الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤
الاِسْتِغْفَارُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ وَالتَّوْبَةِ، وَسَتَأْتِي صِلَتُهُ بِهَذِهِ الأَْلْفَاظِ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّوْبَةُ:
٢ - الاِسْتِغْفَارُ وَالتَّوْبَةُ يَشْتَرِكَانِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا رُجُوعٌ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، كَذَلِكَ يَشْتَرِكَانِ فِي طَلَبِ إِزَالَةِ مَا لاَ يَنْبَغِي، إِلاَّ أَنَّ الاِسْتِغْفَارَ طَلَبٌ مِنَ اللَّهِ لإِزَالَتِهِ. وَالتَّوْبَةُ سَعْيٌ مِنَ الإِْنْسَانِ فِي إِزَالَتِهِ. (١)
وَعِنْدَ الإِْطْلاَقِ يَدْخُل كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مُسَمَّى الآْخَرِ، وَعِنْدَ اقْتِرَانِهِمَا يَكُونُ الاِسْتِغْفَارُ طَلَبُ وِقَايَةِ شَرِّ مَا مَضَى وَالتَّوْبَةُ الرُّجُوعُ وَطَلَبُ وِقَايَةِ شَرِّ مَا يَخَافُهُ فِي الْمُسْتَقْبَل مِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِهِ، فَفِي التَّوْبَةِ أَمْرَانِ لاَ بُدَّ مِنْهُمَا: مُفَارَقَةُ شَيْءٍ، وَالرُّجُوعُ إِلَى غَيْرِهِ، فَخُصَّتِ التَّوْبَةُ بِالرُّجُوعِ وَالاِسْتِغْفَارُ بِالْمُفَارَقَةِ، وَعِنْدَ إِفْرَادِ أَحَدِهِمَا يَتَنَاوَل كُلٌّ مِنْهُمَا الآْخَرَ. (٢)
وَعِنْدَ الْمَعْصِيَةِ يَكُونُ الاِسْتِغْفَارُ الْمَقْرُونُ بِالتَّوْبَةِ عِبَارَةٌ عَنْ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ بِاللِّسَانِ، وَالتَّوْبَةُ عِبَارَةٌ عَنِ الإِْقْلاَعِ عَنِ الذَّنْبِ بِالْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ. (٣)
ب - الدُّعَاءُ:
٣ - كُل دُعَاءٍ فِيهِ سُؤَال الْغُفْرَانِ فَهُوَ اسْتِغْفَارٌ. (٤) إِلاَّ أَنَّ بَيْنَ الاِسْتِغْفَارِ وَالدُّعَاءِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ
_________
(١) الفخر الرازي ١٧ / ١٨١، ١٨٢ ط البهية، ٢٧ / ٩٩ ط أولى.
(٢) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ٣ / ٤٦٠، ومدارج السالكين ١ / ٣٠٨ ط السنة المحمدية.
(٣) شرح ثلاثيات مسند أحمد ٢ / ٩٠٢ المكتب الإسلامي.
(٤) الفتوحات الربانية ٧ / ٢٧٣.
وَجْهٍ، يَجْتَمِعَانِ فِي طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ، وَيَنْفَرِدُ الاِسْتِغْفَارُ إِنْ كَانَ بِالْفِعْل لاَ بِالْقَوْل، كَمَا يَنْفَرِدُ الدُّعَاءُ إِنْ كَانَ بِطَلَبِ غَيْرِ الْمَغْفِرَةِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلاِسْتِغْفَارِ:
٤ - الأَْصْل فِي الاِسْتِغْفَارِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، (١) لِقَوْل اللَّهِ سُبْحَانَهُ. ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (٢) يُحْمَل عَلَى النَّدْبِ، لأَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، لَكِنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ عَنِ النَّدْبِ إِلَى الْوُجُوبِ (٣) كَاسْتِغْفَارِ النَّبِيِّ ﷺ وَكَالاِسْتِغْفَارِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ (٤) .
وَقَدْ يَخْرُجُ إِلَى الْكَرَاهَةِ كَالاِسْتِغْفَارِ لِلْمَيِّتِ خَلْفَ الْجِنَازَةِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ.
وَقَدْ يَخْرُجُ إِلَى الْحُرْمَةِ، كَالاِسْتِغْفَارِ لِلْكُفَّارِ (٥) .
الاِسْتِغْفَارُ الْمَطْلُوبُ:
٥ - الاِسْتِغْفَارُ الْمَطْلُوبُ هُوَ الَّذِي يُحِل عُقْدَةَ الإِْصْرَارِ، وَيَثْبُتُ مَعْنَاهُ فِي الْجَنَانِ، لاَ التَّلَفُّظُ
_________
(١) القرطبي ٤ / ٣٩ دار الكتب المصرية، والشرح الصغير ٤ / ٧٦٥ ط. دار المعارف، والفتوحات الربانية ٧ / ٢٧٢، وشرح ثلاثيات مسند أحمد ٢ / ٩٠٢، وإتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين ٥ / ٥٦ ط الميمنية.
(٢) سورة المزمل / ٢٠.
(٣) الفخر الرازي ٥ / ١٩٩ ط عبد الرحمن محمد، والفواكه الدواني ٢ / ٣٩٦ ط الحلبي، وإتحاف السادة المتقين ٨ / ٥١١.
(٤) منح الجليل ١ / ٣٠٦ ط ليبيا.
(٥) ابن عابدين ١ / ٣٠١ ط بولاق، والفروق ٤ / ٢٦٠ ط دار إحياء الكتب العربية، ونهاية المحتاج مع حاشية الشبراملسي عليها ٢ / ٤٨٤ ط الحلبي، والمغني مع الشرح الكبير ٢ / ٣٥٧.
بِاللِّسَانِ، فَإِنْ كَانَ بِاللِّسَانِ - وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ - فَإِنَّهُ ذَنْبٌ يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِغْفَارٍ (١) . كَمَا رُوِيَ: التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ، كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ، وَالْمُسْتَغْفِرُ مِنَ الذَّنْبِ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِرَبِّهِ (٢)
وَيُطْلَبُ لِلْمُسْتَغْفِرِ بِلِسَانِهِ أَنْ يَكُونَ مُلاَحِظًا لِهَذِهِ الْمَعَانِي بِجِنَانِهِ، لِيَفُوزَ بِنَتَائِجِ الاِسْتِغْفَارِ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ ذَلِكَ فَيَسْتَغْفِرُ بِلِسَانِهِ، وَيُجَاهِدُ نَفْسَهُ عَلَى مَا هُنَالِكَ، فَالْمَيْسُورُ لاَ يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ (٣) . فَإِنِ انْتَفَى الإِْصْرَارُ، وَكَانَ الاِسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ مَعَ غَفْلَةِ الْقَلْبِ، فَفِيهِ رَأْيَانِ:
الأَْوَّل: وَصْفُهُ بِأَنَّهُ تَوْبَةُ الْكَذَّابِينَ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ جَعَلُوهُ مَعْصِيَةً لاَحِقَةً بِالْكَبَائِرِ، وَقَال الآْخَرُونَ: بِأَنَّهُ لاَ جَدْوَى مِنْهُ فَقَطْ. (٤)
الثَّانِي: اعْتِبَارُهُ حَسَنَةً وَهُوَ قَوْل الْحَنَابِلَةِ، وَقَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، لأَِنَّ الاِسْتِغْفَارَ عَنْ غَفْلَةٍ خَيْرٌ مِنَ الصَّمْتِ وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى اسْتِغْفَارٍ، لأَِنَّ اللِّسَانَ إِذَا أَلِفَ ذِكْرًا يُوشِكُ أَنْ يَأْلَفَهُ الْقَلْبُ فَيُوَافِقُهُ
_________
(١) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ٣ / ٤٦٠، ٤٨٥، وتنبيه الغافلين ص ١٩٧ ط المشهد الحسيني، والفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية ٧ / ٢٦٧، وشرح ثلاثيات مسند أحمد ٢ / ٩٠٣.
(٢) خبر " التائب من الذنب كمن لا ذنب له. . . " أخرجه البيهقي وابن عساكر كما في الفتوحات الربانية ٧ / ٢٦٨ نشر المكتبة الإسلامية.
(٣) شرح الأذكار ٧ / ٢٦٨.
(٤) إتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين ٨ / ٦٠٤، ٦٠٥، والفتوحات الربانية ٧ / ٢٦٨، والفواكه الدواني ٢ / ٣٩٦ ط الحلبي، ومرقاة المفاتيح ٣ / ٤٦٠.
عَلَيْهِ، وَتَرْكُ الْعَمَل لِلْخَوْفِ مِنْهُ مِنْ مَكَايِدِ الشَّيْطَانِ. (١)
صِيَغُ الاِسْتِغْفَارِ:
٦ - وَرَدَ الاِسْتِغْفَارُ بِصِيَغٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَالْمُخْتَارُ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُول: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ. (٢)
٧ - وَمِنْ أَفْضَل أَنْوَاعِ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُول الْعَبْدُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. (٣) وَهَذَا عَلَى سَبِيل الْمِثَال وَلَيْسَ الْحَصْرِ كَمَا
_________
(١) شرح ثلاثيات مسند أحمد ٢ / ٩٠٣، وإتحاف السادة المتقين ٨ / ٦٠٧، ومرقاة المفاتيح ٣ / ٨١٠ ط المكتبة الإسلامية، والفتوحات الربانية ٧ / ٢٩٢، واليواقيت والجواهر شرح بيان عقائد الأكابر ٢ / ١٠٤ ط دار المعرفة.
(٢) تفسير القرطبي ٤ / ٤٠، والأذكار ٧١، ٣٥٩ ط الحلبي، ومدارج السالكين ١ / ٢٢١ ط نصار، وفتاوى ابن تيمية ١٠ / ٢٤٩، وإتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين ٥ / ٦٠، والكلم الطيب والعمل الصالح لابن القيم ص ٢٢ ط الرياض. وحديث شداد بن أوس أخرجه البخاري (فتح الباري ١١ / ٩٧ ط السلفية) .
(٣) حديث " أستغفر الله الذي. . . . " أخرجه أبو داود والترمذي مرفوعا من حديث زيد مولى النبي ﷺ بلفظ " أنه سمع النبي ﷺ يقول: من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فر من الزحف " قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقا والفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية ٧ / ٢٨٧ - ٢٨٩ نشر المكتبة الإسلامية، ومجمع الزوائد ١٠ / ٢١٠ نشر مكتبة القدسي) .
أَنَّ بَعْضَ الأَْوْقَاتِ وَبَعْضَ الْعِبَادَاتِ تَخْتَصُّ بِصِيَغٍ مَأْثُورَةٍ تَكُونُ أَفْضَل مِنْ غَيْرِهَا وَيَنْبَغِي التَّقَيُّدُ بِأَلْفَاظِهَا، وَمَوْطِنُ بَيَانِهَا غَالِبًا كُتُبُ السُّنَّةِ وَالأَْذْكَارِ وَالآْدَابِ، فِي أَبْوَابِ الدُّعَاءِ وَالاِسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ.
وَإِذَا كَانَتْ صِيَغُ الاِسْتِغْفَارِ السَّابِقَةِ مَطْلُوبَةً فَإِنَّ بَعْضَ صِيَغِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، (١) فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ (٢)
اسْتِغْفَارُ النَّبِيِّ ﷺ:
٨ - اسْتِغْفَارُ النَّبِيِّ ﵊ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ (٣)، وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ وَالْمُفَسِّرُونَ وُجُوهًا عَدِيدَةً فِي اسْتِغْفَارِهِ ﷺ مِنْهَا: أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ مَا كَانَ مِنْ سَهْوٍ أَوْ غَفْلَةٍ، أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَنْ ذَنْبٍ، وَإِنَّمَا كَانَ لِتَعْلِيمِ أُمَّتِهِ، وَرَأْيُ السُّبْكِيِّ: أَنَّ اسْتِغْفَارَ النَّبِيِّ ﷺ لاَ يَحْتَمِل إِلاَّ وَجْهًا وَاحِدًا، وَهُوَ: تَشْرِيفُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَنْبٌ، لأَِنَّهُ ﷺ
_________
(١) مرقاة المفاتيح ٢ / ٦٣٤ ط المكتبة الإسلامية، والزرقاني على الموطأ ٢ / ٣٤ ط الاستقامة، والفتاوى الكبرى لابن حجر ١ / ١٤٩ ط عبد الحميد أحمد حنفي، وفتح المجيد شرح كتاب التوحيد ٤٥٢ ط دار الكتب العلمية.
(٢) حديث " لا يقولن أحدكم. . . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ١١ / ١٣٩ ط السلفية) .
(٣) سورة محمد / ١٩.
لاَ يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. (١)
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَسْتَغْفِرُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ سَبْعِينَ مَرَّةً، وَمِائَةَ مَرَّةٍ، (٢) بَل كَانَ أَصْحَابُهُ يَعُدُّونَ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ قَبْل أَنْ يَقُومَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ مِائَةَ مَرَّةٍ. (٣)
الاِسْتِغْفَارُ فِي الطَّهَارَةِ:
أَوَّلًا: الاِسْتِغْفَارُ عَقِبَ الْخُرُوجِ مِنَ الْخَلاَءِ:
٩ - يُنْدَبُ الاِسْتِغْفَارُ بَعْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَعِنْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْخَلاَءِ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ قَال: غُفْرَانَكَ. (٤) وَوَجْهُ سُؤَال الْمَغْفِرَةِ هُنَا كَمَا قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ - هُوَ
_________
(١) الفتوحات الربانية ٧ / ٢٦٩، والزرقاني على خليل ١ / ٧٧ ط دار الفكر، والفواكه الدواني ٢ / ٤٣٢، ومرقاة المفاتيح ٣ / ٦٠، وفتاوى ابن تيمية ١٥ / ٥٧، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ٣ / ٤٦٤.
(٢) مدارج السالكين ١ / ١٧٨، ١٧٩، والحطاب ١ / ٢٧١ ط النجاح.
(٣) أخرج أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه من حديث ابن عمر أنه قال: إنا كنا نعد لرسول الله ﷺ في المجلس يقول: " رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور " مائة مرة. قال الألباني: صحيح على شرط الشيخين. ولكن الرواة اختلفوا على مالك في قوله " الغفور " (مشكاة المصابيح نشر المكتب الإسلامي، وسلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني ٢ / ٨٩ نشر المكتب الإسلامي) .
(٤) حديث " كان النبي ﷺ إذا خرج من الخلاء. . . " أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه من حديث عائشة. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، والحديث صححه الحاكم وأبو حاتم. قال في البدر المنير: ورواه الدارمي وصححه ابن خزيمة وابن حبان (نيل الأوطار ١ / ٨٨ ط دار الجيل، وتحفة الأحوذي ١ / ٤٩ نشر المكتبة السلفية) .
الْعَجْزُ عَنْ شُكْرِ النِّعْمَةِ فِي تَيْسِيرِ الْغِذَاءِ، وَإِيصَال مَنْفَعَتِهِ، وَإِخْرَاجِ فَضْلَتِهِ. (١)
ثَانِيًا: الاِسْتِغْفَارُ بَعْدَ الْوُضُوءِ:
١٠ - يُسَنُّ الاِسْتِغْفَارُ ضِمْنَ الذِّكْرِ الْوَارِدِ عِنْدَ إِتْمَامِ الْوُضُوءِ (٢) رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: مَنْ تَوَضَّأَ فَقَال: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ، وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، كُتِبَ فِي رَقٍّ، ثُمَّ جُعِل فِي طَابَعٍ، فَلَمْ يُكْسَرْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (٣)
وَقَدْ وَرَدَتْ صِيَغٌ أُخْرَى تَتَضَمَّنُ الاِسْتِغْفَارَ عَقِبَ الاِنْتِهَاءِ مِنَ الْوُضُوءِ وَأَثْنَاءَهُ يَذْكُرُهَا الْفُقَهَاءُ فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ.
الاِسْتِغْفَارُ عِنْدَ دُخُول الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ:
١١ - يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، الاِسْتِغْفَارُ عِنْدَ دُخُول الْمَسْجِدِ وَعِنْدَ الْخُرُوجِ
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٢٣٠، والفواكه الدواني ٢ / ٤٣٤ مصطفى الحلبي، والكافي لابن عبد البر ١ / ١٧٢ ط الرياض، والحطاب ١ / ٢٧٠، ٢٧١، وشرح الروض ١ / ٧٢، والمغني لابن قدامة ١ / ١٦٨ ط الرياض.
(٢) ابن عابدين ١ / ٨٧ ط بولاق، وحاشية البناني على عبد الباقي ١ / ٧٣ ط دار الفكر، والفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية ٢ / ٣١٧، ومدارج السالكين ١ / ١٧٦.
(٣) حديث أبي سعيد الخدري ﵁ أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط مسلم. قال ابن حجر الهيثمي: إنه ضعيف وإن قال الحاكم إنه صحيح. رواه سفيان الثوري عن أبي هاشم فرفعه. وأخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ مقارب، ورواته رواة الصحيح، وصوب النسائي وقفه على أبي سعيد الخدري (الفتوحات الربانية ٢ / ٢٠ نشر المكتبة الإسلامية، ومجمع الزوائد ١ / ٢٣٩ نشر دار الكتاب العربي ١٤٠٢ هـ) .
مِنْهُ (١) . لِمَا وَرَدَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَالَتْ: كَانَ رَسُول اللَّهِ إِذَا دَخَل الْمَسْجِدَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ، وَقَال: رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ، وَقَال: رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ (٢)
وَالْوَارِدُ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَقُول عِنْدَ دُخُول الْمَسْجِدِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَعِنْدَ خُرُوجِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ (٣)
الاِسْتِغْفَارُ فِي الصَّلاَةِ:
أَوَّلًا - الاِسْتِغْفَارُ فِي افْتِتَاحِ الصَّلاَةِ:
١٢ - جَاءَ الاِسْتِغْفَارُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي دُعَاءِ الاِفْتِتَاحِ فِي الصَّلاَةِ، وَأَخَذَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ مُطْلَقًا، وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي صَلاَةِ اللَّيْل، (٤) مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ
_________
(١) شرح ميارة الصغير ٢ / ١٣٧ ط الحلبي، ومنح الجليل ١ / ٥٦ ط ليبيا، والجمل ١ / ٤٥٣، والمغني لابن قدامة ١ / ٤٥٥ ط الرياض، والأذكار النووية ٢٥ ط البارودي ودار الفلاح، وكشاف القناع ١ / ٣٠١.
(٢) حديث فاطمة بنت رسول الله ﷺ أخرجه ابن ماجه والترمذي وحسنه لكثرة طرقه (تحفة الأحوذي ٢ / ٢٥٣ - ٢٥٥ نشر المكتبة السلفية، وسنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ١ / ٢٥٣ ط عيسى الحلبي) .
(٣) مراقي الفلاح ص ٢١٥، ٢١٦ ط بولاق. أخرج مسلم من حديث أبي أسيد مرفوعا " إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك " (صحيح مسلم ١ / ٤٩٤ ط عيسى الحلبي) .
(٤) المجموع ٣ / ٣١٥ ط المنيرية، والمغني لابن قدامة ١ / ٤٧٤ ط الرياض، والأذكار ص ٤٣، ٤٤، وفتاوى ابن تيمية ١٠ / ٢٤٩، والكلم الطيب والعمل الصالح لابن القيم ص ٢٢٠ ط الرياض.
﵊: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. (١)
وَيُكْرَهُ الاِفْتِتَاحُ فِي الْمَكْتُوبَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (٢)
وَمَحَل الاِسْتِغْفَارِ فِي دُعَاءِ الاِفْتِتَاحِ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي سُنَنِ الصَّلاَةِ، أَوْ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلاَةِ.
ثَانِيًا: الاِسْتِغْفَارُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ:
١٣ يُسَنُّ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ فِي الرُّكُوعِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ. رَوَتْ عَائِشَةُ ﵂ قَالَتْ: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَقُول فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي (٣) يَتَأَوَّل الْقُرْآنَ، أَيْ يُحَقِّقُ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ﴾ (٤) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَجْعَلُونَ ذَلِكَ لِلْمُنْفَرِدِ، وَلإِمَامِ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَضُوا بِالتَّطْوِيل. وَلاَ يَأْتِي بِغَيْرِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يُجِيزُونَ الاِسْتِغْفَارَ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ (٥) .
_________
(١) حديث " اللهم إني ظلمت نفسي ظلما. . . . . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ٢ / ٣١٧ ط السلفية) .
(٢) الكافي لابن عبد البر ١ / ٢٠٦ ط الرياض.
(٣) حديث عائشة أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي (التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول ١ / ١٩٠ ط دار إحياء التراث العربي ١٣٨١ هـ) .
(٤) سورة النصر / ٣.
(٥) الزرقاني على خليل ١ / ٢١٧، وابن عابدين ١ / ٣٤٠ والجمل على المنهج ١ / ٣٦٤ ط دار إحياء التراث العربي، والزوائد في فقه الإمام أحمد ١ / ١٢٠ ط السلفية.
١٤ - وَفِي السُّجُودِ يُنْدَبُ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ كَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ السَّابِقِ (١) . .
١٥ - وَفِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ يُسَنُّ الاِسْتِغْفَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَالأَْصْل فِي هَذَا مَا رَوَى حُذَيْفَةُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَكَانَ يَقُول بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي. (٢)
وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الاِسْتِغْفَارُ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يُعَلِّمْهُ الْمُسِيءَ صَلاَتَهُ. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَهُوَ قَوْل إِسْحَاقَ وَدَاوُدَ، وَأَقَلُّهُ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَقَل الْكَمَال ثَلاَثٌ، وَالْكَمَال لِلْمُنْفَرِدِ مَا لاَ يُخْرِجُهُ إِلَى السَّهْوِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلإِْمَامِ: مَا لاَ يَشُقُّ عَلَى الْمُصَلِّينَ. (٣)
الاِسْتِغْفَارُ فِي الْقُنُوتِ:
١٦ - جَاءَ الاِسْتِغْفَارُ فِي أَلْفَاظِ الْقُنُوتِ، قُنُوتِ النَّبِيِّ ﷺ وَقُنُوتِ عُمَرَ، وَأَلْفَاظُهُ كَبَقِيَّةِ الأَْلْفَاظِ الْوَارِدَةِ، وَلَمْ نَقِفْ عَلَى أَمْرٍ يَخُصُّهُ، إِلاَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ
_________
(١) المراجع السابقة.
(٢) حديث " أن النبي ﷺ كان يقول بين السجدتين. . . . " أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث حذيفة، وأخرجه أيضا الترمذي وأبو داود مطولا، والحديث أصله في مسلم (نيل الأوطار ٢ / ٢٩٣ ط دار الجيل، وتحفة الأحوذي ٢ / ١٦٢ نشر السلفية) .
(٣) ابن عابدين ١ / ٣٤٠، والحطاب ١ / ٥٤٥، والخرشي ١ / ٢٩٠ ط دار صادر، والزرقاني على خليل ١ / ٢١٧، ونهاية المحتاج ١ / ٤٩٦ ط الحلبي، والزوائد ١ / ١٢٠ ط السلفية، ومغني ابن قدامة ١ / ٥٠٣، ٥٢٢ ط الرياض، والفتاوى الحامدية الكبرى ص / ٧٨ ط دار نشر الثقافة.