الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤
أَوَّل الرَّكْعَةِ الأُْولَى.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: مَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ النَّوَافِل، وَفِي هَذَا النَّوْعِ اسْتِفْتَاحٌ آخَرُ يَقُولُهُ فِي أَوَّل الْقِيَامِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ. قَالُوا: وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا. وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا، إلاَّ أَنَّهُ فِي الأَْصْل نَفْلٌ عَرَضَ لَهُ الاِفْتِرَاضُ. قَالُوا: يَسْتَفْتِحُ الْمَرَّةَ الأُْخْرَى، لأَِنَّ كُل اثْنَتَيْنِ مِنَ الأَْرْبَعِ صَلاَةٌ عَلَى حِدَةٍ، أَيْ مِنْ بَعْضِ الأَْوْجُهِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مَرْوِيَّةً عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَإِنَّمَا هِيَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَال: وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَانٍ: أَنَّهُ يَسْتَفْتِحُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَطْ كَالنَّوْعِ الأَْوَّل (١) .
اسْتِفْتَاحُ الْقَارِئِ:
١٧ - الاِسْتِفْتَاحُ أَنْ يَطْلُبَ الْقَارِئُ بِقَوْلِهِ أَوْ حَالَةَ الْفَتْحِ إِذَا اُرْتُجَّ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَعْلَمْ مَا يَقْرَأُ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي قِرَاءَةٍ فَنَسِيَ مَا بَعْدَ الآْيَةِ الَّتِي يَقْرَؤُهَا، أَمْ أَرَادَ ابْتِدَاءَ الْقِرَاءَةِ فَلَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُول. وَالْفَتْحُ عَلَيْهِ أَنْ تُخْبِرَهُ بِمَا نَسِيَهُ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلإِْمَامِ أَنْ يُلْجِئَ الْمَأْمُومَ إلَى الْفَتْحِ عَلَيْهِ. وَلِلإِْمَامِ بَدَل ذَلِكَ أَنْ يَرْكَعَ إِذَا قَرَأَ قَدْرَ الْفَرْضِ. وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ قَدْرَ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ. وَانْظُرْ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (إمَامَة) (وَفَتْحٌ عَلَى الإِْمَامِ) .
الاِسْتِفْتَاحُ (بِمَعْنَى الاِسْتِنْصَارِ):
١٨ - يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْقِتَال أَنْ يَدْعُوَ الْمُسْلِمُونَ اللَّهَ
_________
(١) الدر المختار ورد المحتار ١ / ٤٥٤، ٤٥٥، وحاشية الطحطاوي على الدر.
تَعَالَى أَنْ يَفْتَحَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يَنْصُرَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَذْكَارٌ مُعَيَّنَةٌ فِي وَقَائِعَ مُخْتَلِفَةٍ ر: (دُعَاء) وَ(جِهَاد) .
الاِسْتِفْتَاحُ (بِمَعْنَى طَلَبِ الْعِلْمِ بِالْمَغِيبِ):
١٩ - تَقَدَّمَ أَوَّل هَذَا الْبَحْثِ أَنَّ اسْتِعْمَال هَذِهِ الْكَلِمَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى دَائِرٌ فِي كَلاَمِ الْعَوَّامِ. وَأَنَّهُ يَقِل فِي كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ.
وَفِي حُكْمِهِ قَوْلاَنِ لِلْفُقَهَاءِ فِي اسْتِفْتَاحِ الْفَأْل فِي الْمُصْحَفِ:
الأَْوَّل: أَنَّهُ حَرَامٌ. نُقِل عَنِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْبُهُوتِيُّ عَنِ الشَّيْخِ (ابْنِ تَيْمِيَّةَ) . (١) وَصَرَّحَ بِهِ الْقَرَافِيُّ وَالطُّرْطُوشِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، قَال الطُّرْطُوشِيُّ: لأَِنَّهُ مِنْ بَابِ الاِسْتِقْسَامِ بِالأَْزْلاَمِ، لأَِنَّ الْمُسْتَقْسِمَ يَطْلُبُ قَسْمَهُ مِنَ الْغَيْبِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَخَذَ الْفَأْل مِنَ الْمُصْحَفِ أَوْ غَيْرِهِ إنَّمَا يَعْتَقِدُ هَذَا الْمَقْصِدَ إنْ خَرَجَ جَيِّدًا اتَّبَعَهُ، أَوْ رَدِيًّا اجْتَنَبَهُ، فَهُوَ عَيْنُ الاِسْتِقْسَامِ بِالأَْزْلاَمِ الَّذِي وَرَدَ الْقُرْآنُ بِتَحْرِيمِهِ فَيَحْرُمُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الشَّافِعِيَّةِ.
الثَّالِثُ: الْجَوَازُ، وَنُقِل فِعْلُهُ عَنْ ابْنِ بَطَّةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ (٢) .
_________
(١) قلت: وهو الأولى، لما في ذلك من اعتقاد معرفة الغيب.
(٢) كشاف القناع ط الرياض ١ / ١٣٦، والفروق للقرافي ٤ / ٢٤٠.
اسْتِفْرَاش
التَّعْرِيفُ:
١ - يَقُول أَهْل اللُّغَةِ: إِذَا اتَّخَذَ الرَّجُل امْرَأَةً لِلَذَّةٍ " افْتَرَشَهَا " وَلَمْ أَجِدْ مَنْ قَال: " اسْتَفْرَشَهَا ". (١)
وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يُعَبِّرُونَ عَنْ ذَلِكَ بِالاِسْتِفْرَاشِ، وَيَقُولُونَ عَنِ الْمَرْأَةِ: مُسْتَفْرَشَةٌ، وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ إلاَّ فِي الْحِل (٢) .
وَلاَ يَرِدُ ذِكْرُ الاِسْتِفْرَاشِ فِي كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ - فِيمَا نَعْلَمُ - إلاَّ فِي مَوْضِعَيْنِ:
الأَْوَّل: فِي الْكَفَّارَةِ فِي النِّكَاحِ.
وَالثَّانِي: لِلتَّعْبِيرِ عَنِ التَّسَرِّي.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الاِسْتِمْتَاعُ:
٢ - الاِسْتِمْتَاعُ: أَعَمُّ مِنْ الاِسْتِفْرَاشِ مُطْلَقًا، إذْ يَدْخُل فِي الاِسْتِمْتَاعِ بِالْحَلاَل وَالْحَرَامِ، وَمُتْعَةِ الْحَجِّ وَغَيْرِهَا.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
٣ - الأَْصْل فِي الاِسْتِفْرَاشِ الإِْبَاحَةُ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَيْ (نِكَاحٌ) (وَتَسَرِّي) .
_________
(١) لسان العرب، وتاج العروس مادة (فرش) .
(٢) بدائع الصنائع ٣ / ١٥٢٢ طبع مطبعة الإمام، والهداية بشرح فتح القدير ٢ / ٤١٨ طبع بولاق ١٣١٥ هـ.
اسْتِفْسَار
التَّعْرِيفُ:
١ - الاِسْتِفْسَارُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ اسْتَفْسَرْتُهُ كَذَا إِذَا سَأَلْتُهُ أَنْ يُفَسِّرَهُ لِي (١) .
وَلاَ يَخْتَلِفُ مَعْنَاهُ فِي الْفِقْهِ عَنْهُ فِي اللُّغَةِ.
وَهُوَ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ: طَلَبُ ذِكْرِ مَعْنَى اللَّفْظِ، حِينَ تَكُونُ فِيهِ غَرَابَةٌ أَوْ إِجْمَالٌ (٢) .
فَالاِسْتِفْسَارُ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ أَخَصُّ مِنْهُ عِنْدَ أَهْل اللُّغَةِ وَأَهْل الْفِقْهِ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - السُّؤَال:
٢ - السُّؤَال هُوَ: الطَّلَبُ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَلَبَ تَوْضِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَقَوْلِكَ: سَأَلْتُهُ عَنْ كَذَا، وَسَأَلْتُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. أَمَّا الاِسْتِفْسَارُ فَهُوَ خَاصٌّ بِطَلَبِ التَّوْضِيحِ (٣) .
ب - الاِسْتِفْصَال:
٣ - الاِسْتِفْصَال هُوَ طَلَبُ التَّفْصِيل (ر: اسْتِفْصَالٌ)، فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الاِسْتِفْسَارِ، لأَِنَّ
_________
(١) التاج واللسان مادة: " فسر ".
(٢) شرح جمع الجوامع للمحلي ٢ / ٣٣١ ط مصطفى الحلبي، ومسلم الثبوت ٢ / ٣٣٠.
(٣) المصباح مادة: " سول ".
التَّفْسِيرَ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ التَّفْصِيل، كَمَا فِي تَفْسِيرِ اللَّفْظِ بِمُرَادِفِهِ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
٤ - حُكْمُهُ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ:
الاِسْتِفْسَارُ مِنْ آدَابِ الْمُنَاظَرَةِ، فَإِذَا خَفِيَ عَلَى الْمُنَاظِرِ مَفْهُومُ كَلاَمِ الْمُسْتَدِل لإِجْمَالٍ أَوْ غَرَابَةٍ فِي الاِسْتِعْمَال اسْتَفْسَرَهُ، وَعَلَى الْمُسْتَدِل بَيَانُ مُرَادِهِ عِنْدَ الاِسْتِفْسَارِ، حَتَّى لاَ يَكُونَ هُنَاكَ لَبْسٌ وَلاَ إيهَامٌ، وَحَتَّى تَجْرِي الْمُنَاظَرَةُ عَلَى خَيْرِ الْوُجُوهِ.
مِثَال الإِْجْمَال: أَنْ يَقُول الْمُسْتَدِل: يَلْزَمُ الْمُطَلَّقَةَ أَنْ تَعْتَدَّ بِالأَْقْرَاءِ، فَيَطْلُبُ الْمُنَاظِرُ تَفْسِيرَ الْقُرْءِ، لأَِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الطُّهْرِ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْحَيْضِ.
وَمِثَال الْغَرَابَةِ قَوْلُهُ: لاَ يَحِل السِّيدُ (بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِ الْيَاءِ) فَيَسْتَفْسِرُ الْمُنَاظِرُ مَعْنَاهُ، فَيُجِيبُهُ بِأَنَّهُ الذِّئْبُ.
هَذَا، وَيَعُدُّ الأُْصُولِيُّونَ الاِسْتِفْسَارَ مِنْ جُمْلَةِ الاِعْتِرَاضَاتِ بِمَعْنَى الْقَوَادِحِ، وَيُرَتِّبُونَهُ فِي أَوَّلِهَا، (١) وَمَوْطِنُ اسْتِيفَائِهِ الْمُلْحَقُ الأُْصُولِيُّ.
حُكْمُهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ:
٥ - عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَسْتَفْسِرَ ذَوِي الْعَلاَقَةِ الأُْمُورَ الْغَامِضَةَ، لِيَكُونَ فِي حُكْمِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، كَاسْتِفْسَارِهِ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ مُبْهَمٍ، وَاسْتِفْسَارِهِ الشَّاهِدَ السَّبَبَ، كَمَا إِذَا شَهِدَا أَنَّ بَيْنَهُمَا رَضَاعًا، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنَ التَّفْصِيل.
٦ - وَقَدْ لاَ يَجِبُ الاِسْتِفْسَارُ لاِعْتِبَارَاتٍ خَاصَّةٍ،
_________
(١) شرح جمع الجوامع للمحلي ٢ / ٣٣٠، وفواتح الرحموت المطبوع أسفل المستصفى ٢ / ٣٣٠.
كَاسْتِفْسَارِ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْمُسْكِرِ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ بِيَمِينِهِ، وَلاَ يُسْتَفْسَرُ كَيْفِيَّةُ حُصُول الإِْكْرَاهِ، دَرْءًا لِلْحُدُودِ مَا أَمْكَنَ، خِلاَفًا لِلأَْذْرَعِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ الْقَائِل بِوُجُوبِ الاِسْتِفْسَارِ. (١)
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
٧ - بَعْضُ الأُْصُولِيِّينَ أَوْرَدُوا الْمَبَادِئَ الْمَنْطِقِيَّةَ، كَمُقَدِّمَةٍ لِعِلْمِ الأُْصُول، وَذَكَرُوا الاِسْتِفْسَارَ ضِمْنَهَا، وَبَعْضُهُمْ يَذْكُرُهُ فِي مَبَاحِثِ الْقَوَادِحِ فِي الدَّلِيل.
كَمَا يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الإِْقْرَارِ، حِينَ الْكَلاَمِ عَلَى الإِْقْرَارِ بِمُبْهَمٍ، وَفِي بَحْثِ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ مِنْ كِتَابِ الطَّلاَقِ، بِمُنَاسَبَةِ كَلاَمِهِمْ عَلَى مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْمُسْكِرِ، هَل يُسْتَفْسَرُ؟ وَفِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، عِنْدَ الْكَلاَمِ عَلَى مَا يَجِبُ فِيهِ ذِكْرُ سَبَبِ الشَّهَادَةِ، وَفِي كِتَابِ الْقَضَاءِ كَذَلِكَ.
اسْتِفْصَال
التَّعْرِيفُ:
١ - يُسْتَفَادُ مِنْ سِيَاقِ عِبَارَاتِ الأُْصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ أَنَّ الاِسْتِفْصَال: طَلَبُ التَّفْصِيل. وَلَمْ تَرِدْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي الْمَعَاجِمِ اللُّغَوِيَّةِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا، وَهِيَ
_________
(١) القليوبي ٣ / ٣٣٣ ط عيسى الحلبي، والأشباه والنظائر للسيوطي ص ٣٣٥ ط التجارية.
مَعَ ذَلِكَ صَحِيحَةٌ، وَقَدْ وَرَدَتْ فِي كَلاَمِ الشَّافِعِيِّ، وَكَفَى بِهِ حُجَّةً فِي لُغَةِ الْعَرَبِ. (١)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الاِسْتِفْسَارُ:
٢ - الاِسْتِفْسَارُ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ: طَلَبُ ذِكْرِ مَعْنَى اللَّفْظِ حِينَ تَكُونُ فِيهِ غَرَابَةٌ أَوْ خَفَاءٌ، وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: طَلَبُ التَّفْسِيرِ مُطْلَقًا. (٢)
ب - السُّؤَال:
٣ - السُّؤَال: الطَّلَبُ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَلَبَ تَفْصِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
حُكْمُهُ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ:
٤ - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ تَرْكَ الاِسْتِفْصَال فِي حِكَايَةِ الْحَال، مَعَ قِيَامِ الاِحْتِمَال، يَنْزِل مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَال. وَمِثَالُهُ أَنَّ غَيْلاَنَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ، فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا، وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ (٣) وَلَمْ يَسْأَل عَنْ كَيْفِيَّةِ
_________
(١) الفروق للقرافي ٢ / ٨٧ ط دار إحياء الكتب، وإرشاد الفحول ص ١٣٢ ط مصطفى الحلبي، والشرواني ١٠ / ٢٧٥ ط الميمنية.
(٢) فواتح الرحموت ٢ / ٣٣٠.
(٣) حديث غيلان الثقفي أخرجه مالك، من حديث ابن شهاب بهذا اللفظ، وأخرجه الشافعي وأحمد وابن ماجه والترمذي بلفظ مقارب، وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم. وحكى الأشرم عن أحمد أن العمل عليه، بعد أن أعله بتفرد معمر في وصله وتحديثه به في غير بلده. وقال ابن عبد البر: طرقه كلها معلولة. (تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك ٢ / ١٠٢، نشر مكتبة المشهد الحسيني، ونيل الأوطار ٦ / ٣٠٢ ط دار الجيل ١٩٧٣ م، وتحفة الأحوذي ٤ / ٢٧٨ نشر السلفية) .
وُرُودِ عَقْدِهِ عَلَيْهِنَّ، أَكَانَ مُرَتَّبًا أَمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؟ فَكَانَ إطْلاَقُ الْقَوْل، دَالًّا عَلَى أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْحَالَيْنِ. (١)
وَفِي دَلاَلَةِ ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ وَعَدَمِهِ خِلاَفٌ يُنْظَرُ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
حُكْمُهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ:
٥ - يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَسْتَفْصِل فِي الأُْمُورِ الأَْسَاسِيَّةِ الْمُجْمَلَةِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ الصَّحِيحُ عَلَى مَعْرِفَتِهَا، حَتَّى يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى أُمُورٍ وَاضِحَةٍ لاَ لَبْسَ فِيهَا وَلاَ غُمُوضَ. (٢) كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ إذْ أَقَرَّ بِالزِّنَا، فَلَمْ يَرْجُمْهُ النَّبِيُّ ﷺ إلاَّ بَعْدَ أَنِ اسْتَفْصَل مِنْهُ فَقَال: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ؟ قَال: لاَ يَا رَسُول اللَّهِ. قَال: أَنِكْتَهَا لاَ يُكَنِّي قَال فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ. (٣)
فَلَمْ يَتْرُكِ النَّبِيُّ ﷺ مَجَالًا لاِحْتِمَال التَّجَوُّزِ.
٦ - وَهُنَاكَ أُمُورٌ لَيْسَتْ بِهَذِهِ الأَْهَمِّيَّةِ فَيُنْدَبُ فِيهَا لِلْحَاكِمِ الاِسْتِفْصَال وَلاَ يَجِبُ، كَمَا إِذَا لَمْ يُبَيِّنْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ جِهَةَ تَحَمُّلِهَا، وَوَثِقَ الْقَاضِي بِمَعْرِفَةِ الشَّاهِدِ عَلَى الشَّاهِدِ بِشَرَائِطِ التَّحَمُّل، وَكَانَ مُوَافِقًا لِلْقَاضِي فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، فَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَسْتَفْصِلَهُ، فَيَسْأَلَهُ: بِأَيِّ سَبَبٍ ثَبَتَ هَذَا الْمَال؟ وَهَل أَخْبَرَك بِهِ الأَْصْل (الشَّاهِدُ الأَْصْلِيُّ) أَوَّلًا وَكَمَا إِذَا شَهِدَ الْمُغَفَّل الَّذِي لاَ يَضْبِطُ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا، وَبَيَّنَ
_________
(١) فواتح الرحموت ١ / ٢٨٩ ط بولاق، والفروق للقرافي ٢ / ٨٧، والتقرير والتحبير ١ / ٢٣٤ ط بولاق، وتيسير التحرير ١ / ٣٦٦ ط صبيح، وإرشاد الفحول ص ١٣٢.
(٢) القليوبي ٤ / ٣٨ ط الحلبي.
(٣) حديث ماعز أخرجه البخاري من حديث ابن عباس ﵁ (فتح الباري ١٢ / ١١٣ ط مطبعة الهيئة المصرية) .
سَبَبَ الشَّهَادَةِ، كَأَشْهَدُ أَنَّ لِفُلاَنٍ عَلَى فُلاَنٍ أَلْفًا قَرْضًا، فَيُنْدَبُ لِلْحَاكِمِ اسْتِفْصَالُهُ فِيهِ. (١)
٧ - عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ الاِسْتِفْصَال لاِعْتِبَارَاتٍ خَاصَّةٍ، كَمَا إِذَا ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِلْكٌ لَهُ، أَوِ ادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، أَوْ أَنَّهُ دُونَ نِصَابٍ، أَوْ أَنَّ الْمَالِكَ أَذِنَ لَهُ فِي الأَْخْذِ، لَمْ يُقْطَعْ، وَلاَ يُسْتَفْصَل فِي دَعْوَاهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ عُلِمَ كَذِبُهُ، نَظَرًا إلَى أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. (٢)
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
٨ - يَذْكُرُ الأُْصُولِيُّونَ الاِسْتِفْصَال فِي مَبَاحِثِ الْعَامِّ مَعَ صِيَغِ الْعُمُومِ.
كَمَا يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي أَبْوَابِ: الْقَذْفِ وَاللِّعَانِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالشَّهَادَاتِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي تَقَدَّمَ.
اسْتِقَاءَة
التَّعْرِيفُ:
١ - الاِسْتِقَاءَةُ: طَلَبُ الْقَيْءِ، وَهُوَ اسْتِخْرَاجُ مَا فِي الْجَوْفِ عَمْدًا (٣) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى
_________
(١) نهاية المحتاج ٨ / ٣٠٧ ط الحلبي، والشرواني ١٠ / ٢٧٥، وشرح المنهج بحاشية الجمل ٥ / ٤٠٣ ط الميمنية، والقليوبي ٤ / ٣٢٢، ٣٣١.
(٢) القليوبي ٤ / ١٨٧.
(٣) لسان العرب المحيط، والنهاية في غريب الحديث والأثر. مادة: (قيأ) .
اللُّغَوِيِّ. (١) فَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ أَيْ: غَلَبَهُ وَسَبَقَهُ فَهُوَ يَخْتَلِفُ عَنْ الاِسْتِقَاءَةِ الَّتِي بِهَا طَلَبٌ وَاسْتِدْعَاءٌ (٢) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
٢ - الاِسْتِقَاءَةُ الْوَارِدَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ وُرُودُهَا فِي الصِّيَامِ، لِتَأْثِيرِهَا فِيهِ. وَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الصَّائِمَ إِذَا اسْتَقَاءَ مُتَعَمِّدًا أَفْطَرَ، (٣) لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ. (٤)
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا مِلْءَ الْفَمِ أَفْطَرَ، لأَِنَّ مَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ تَبَعٌ لِلرِّيقِ. (٥)
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
٣ - يَأْتِي الْكَلاَمُ عَنْ الاِسْتِقَاءَةِ فِي الْغَالِبِ فِي بَابِ الصَّوْمِ، عِنْدَ الْكَلاَمِ عَمَّا يُفْسِدُ الصِّيَامَ. كَمَا تَرِدُ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ.
_________
(١) المغني ٣ / ١١٧ ط الرياض، والمصباح المنير، والمغرب في ترتيب المعرب.
(٢) حاشية ابن عابدين ٢ / ١١٤ ط بولاق، والمغني ٣ / ١١٧ ط الرياض.
(٣) حاشية ابن عابدين ٢ / ١١٤ ط بولاق، والحطاب على خليل ٢ / ٤٢٧ ط النجاح، وحاشية عمير مع القليوبي ٢ / ٥٥ ط عيسى الحلبي، والمغني ٣ / ١١٧ - ١١٨ ط الرياض، ومسائل الإمام أحمد ص ٩٠ ط بيروت.
(٤) حديث " من ذرعه القيء. . . . " أخرجه أصحاب السنن الأربعة من حديث أبي هريرة. أعله أحمد وقواه الدارقطني. قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال محمد - يعني البخاري - لا أراه محفوظا (نصب الراية ٢ / ٤٤٨ مطبوعات المجلس العلمي. وتحفة الأحوذي ٣ / ٤٠٩ نشر المكتبة السلفية) .
(٥) الاختيار للموصلي ١ / ١٣٢ ط دار المعرفة.