الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤ الصفحة 8

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤

وَالْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الدُّعَاءَ بِالْمَغْفِرَةِ يَقُومُ مَقَامَ الْقُنُوتِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ (١) .

الاِسْتِغْفَارُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الأَْخِيرِ:

١٧ - يُنْدَبُ الاِسْتِغْفَارُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الأَْخِيرِ (٢)، وَرَدَ فِي السُّنَّةِ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٣) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. كَذَلِكَ وَرَدَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ (٤)

الاِسْتِغْفَارُ عَقِبَ الصَّلاَةِ:

١٨ - يُسَنُّ الاِسْتِغْفَارُ عَقِبَ الصَّلاَةِ ثَلاَثًا، (٥) لِمَا

_________

(١) فتح القدير ١ / ٣٠٦ ط بولاق، والشرح الصغير ١ / ٣٣١، ٣٣٢ ط دار المعارف، والخرشي ١ / ٢٨٣ ط دار صادر، والمجموع ٣ / ٤٩٣، والفروع ١ / ٤١٣ ط المنار.

(٢) الأذكار ص / ٦٥، والثمر الداني شرح رسالة القيرواني ١ / ٩٢ ط الحلبي، وشرح منتهى الإرادات ١ / ١٩٢ ط الرياض، وفتاوى ابن تيمية ١٠ / ٢٦٣.

(٣» حديث: " اللهم إني ظلمت نفسي. . . . " أخرجه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عمر وأبي بكر (كنز العمال ٢ / ١٩٩ نشر مكتبة التراث الإسلامي ١٣٨٩ هـ) .

(٤) حديث: " اللهم اغفر لي ما قدمت. . . . " أخرجه مسلم من حديث علي بن أبي طالب مرفوعا، وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة (صحيح مسلم ١ / ٥٣٦ ط عيسى الحلبي، وكنز العمال ٢ / ٢٠٨ نشر مكتبة التراث الإسلامي) .

(٥) الطحطاوي على المراقي ١ / ٧١ ط العثمانية، وأصول السرخسي ١ / ٣٣٣ ط دار الكتاب العربي، والحطاب ٢ / ١٢٧، والشرح الصغير ٤ / ٧٦٦، وإنارة الدجى ١ / ١٦٦ ط الحلبي، وإعانة الطالبين ١ / ١٨٤، ومدارج السالكين ١ / ١٧٥.

رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قَال: مَنْ قَال أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْل زَبَدِ الْبَحْرِ (١) وَوَرَدَتْ رِوَايَاتٌ أُخْرَى يَذْكُرُهَا الْفُقَهَاءُ فِي الذِّكْرِ الْوَارِدِ عَقِبَ الصَّلاَةِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ ﷺ: مَنِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى فِي دُبُرِ كُل صَلاَةٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَقَال: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غَفَرَ اللَّهُ ﷿ ذُنُوبَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ (٢)

الاِسْتِغْفَارُ فِي الاِسْتِسْقَاءِ:

١٩ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يَحْصُل الاِسْتِسْقَاءُ بِالاِسْتِغْفَارِ وَحْدَهُ (٣) . غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ

_________

(١) المجموع ٣ / ٤٨٥، وشرح ثلاثيات مسند أحمد ٢ / ٩٠٢، وفتاوى ابن تيمية ١٠ / ١٣٦، وحديث " من قال: أستغفر الله العظيم. . . " أخرجه الترمذي مرفوعا من حديث أبي سعيد الخدري ﵁، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأخرجه الطبراني موقوفا من حديث عبد الله ابن مسعود بلفظ " لا يقول رجل أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات إلا غفر له وإن كان فر من الزحف " وقال الهيثمي: ورجاله وثقوا. (صحي ومجمع الزوائد ١٠ / ٢١٠ نشر دار الكتاب العربي ١٤٠٢ هـ) .

(٢) حديث " من استغفر الله تعالى في دبر كل صلاة. . . " أخرجه ابن السني من حديث البراء بن عازب مرفوعا بهذا اللفظ، وأخرجه أبو داود والترمذي مرفوعا من عدة طرق، منها حديث ابن مسعود، ومنها حديث زيد مولى النبي ﷺ، وقال المنذري: إسناده جيد متصل. وليس في روايات أبي داود والترمذي عبارة " في دبر كل صلاة ثلاث مرات " (عمل اليوم والليلة ص ٣٨ ط دائرة المعارف العثمانية، والفتوحات الربانية على الأذكار النووية ٧ / ٢٨٧ - ٢٨٩ نشر المكتبة الإسلامية، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ٣ / ٧٦، ٧٧) .

(٣) البدائع ١ / ٢٨٣، والحطاب ٢ / ٢٠٥، والمجموع ٥ / ٩١، والمغني مع الشرح الكبير ٢ / ٢٩١ ط المنار الأولى.

يُقْصِرُهُ عَلَى ذَلِكَ (١)، مُسْتَدِلًّا بِقَوْل اللَّهِ سُبْحَانَهُ ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ (٢) لأَِنَّ الآْيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الاِسْتِغْفَارَ وَسِيلَةٌ لِلسُّقْيَا. بِدَلِيل ﴿يُرْسِل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ وَلَمْ تَزِدِ الآْيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى الاِسْتِغْفَارِ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الاِسْتِسْقَاءِ وَلَمْ يُصَل بِجَمَاعَةٍ، بَل صَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: مَا اسْتَسْقَيْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَال: لَقَدِ اسْتَسْقَيْتُ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّتِي بِهَا يُسْتَنْزَل الْغَيْثُ (٣) .

٢٠ - وَبَقِيَّةُ الْفُقَهَاءِ وَالْقَائِلُونَ بِنَدْبِ صَلاَةِ الاِسْتِسْقَاءِ وَالْخُطْبَتَيْنِ، أَوِ الْخُطْبَةِ الْوَاحِدَةِ، يُسَنُّ عِنْدَهُمْ الإِْكْثَارُ مِنْ الاِسْتِغْفَارِ فِي الْخُطْبَةِ، وَتُبَدَّل تَكْبِيرَاتُ الاِفْتِتَاحِ الَّتِي فِي خُطْبَتَيِ الْعِيدَيْنِ بِالاِسْتِغْفَارِ فِي خُطْبَتَيْ الاِسْتِسْقَاءِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَصِيغَتُهُ كَمَا أَوْرَدَهَا النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ " أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ (٤) ".

وَيُكَبَّرُ كَخُطْبَتَيِ الْعِيدَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (٥)، وَنَفَى

_________

(١) البدائع ١ / ٢٨٣، والمغني مع الشرح ٢ / ٢٨٨

(٢) سورة نوح / ٥.

(٣) ما روي عن عمر ﵁ " أنه خرج إلى الاستسقاء ولم يصل بجماعة. . . " أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة بألفاظ مقاربة (مصنف عبد الرزاق بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ٣ / ٨٧ ط المجلس العلمي ١٣٩٠ هـ، ومصنف ابن أبي شيبة ٢ / ٢٧٤ نشر دار السلفية بالهند ١٣٩٩ هـ) .

(٤) جواهر الإكليل ١ / ١٠٣، ١٠٦، والقليوبي ١ / ٣١٦، والحطاب ٢ / ٢٠٧، والمجموع ٥ / ٨٣، والمغني مع الشرح ٢ / ٢٨٨.

(٥) المغني مع الشرح ٢ / ٢٨٨.

الْحَنَفِيَّةُ التَّكْبِيرَ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلاِسْتِغْفَارِ فِي الْخُطْبَةِ (١) .

الاِسْتِغْفَارُ لِلأَْمْوَاتِ:

٢١ - الاِسْتِغْفَارُ عِبَادَةٌ قَوْلِيَّةٌ يَصِحُّ فِعْلُهَا لِلْمَيِّتِ (٢) . وَقَدْ ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ الاِسْتِغْفَارُ لِلأَْمْوَاتِ، فَفِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ وَرَدَ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِالْمَغْفِرَةِ، لَكِنْ لاَ يُسْتَغْفَرُ لِصَبِيٍّ وَنَحْوِهِ (٣) .

وَتَفْصِيل أَحْكَامِهِ يَذْكُرُهَا الْفُقَهَاءُ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ.

وَعَقِبَ الدَّفْنِ يُنْدَبُ أَنْ يَقِفَ جَمَاعَةٌ يَسْتَغْفِرُونَ لِلْمَيِّتِ، لأَِنَّهُ حِينَئِذٍ فِي سُؤَال مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُثْمَانَ قَال: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا دَفَنَ الرَّجُل وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَال: اسْتَغْفِرُوا لأَِخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثَبُّتَ فَإِنَّهُ الآْنَ يُسْأَل (٤) وَصَرَّحَ بِذَلِكَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (٥) .

٢٢ - وَمِنْ آدَابِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ،

_________

(١) الطحطاوي على مراقي الفلاح ٣٠٠.

(٢) المغني لابن قدامة ٢ / ٥٦٨ ط الرياض.

(٣) فتح القدير ١ / ٤٥٩، والبحر الرائق ١ / ١٩٨ ط العلمية، وحاشية الصعيدي على الكفاية ١ / ٣٣٤ ط الحلبي، والمجموع ٥ / ١٤٤، والمغني مع الشرح الكبير ٢ / ٣٧٢.

(٤) حديث " كان النبي ﷺ إذا دفن الرجل. . . " أخرجه أبو داود والحاكم والبزار من حديث عثمان بن عفان. قال البزار: لا يروى عن النبي ﷺ إلا من هذا الوجه، وسكت عنه المنذري. ووافق الذهبي الحاكم على تصحيحه (تلخيص الحبير ٢ / ١٣٥ ط شركة الطباعة الفنية المتحدة بالقاهرة، وعون المعبود ٣ / ٢٠٩ ط الهند، والمستدرك ١ / ٣٧٠ - ٣٧١ نشر دار الكتاب العربي) .

(٥) ابن عابدين ١ / ٦٠١، والأنوار السنية ١ / ١٢١ ط الحلبي، والمجموع ٥ / ٢٩٤، والمغني مع الشرح الكبير ٢ / ٣٨٥، والشرح الصغير للدردير ١ / ٥٦٨.

وَالشَّافِعِيَّةِ، الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لأَِهْلِهَا عَقِبَ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِمْ، وَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ (١) .

٢٣ - وَهَذَا كُلُّهُ يَخُصُّ الْمُؤْمِنَ، أَمَّا الْكَافِرُ الْمَيِّتُ فَيَحْرُمُ الاِسْتِغْفَارُ لَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالإِْجْمَاعِ (٢) .

الاِسْتِغْفَارُ عَنِ الْغِيبَةِ:

٢٤ - اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَقِّ الَّذِي اغْتَابَ، هَل يَلْزَمُهُ اسْتِحْلاَل مَنِ اُغْتِيبَ، مَعَ الاِسْتِغْفَارِ لَهُ، أَمْ يَكْفِيهِ الاِسْتِغْفَارُ؟ .

الأَْوَّل: إِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَنِ اُغْتِيبَ فَيَكْفِي الاِسْتِغْفَارُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَلأَِنَّ إِعْلاَمَهُ رُبَّمَا يَجُرُّ فِتْنَةً، وَفِي إِعْلاَمِهِ إِدْخَال غَمٍّ عَلَيْهِ. لِمَا رَوَى الْخَلاَّل بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا كَفَّارَةُ مَنِ اُغْتِيبَ أَنْ يُسْتَغْفَرَ لَهُ (٣) . فَإِنْ عَلِمَ فَلاَ بُدَّ مِنِ اسْتِحْلاَلِهِ مَعَ الاِسْتِغْفَارِ لَهُ.

الثَّانِي: يَكْفِي الاِسْتِغْفَارُ سَوَاءٌ عَلِمَ الَّذِي اُغْتِيبَ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلاَ يَجِبُ اسْتِحْلاَلُهُ، وَهُوَ قَوْل الطَّحَاوِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَالْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنِ اسْتِحْلاَل الْمُغْتَابِ إِنْ كَانَ مَوْجُودًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ، أَوْ أَحَدًا مِنْ وَرَثَتِهِ

_________

(١) المدني على كنون هامش الرهوني ٢ / ٢١٩، وفتح القدير ٢ / ٣٣٨ ط بولاق، والمجموع ٥ / ٣٠٩، وابن عابدين ١ / ٦٠٤، والبحر الرائق ٢ / ٢١٠ ط العلمية، والكافي ١ / ٣٦٦ ط المكتب الإسلامي.

(٢) المجموع ٥ / ١٤٤، وانظر الاستغفار للكافر فقرة ٢٦.

(٣) ابن عابدين ٥ / ٢٦٣، ٢٦٤، وشرح الروض ٤ / ٣٥٧ ط الميمنية، ومطالب أولي النهى ٦ / ٢١٠ ط المكتب الإسلامي، ومدارج السالكين ١ / ٢٩٠، ٢٩١، وشرح ثلاثيات مسند أحمد ١ / ٣٧٢، وشرح ميارة الكبير ٢ / ١٧٤ ط مصطفى الحلبي.

(٢) ابن عابدين ١ / ٣٥٠، الشرح الصغير ١ / ٣٣٣، ٤ / ٧٧٦ ط دار المعارف، والجمل على المنهج ١ / ٣٩٠، ٣٩١.

(٣) حديث " ما من دعاء أحب إلى الله. . . . " أخرجه الخطيب في تاريخه من حديث أبي هريرة مرفوعا، كما أخرجه بلفظ " اللهم ارحم أمة محمد رحمة عامة " قال المناوي: فيه عبد الرحمن بن يحيى بن سعيد الأنصاري، قال الذهبي في الضعفاء: لا يعرف، وفي الميزان كأنه موضوع. وحكم عليه الألباني بأنه ضعيف جدا (كنز العمال ٢ / ٧٧ نشر مكتبة التراث الإسلامي ١٣٨٩ هـ، وفيض القدير ٥ / ٤٧٨ نشر المكتبة التجارية، وضعيف الجامع الصغير بتحقيق الألباني ٥ / ١١٥ نشر المكتب الإسلامي) .

(٤) حديث " قام رسول الله ﷺ وقمنا معه. . . " أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة (فتح الباري ١٠ / ٤٣٨ ط السلفية) .

رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَل فَقَدْ خَانَهُمْ (١)

الاِسْتِغْفَارُ لِلْكَافِرِ:

٢٦ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الاِسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ مَحْظُورٌ، بَل بَالَغَ بَعْضُهُمْ فَقَال: إِنَّ الاِسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ يَقْتَضِي كُفْرَ مَنْ فَعَلَهُ، لأَِنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ الَّتِي تَدُل عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَأَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ فَهُوَ مِنْ أَهْل النَّارِ.

٢٧ - وَأَمَّا مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْكَافِرِ الْحَيِّ رَجَاءَ أَنْ يُؤْمِنَ فَيُغْفَرَ لَهُ، فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِإِجَازَةِ ذَلِكَ، وَجَوَّزَ الْحَنَابِلَةُ الدُّعَاءَ بِالْهِدَايَةِ، وَلاَ يُسْتَبْعَدُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ، كَذَلِكَ اسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ الدُّعَاءِ لأَِطْفَال الْكُفَّارِ بِالْمَغْفِرَةِ، لأَِنَّ هَذَا مِنْ أَحْكَامِ الآْخِرَةِ (٢) .

تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ بِالاِسْتِغْفَارِ:

٢٨ - الاِسْتِغْفَارُ إِنْ كَانَ بِمَعْنَى التَّوْبَةِ فَإِنَّهُ يُرْجَى أَنْ

_________

(١) حديث " لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه. . . . " أورده الترمذي ضمن رواية أخرجها من حديث ثوبان مرفوعا، وقال: حديث ثوبان حديث حسن، وأخرجه أيضا أبو داود وابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري (تحفة الأحوذي ٢ / ٣٤٢ ط السلفية) .

(٢) ابن عابدين ١ / ٣٥١، وفتح القدير ١ / ٤٦٧، وأصول السرخسي ٢ / ١٣٥، والنسفي ٢ / ١٤٨ ط الحلبي، والألوسي ١٠ / ١٤٨، ١١ / ٣٤، ٣٨ ط المنيرية، والفروق ٤ / ٢٦٠ ط دار إحياء الكتب العربية، ونهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي عليها ٢ / ٤٨٤ ط الحلبي، والمجموع ٥ / ١٤٤، والمغني مع الشرح الكبير ٢ / ٣٥٧، والفروع ١ / ٦٩٩، وفتاوى ابن تيمية ١ / ١٤٦، ١٤٧، وفتح الباري ٣ / ١٧٧ ط البهية، واقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية ٤٤٥ ط دار المجد، والآداب الشرعية ١ / ٤١٦.

يُكَفَّرَ بِهِ الذُّنُوبُ إِنْ تَوَافَرَتْ فِيهِ شُرُوطُ التَّوْبَةِ، يَقُول اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿وَمَنْ يَعْمَل سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (١) وَيَقُول ﷺ رَسُول اللَّهِ: مَنِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى فِي دُبُرِ كُل صَلاَةٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَقَال: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ (٢) وَقَدْ قِيل: لاَ صَغِيرَةَ مَعَ الإِْصْرَارِ، وَلاَ كَبِيرَةَ مَعَ الاِسْتِغْفَارِ فَالْمُرَادُ بِالاِسْتِغْفَارِ هُنَا التَّوْبَةُ. (٣)

٢٩ - فَإِنْ كَانَ الاِسْتِغْفَارُ عَلَى وَجْهِ الاِفْتِقَارِ وَالاِنْكِسَارِ دُونَ تَحَقُّقِ التَّوْبَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ، فَالشَّافِعِيَّةُ قَالُوا: إِنَّهُ يُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ دُونَ الْكَبَائِرِ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ تُغْفَرُ بِهِ الذُّنُوبُ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ، وَهُوَ مَا صَرَّحَتْ بِهِ بَعْضُ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ. (٤) لِقَوْلِهِ ﷺ: الاِسْتِغْفَارُ مِمْحَاةٌ لِلذُّنُوبِ (٥) .

_________

(١) سورة النساء / ١١٠.

(٢) حديث " من استغفر الله تعالى، في دبر كل صلاة. . . . " سبق تخريجه (ر: ف / ١٨)

(٣) مرقاة المفاتيح ٣ / ٦٦، ٧٧، وابن عابدين ٥ / ٣٥٢، والطحطاوي على مراقي الفلاح ١ / ١٧٢، والفتوحات الربانية ٧ / ٢٨٢، ومدارج السالكين ١ / ٢٩٠، ٣٠٨، وشرح ميارة الصغير ٢ / ١٨١ ط الحلبي، والزواجر لابن حجر ١ / ٩، وفتح الباري ١١ / ٨١ ط البهية، وفتاوى ابن تيمية ١٠ / ٦٥٥، ١٥ / ٤١، والمغني مع الشرح ٢ / ٨٠ ط المنار الأولى.

(٤) ابن عابدين ١ / ٢٨٨، ومرقاة المفاتيح ٣ / ٨١، وفتاوى ابن تيمية ١٠ / ٦٥٥، ومرقاة المفاتيح ٣ / ٤٨٠، ومدارج السالكين ١ / ٢٩٠ ط السنة المحمدية.

(٥) حديث " الاستغفار ممحاة. . . " أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث حذيفة بن اليمان، وفيه عبيد بن كثير التمار. قال الذهبي: قال الأزدي: متروك عن عبيد الله بن خراش، ضعفه الدارقطني عن عمه العوام بن هوشب، ورمز الألباني إلى أنه ضعيف جدا (فيض القدير ٣ / ١٧٧ ط المكتبة التجارية، وضعيف الجامع الصغير بتحقيق الألباني ٢ / ٢٧٧ نشر المكتب الإسلامي) .

الاِسْتِغْفَارُ عِنْدَ النَّوْمِ:

٣٠ - يُسْتَحَبُّ الاِسْتِغْفَارُ عِنْدَ النَّوْمِ مَعَ بَعْضِ الأَْدْعِيَةِ الأُْخْرَى، لِيَكُونَ الاِسْتِغْفَارُ خَاتِمَةَ عَمَلِهِ إِذَا رُفِعَتْ رُوحُهُ، (١) رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: مَنْ قَال حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْل زَبَدِ الْبَحْرِ (٢) .

الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْمُشَمِّتِ:

٣١ - يُسَنُّ لِلْعَاطِسِ أَنْ يَدْعُوَ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَنْ شَمَّتَهُ بِقَوْلِهِ: " يَرْحَمُكَ اللَّهُ " فَيَقُول لَهُ الْعَاطِسُ: " يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ " أَوْ يَقُول لَهُ: " يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ (٣) " أَوْ يَقُول: " يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ "، لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا عَطَسَ فَقِيل لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، قَال: يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ (٤) .

_________

(١) مرقاة المفاتيح ٣ / ٧٧، والفواكه الدواني ٢ / ٤٣٢، والأذكار للنووي ٨٨ وما بعدها ط الحلبي، والشرح الصغير ٤ / ٧٦٥، ومجموعة التوحيد لابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ٦٦٥، ٦٦٦.

(٢) حديث " من قال حين يأوي إلى فراشه. . . . . " أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعا وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (تحفة الأحوذي ٩ / ٣٤١ نشر المكتبة السلفية) .

(٣) ابن عابدين ١ / ٣٦٦، والفواكه الدواني ٢ / ٤٥١، والأذكار ص ٢٤١ ط الحلبي، والشرح الصغير ٤ / ٧٦٥.

(٤) شرح ثلاثيات مسند أحمد ١ / ٣٣٣، والأثر عن عبد الله بن عمر أخرجه مالك (شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك ٤ / ٣٦٥ ط مطبعة الاستقامة ١٣٧٩ هـ) .

اخْتِتَامُ الأَْعْمَال بِالاِسْتِغْفَارِ:

٣٢ - الْمُتَتَبِّعُ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَالأَْذْكَارِ النَّبَوِيَّةِ يَجِدُ اخْتِتَامَ كَثِيرٍ مِنَ الأَْعْمَال بِالاِسْتِغْفَارِ، فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ بِالاِسْتِغْفَارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ (١) .

٣٣ - وَفِي اخْتِتَامِ الصَّلاَةِ، وَتَمَامِ الْوُضُوءِ يُنْدَبُ الاِسْتِغْفَارُ كَمَا تَقَدَّمَ (٢) .

٣٤ - وَالاِسْتِغْفَارُ فِي نِهَايَةِ الْمَجْلِسِ كَفَّارَةٌ لِمَا يَقَعُ فِي الْمَجْلِسِ مِنْ لَغَطٍ، رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَال قَبْل أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ (٣) .

٣٥ - وَمِنْ آكِدِ أَوْقَاتِ الاِسْتِغْفَارِ: السَّحَرُ (آخَرُ اللَّيْل) (٤) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَبِالأَْسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ (٥) وَلِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ: يَنْزِل رَبُّنَا ﵎ كُل لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ

_________

(١) مدارج السالكين، والآية من سورة النصر / ٣.

(٢) انظر فقرة ١٠.

(٣) إتحاف السادة المتقين ٨ / ٦٥، وتنبيه الغافلين ١٤٤، والألوسي ٢٠ / ٢٥٨ ط المنيرية، والأذكار للنووي ٢٦٥ ط الحلبي، وفتاوى ابن تيمية ١٠ / ٢٦٢. وحديث " من جلس مجلسا. . . " أخرجه أبو داود والترمذي واللفظ له، والنسائي وابن حبان في صحيحه، والحاكم، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب (الترغيب والترهيب ٣ / ٢١٧ ط مطبعة السعادة ١٣٨٠ هـ) .

(٤) الزرقاني على الموطأ ٢ / ٣٥، ٣٦ ط الاستقامة، وإعانة الطالبين ١ / ٢٦٨ ط الحلبي، والمغني مع الشرح الكبير ١ / ٧٧٧ ط المنار الثالثة، وفتاوى ابن تيمية ١٠ / ١٣٦، وتفسير أبي السعود ١ / ٢٢١ ط صبيح.

(٥) سورة الذاريات / ١٨.

اللَّيْل الأَْخِيرِ، فَيَقُول: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ . (١)

اسْتِغْلاَل

اُنْظُرْ: اسْتِثْمَار

اسْتِفَاضَة

التَّعْرِيفُ:

١ - الاِسْتِفَاضَةُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ اسْتَفَاضَ. يُقَال: اسْتَفَاضَ الْحَدِيثُ وَالْخَبَرُ وَفَاضَ بِمَعْنَى: ذَاعَ وَانْتَشَرَ (٢) .

وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ لَهُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (٣) .

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:

٢ - الاِسْتِفَاضَةُ مُسْتَنَدٌ لِلشَّهَادَةِ، يَسْتَنِدُ إِلَيْهَا الشَّاهِدُ فِي شَهَادَتِهِ، فَتَقُومُ مَقَامَ الْمُعَايَنَةِ فِي أُمُورٍ

_________

(١) حديث " ينزل ربنا ﵎ كل ليلة. . . . " أخرجه البخاري ومسلم ومالك والترمذي وغيرهم من حديث أبي هريرة مرفوعا (الترغيب والترهيب ٣ / ٢٩٣ ط مطبعة السعادة ١٣٨٠ هـ. وشرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك ٢ / ٣٥ - ٣٧ ط مطبعة الاستقامة ١٣٧٣ هـ) .

(٢) لسان العرب والمصباح المنير مادة (فيض) .

(٣) جواهر الإكليل ٢ / ٢٤١، ٢٤٢ ط دار المعرفة بيروت، وبدائع الصنائع ٦ / ٢٦٦ ط الجمالية، ومغني المحتاج ٤ / ٤٤٨، ٤٤٩ ط مصطفى الحلبي، والمغني ٩ / ١٦١ ط الرياض الحديثة.