الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤١ الصفحة 19

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤١

وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ كَوْنِ الْحَيَوَانِ مَأْكُول اللَّحْمِ أَوْ غَيْرَ مَأْكُوْلِهِ.

فَقَرَّرُوا أَنَّ مَالِكَ الْحَيَوَانِ مَأْكُول اللَّحْمِ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الإِْنْفَاقِ عَلَيْهِ لَزِمَهُ أَحَدُ أُمُورٍ ثَلاَثَةٍ: بَيْعُهُ، أَوْ عَلْفُهُ وَالإِْنْفَاقُ عَلَيْهِ، أَوْ ذَبْحُهُ؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَإِبْقَاءً لِمَلِكِهِ وَعَدَمِ إِضَاعَةِ مَالِهِ.

وَأَمَّا مَالِكُ غَيْرِ مَأْكُول اللَّحْمِ فَيَلْزَمُهُ بَيْعُهُ أَوِ الإِْنْفَاقُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ ذَبْحُهُ، لأَِنَّهُ غَيْرُ مَأْكُول اللَّحْمِ يَحْرُمُ ذَبْحُهُ.

فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ تَصَرَّفَ الْحَاكِمُ فِيمَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً حَسَبَ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَال نِيَابَةً عَنْهُ مِنْ إِجَارَةِ الدَّابَّةِ أَوْ بَيْعِهَا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا فِي بَيْتِ الْمَال، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي بَيْتِ مَال الْمُسْلِمِينَ مِنَ الأَْمْوَال مَا يُنْفِقُ الْحَاكِمُ مِنْهَا عَلَيْهَا، وَجَبَ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ كِفَايَتُهَا، وَقَال الأَْذْرُعِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: وَيُشْبِهُ أَلاَّ يُبَاعَ مَا أَمْكَنَ إِجَارَتُهُ، وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ مُقْتَضَى كَلاَمِ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ (١) .

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنِ امْتَنَعَ مَالِكُ الْبَهِيمَةِ مِنَ الإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ، لأَِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ، فَإِنْ أَبَى

_________

(١) المهذب ٢ / ١٦٩، وروضة الطالبين ٩ / ١٢٠، ومغني المحتاج ٣ / ٤٦٢ - ٤٦٣، ونهاية المحتاج ٧ / ٢٤١، ٢٤٢.

الإِْنْفَاقَ عَلَيْهَا أَوْ عَجَزَ عَنْهُ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ ذَبْحِ مَأْكُولٍ، لأَِنَّ بَقَاءَهَا فِي يَدِهِ بِتَرْكِ الإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا ظُلْمٌ، وَالظُّلْمُ تَجِبُ إِزَالَتُهُ، فَإِنْ أَبَى فَعَل الْحَاكِمُ الأَْصَحَّ مِنْ هَذِهِ الأُْمُورِ الثَّلاَثَةِ أَوِ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا، كَمَا لَوِ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ، وَيَجِبُ عَلَى مُقْتَنِي الْكَلْبِ الْمُبَاحِ وَهُوَ كَلْبُ صَيْدٍ وَمَاشِيَةٍ وَزَرْعٍ أَنْ يُطْعِمَهُ وَيَسْقِيَهُ أَوْ يُرْسِلَهُ، لأَِنَّ عَدَمَ ذَلِكَ تَعْذِيبٌ لَهُ، وَلاَ يَحِل حَبْسُ شَيْءٍ مِنَ الْبَهَائِمِ لِتَهْلَكَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا (١) .

نَفَقَةُ الْعَارِيَةِ:

٧٣ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ زَمَنَ الاِنْتِفَاعِ بِهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:

الْقَوْل الأَْوَّل: إِنَّ نَفَقَةَ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ عَلَى مَالِكِهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْل أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (٢) .

وَاسْتَدَلُّوا فِي ذَلِكَ إِلَى: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَكَانَ كِرَاءً، وَرُبَّمَا كَانَ عَلَفُهَا أَكْثَرَ مِنَ الْكِرَاءِ، فَتَخْرُجُ الْعَارِيَةُ إِلَى الْكِرَاءِ.

_________

(١) كشاف القناع ٥ / ٥٩٤ - ٥٩٥.

(٢) حاشية العدوي وشرح الخرشي ٦ / ١٢٥، ١٢٩، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل ٥ / ٢٧٣، ومغني المحتاج ٢ / ٢٦٧، وأسنى المطالب ٢ / ٣٢٩، ومعونة أولي النهى ٥ / ٢٣٥.

وَلأَِنَّ الإِْنْفَاقَ عَلَى الْعَارِيَةِ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ فَكَانَتْ عَلَى مَالِكِهَا (١) .

وَلِقِيَاسِهَا عَلَى الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، فَإِنَّ النَّفَقَةَ لإِبْقَائِهَا وَصِيَانَتِهَا عَلَى مَالِكِهَا (٢) .

الْقَوْل الثَّانِي: إِنَّهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَبِهِ قَال بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل الْقَاضِي حُسَيْنٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (٣) .

الْقَوْل الثَّالِثُ: إِنَّ الْمُسْتَعِيرَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا وَبَيْنَ تَرْكِهَا، فَلاَ يُجْبَرُ عَلَى الإِْنْفَاقِ لأَِنَّهُ لاَ لُزُومَ فِي الْعَارِيَةِ، وَلَكِنْ يُقَال لَهُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِالْمَنَافِعِ فَإِنْ شِئْتَ فَأَنْفِقْ لِيَحْصُل لَكَ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنْ شِئْتَ فَخَل يَدَكَ عَنْهَا، أَمَّا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا فَلاَ.

وَبِهِ قَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ (٤) .

الْقَوْل الرَّابِعُ: قَال بَعْضُ الْمُفْتِينَ مِنَ

_________

(١) مغني المحتاج ٢ / ٢٦٧، وأسنى المطالب ٢ / ٣٢٩.

(٢) معونة أولي النهى ٥ / ٢٣٥.

(٣) الفتاوى الهندية ٤ / ٣٧٢، وشرح الخرشي ٦ / ١٢٩، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل ٥ / ٢٧٣، ومغني المحتاج ٢ / ٢٦٧، ومعونة أولي النهى ٥ / ٢٣٥.

(٤) الفتاوى الهندية ٤ / ٣٧٢، وحاشية الشلبي على تبيين الحقائق ٥ / ٨٨.

الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ النَّفَقَةَ فِي اللَّيْلَةِ وَاللَّيْلَتَيْنِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَقِيل أَيْضًا فِي اللَّيْلَةِ وَاللَّيْلَتَيْنِ عَلَى رَبِّهَا، وَأَمَّا فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَالسَّفَرِ الْبَعِيدِ فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُحْتَرَمِ، وَكَأَنَّهُ أَقْيَسُ (١) .

نَفَقَةُ اللُّقَطَةِ:

٧٤ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الإِْنْفَاقِ عَلَى اللُّقَطَةِ، وَفِيمَا يَلْزَمُهُ الإِْنْفَاقُ عَلَيْهَا، وَهَل يُشْتَرَطُ فِيهِ أَمْرُ الْقَاضِي أَمْ لاَ؟ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:

الْقَوْل الأَْوَّل: إِنْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَكُونُ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهَا، وَبِهِ قَال الْحَنَفِيَّةُ (٢) .

وَذَلِكَ لأَِنَّ لِلْقَاضِي وِلاَيَةً فِي مَال الْغَائِبِ نَظَرًا لَهُ إِذْ هُوَ نُصِّبَ نَاظِرًا فَصَارَ أَمْرُهُ كَأَمْرِ الْمَالِكِ (٣) .

وَإِنْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ الأَْمْرَ إِلَى الْقَاضِي فَيَنْظُرَ مَا يَأْمُرُ بِهِ.

فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُحْتَمَل الاِنْتِفَاعُ بِهَا بِالإِْجَارَةِ

_________

(١) حاشية العدوي على شرح الخرشي ٦ / ١٢٩، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل ٥ / ٢٧٣.

(٢) البدائع ٦ / ٢٠٣.

(٣) تبيين الحقائق ٣ / ٣٠٥.

أَمَرَهُ بِأَنْ يُؤَاجِرَهَا وَيُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ أُجْرَتِهَا نَظَرًا لِلْمَالِكِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لاَ يَحْتَمِل الاِنْتِفَاعَ بِهَا بِطَرِيقِ الإِْجَارَةِ، وَخَشِيَ أَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَغْرِقَ النَّفَقَةُ قِيمَتَهَا أَمَرَهُ بِبَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا مَقَامَهَا.

وَإِنْ رَأَى أَنَّ الأَْصْلَحَ أَنْ لاَ يَبِيعَهَا بَل يُنْفِقَ عَلَيْهَا، أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا شَرِيطَةَ أَنْ لاَ تَزِيدَ نَفَقَتُهَا عَلَى قِيمَتِهَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهَا حَتَّى إِذَا حَضَرَ أُخِذَ مِنْهُ النَّفَقَةُ (١) .

الْقَوْل الثَّانِي: إِنْ أَنْفَقَ مُلْتَقِطُ اللُّقَطَةِ عَلَيْهَا، خَيَّرَ رَبَّهَا إِذَا جَاءَ بَيْنَ أَنْ يَفُكَّهَا بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مُلْتَقِطُهَا، أَوْ أَنْ يُسَلِّمَهَا لِمُلْتَقِطِهَا فِي نَظِيرِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الإِْنْفَاقُ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ أَمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ (٢)

الْقَوْل الثَّالِثُ: إِذَا أَمْسَكَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ وَتَبَرَّعَ بِالإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا، فَذَاكَ، وَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى صَاحِبِهَا أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا أَشْهَدَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ (٣) .

وَقَالُوا: إِذَا أَرَادَ الْبَيْعَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا، اسْتَقَل بِهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ فَالأَْصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ، وَهَل يَجُوزُ بَيْعُ جُزْءٍ مِنْهَا

_________

(١) البدائع ٦ / ٢٠٣، وتبيين الحقائق ٣ / ٣٠٥.

(٢) حاشية الدسوقي على شرح الكبير ٤ / ١٢٣، والمدونة ٤ / ٣٦٧.

(٣) روضة الطالبين ٥ / ٤٠٤٣.

لِنَفَقَةِ بَاقِيهَا؟ قَال الإِْمَامُ: نَعَمْ كَمَا تُبَاعُ جَمِيعُهَا، وَحَكَى احْتِمَالًا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ، لأَِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ تَأْكُل نَفْسَهَا وَبِهَذَا قَطَعَ أَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ، قَال: وَلاَ يَسْتَقْرِضُ عَلَى الْمَال أَيْضًا، لِهَذَا الْمَعْنَى (١) .

الْقَوْل الرَّابِعُ: لِلْحَنَابِلَةِ، وَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَا يَبْقَى عَامًا أَوْ أَكْثَرَ، وَمَا لاَ يَبْقَى عَامًا (٢) .

فَإِنِ الْتَقَطَ مَا يَبْقَى عَامًا، فَالْمُلْتَقِطُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ ثَلاَثَةِ أُمُورٍ:

أ - أَنْ يَأْكُل اللُّقَطَةَ فِي الْحَال إِذَا خِيفَ عَلَيْهَا الْهَلاَكُ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِصَاحِبِهَا، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ: هِيَ لَكَ أَوْ لأَِخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ (٣) .

فَقَدْ جَعَلَهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ لَهُ فِي الْحَال وَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّئْبِ، وَالذِّئْبُ لاَ يَسْتَأْذِنُ فِي أَكْلِهَا.

وَلأَِنَّ فِي أَكْلِهَا فِي الْحَال إِغْنَاءً عَنِ الإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا وَحِرَاسَةً لِمَالِيَّتِهَا وَدَفْعًا لِغَرَامَةِ عَلَفِهَا، فَكَانَ أَكْلُهَا أَوْلَى.

_________

(١) روضة الطالبين ٥ / ٤٠٤.

(٢) المغني والشرح الكبير ٦ / ٣٦٤ - ٣٦٧.

(٣) حديث: " هي لك أو لأخيك أو للذئب. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ٥ / ٤٦ ط السلفية) ومسلم (٣ / ١٣٤٨ ط الحلبي) من حديث زيد بن خالد الجهني.

ب - أَنْ يُمْسِكَهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَيُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ وَلاَ يَمْتَلِكَهَا.

فَإِنْ أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مُحْتَسِبًا النَّفَقَةَ عَلَى مَالِكِهَا وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، فَفِي الرُّجُوعِ بِالنَّفَقَةِ رِوَايَتَانِ.

الأُْولَى: لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، لأَِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى فِيمَنْ وَجَدَ ضَالَّةً فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا وَجَاءَ رَبُّهَا بِأَنَّهُ يَغْرَمُ لَهُ مَا أَنْفَقَ، لأَِنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهَا لِحِفْظِهَا، فَكَانَ مِنْ مَال صَاحِبِهَا.

الثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ لأَِنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ، فَلاَ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، قِيَاسًا عَلَى مَنْ بَنَى دَارَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ مِنْهُ.

ج - أَنْ يَبِيعَهَا وَيَحْفَظَ ثَمَنَهَا لِصَاحِبِهَا وَأَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، لأَِنَّهُ إِذَا جَازَ لَهُ أَكْلُهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ جَازَ لَهُ بَيْعُهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى.

وَإِنِ الْتَقَطَ مَا لاَ يَبْقَى عَامًا:

فَإِنْ كَانَ لاَ يَبْقَى بِعِلاَجٍ وَلاَ غَيْرِهِ، كَالْبِطِّيخِ وَالْفَاكِهَةِ الَّتِي لاَ تُجَفَّفُ وَالْخَضْرَوَاتِ فَالْمُلْتَقِطُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَكْلِهِ وَغَرْمِ قِيمَتِهِ لِمَالِكِهِ وَبَيْنَ بَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ إِبْقَاؤُهُ خَشْيَةَ تَلَفِهِ.

فَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى تَلِفَ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِ، لأَِنَّهُ فَرَّطَ فِي حِفْظِهِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ كَالْوَدِيعَةِ.

وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ بِالْعِلاَجِ، كَالْعِنَبِ وَالرُّطَبِ، فَيَنْظُرُ مَا فِيهِ الْحَظُّ لِصَاحِبِهِ، فَإِنْ

كَانَ الْحَظُّ فِي عِلاَجِهِ بِالتَّجْفِيفِ أَوْ غَيْرِهِ عَالَجَهُ وَلَيْسَ لَهُ سِوَاهُ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَهُ إِنِ احْتَاجَ إِلَى غَرَامَةٍ لِتَجْفِيفِهِ وَإِبْقَائِهِ، لأَِنَّهُ مَال غَيْرِهِ، فَلَزِمَهُ مَا فِيهِ الْحَظُّ لِصَاحِبِهِ، كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ.

وَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي بَيْعِهِ بَاعَهُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ، كَالطَّعَامِ وَالرُّطَبِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ: تَعَيَّنَ أَكْلُهُ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ أَكْلُهُ أَنْفَعَ لِصَاحِبِهِ، لأَنَّ الْحَظَّ فِيهِ (١) .

نَفَقَةُ الْوَدِيعَةِ:

٧٥ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَدِيعَةِ إِنَّمَا تَلْزَمُ الْمُودِعَ، وَهُوَ رَبُّهَا، وَلاَ تَلْزَمُ الْمُودَعَ لَدَيْهِ؛ لأَِنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِحِفْظِهَا وَلاَ تَعُودُ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ مِنْهَا (٢) .

وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (وَدِيعَة) .

نَفَقَةُ الْمَرْهُونِ:

٧٦ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ نَفَقَةَ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ.

لأَِنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ، وَكُل مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ لاَ عَلَى

_________

(١) المغني وشرح الكبير ٦ / ٣٦٤ - ٣٦٧.

(٢) رد المحتار ٤ / ٥٠١، وبداية المجتهد ٢ / ٣٤٠، وروضة الطالبين ٦ / ٣٣٢، والمغني ٦ / ٢٩٢.

الْمُرْتَهِنِ (١) .

لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ يُغْلَقُ الرَّهْنُ، لِصَاحِبِهِ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ (٢) .

وَلأَنَّ الرَّقَبَةَ وَالْمَنْفَعَةَ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ فَكَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ.

وَوَافَقَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ فِيمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الرَّهْنِ بِنَفْسِهِ وَتَبْقِيَتِهِ، أَمَّا مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِحِفْظِ الْمَرْهُونِ فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لأَِنَّ حَبْسَ الْمَرْهُونِ لَهُ (٣) .

وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (رَهْن ف ١٩، ٢٠) .

نَفَقَاتٌ أُخْرَى:

أ - نَفَقَةُ اللَّقِيطِ:

٧٧ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ اللَّقِيطِ تَكُونُ فِي مَالِهِ إِنْ وُجِدَ مَعَهُ مَالٌ أَوْ كَانَ مُسْتَحِقًّا فِي

_________

(١) تبيين الحقائق ٦ / ٦٨، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل ٥ / ٢٣، والمهذب ١ / ٣١٤، والمغني ٤ / ٤٣٨.

(٢) حديث: " لا يغلق الرهن، لصاحبه غنمه. .) . أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٦ / ٣٩ ط دائرة المعارف) وابن عبد البر في التمهيد (٦ / ٤٣٠ ط فضالة - المغرب) من حديث أبي هريرة ﵁، وقال ابن عبد البر: هذا الحديث عند أهل العلم بالنقل مرسل، وإن كان قد وصل من جهات كثيرة، فإنهم يعللونها.

(٣) تبيين الحقائق ٦ / ٨٦.

مَالٍ عَامٍ، كَالأَْمْوَال الْمَوْقُوفَةِ عَلَى اللُّقَطَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَال وَلاَ تَلْزَمُ الْمُلْتَقِطَ فِي الْجُمْلَةِ (١) .

وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (لَقِيط ف ١٥، ١٦) .

ب - نَفَقَةُ الْيَتِيمِ:

٧٨ - إِنْ كَانَ لِلْيَتِيمِ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَهُ قَرَابَةٌ يَسْتَحِقُّ بِهَا النَّفَقَةَ، فَنَفَقَتُهُ عَلَى قَرَابَتِهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي نَفَقَةِ الأَْقَارِبِ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ وَلاَ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَال. انْظُرْ مُصْطَلَحَ (بَيْت الْمَال ف ١٢، يَتِيم) .

ج - نَفَقَةُ الْعَاجِزِ الَّذِي لاَ عَائِل لَهُ:

٧٩ - لاَ خِلاَفَ بَيْنِ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ نَفَقَةَ الْعَاجِزِ الَّذِي لاَ عَائِل لَهُ وَلاَ قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْكَسْبِ وَلاَ يَمْلِكُ مَالًا، تَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَال، لأَِنَّهُ مُعَدٌّ لِلصَّرْفِ عَلَى ذَوِي الْحَاجَاتِ وَالْمُعْدَمِينَ وَمَنْ هُمْ فِي مِثْل حَالِهِ مِمَّنْ لاَ قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى كَسْبِ كِفَايَتِهِمْ وَلاَ عَائِل لَهُمْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ.

وَلأَِنَّهُمْ أَجَازُوا دَفْعَ الزَّكَاةِ إِلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّكَسُّبِ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى

_________

(١) بدائع الصنائع ٦ / ٤٩٨، وتبيين الحقائق ٣ / ٢٩٧، وبداية المجتهد ٢ / ٣٣٨، وروضة الطالبين ٥ / ٤٢١، والمغني ٦ / ٣٧٩.