الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٥ الصفحة 13

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٥

ج - كَفَّارَةُ مَنْ جَامَعَ يَظُنُّ عَدَمَ طُلُوعِ الْفَجْرِ

٣٠ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ جَامَعَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ بَعْدُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ طَلَعَ، عَلَى مَذْهَبَيْنِ:

الْمَذْهَبُ الأَْوَّل: لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَبِهِ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ﵃، وَعَطَاءٌ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنُ (١) .

وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ (٢) .

وَلأَِنَّ الْكَفَّارَةَ لِرَفْعِ الْمَأْثَمِ وَهُوَ مَحْطُوطٌ عَنِ الْمُخْطِئِ (٣) .

وَبِأَنَّهُ جَامَعَ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَحِل لَهُ ذَلِكَ، وَكَفَّارَةُ الصَّوْمِ عُقُوبَةٌ تَجِبُ مَعَ الْمَأْثَمِ، فَلاَ تَجِبُ مَعَ اعْتِقَادِ الإِْبَاحَةِ كَالْحَدِّ، لأَِنَّهُ مَعْذُورٌ. وَأَنَّهُ بَنَى الأَْمْرَ عَلَى الأَْصْل، فَلاَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِتَصَوُّرِ الْجِنَايَةِ لأَِنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدِ انْتِهَاكَ

_________

(١) تبيين الحقائق ١ / ٢٤٢، ومواهب الجليل ٢ / ٤٢٧، ٤٢٨، والمجموع ٦ / ٣٠٧ - ٣٠٩.

(٢) حديث: " إن الله وضع عن أمتي. . . ". تقدم تخريجه ف ٢٤.

(٣) تبيين الحقائق ١ / ٣٢٢.

حُرْمَةِ الصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ (١) .

الْمَذْهَبُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ (٢) .

وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْمُجَامِعِ الْمَذْكُورِ آنِفًا حَيْثُ أَمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِالتَّكْفِيرِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ وَلاَ تَفْصِيلٍ.

وَبِأَنَّهُ أَفْسَدَ صَوْمَ رَمَضَانَ بِجِمَاعِ تَامٍّ، فَوَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ عَلِمَ (٣) .

أَثَرُ الْعَارِضِ فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ

٣١ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَمَّنْ جَامَعَ فِي أَوَّل النَّهَارِ، ثُمَّ مَرِضَ أَوْ جُنَّ، أَوْ كَانَتِ امْرَأَةٌ فَحَاضَتْ أَوْ نُفِسَتْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْل الأَْوَّل: عَدَمُ سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ بِحُدُوثِ الْعَارِضِ.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ، وَبِهِ قَال اللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو ثَوْرٍ (٤) .

وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ مَعْنًى طَرَأَ بَعْدَ وُجُوبِ

_________

(١) المجموع ٦ / ٣٣٧، ٣٣٨، ٣٤٠، وتبيين الحقائق ١ / ٣٤٢، ومواهب الجليل ١ / ٤٢٧، ٤٣٨.

(٢) المغني ٣ / ١٢٦.

(٣) المغني ٣ / ١٢٧.

(٤) المدونة ١ / ٢٢١، والمغني ٢ / ١٢٥، والمجموع ٦ / ٣٤٠، ٣٥١.

الْكَفَّارَةِ، فَلَمْ يُسْقِطْهَا كَالسَّفَرِ.

وَبِأَنَّهُ أَفْسَدَ صَوْمًا وَاجِبًا فِي رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ، فَاسْتَقَرَّتِ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَطْرَأْ عُذْرٌ.

وَأَنَّهُ قَصَدَ هَتْكَ حُرْمَةِ الصَّوْمِ أَوَّلًا بِمَا فَعَل (١) .

الْقَوْل الثَّانِي: سُقُوطُ الْكَفَّارَةِ بِحُدُوثِ الْعَارِضِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَبِهِ قَال الثَّوْرِيّ، وَهُوَ الْقَوْل الآْخَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (٢) .

وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْمَرَضَ الطَّارِئَ يُبِيحُ الْفِطْرَ، فَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَقَعْ مُسْتَحَقًّا، لأَِنَّ الْمَرَضَ مَعْنًى يُوجِبُ تَغَيُّرَ الطَّبِيعَةِ إِلَى الْفَسَادِ، يَحْدُثُ أَوَّلًا فِي الْبَاطِنِ، ثُمَّ يَظْهَرُ أَثَرُهُ، فَلَمَّا مَرِضَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ الْمُرَخِّصُ مَوْجُودًا وَقْتَ الْفِطْرِ، فَمُنِعَ انْعِقَادُهُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ.

وَبِأَنَّ وُجُودَ أَصْل الْمَرَضِ شُبْهَةٌ، وَالْكَفَّارَةُ لاَ تَجِبُ مَعَهَا.

وَبِأَنَّ الْحَيْضَ دَمٌ يَجْتَمِعُ فِي الرَّحَمِ شَيْئًا فَشَيْئًا، حَتَّى يَتَهَيَّأَ لِلْبُرُوزِ فَلَمَّا بَرَزَ مِنْ يَوْمِهِ، ظَهَرَ تَهَيُّؤُهُ وَيَجِبُ الْفِطْرُ، أَوْ تَهَيُّؤُ أَصْلِهِ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ.

_________

(١) المغني ٣ / ١٢٧، والمجموع ٦ / ٣٤٠، ٣٥١.

(٢) تبيين الحقائق ١ / ٣٤٠، والمجموع ٦ / ٣٤٠.

وَبِأَنَّ الْجُنُونَ يُنَافِي الصَّوْمَ، فَتَبَيَّنَ بِعُرُوضِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (١) .

إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ خَصُّوا ذَلِكَ بِالْعَارِضِ السَّمَاوِيِّ الَّذِي لاَ صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَلاَ فِي سَبَبِهِ فَإِنْ كَانَ الْعَارِضُ بِصُنْعِهِ كَالسَّفَرِ وَجُرْحِ نَفْسِهِ فَالْمُعْتَمَدُ لُزُومُهَا (٢) .

وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالْجِمَاعِ فِي صَوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ

٣٢ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ، أَوْ فِي صَوْمٍ هُوَ كَفَّارَةُ الْجِمَاعِ.

وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي وُجُوبِهَا عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي صَوْمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ، أَوْ صَوْمِ النَّذْرِ، عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:

الْقَوْل الأَْوَّل: لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ (٣) .

وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَرَدَتْ فِي هَتْكِ حُرْمَةِ رَمَضَانَ، إِذْ لاَ يَجُوزُ إِخْلاَؤُهُ عَنِ الصَّوْمِ بِخِلاَفِ غَيْرِهِ مِنَ الزَّمَانِ. وَبِأَنَّهُ جَامَعَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ جَامَعَ فِي صِيَامِ الْكَفَّارَةِ،

_________

(١) المجموع ٦ / ٤٥١، وشرح فتح القدير لابن الهمام ٢ / ٢٦٢.

(٢) ابن عابدين ٢ / ١١٠.

(٣) تبيين الحقائق ١ / ٣٢٩، مواهب الجليل ٢ / ٤٣٣، والمجموع ٦ / ٣٤٢، ٣٤٥، والمغني ٣ / ١٢٥.

وَيُفَارِقُ الْقَضَاءُ الأَْدَاءَ، لأَِنَّهُ مُتَعَيَّنٌ بِزَمَانٍ مُحْتَرَمٍ فَالْجِمَاعُ فِيهِ هَتْكٌ لَهُ، بِخِلاَفِ الْقَضَاءِ (١) .

الْقَوْل الثَّانِي: وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ قَضَاءَ رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ، وَبِهِ قَال قَتَادَةُ (٢) .

وَاسْتَدَل عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ بِالْمَعْقُول فَقَال: إِنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ عِبَادَةٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي أَدَائِهَا، فَوَجَبَتْ فِي قَضَائِهَا كَالْحَجِّ (٣) .

الْقَوْل الثَّالِثُ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فِي نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ كُلِّهِ.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَحْنُونٌ، وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ لَمَّا أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا فِيمَا لاَ يُجْبَرُ بِقَضَاءٍ، أَشْبَهَ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا، فَإِنَّهُ لاَ يُجْبَرُ بِقَضَاءٍ، إِذْ قَدْ جَاءَ فِيهِ أَنَّهُ لاَ يَقْضِيهِ بِصِيَامِ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ (٤) .

تَعَدُّدُ الْكَفَّارَةِ بِتَعَدُّدِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ

٣٣ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ مَنْ تَكَرَّرَ

_________

(١) تبيين الحقائق ١ / ٣٢٩، والمجموع ٦ / ٣٤٢، والمغني ٣ / ١٢٥.

(٢) المجموع ٦ / ٣٤٥، والمغني ٣ / ١٢٥.

(٣) المغني ٣ / ١٢٥.

(٤) مواهب الجليل ٢ / ٤٣٣.

جِمَاعُهُ فِي نَهَارِ يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ رَمَضَانَ قَبْل تَكْفِيرِهِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.

كَمَا لاَ خِلاَفَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ مَنْ كَفَّرَ، ثُمَّ جَامَعَ ثَانِيَةً فِي يَوْمٍ آخَرَ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ.

وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ وَلَمْ يُكَفِّرْ.

كَمَا اخْتَلَفُوا فِي تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ جَامَعَ ثُمَّ كَفَّرَ، ثُمَّ جَامَعَ ثَانِيَةً فِي نَفْسِ الْيَوْمِ، وَإِلَيْكَ مَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:

أ - تَعَدُّدُ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ وَلَمْ يُكَفِّرْ:

٣٤ - إِذَا جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَلَمْ يُكَفِّرْ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْل الأَْوَّل: تَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ قَوْل اللَّيْثِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ (١) .

وَقَدِ اسْتَدَل الْجُمْهُورُ بِأَنَّ صَوْمَ كُل يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُنْفَرِدَةٌ، فَإِذَا وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِهِ،

_________

(١) مواهب الجليل ٢ / ٣٤٦، والمجموع ٦ / ٣٣٣، ٣٣٧، والمغني ٣ / ١٣٣.

لَمْ تَتَدَاخَل كَفَّارَاتُهَا، كَرَمَضَانَيْنِ، وَكَالْحَجَّتَيْنِ، وَكَالْعُمْرَتَيْنِ (١) .

الْقَوْل الثَّانِي: تُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَبِهِ قَال الزُّهْرِيُّ وَالأَْوْزَاعِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ إِطْلاَقِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ (٢) . وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ مَعَهُمْ بِأَنَّهَا جَزَاءٌ عَنْ جِنَايَاتٍ تَكَرَّرَ سَبَبُهَا قَبْل اسْتِيفَائِهَا فَيَجِبُ أَنْ تَتَدَاخَل كَالْحَدِّ (٣) .

ب - تَعَدُّدُ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ جَامَعَ فَكَفَّرَ ثُمَّ جَامَعَ ثَانِيَةً فِي نَفْسِ الْيَوْمِ:

٣٥ - إِذَا جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَكَفَّرَ، ثُمَّ جَامَعَ ثَانِيَةً فِي نَفْسِ الْيَوْمِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَلْزَمُهُ بِالْجِمَاعِ الثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْل الأَْوَّل: لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْجِمَاعِ.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ (٤)

وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْجِمَاعَ الثَّانِي لَمْ يُصَادِفْ

_________

(١) المغني ٣ / ١٣٢.

(٢) بدائع الصنائع ٢ / ١٠١، والمغني ٣ / ١٣٢، ١٣٣، والمجموع ٦ / ٣٣٦.

(٣) بدائع الصنائع ٢ / ١٠١.

(٤) مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر ١ / ٢٤٠، ومواهب الجليل ٢ / ٤٣٦، والمجموع ٦ / ٣٣٦، ٣٣٧.

صَوْمًا مُنْعَقِدًا، وَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهُ، فَلَمْ يُوجِبْ شَيْئًا كَالْجِمَاعِ فِي اللَّيْل، بِخِلاَفِ الْجِمَاعِ الأَْوَّل (١) .

الْقَوْل الثَّانِي: تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ (٢) .

وَاسْتَدَل الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الصَّوْمَ فِي رَمَضَانَ عِبَادَةٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْجِمَاعِ فِيهَا، فَتَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِ الْوَطْءِ إِذَا كَانَ بَعْدَ التَّكْفِيرِ كَالْحَجِّ.

وَبِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ لِحُرْمَةِ رَمَضَانَ فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ كَالأَْوَّل، وَفَارَقَ الْوَطْءَ فِي اللَّيْل فَإِنَّهُ غَيْرُ، مُحَرَّمٍ (٣) .

مَنْ تَقَيَّأَ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ

٣٦ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ، لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلاَ كَفَّارَةَ، وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ تَقَيَّأَ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْل الأَْوَّل: لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ: الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَبِهِ قَال عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَعَلْقَمَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَإِسْحَاقُ

_________

(١) المجموع ٦ / ٣٣٧، ٤٥٠.

(٢) المغني ٣ / ١٣٣.

(٣) المغني ٣ / ١٣٣.

وَالثَّوْرِيُّ وَالأَْوْزَاعِيُّ (١) .

وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ (٢) .

وَوَجْهُ الدَّلاَلَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّهُ نَصٌّ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنِ اسْتَقَاءَ دُونَ الْكَفَّارَةِ، لأَِنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَبَيَّنَهَا الرَّسُول ﷺ لأَِنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لاَ يَجُوزُ.

وَبِأَنَّ الإِْفْطَارَ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لَمْ يَتَحَقَّقْ صُورَةً فَقَصُرَتْ، فَانْتَفَتِ الْكَفَّارَةُ، لأَِنَّ الْكَفَّارَةَ أَقْصَى عُقُوبَةً فِي الإِْفْطَارِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى كَمَال الْجِنَايَةِ، لأَِنَّ فِي نُقْصَانِهَا شُبْهَةَ الْعَدَمِ وَهِيَ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ (٣) .

الْقَوْل الثَّانِي: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَبِهِ قَال عَطَاءٌ وَأَبُو ثَوْرٍ (٤) .

رَابِعًا: مَحْظُورَاتُ الْحَجِّ أَوِ الإِْحْرَامِ

٣٧ - قَدْ يَعْرِضُ لِقَاصِدِ الْحَجِّ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ

_________

(١) تبيين الحقائق ١ / ٣٢٥، ومواهب الجليل ٢ / ٤٢٢، والمجموع ٦ / ٣١٩، ٣٢٠، والمغني ٣ / ١١٧.

(٢) حديث: " من ذرعه القيء فليس عليه قضاء. . . ". أخرجه الترمذي (٣ / ٨٩) من حديث أبي هريرة، وقال: حسن غريب.

(٣) فتح القدير ٢ / ٢٦٠، والمدونة الكبرى ١ / ٢٠٠.

(٤) المجموع ٦ / ٣٢٠.

إِتْمَامِهِ أَوِ الإِْتْيَانِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الأَْكْمَل، كَمَرَضٍ أَوْ عُذْرٍ أَوْ مَوْتٍ، أَوْ فَوَاتِ وَقْتٍ أَوْ تَجَاوُزِ مِيقَاتٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلِجَبْرِ ذَلِكَ شُرِعَتِ الْكَفَّارَةُ، وَالْكَفَّارَاتُ الْوَاجِبَةُ فِي ذَلِكَ إِمَّا مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، وَإِمَّا غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا.

وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (الإِْحْرَامُ ف ١٤٥ - و١٨٥ - وَإِحْصَارٌ ف ٣٣ وَحَرَمٌ ف ١٣) .

تَعَدُّدُ الْجَزَاءِ بِتَعَدُّدِ الصَّيْدِ

٣٨ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْرِيمِ قَتْل الصَّيْدِ وَالدَّلاَلَةِ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ، كَمَا لاَ خِلاَفَ بَيْنَهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا قَتَل الصَّيْدَ، أَوِ اصْطَادَ أَوْ دَل عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِلنَّصِّ عَلَى ذَلِكَ (١) .

وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعَدُّدِ الْجَزَاءِ بِتَعَدُّدِ الصَّيْدِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْل الأَْوَّل: فِي كُل صَيْدٍ جَزَاءٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ وَبِهِ قَال الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ (٢) .

وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْل مَا قَتَل مِنَ النَّعَمِ﴾ .

_________

(١) بداية المجتهد ١ / ٣٠٦، ٣٠٧.

(٢) المبسوط ٤ / ١٠٧، وحاشية الدسوقي ٢ / ٦٩، والمجموع ٧ / ٤٣٦، والمغني ٣ / ٥٢٢.