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَهُوَ حَيْضٌ؛ لأَِنَّهُ دَمٌ مُتَكَرِّرٌ صَالِحٌ لِلْحَيْضِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ نِفَاسٌ.
وَإِلاَّ بِأَنْ زَادَ وَلَمْ يَتَكَرَّرْ، أَوْ جَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَتَكَرَّرَ أَوَّلًا، أَوْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةَ حَيْضٍ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ إِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَصْلُحُ حَيْضًا وَلاَ نِفَاسًا، فَإِنْ تَكَرَّرَ وَصَلَحَ حَيْضًا فَحَيْضٌ، وَعِنْدَهُمْ لاَ تَدْخُل اسْتِحَاضَةٌ فِي مُدَّةِ نِفَاسٍ، كَمَا لاَ تَدْخُل فِي مُدَّةِ حَيْضٍ؛ لأَِنَّ الْحُكْمَ لِلأَْقْوَى (١) .
النِّفَاسُ فِي وِلاَدَةِ التَّوْأَمَيْنِ:
١١ - التَّوْأَمَانِ: هُمَا الْوَلَدَانِ اللَّذَانِ بَيْنَ وِلاَدَتِهِمَا أَقَل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ تَجَاوَزَ مَا بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَهُمَا حَمْلاَنِ وَنِفَاسَانِ بِلاَ خِلاَفٍ (٢) .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ بِدَايَةِ النِّفَاسِ فِي وِلاَدَةِ التَّوْأَمَيْنِ - إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ - وَفِي حُكْمِ الدَّمِ النَّازِل بَيْنَهُمَا، وَالدَّمِ النَّازِل بَعْدَ الثَّانِي، إِلَى ثَلاَثَةِ آرَاءٍ:
_________
(١) شَرْحُ مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ ١ / ١١٦.
(٢) الْمَجْمُوعُ ٢ / ٥٢٦.
١٢ - الرَّأْيُ الأَْوَّل: يَرَى أَنَّ نِفَاسَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مَا خَرَجَ عَقِبَ الْوَلَدِ الأَْوَّل، وَهُوَ رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَوَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَلِلْقَائِلِينَ بِذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
قَال الْحَنَفِيَّةُ: بِنَاءً عَلَى رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ أَنَّ نِفَاسَهَا مِنَ الْوَلَدِ الأَْوَّل؛ وَذَلِكَ لأَِنَّهُمَا تَوْأَمَانِ، وَدَمُ النِّفَاسِ وَهُوَ الْفَاضِل عَنْ غِذَاءِ الْوَلَدِ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ الْمَمْنُوعِ خُرُوجُهُ بِانْسِدَادِ فَمِ الرَّحِمِ بِالْحَبَل، وَبِالْوَلَدِ الأَْوَّل ظَهَرَ انْفِتَاحُهُ، فَظَهَرَ أَنَّ الْخَارِجَ هُوَ ذَاكَ الَّذِي كَانَ مَمْنُوعًا، وَقَدْ حَكَمَ الشَّرْعُ بِأَنَّ مَا كَانَ مِنْهُ يَنْتَهِي بِأَرْبَعِينَ، حَتَّى لَوْ زَادَ اسْتِمْرَارُ الدَّمِ عَلَيْهَا فِي الْوَلَدِ الْوَاحِدِ حُكِمَ بِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَيَلْزَمُ أَنَّ الْخَارِجَ بَعْدَ الثَّانِي بَعْدَ الأَْرْبَعِينَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ اسْتِحَاضَةٌ (١) .
كَمَا بَيَّنُوا أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ عَادَتُهَا عِشْرِينَ فَرَأَتْ بَعْدَ الأَْوَّل عِشْرِينَ، وَبَعْدَ الثَّانِي أَحَدًا وَعِشْرِينَ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: الْعِشْرُونَ الأُْولَى نِفَاسٌ، وَمَا بَعْدَ الْوَلَدِ الثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ.
كَمَا قَالُوا: إِنَّهُ لَوْ وَلَدَتْ ثَلاَثَةَ أَوْلاَدٍ، بَيْنَ الأَْوَّل وَالثَّانِي أَقَل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَكَذَا بَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَلَكِنْ بَيْنَ الأَْوَّل وَالثَّالِثِ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُجْعَل حَمْلًا وَاحِدًا (٢) .
_________
(١) فَتْحُ الْقَدِيرِ ١ / ١٦٧.
(٢) الْبَحْرُ الرَّائِقُ ١ / ٢٣١.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَبْدَأُ النِّفَاسُ مِنَ الأَْوَّل إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَل مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا، فَتَبْنِي بَعْدَ وَضْعِ الثَّانِي عَلَى مَا مَضَى مِنَ الأَْوَّل. هَذَا إِذَا لَمْ يَحْصُل لَهَا نَقَاءٌ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِنْ حَصَل لَهَا نَقَاءٌ، ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ، فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ لَهُ نِفَاسًا لاِنْقِطَاعِ حُكْمِ النِّفَاسُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ.
فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتُّونَ فَأَكْثَرَ فَنِفَاسَانِ.
وَتَقَطُّعُ دَمِ النِّفَاسِ قَبْل طُهْرٍ تَامٍّ كَتَقَطُّعِ دَمِ الْحَيْضِ، فَتُلَفِّقُ مِنْ أَيَّامِ الدَّمِ سِتِّينَ يَوْمًا وَتُلْغِي أَيَّامَ الاِنْقِطَاعِ، وَتَغْتَسِل كُلَّمَا انْقَطَعَ، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ.
وَمَحَل التَّلْفِيقِ مَا لَمْ يَأْتِ الدَّمُ بَعْدَ طُهْرٍ تَامٍّ وَإِلاَّ كَانَ حَيْضًا (١) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُعْتَبَرُ النِّفَاسُ مِنَ الْوَلَدِ الأَْوَّل؛ لأَِنَّهُ دَمٌ يَعْقُبُ الْوِلاَدَةَ فَاعْتُبِرَتِ الْمُدَّةُ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ وَحْدَهُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُمَا - الدَّمَيْنِ - نِفَاسٌ وَاحِدٌ، ابْتِدَاؤُهُ مِنْ خُرُوجِ الْوَلَدِ الأَْوَّل، فَإِنْ زَادَ مَجْمُوعُهُمَا عَلَى سِتِّينَ يَوْمًا فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَإِنْ وَضَعَتِ الثَّانِيَ بَعْدَ مُضِيِّ سِتِّينَ يَوْمًا فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَإِنْ وَضَعَتِ الثَّانِيَ بَعْدَ مُضِيِّ سِتِّينَ يَوْمًا مِنْ حِينِ وَضَعَتِ الأَْوَّل، قَال جَمَاعَةٌ: كَانَ مَا رَأَتْهُ بَعْدَ الثَّانِي دَمَ فَسَادٍ، وَلَيْسَ بِنِفَاسٍ (٢) .
_________
(١) حَاشِيَةُ الْخُرَشِيُّ ١ / ٢١٠.
(٢) الْمَجْمُوعُ ٢ / ٥٢٦.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ فَأَكْثَرَ فَأَوَّل النِّفَاسِ وَآخِرُهُ مِنِ ابْتِدَاءِ خُرُوجِ بَعْضِ الأَْوَّل فِي الْمَذْهَبِ كَمَا قَال الْمِرْدَاوِيُّ، لأَِنَّهُ دَمٌ خَرَجَ عَقِبَ الْوِلاَدَةِ، فَكَانَ نِفَاسًا وَاحِدًا كَحَمْلٍ وَاحِدٍ وَوَضْعِهِ، فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ فَأَكْثَرَ فَلاَ نِفَاسَ لِلثَّانِي نَصًّا؛ لأَِنَّ الْوَلَدَ الثَّانِيَ تَبَعٌ لِلأَْوَّل، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي آخِرِ النِّفَاسِ كَأَوَّلِهِ، بَل مَا خَرَجَ مَعَ الْوَلَدِ الثَّانِي بَعْدَ الأَْرْبَعِينَ مِنَ الأَْوَّل دَمُ فَسَادٍ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَصْلُحُ حَيْضًا وَلاَ نِفَاسًا (١) .
١٣ - الرَّأْيُ الثَّانِي: يَرَى أَنَّ النِّفَاسَ يَبْدَأُ مِنَ الْوَلَدِ الأَْخِيرِ:
وَهُوَ قَوْل مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَصَحُّ الأَْوْجُهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (٢) .
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النِّفَاسَ يَتَعَلَّقُ بِوَضْعِ مَا فِي الْبَطْنِ، فَيَتَعَلَّقُ بِالْوَلَدِ الأَْخِيرِ كَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَهَذَا لأَِنَّهَا بَعْدُ حُبْلَى، وَكَمَا لاَ يُتَصَوَّرُ انْقِضَاءُ عِدَّةِ الْحَمْل بِدُونِ وَضْعِ الْحَمْل، لاَ يُتَصَوَّرُ وُجُودُ النِّفَاسِ مِنَ الْحُبْلَى؛ لأَِنَّ النِّفَاسَ بِمَنْزِلَةِ الْحَيْضِ، وَلأَِنَّ النِّفَاسَ مَأْخُوذٌ مِنْ تَنَفُّسِ الرَّحِمِ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ عَلَى الْكَمَال إِلاَّ بِوَضْعِ الْوَلَدِ الثَّانِي، فَكَانَ الْمَوْجُودُ قَبْل وَضْعِ الثَّانِي نِفَاسًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَلاَ تَسْقُطُ الصَّلاَةُ
_________
(١) كَشَّافُ الْقِنَاعِ ١ / ٢٢٠، وَالإِْنْصَافُ ١ / ٣٨٦.
(٢) بَدَائِعُ الصَّنَائِعِ ١ / ٤٣، وَالْمَجْمُوعُ ٢ / ٥٢٦، وَالْمُغْنِي ١ / ٣٥٠، وَالإِْنْصَافُ ١ / ٣٨٦.
عَنْهَا بِالشَّكِّ، كَمَا إِذَا وَلَدَتْ وَلَدًا وَاحِدًا وَخَرَجَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ (١) .
وَأَضَافَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ عَادَتُهَا عِشْرِينَ، فَرَأَتْ بَعْدَ الأَْوَّل عِشْرِينَ، وَبَعْدَ الثَّانِي وَاحِدًا وَعِشْرِينَ - أَنَّ الْعِشْرِينَ الأُْولَى تَكُونُ اسْتِحَاضَةً تَصُومُ وَتُصَلِّي مَعَهَا، وَمَا بَعْدَ الثَّانِي نِفَاسٌ (٢) .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ: يُعْتَبَرُ النِّفَاسُ مِنَ الْوَلَدِ الثَّانِي؛ لأَِنَّهُ مَا دَامَ مَعَهَا حَمْلٌ فَالدَّمُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ كَالدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ قَبْل الْوِلاَدَةِ، قَال النَّوَوِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ الأَْوْجُهِ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، وَأَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ، وَالْبَغَوِيِّ، وَالرُّويَانِيِّ، وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْخُرَاسَانِيِّينَ.
وَيَتَفَرَّعُ عَنْ هَذَا الْوَجْهِ: أَنَّ فِي حُكْمِ الدَّمِ الَّذِي بَيْنَهُمَا ثَلاَثَةَ طُرُقٍ أَصَحُّهَا - وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ -: فِيهِ الْقَوْلاَنِ فِي دَمِ الْحَامِل
أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ حَيْضٌ. وَالثَّانِي: دَمُ فَسَادٍ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِأَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ كَالَّذِي تَرَاهُ فِي مَبَادِئِ خُرُوجِ الْوَلَدِ، وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ.
وَالثَّالِثُ: الْقَطْعُ بِأَنَّهُ حَيْضٌ؛ لأَِنَّهُ بِخُرُوجِ الأَْوَّل انْفَتَحَ بَابُ الرَّحِمِ، فَخَرَجَ الْحَيْضُ، بِخِلاَفِ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ مُنْسَدٌّ، وَقَال الرَّافِعِيُّ:
_________
(١) بَدَائِعُ الصَّنَائِعِ ١ / ٤٣.
(٢) الْبَحْرُ الرَّائِقُ ١ / ٢٣١.
قَال الأَْكْثَرُونَ: إِنْ قُلْنَا: دَمُ الْحَامِل حَيْضٌ فَهَذَا أَوْلَى، وَإِلاَّ فَقَوْلاَنِ (١) .
١٤ - الرَّأْيُ الثَّالِثُ: يَرَى أَنَّ مُدَّةَ النِّفَاسِ تَبْدَأُ مِنَ الأَْوَّل، ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْمُدَّةُ مِنَ الثَّانِي، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ الْمُدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنَ الْوَلَدِ الأَْوَّل ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمَا نِفَاسَانِ يُعْتَبَرُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ، وَلاَ يُبَالِي بِزِيَادَةِ مَجْمُوعِهِمَا عَلَى سِتِّينَ حَتَّى لَوْ رَأَتْ بَعْدَ الأَْوَّل يَوْمًا دَمًا، وَبَعْدَ الثَّانِي سِتِّينَ - كَانَا نِفَاسَيْنِ كَامِلَيْنِ.
قَال إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ أَوْلاَدًا فِي بَطْنٍ وَرَأَتْ عَلَى إِثْرِ كُل وَاحِدٍ سِتِّينَ فَالْجَمِيعُ نِفَاسٌ، وَلِكُل وَاحِدٍ حُكْمُ نِفَاسٍ مُسْتَقِلٍّ لاَ يَتَعَلَّقُ حُكْمُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ (٢) .
حُكْمُ السَّقْطِ فِي النِّفَاسِ:
١٥ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ: إِلَى أَنَّ السَّقْطَ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ كَأُصْبُعٍ وَغَيْرِهِ وُلِدَ - تَصِيرُ بِهِ الْمَرْأَةُ نُفَسَاءَ؛ لأَِنَّهُ بَدْءُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، وَتَصِيرُ الأَْمَةُ أُمَّ وَلَدٍ بِهِ إِنِ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى، وَكَذَلِكَ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِهِ (٣) .
_________
(١) الْمَجْمُوعُ ٢ / ٥٢٦.
(٢) الْمَجْمُوعُ ٢ / ٥٢٦ - ٥٢٧، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ١ / ١٧٦.
(٣) فَتْحُ الْقَدِيرِ ١ / ١٦٥، ط إِحْيَاءِ التُّرَاثِ الْعَرَبِيِّ - بَيْرُوتَ، وَالْخُرَشِيُّ ٤ / ١٤٣، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ١ / ١٧٤، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ ٣ / ٣٨٩، وَالْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ ١ / ٢٤٩.