الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٩
ثالثا - عبادة الملائكة لله وما وكل إليهم من أعمال
اختلاف المدين والغريم في الملاءة
أثر الملاءة في منع المدين من السفر
أثر الملاءة في النفقة على الزوجة
أثر الملاءة في النفقة على الأقارب
حق المحال في ملازمة المحال عليه
كيفية التزام الملتزم والدعاء فيه
الفروق الجوهرية بين الملك التام والملك الناقص
أقسام الملك باعتبار السقوط وعدمه
أولا - القيود الواردة على أسباب الملك
ثانيا - القيود الواردة على استعمال الملك
ثالثا - القيود الواردة عند انتقال الملك
رابعا - القيود التي أعطيت لولي الأمر
الأول - تقييد الملك الخاص للمصلحة العامة
الثاني - القيود التي أعطيت لولي الأمر على حق التملك
الثالث - القيود التي أعطيت لولي الأمر على حق التصرف في الملك
أولا - استملاك الأراضي المملوكة ملكا خاصا لأجل المصلحة العامة
ثانيا - نزع الملكية لأجل مصلحة الأفراد
بيع أموال المدين لصالح الدائن جبرا عليه
الأشياء التي لا تنقسم أو في قسمتها ضرر
أثر خلوة الممسوح بزوجته في تقرير المهر
المبيت بمنى ليالي أيام التشريق
تقسيم المناسبة من حيث الاعتبار الشرعي وعدمه
تقسيم المناسبة من حيث التأثير والملاءمة
حكم المناظرة في الحالات التي تجري فيها
المناظرة ومناهج استعمال الأدلة ومناسبة إيرادها
أنواع المناظرة باعتبار وسيلة أدائها
أولا المناولة عند الأصوليين والمحدثين
حصول قبض المعقود عليه بالمناولة
تسليم الخطيب على الناس إذا صعد المنبر
إخراج المنبر إلى الجبانة وبناؤه
ازدحام اثنين فأكثر على التقاط المنبوذ
انتقال أحد الزوجين الذميين إلى غير دين الإسلام
اشتراط المنعة في البغي والحرابة
استعانة البغاة بالمستأمنين وكانت لهم منعة
الآثار المترتبة على الاختلاف في مالية المنفعة
ثبوت الشفعة عند معاوضة المشفوع فيه بمنفعة
إسقاط ملك المنفعة والاعتياض عنه
غسل عضو نابت في المنكب عند الوضوء
رفع اليدين حذو المنكبين عند تكبيرة الإحرام
وضع اليدين حذو المنكبين في السجود
المن بمعنى ذكر النعمة على الغير
أثر انقطاع المني في ثبوت الخيار للزوجة
صور كون المنافع مهرا عند الحنفية
جعل الحر مهر زوجته عملا لا مهانة فيه
جعل الحر مهر زوجته تعليمها القرآن
الجمع بين المال والمنفعة في الصداق
منع الزوجة نفسها حتى تقبض مهرها
هلاك المهر واستهلاكه واستحقاقه
الاختلاف في مقدار المهر المسمى
إمهال تنفيذ العقوبة خشية تعديها
حكم تحري الدعاء في مواطن الإجابة
يوم الجمعة وليلتها وساعة الجمعة
أيام رمضان ولياليه وليلة القدر
ثالثا - الأحوال التي هي مظنة الإجابة
الدعاء بين الأذان والإقامة وبعدها
حال الصوم وحال الإفطار من الصوم
الدعاء بعد قراءة القرآن وبعد ختمه
الدعاء عند القتال في سبيل الله
حال اجتماع المسلمين في مجالس الذكر
دعوة المظلوم ودعوة المضطر والمكروب
حال المجتهد في الدعاء إذا وافق اسم الله الأعظم
الموالاة بين كلمات الأذان والإقامة
الموالاة في تكبيرات صلاة العيد
الموالاة في جمع التقديم بين الصلاتين
الموالاة في البيع بين الإيجاب والقبول
هل الموت للبدن والروح أو للبدن وحده؟
انتهاء الأهلية وخراب الذمة بالموت
انقطاع العمل بالموت ومدى انتفاع الموتى بسعي الأحياء
عودة أرواح الموتى في الحياة البرزخية
مستقر أرواح الموتى ما بين الموت إلى يوم القيامة
أثر الموت على الحقوق المالية المحضة
خامسا - حق حبس المبيع لاستيفاء الثمن
أثر الموت على الحقوق الشخصية المحضة
أثر الموت على الحقوق الشبيهة بالحقين المالي والشخصي
ثالثا - حق المالك في إجازة تصرفات الفضولي
رابعا - استحقاق المنافع بموجب الإجارة والإعارة والوصية بالمنفعة
سابعا - حق الانتفاع بالأراضي الخراجية
تاسعا - الاختصاص بالانتفاع بالأعيان النجسة
حادي عشر - حق الموصى له في قبول الوصية
ثاني عشر - حق الموهوب له في قبول الهبة وقبضها
ثالث عشر - حق الواهب في الرجوع في الهبة
أثر الموت على التزامات المتوفى
أثر الموت على الالتزامات المفترضة بنص الشارع
الكفارات الواجبة وفدية الصوم والحج وجزاء الصيد
ثانيا - الالتزامات غير المالية
أثر الموت على الالتزامات الثابتة باختيار المكلف
أولا - الالتزامات العقدية التي تنشأ بإرادة طرفين
القسم الثاني العقود اللازمة من جانب واحد
القسم الثالث العقود غير اللازمة من الجانبين
كيفية استيفاء القصاص في الموضحة
أولا - الموقوف بمعنى العين المحبوسة
انتقال ملكية الموقوف من الواقف بالوقف
حكم بدل العين الموقوفة إذا تلفت
الجناية على العبد الموقوف وجنايته
ثانيا - الموقوف بمعنى التصرف الموقوف
الأحكام المتعلقة بمولى العتاقة
عتق العبد بشرط أن لا ولاء لمولى العتاقة
الأحكام المتعلقة بمولى الموالاة
الانتقال عن المولى إلى الغير بعد العقد
علامات حياة المولود وما يتعلق بها من أحكام
الأذان والإقامة في أذني المولود وتحنيكه
الأحكام التي تتعلق بموت من استهل
الماء المسخن بتأثير الشمس فيه (المشمس)
أولا - حكم الماء المختلط بطاهر
ثانيا - حكم الماء إذا تغير بمجاورة طاهر
ثالثا - حكم الماء المختلط بنجس
اختلاط الأواني واشتباه ما فيها من الماء الطهور بالماء المتنجس
مقدار ما يباح للمضطر تناوله من الميتة
طلاء الجلود والسفن والاستصباح بدهن الميتة
الخصومة في إخراج الميازيب إلى الطريق
الاختلاف في حق إجراء ماء الميزاب
الميزان المعتبر في تقدير الموزونات
إخراج الحائض والنفساء والجنب من عند الميت
قراءة القرآن بعد موت الميت وقبل غسله
تغسيل السقط والصلاة عليه ودفنه
غسل ما أبين من الآدمي والصلاة عليه
تراجم فقهاء الجزء التاسع والثلاثين
صاحب فواتح الرحموت (؟ - ١٢٢٥هـ)
الضحاك بن سفيان الكلابي (؟ -؟)
علاء الدين السمرقندي (؟ - نحو ٥٧٥هـ)
محمد بن شجاع الثلجي (١٨١ - ٢٦٦هـ)
مَلاَئِكَةٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الْمَلاَئِكَةُ جَمْعُ الْمَلَكِ بِفَتْحَتَيْنِ، وَهُوَ وَاحِدُ الْمَلاَئِكَةِ، قِيل: مُخَفَّفٌ مِنْ مَالَكٍ، قَال الْكِسَائِيُّ: أَصْلُهُ مَأْلَكٌ بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ مِنَ الأُْلُوكِ وَهِيَ الرِّسَالَةُ، ثُمَّ قُلِبَتْ وَقُدِّمَتِ اللاَّمُ وَقِيل: أَصْلُهُ الْمَلْكُ بِفَتْحِ ثُمَّ سُكُونٍ: وَهُوَ الأَْخْذُ بِقُوَّةٍ، وَأَصْل وَزْنِهِ مَفْعَلٌ فَتُرِكَتِ الْهَمْزَةُ لِكَثْرَةِ الاِسْتِعْمَال وَظَهَرَتْ فِي الْجَمْعِ، وَزِيدَتِ الْهَاءُ إِمَّا لِلْمُبَالَغَةِ وَإِمَّا لِتَأْنِيثِ الْجَمْعِ (١) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْمَلَكُ جِسْمٌ لَطِيفٌ نُورَانِيٌّ يَتَشَكَّل بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَمَسْكَنُهَا السَّمَاوَاتُ (٢) .
_________
(١) لسان العرب، وتاج العروس، والقاموس المحيط، وفتح الباري ٦ / ٣٠٦ وما بعدها.
(٢) التعريفات للجرجاني، وفتح الباري ٦ / ٣٠٦ ط دار المعرفة - بيروت، وفيض الباري ٤ / ٦ ط دار المعرفة - بيروت، وشرح الفقه الأكبر ص ٢٠ ط دار الكتب العربية - بيروت.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْنْسُ:
٢ - الإِْنْسُ فِي اللُّغَةِ: جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَالْوَاحِدُ إِنْسِيٌّ وَأَنَسِيٌّ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُمْ بَنُو آدَمَ، وَالإِْنْسِيُّ يَقْتَضِي مُخَالَفَةَ الْوَحْشِيِّ، وَالنَّاسُ يَقُولُونَ: إِنْسِيٌّ وَوَحْشِيٌّ (١) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَلاَئِكَةِ وَالإِْنْسِ: أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ خُلِقُوا مِنْ نُورٍ، وَلاَ يَأْكُلُونَ وَلاَ يَشْرَبُونَ، وَيَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُطِيعُونَهُ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿بَل عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾ (٢)، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الإِْنْسُ.
ب - الْجِنُّ:
٣ - الْجِنُّ فِي اللُّغَةِ: خِلاَفُ الإِْنْسِ، وَالْجَانُّ: الْوَاحِدَةُ مِنَ الْجِنِّ، وَكَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمُّونَ الْمَلاَئِكَةَ جِنًّا لاِسْتِتَارِهِمْ عَنِ الْعُيُونِ، يُقَال: جَنَّ اللَّيْل: إِذَا سَتَرَ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
_________
(١) لسان العرب، والكليات ١ / ٣١٦، والمصباح المنير، والفروق في اللغة ص ٢٢٧.
(٢) سورة الأنبياء / ٢٦.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَلاَئِكَةِ وَالْجِنِّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ قُوَّةُ التَّشَكُّل بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ (١) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ لِلْمَلاَئِكَةِ:
وَرَدَتْ فِي الْمَلاَئِكَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أَوَّلًا - الإِْيمَانُ بِالْمَلاَئِكَةِ
٤ - مِنْ أَرْكَانِ الْعَقِيدَةِ الإِْسْلاَمِيَّةِ الإِْيمَانُ بِالْمَلاَئِكَةِ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿آمَنَ الرَّسُول بِمَا أُنْزِل إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (&# x٦٦٢ ;)، وَقَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَقَدْ ضَل ضَلاَلًا بَعِيدًا﴾ (٣) .
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ عِنْدَمَا سَأَل جِبْرِيلٌ ﵇ عَنِ الإِْيمَانِ، قَال ﷺ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ (٤) . فَوُجُودُ الْمَلاَئِكَةِ ثَابِتٌ بِالدَّلِيل
_________
(١) لسان العرب، ومختار الصحاح، والكليات ٢ / ١٦٦، وتفسير البيضاوي ٤ / ٢٢٥ ط المكتبة التجارية الكبرى.
(٢) سورة البقرة / ٢٨٥.
(٣) سورة النساء / ١٣٦.
(٤) حديث عمر ﵁: " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ. . . ". أخرجه مسلم (١ / ٣٧ ط الحلبي) ضمن حديث طويل.
الْقَطْعِيِّ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَهُ شَكٌّ، وَمِنْ هُنَا كَانَ إِنْكَارُ وُجُودِهِمْ كُفْرًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، بَل يَنُصُّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآْيَةُ السَّابِقَةُ (١) .
ثَانِيًا - صِفَاتُهُمُ الْخِلْقِيَّةُ
٥ - أَخْبَرَنَا رَبُّنَا سُبْحَانَهُ أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ خُلِقُوا قَبْل آدَمَ ﵇، قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَال رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَل فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَال إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (٢) .
كَمَا أَخْبَرَنَا النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْمَلاَئِكَةَ مِنْ نُورٍ، فَقَدْ وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: خُلِقَتِ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ (٣) .
فَتَدُل النُّصُوصُ فِي مَجْمُوعِهَا عَلَى أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ مَخْلُوقَاتٌ نُورَانِيَّةٌ لَيْسَ لَهَا جِسْمٌ مَادِّيٌّ يُدْرَكُ بِالْحَوَّاسِ الإِْنْسَانِيَّةِ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا
_________
(١) شرح العقيدة الطحاوية ٢ / ٤٠١ ط مؤسسة الرسالة، وفتح الباري ٦ / ٣٠٦ ط دار المعرفة - بيروت، وإغاثة اللهفان ٢ / ١٢٠ وما بعدها ط مصطفى الحلبي.
(٢) سورة البقرة / ٣٠.
(٣) حديث عائشة ﵂: " خُلقت الملائكة. . . ". أخرجه مسلم (٤ / ٢٢٩٤) ط الحلبي.
كَالْبَشَرِ فَلاَ يَأْكُلُونَ وَلاَ يَشْرَبُونَ وَلاَ يَنَامُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ، مُطَهَّرُونَ مِنَ الشَّهَوَاتِ الْحَيَوَانِيَّةِ، وَمُنَزَّهُونَ عَنِ الآْثَامِ وَالْخَطَايَا، وَلاَ يَتَّصِفُونَ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَادِّيَّةِ الَّتِي يَتَّصِفُ بِهَا ابْنُ آدَمَ (١) غَيْرَ أَنَّ لَهُمُ الْقُدْرَةَ عَلَى أَنْ يَتَمَثَّلُوا بِصُوَرِ الْبَشَرِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى (٢) .
ثَالِثًا - عِبَادَةُ الْمَلاَئِكَةِ لِلَّهِ وَمَا وُكِّل إِلَيْهِمْ مِنْ أَعْمَالٍ
٦ - عَلاَقَةُ الْمَلاَئِكَةِ بِاللَّهِ هِيَ عَلاَقَةُ الْعُبُودِيَّةِ الْخَالِصَةِ وَالطَّاعَةِ وَالاِمْتِثَال وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لأَِوَامِرِهِ ﷿، قَال تَعَالَى: ﴿لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (٣)، وَقَدْ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْل وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ﴾ (٤) .
وَهُمْ مُنْقَطِعُونَ دَائِمًا لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ أَمْرِهِ (٥)، كَمَا وَرَدَ فِي الآْيَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ.
وَعَنْ جَابِرٍ ﵁ قَال: قَال
_________
(١) شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري ص ٢٠ ط دار الكتب العلمية، وفتح الباري ٦ / ٣٥٣.
(٢) فتح الباري ٦ / ٣٤٨ - ٣٥١ ط دار الريان للتراث - القاهرة.
(٣) سورة التحريم / ٦.
(٤) سورة الأنبياء / ١٩، ٢٠.
(٥) إغاثة اللهفان ٢ / ١٢٢.
رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَا فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ مَوْضِعُ قَدَمٍ وَلاَ شِبْرٍ وَلاَ كَفٍّ إِلاَّ وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ مَلَكٌ رَاكِعٌ أَوْ مَلَكٌ سَاجِدٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالُوا جَمِيعًا: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ إِلاَّ أَنَّا لَمْ نُشْرِكْ بِكَ شَيْئًا (١) .
٧ - قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: دَل الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَصْنَافِ الْمَلاَئِكَةِ، وَأَنَّهَا مُوَكَّلَةٌ بِأَصْنَافِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَكَّل بِالْجِبَال مَلاَئِكَةً، وَوَكَّل بِالسَّحَابِ مَلاَئِكَةً، وَوَكَّل بِالرَّحِمِ مَلاَئِكَةً تُدَبِّرُ أَمْرَ النُّطْفَةِ حَتَّى يَتِمَّ خَلْقُهَا، ثُمَّ وَكَّل بِالْعَبْدِ مَلاَئِكَةً لِحِفْظِهِ، وَمَلاَئِكَةً لِحِفْظِ مَا يَعْمَلُهُ وَإِحْصَائِهِ وَكِتَابَتِهِ، وَوَكَّل بِالْمَوْتِ مَلاَئِكَةً، وَوَكَّل بِالسُّؤَال فِي الْقَبْرِ مَلاَئِكَةً، وَوَكَّل بِالأَْفْلاَكِ مَلاَئِكَةً يُحَرِّكُونَهَا، وَوَكَّل بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مَلاَئِكَةً، وَوَكَّل بِالنَّارِ وَإِيقَادِهَا وَتَعْذِيبِ أَهْلِهَا
_________
(١) حديث: " ما في السماوات السبع. . . ". أخرجه الطبراني في الكبير (٢ / ١٨٤)، وفي الأوسط (٤ / ٣٤٥) من حديث جابر، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (١٠ / ٣٥٨): رجاله رجال الثقات، وفيه عروة بن مروان قال فيه الدارقطني: ليس بقوي الحديث. وله شاهد من حديث عائشة: " ما في السماء موضع. . . ". أخرجه الدولابي بسنده (٢ / ١٢٢) ط دار الكتب العلمية، وذكره السيوطي في الدر المنثور ٢ / ٢٩٢ ط المكتبة الإسلامية.
وَعِمَارَتِهَا مَلاَئِكَةً، وَوَكَّل بِالْجَنَّةِ. وَعِمَارَتِهَا وَغِرَاسِهَا وَعَمَل الأَْنْهَارِ فِيهَا مَلاَئِكَةً، فَالْمَلاَئِكَةُ أَعْظَمُ جُنُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْهُمْ: ﴿وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا﴾ (١) وَمِنْهُمْ: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾ (٢)، وَمِنْهُمْ: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا﴾ (٣) .
وَمِنْهُمْ: مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ، وَمَلاَئِكَةٌ قَدْ وُكِّلُوا بِحَمْل الْعَرْشِ، وَمَلاَئِكَةٌ قَدْ وُكِّلُوا بِعِمَارَةِ السَّمَاوَاتِ بِالصَّلاَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَلاَئِكَةِ الَّتِي لاَ يُحْصِيهَا إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى.
وَلَفْظُ الْمَلَكِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ رَسُولٌ مُنَفِّذٌ لأَِمْرِ غَيْرِهِ، فَلَيْسَ لَهُمْ مِنَ الأَْمْرِ شَيْءٌ، بَل الأَْمْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، وَهُمْ يُنَفِّذُونَ أَمْرَهُ ﴿لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْل وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ (٤)، ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ
_________
(١) سورة المرسلات / ١ - ٥.
(٢) سورة النازعات / ١ - ٥.
(٣) سورة الصافات / ١ - ٣.
(٤) سورة الأنبياء / ٢٧، ٢٨.
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (١)، ﴿لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (٢) .
وَلاَ تَتَنَزَّل الْمَلاَئِكَةُ إِلاَّ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَلاَ تَفْعَل شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ.
وَرُؤَسَاؤُهُمُ الأَْمْلاَكُ الثَّلاَثُ: جِبْرِيل، وَمِيكَائِيل، وَإِسْرَافِيل، وَكَانَ النَّبِيُّ يَقُول: اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيل وَمِيكَائِيل وَإِسْرَافِيل، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣) .
فَتَوَسَّل إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِرُبُوبِيَّتِهِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ لِهَؤُلاَءِ الأَْمْلاَكِ الثَّلاَثَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالْحَيَاةِ.
فَجِبْرِيل مُوَكَّلٌ بِالْوَحْيِ الَّذِي بِهِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ وَالأَْرْوَاحِ، وَمِيكَائِيل وُكِّل بِالْقَطْرِ الَّذِي بَهْ حَيَاةُ الأَْرْضِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، وَإِسْرَافِيل مُوَكَّلٌ بِالنَّفْخِ فِي الصُّورِ الَّذِي بِهِ حَيَاةُ الْخَلْقِ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ (٤) .
_________
(١) سورة النحل / ٥٠.
(٢) سورة التحريم / ٦.
(٣) حديث: " اللهم رب جبريل. . . ". أخرجه مسلم (١ / ٥٣٤ ط الحلبي) من حديث عائشة ﵂.
(٤) إغاثه اللهفان ٢ / ١٢١ - ١٢٢.
رَابِعًا - تَفْضِيل الْمَلاَئِكَةِ ٨ - قَال ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ نَقْلًا عَنِ الزَّنْدُوسَتِيِّ: أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى أَنَّ الأَْنْبِيَاءَ أَفْضَل الْخَلِيقَةِ، وَأَنَّ نَبِيَّنَا ﷺ أَفْضَلُهُمْ، وَأَنَّ أَفْضَل الْخَلاَئِقِ بَعْدَ الأَْنْبِيَاءِ الْمَلاَئِكَةُ الأَْرْبَعَةُ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالرُّوحَانِيُّونَ وَرِضْوَانُ وَمَالِكٌ، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ أَفْضَل مِنْ سَائِرِ الْمَلاَئِكَةِ.
وَاخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَال الإِْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: سَائِرُ النَّاسِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَل مِنْ سَائِرِ الْمَلاَئِكَةِ، وَقَال مُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ: سَائِرُ الْمَلاَئِكَةِ أَفْضَل (١) .
خَامِسًا - سَبُّ الْمَلاَئِكَةِ
٩ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَلاَئِكَتَهُ - الْوَارِدَ ذِكْرُهُمْ فِي الْكِتَابِ الْكَرِيمِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ - أَوِ اسْتَخَفَّ بِهِمْ أَوْ كَذَّبَهُمْ فِيمَا أَتَوْا بِهِ أَوْ أَنْكَرَ وُجُودَهُمْ وَجَحَدَ نُزُولَهُمْ قُتِل كُفْرًا.
وَاخْتَلَفُوا هَل يُسْتَتَابُ أَمْ لاَ؟
فَقَال الْجُمْهُورُ: يُسْتَتَابُ وُجُوبًا أَوِ اسْتِحْبَابًا عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَهُمْ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ يُسْتَتَابُ عَلَى الْمَشْهُورِ (٢) .
_________
(١) حاشية ابن عابدين ١ / ٣٥٤ ط بولاق.
(٢) حاشية ابن عابدين ٤ / ٢٣٥ ط مصطفى الحلبي، والشفاء ٢ / ٤٧٣، ونسيم الرياض شرح الشفاء ٤ / ٥٤٧، والمغني مع الشرح ٩ / ٢١، وقليوبي وعميرة ٤ / ١٧٥، وشرح منتهى الإرادات ٣ / ٣٨٦، والقوانين الفقهية ص ٣٥٧ الناشر الكتاب العربي.
قَال الدُّسُوقِيُّ: قُتِل وَلَمْ يُسْتَتَبْ - أَيْ بِلاَ طَلَبٍ أَوْ بِلاَ قَبُول تَوْبَةٍ مِنْهُ - حَدًّا إِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِل كُفْرًا، إِلاَّ أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ فَلاَ يُقْتَل لأَِنَّ الإِْسْلاَمَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ (١) .
قَال الْمَوَّاقُ: وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ تَحَقَّقَ كَوْنُهُ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ كَجِبْرِيل وَمَلَكِ الْمَوْتِ وَالزَّبَانِيَةِ وَرِضْوَانٍ وَمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَثْبُتِ الأَْخْبَارُ بِتَعْيِينِهِ وَلاَ وَقَعَ الإِْجْمَاعُ عَلَى كَوْنِهِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ أَوِ الأَْنْبِيَاءِ، كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ، وَلُقْمَانَ وَذِي الْقَرْنَيْنِ وَمَرْيَمَ وَأَمْثَالِهِمْ فَلَيْسَ الْحُكْمُ فِيهِمْ مَا ذَكَرْنَا إِذْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُمْ تِلْكَ الْحُرْمَةُ، لَكِنْ يُؤَدَّبُ مَنْ تَنَقَّصَهُمْ.
وَأَمَّا إِنْكَارُ كَوْنِهِمْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ أَوِ النَّبِيِّينَ فَإِنْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ فَلاَ حَرَجَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَوَامِّ النَّاسِ زُجِرَ عَنِ الْخَوْضِ فِي مِثْل هَذَا، وَقَدْ كَرِهَ السَّلَفُ الْكَلاَمَ فِي مِثْل هَذَا مِمَّا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ (٢) .
(ر: رِدَّةٌ ف ١٦ - ١٧، ٣٥) .
_________
(١) حاشية الدسوقي ٤ / ٣٠٩.
(٢) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل ٦ / ٢٨٥، وحاشية الدسوقي ٤ / ٣٠٩، والقوانين الفقهية ص ٣٥٧، والشرح الصغير على أقرب المسالك ٤ / ٤٣٥، والخرشي ٨ / ٧٤٧، ومنح الجليل ٤ / ٤٧٦، وشرح منتهى الإرادات ٣ / ٣٨٦، وكشاف القناع ٦ / ١٦٨، وغاية المنتهى ٣ / ٣٥٩، والشفا ٢ / ٤٧٣.