الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤١ الصفحة 17

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤١

ج - اتِّحَادُ الدِّينِ بَيْنَ الْمُنْفِقِ وَالْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، فَلاَ نَفَقَةَ مَعَ اخْتِلاَفِ الدِّينِ لِعَدَمِ تَوَارُثِ مُخْتَلِفِي الدِّينِ.

وَيُلاَحَظُ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ يَشْتَرِطُونَ هَذَا الشَّرْطَ فِي نَفَقَةِ الأَْقَارِبِ عُمُومًا، أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلاَ يَشْتَرِطُونَ هَذَا الشَّرْطَ إِلاَّ فِي نَفَقَةِ الْحَوَاشِي فَقَطْ (١) .

وَهَذِهِ الشُّرُوطُ الثَّلاَثَةُ مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْحَوَاشِي وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (٢) .

وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَيْهَا شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ وَهُمَا:

الأَْوَّل: قَضَاءُ الْقَاضِي بِهَا، فَلاَ تُسْتَحَقُّ قَبْلَهُ، فَلَوْ ظَفِرَ أَحَدُهُمْ بِجِنْسِ حَقِّهِ قَبْل الْقَضَاءِ أَوِ الرِّضَا، فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ، لأَِنَّ وُجُوبَهَا لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الإِْحْيَاءِ لِعَدَمِ مَعْنَى الْجُزْئِيَّةِ، بَل هِيَ صِلَةٌ مَحْضَةٌ، فَجَازَ أَنْ يَتَوَقَّفَ وُجُوبُهَا عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، بِخِلاَفِ نَفَقَةِ الأُْصُول وَالْفُرُوعِ فَهِيَ لاَ تَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، لأَِنَّهَا وَجَبَتْ - بِطَرِيقِ الإِْحْيَاءِ، لِمَا فِيهَا مِنْ دَفْعِ الْهَلاَكِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَعْضِيَّةِ بَيْنَ الْمُنْفِقِ وَالْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، وَلاَ يَتَوَقَّفُ إِحْيَاءُ الإِْنْسَانِ نَفْسَهُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي (٣) .

_________

(١) الهداية بأعلى فتح الدير ٤ / ٤١٦.

(٢) تبيين الحقائق ٣ / ٦٤، والمغني ٧ / ٥٨٤،٥٨٥.

(٣) البدائع ٤ / ٣٧.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْقَرِيبُ الْمُحْتَاجُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، لأَِنَّ الصِّلَةَ فِي الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَاجِبَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ، وَالْفَاصِل بَيْنَهُمَا أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (١)﴾، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْل ذَلِكَ " (٢) .

اجْتِمَاعُ الأُْصُول وَالْحَوَاشِي:

٦١ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي فَرْضِ النَّفَقَةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الأُْصُول وَالْحَوَاشِي.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى فَرْضِ النَّفَقَةِ عَلَى الأَْقَارِبِ مِنْ جِهَةِ الْحَوَاشِي، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ الأَْصْنَافِ الَّذِينَ تَجِبُ لَهُمُ النَّفَقَةُ. فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِكُل ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ كَالْعَمِّ وَالْعَمَّةِ، وَالأَْخِ وَالأُْخْتِ، وَالْخَال وَالْخَالَةِ، وَلاَ تَجِبُ لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ كَابْنِ الْعَمِّ وَبِنْتِ الْعَمِّ، وَلاَ لِمَحْرَمٍ غَيْرِ ذِي رَحِمٍ كَالأُْمِّ مِنَ الرَّضَاعِ.

وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِكُل قَرِيبٍ وَارِثٍ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ كَالأَْخِ مِنْ أَيِّ الْجِهَاتِ كَانَ، وَلاَ تَجِبُ لِمَنْ لاَ يَرِثُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ، وَلَوْ كَانَ مِنْ ذَوِي الأَْرْحَامِ.

_________

(١) سورة البقرة / ٢٣٣

(٢) الهداية بأعلى فتح القدير ٤ / ٤١٩، ٤٢٠.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا تَجِبُ لِلأُْصُول وَالْفُرُوعِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ لاَ يُوجِبُونَهَا إِلاَّ لِلآْبَاءِ وَالأَْوْلاَدِ الْمُبَاشِرِينَ، أَيِ الطَّبَقَةِ الأَْوْلَى مِنَ الأُْصُول وَالْفُرُوعِ فَقَطْ (١) .

وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ مَذْهَبَيِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الأَْقَارِبِ مِنْ جِهَتَيِ الأُْصُول وَالْحَوَاشِي.

أَوَّلًا: مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ:

٦٢ - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الأَْقَارِبِ مِنْ جِهَتَيِ الأُْصُول وَالْحَوَاشِي فَالْحَال لاَ يَخْرُجُ عَنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ وَارِثًا وَالآْخَرُ غَيْرَ وَارِثٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الصِّنْفَيْنِ وَارِثًا.

أ - فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ وَارِثًا وَالآْخَرُ غَيْرَ وَارِثٍ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى الأُْصُول وَحْدَهُمْ تَرْجِيحًا لاِعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ.

وَلاَ يُطَالَبُ الأَْقَارِبُ مِنْ جِهَةِ الْحَوَاشِي بِالنَّفَقَةِ وَلَوْ كَانُوا وَارِثِينَ، لأَِنَّ الْقَرَابَةَ الْجُزْئِيَّةَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا.

فَلَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ جَدٌّ لأُِمٍّ وَعَمٍّ شَقِيقٍ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ لأُِمٍّ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ، لأَِنَّهُ مِنْ جِهَةِ الأُْصُول فَيُقَدَّمُ

_________

(١) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل ٤ / ٢٠٨، وروضة الطالبين ٩ / ٨٣.

تَرْجِيحًا لِلْجُزْئِيَّةِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى الْعَمِّ الشَّقِيقِ شَيْءٌ مَعَ أَنَّهُ وَارِثٌ، لأَِنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْحَوَاشِي.

وَكَذَلِكَ الْحَال لَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ جَدٌّ لأَِبٍ، وَأَخٌ شَقِيقٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ لأَِبٍ وَهُوَ وَارِثٌ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الأَْخِ الشَّقِيقِ تَرْجِيحًا لِلْجُزْئِيَّةِ.

وَعِنْدَ تَعَدُّدِ الأُْصُول وَالْحَوَاشِي فَالْمُعْتَبَرُ الإِْرْثُ فِي النَّفَقَةِ، فَلَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ جَدٌّ لأَِبٍ وَجَدَّةٌ لأَِبٍ وَعَمٌّ شَقِيقٌ وَعَمٌّ لأَِبٍ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ لأَِبٍ وَالْجَدَّةِ لأَِبٍ بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ: السُّدُسُ عَلَى الْجَدَّةِ لأَِبٍ، وَالْبَاقِي عَلَى الْجَدِّ لأَِبٍ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْعَمِّ الشَّقِيقِ وَالْعَمِّ لأَِبٍ.

هَذَا هُوَ الْحُكْمُ إِنْ كَانَ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ وَارِثًا وَالآْخَرُ غَيْرَ وَارِثٍ (١) .

ب - أَمَّا إِنْ كَانَ كُلٌّ مِنَ الصِّنْفَيْنِ وَارِثًا، فَالْعِبْرَةُ فِي إِيجَابِ النَّفَقَةِ بِمِقْدَارِ الإِْرْثِ، فَتُوَزَّعُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ بِنِسْبَةِ الإِْرْثِ.

فَلَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ أَمٌّ وَعَمٌّ، فَالنَّفَقَةُ تَجِبُ عَلَيْهِمَا بِحَسَبِ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَعَلَى الأُْمِّ الثُّلُثُ وَعَلَى الْعَمِّ الثُّلُثَانِ لأَِنَّ نَصِيبَ كُلٍّ فِي الْمِيرَاثِ كَذَلِكَ.

وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا لَوِ

_________

(١) رد المحتار لابن عابدين ٢ / ٦٧٩ طبعة بولاق.

اجْتَمَعَ مَعَ الْجَدِّ لأَِبٍ أُمٌّ وَعَاصِبٌ آخَرُ كَالأَْخِ أَوِ الْعَمِّ، فَالنَّفَقَةُ كُلُّهَا عَلَى الْجَدِّ لأَِبٍ، لأَِنَّهُ يَنْزِل مَنْزِلَةَ الأَْبِ وَيَأْخُذُ حُكْمَهُ.

وَكَذَا لَوِ اجْتَمَعَ لِمَنْ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ أُمٌّ وَجَدٌّ لأَِبٍ وَأَخٌ شَقِيقٌ أَوِ ابْنُ أَخٍ أَوْ عُمٌّ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ وَحْدَهُ، لأَِنَّ الْجَدَّ يَحْجُبُ الأَْخَ وَابْنَهُ وَالْعَمَّ، لِتَنْزِيلِهِ حِينَئِذٍ مَنْزِلَةَ الأَْبِ، وَحَيْثُ تَحَقَّقَ تَنْزِيلُهُ مَنْزِلَةَ الأَْبِ صَارَ كَمَا لَوْ كَانَ الأَْبُ مَوْجُودًا حَقِيقَةً، وَإِذَا كَانَ الأَْبُ مَوْجُودًا حَقِيقَةً لاَ تُشَارِكُهُ الأُْمُّ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ، فَكَذَا الْحَال إِذَا كَانَ مَوْجُودًا حُكْمًا، فَتَجِبُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ (١) .

هَذَا بِخِلاَفِ مَا إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَعَ الْجَدِّ لأَِبٍ وَالأُْمِّ عَاصِبٌ مِنَ الْحَوَاشِي.

فَلَوْ كَانَ لِلْفَقِيرِ الْمُحْتَاجِ أُمٌّ وَجَدٌّ لأَِبٍ فَقَطْ وَلاَ أَحَدَ مَعَهُمَا مِنَ الْعَصَبَاتِ وَجَبَتِ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا وَفْقَ مِيرَاثِهِمَا، لأَِنَّ الْجَدَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَنْزِل مَنْزِلَةَ الأَْبِ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا أَثْلاَثًا (٢) .

ثَانِيًا: مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ:

٦٣ - يَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الأَْقَارِبِ مِنْ جِهَتَيِ الأُْصُول وَالْحَوَاشِي فَالْمُعْتَبَرُ

_________

(١) رد المحتار ٢ / ٦٢٥ ط بولاق.

(٢) رد المحتار على الدر المختار ٢ / ٦٧٩ طبعة بولاق.

الإِْرْثُ، فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ مِنَ الأَْقَارِبِ مِنَ الْجِهَتَيْنِ مَنْ هُوَ وَارِثٌ وَآخَرُ غَيْرُ وَارِثٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْوَارِثِ دُونَ غَيْرِهِ.

وَإِذَا تَعَدَّدَ الْوَرَثَةُ، فَالنَّفَقَةُ تَكُونُ عَلَيْهِمْ بِحَسْبِ أَنْصِبَائِهِمْ فِي الْمِيرَاثِ.

فَلَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ أُمُّ أُمٍّ وَأَبُ أُمٍّ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى أُمِّ الأُْمِّ، لأَِنَّهَا الْوَارِثَةُ وَلاَ شَيْءَ عَلَى أَبِي الأُْمِّ لِعَدَمِ مِيرَاثِهِ.

وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ شَقِيقٌ وَجَدٌّ لأَِبٍ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ لأَِبٍ، لأَِنَّهُ الْوَارِثُ وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْعَمِّ، لِعَدَمِ مِيرَاثِهِ.

وَكَذَا الْحُكْمُ إِذَا اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ أُمٌّ وَجَدٌّ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلاَثًا، فَعَلَى الأُْمِّ الثُّلُثُ، وَعَلَى الْجَدِّ الثُّلُثَانِ، لأَِنَّهُمَا يَرِثَانِ كَذَلِكَ. وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ جَدَّةٌ وَأَخٌ، فَعَلَى الْجَدَّةِ سُدُسُ النَّفَقَةِ، وَعَلَى الأَْخِ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُل مَا يُمَاثِل ذَلِكَ (١) .

هَذَا هُوَ الْحُكْمُ إِذَا كَانُوا وَارِثِينَ بِالْفِعْل.

أَمَّا إِذَا اجْتَمَعَ قَرِيبَانِ مُوسِرَانِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا مَحْجُوبًا بِقَرِيبٍ فَقِيرٍ، فَقَدْ فَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ عَمُودَيِ النَّسَبِ (الأُْصُول وَالْفُرُوعِ) وَبَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِمَا.

_________

(١) الكافي لابن قدامة ٣ / ٣٧٦، ٣٧٧.

فَإِنْ كَانَ الْمَحْجُوبُ مِنْ عَمُودَيِ النَّسَبِ لاَ تَسْقُطُ عَنْهُ النَّفَقَةُ.

فَلَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ أَبٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ، وَكَانَ الأَْبُ مُعْسِرًا، فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ، وَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الأُْمِّ وَالْجَدِّ أَثْلاَثًا، الثُّلُثُ عَلَى الأُْمِّ، وَالثُّلُثَانِ عَلَى الْجَدِّ.

وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ عَمُودَيِ النَّسَبِ، فَلاَ نَفَقَةَ عَلَيْهِ.

فَلَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ أَبٌ وَأُمٌّ وَأَخَوَانِ وَجَدٌّ، وَكَانَ الأَْبُ مُعْسِرًا، فَلاَ شَيْءَ عَلَى الأَْخَوَيْنِ، لأَِنَّهُمَا مَحْجُوبَانِ بِالأَْبِ، وَلَيْسَا مِنْ عَمُودَيِ النَّسَبِ، وَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الأُْمِّ وَالْجَدِّ أَثْلاَثًا (١) .

اجْتِمَاعُ الْفُرُوعِ وَالْحَوَاشِي:

٦٤ - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى غَيْرِ الأُْصُول وَالْفُرُوعِ، خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، إِذْ يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الأَْقَارِبِ مِنْ جِهَتَيِ الْفُرُوعِ وَالْحَوَاشِي، فَالْمُعْتَبَرُ فِي النَّفَقَةِ الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ دُونَ الإِْرْثِ، وَعَلَى هَذَا فَالنَّفَقَةُ تَجِبُ عَلَى الْفُرُوعِ وَلَوْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ فِي الدِّينِ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْحَوَاشِي وَلَوْ كَانُوا وَارِثِينَ.

فَلَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ

_________

(١) المغني والشرح الكبير ٩ / ٢٦٠، ٢٦١.

بِنْتٌ وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ، تَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ فَقَطْ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الأُْخْتِ مَعَ أَنَّهَا تَرِثُ النِّصْفَ تَعْصِيبًا، وَكَذَا لَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ أَخٌ مُسْلِمٌ وَابْنٌ نَصْرَانِيٌّ، فَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الاِبْنِ النَّصْرَانِيِّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الأَْخِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ وَارِثًا، لِتَرَجُّحِ الْقُرْبِ وَالْجُزْئِيَّةِ.

وَكَذَا لَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ ابْنُ بِنْتٍ وَأَخٌ شَقِيقٌ: فَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى ابْنِ الْبِنْتِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الأَْخِ الشَّقِيقِ، وَإِنْ كَانَ وَارِثًا، لِتَرَجُّحِ قَرَابَتِهِ عَلَى غَيْرِهَا، وَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ لإِدْلاَءِ كُلٍّ مِنْهَا بِوَاسِطَةٍ (١) .

وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الأَْقَارِبِ مِنْ جِهَتَيِ الْفُرُوعِ وَالْحَوَاشِي تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْوَارِثِ دُونَ غَيْرِهِ، وَعِنْدَ تَعَدُّدِهِمْ تُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ أَنْصِبَائِهِمْ.

فَلَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ ابْنٌ وَأَخٌ لأُِمٍّ، فَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الاِبْنِ، لأَِنَّهُ الْوَارِثُ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الأَْخِ لأُِمٍّ، لأَِنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ.

وَإِنِ اجْتَمَعَ بِنْتٌ وَأُخْتٌ، أَوْ بِنْتٌ وَأَخٌ، أَوْ بِنْتٌ وَعَصَبَةٌ، فَالنَّفَقَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ

_________

(١) رد المحتار ٢ / ٦٧٩ ط بولاق.

فِي ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رَدٌّ أَوْ عَوْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ.

وَكَذَلِكَ لَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ ابْنٌ يَهُودِيٌّ وَعَمٌّ مُسْلِمٌ، فَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَمِّ الْمُسْلِمِ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الاِبْنِ الْيَهُودِيِّ، لأَِنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ، لاِخْتِلاَفِ الدِّينِ (١) .

اجْتِمَاعُ الأُْصُول وَالْفُرُوعِ وَالْحَوَاشِي:

٦٥ - عِنْدَ اجْتِمَاعِ الأُْصُول وَالْفُرُوعِ وَالْحَوَاشِي، يَرَى الْحَنَفِيَّةُ: أَنَّ النَّفَقَةَ تَكُونُ عَلَى الأُْصُول وَالْفُرُوعِ دُونَ الْحَوَاشِي، وَيُرَاعَى تَقْدِيمُ الأَْقْرَبِ دَرَجَةً ثُمَّ الْوَارِثِ، فَيُقَدَّمُ الاِبْنُ عَلَى الأَْبِ، وَالأَْبُ عَلَى الْجَدِّ وَهَكَذَا.

وَعِنْدَ الاِسْتِوَاءِ فِي الدَّرَجَةِ وَالإِْرْثِ فَعَلَى حَسَبِ أَنْصِبَائِهِمْ فِي الْمِيرَاثِ.

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ: أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الأُْصُول وَالْفُرُوعِ فَقَطْ، وَيُقَدَّمُ الْفَرْعُ عَلَى الأَْصْل، وَعِنْدَ التَّعَدُّدِ يَكُونُ الاِعْتِبَارُ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ، وَعِنْدَ التَّعَدُّدِ وَالاِسْتِوَاءِ فِي الْقُرْبِ يَكُونُ الاِعْتِبَارُ بِالْمِيرَاثِ، وَعِنْدَ التَّعَدُّدِ تُوَزَّعُ عَلَى حَسَبِ الأَْنْصِبَاءِ فِي الْمِيرَاثِ.

وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي فَرْضِ النَّفَقَةِ

_________

(١) الكافي لابن قدامة ٣ / ٣٧٤، ٣٧٥، والمغني والشرح الكبير ٩ / ٢٦٥، ٢٦٩، ٢٧٠.

الإِْرْثُ، وَعِنْدَ تَعَدُّدِ الْوَرَثَةِ تَكُونُ النَّفَقَةُ بِحَسَبِ الأَْنْصِبَاءِ فِي الْمِيرَاثِ.

فَلَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ بِنْتٌ وَجَدَّةٌ لأُِمٍّ وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ، فَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، فَيَجِبُ عَلَى الْبِنْتِ نِصْفُ النَّفَقَةِ، وَعَلَى الْجَدَّةِ لأُِمٍّ السُّدُسُ، وَعَلَى الأُْخْتِ الشَّقِيقَةِ الثُّلُثُ، لأَِنَّهَا تَرِثُ الْبَاقِيَ مَعَ الْبِنْتِ، وَهَذَا عَلَى حَسَبِ أَنْصِبَائِهِمْ فِي الْمِيرَاثِ؛ خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ الَّذِينَ يُوجِبُونَهَا عَلَى الْبِنْتِ فَقَطْ؛ اعْتِبَارًا بِالْقُرْبِ (١) .

النَّفَقَةُ عِنْدَ إِعْسَارِ بَعْضِ الأَْقَارِبِ:

٦٦ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّ الْيَسَارِ وَالإِْعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الأَْقَارِبِ إِلَى رَأْيَيْنِ:

أ - يَرَى الْجُمْهُورُ: (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ

وَالْحَنَابِلَةُ) أَنَّ حَدَّ الْيَسَارِ الْمُوجِبِ لِنَفَقَةِ الأَْقَارِبِ مُقَدَّرٌ بِمَا يَفْضُل عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ زَوْجَتِهِ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ.

فَمَنِ اكْتَسَبَ شَيْئًا فِي يَوْمِهِ وَأَنْفَقَ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَفَضَل عِنْدَهُ شَيْءٌ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ لِلْقَرِيبِ الْمُحْتَاجِ (٢) .

_________

(١) الكافي لابن قدامة ٣ / ٣٧٦، ومغني المحتاج ٣ / ٤٥٠ - ٤٥١، ورد المحتار ٢ / ٦٧٩.

(٢) رد المحتار ٢ / ٦٧٦ ط بولاق، والدسوقي على الشرح الكبير ٢ / ٥٢٢، وروضة الطالبين ٩ / ٨٣، والكافي لابن قدامة ٣ / ٣٧٥، والمغني والشرح الكبير ٩ / ٢٥٩، ٢٧٠.