الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٥ الصفحة 11

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٥

كُل وَاحِدٍ مِنَ الْجَمَاعَةِ إِذَا اشْتَرَكُوا، كَكَفَّارَةِ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ.

وَبِأَنَّهَا لاَ تَتَبَعَّضُ، وَهِيَ مِنْ مُوجِبِ قَتْل الآْدَمِيِّ، فَكَمُلَتْ فِي حَقِّ كُل وَاحِدٍ مِنَ الْمُشْتَرِكِينَ كَالْقِصَاصِ (١) .

وَذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ حِكَايَةٌ عَنِ الأَْوْزَاعِيِّ، وَحَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ (٢)

وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ قَتَل مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ .

وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَةَ (مَنْ) تَتَنَاوَل كُل قَاتِلٍ، الْوَاحِدَ وَالْجَمَاعَةَ وَلَمْ تُوجِبِ الآْيَةُ إِلاَّ كَفَّارَةً وَاحِدَةً وَدِيَةً، وَالدِّيَةُ لاَ تَتَعَدَّدُ فَكَذَلِكَ لاَ تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ.

وَلأَِنَّهَا كَفَّارَةُ قَتْلٍ فَلَمْ تَتَعَدَّدْ بِتَعَدُّدِ الْقَاتِلِينَ مَعَ اتِّحَادِ الْمَقْتُول، كَكَفَّارَةِ الصَّيْدِ الْحَرَمِيِّ (٣) .

تَعَدُّدُ الْكَفَّارَةِ بِتَعَدُّدِ الْقَتْلَى وَالْقَاتِل وَاحِدٌ

١٩ - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَقْتُولِينَ، قَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوِ اصْطَدَمَتْ حَامِلاَنِ وَأَسْقَطَتَا جَنِينَيْهِمَا وَمَاتَتَا فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا

_________

(١) مغني المحتاج ٤ / ١٠٨، والمغني ٨ / ٩٦.

(٢) المغني ٨ / ٩٥، ومغني المحتاج ٤ / ١٠٨.

(٣) المغني ٨ / ٩٥، ٩٦.

فِي تَرِكَتِهَا أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ عَلَى الصَّحِيحِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَى قَاتِل نَفْسِهِ، وَأَنَّهَا لاَ تَتَجَزَّأُ، فَتَجِبُ عَلَى كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ لِنَفْسِهَا وَثَانِيَةٌ لِجَنِينِهَا وَثَالِثَةٌ لِصَاحِبَتِهَا وَرَابِعَةٌ لِجَنِينِهَا لأَِنَّهُمَا اشْتَرَكَتَا فِي إِهْلاَكِ أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ، وَمُقَابِل الصَّحِيحِ: تَجِبُ كَفَّارَتَانِ (١) .

ثَالِثًا: الإِْفْطَارُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ:

٢٠ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي الْفَرْجِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَامِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ أَنْزَل أَمْ لَمْ يُنْزِل (٢) .

كَمَا لاَ خِلاَفَ بَيْنَهُمْ فِي عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي الْفَرْجِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ. وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي وُجُوبِهَا عَلَى مَنْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ إِذَا اقْتَرَنَ بِهِ إِنْزَالٌ.

كَمَا اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهَا عَلَى مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ مُخْطِئًا أَوْ جَاهِلًا، وَفِي وُجُوبِهَا بِتَعَمُّدِ الإِْفْطَارِ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ كَالأَْكْل وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا لِغَيْرِ عُذْرٍ.

وَسَنَعْرِضُ هَذَا الْخِلاَفَ فِي الْفُرُوعِ الآْتِيَةِ:

الْكَفَّارَةُ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ:

٢١ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ:

_________

(١) مغني المحتاج ٤ / ٩١، وحاشية الباجوري على ابن قاسم ٢ / ١٤٣، ٦٦، والمغني لابن قدامة ٧ / ٣٥٨.

(٢) المغني ٣ / ١٢٠ - ١٢١.

فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَرَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لاَ فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بَيْنَ كَوْنِ الْفَرْجِ قُبُلًا أَوْ دُبُرًا، مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (١) . وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ أَفْسَدَ صَوْمَ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ فِي الْفَرْجِ فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ كَالْوَطْءِ (٢) .

وَبِأَنَّ الْجَمِيعَ وَطْءٌ، وَلأَِنَّ الْجَمِيعَ فِي إِيجَابِ الْحَدِّ وَاحِدٌ، فَكَذَلِكَ إِفْسَادُ الصَّوْمِ وَإِيجَابُ الْكَفَّارَةِ (٣)، وَبِأَنَّهُ مَحِلٌّ مُشْتَهًى، فَتَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ كَالْوَطْءِ فِي الْقُبُل (٤) .

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ لاَ يُوجِبُ كَفَّارَةً، لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ لأَِنَّ الْمَحِل مُسْتَقْذَرٌ، وَمَنْ لَهُ طَبِيعَةٌ سَلِيمَةٌ لاَ يَمِيل إِلَيْهِ، فَلاَ يَسْتَدْعِي زَاجِرًا، لِلاِمْتِنَاعِ بِدُونِهِ، فَصَارَ كَالْحَدِّ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ (٥) .

الْكَفَّارَةُ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ

٢٢ - وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ فِيهِ قَوْلاَنِ:

الأَْوَّل: لاَ تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ

_________

(١) المجموع ٦ / ٣٤١، والمغني ٣ / ١٢٢، وتبيين الحقائق ١ / ٣٢٧.

(٢) المغني ٣ / ١٢٢.

(٣) المجموع ٦ / ٣٤١.

(٤) تبيين الحقائق ١ / ٣٢٧.

(٥) المرجع نفسه.

خَيْرَانَ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ (١) . وَاسْتَدَلُّوا: بِأَنَّهُ لاَ نَصَّ فِيهِ، وَلاَ هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِوَطْءِ الآْدَمِيَّةِ فِي إِيجَابِ الْحَدِّ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْكَامِهِ (٢) .

وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنْزَل أَمْ لاَ (٣) .

الثَّانِي: تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبِهِ قَال الْمَالِكِيَّةُ، لأَِنَّهُ وَطْءٌ فِي فَرْجٍ مُوجِبٍ لِلْغُسْل، مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ، فَأَشْبَهَ وَطْءَ الآْدَمِيَّةِ (٤) .

وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ

٢٣ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ إِذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا الإِْنْزَال لاَ تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ.

وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِيمَا إِذَا اقْتَرَنَ بِهَا الإِْنْزَال عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْل الأَْوَّل: عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالإِْنْزَال بِالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (٥)، وَالشَّافِعِيَّةُ (٦)،

_________

(١) تبيين الحقائق ١ / ٣٢٧، والمجموع ٦ / ٣٤١، والمغني ٢ / ١٢٣.

(٢) المغني ٣ / ١٢٣.

(٣) المجموع ٦ / ٣٤١.

(٤) المجموع ٦ / ٣٤١، وحاشية الدسوقي ١ / ٥٢٢.

(٥) تبيين الحقائق ١ / ٣٢٩.

(٦) المجموع ٦ / ٣٤١.

وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ (١) .

وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ تَامٍّ فَأَشْبَهَ الْقُبْلَةَ، وَلأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَلاَ نَصَّ فِي وُجُوبِهَا، وَلاَ إِجْمَاعَ وَلاَ قِيَاسَ، وَلاَ يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ، لأَِنَّهُ أَبْلَغُ بِدَلِيل أَنَّهُ يُوجِبُهَا مِنْ غَيْرِ إِنْزَالٍ، وَيَجِبُ بِهِ الْحَدُّ إِذَا كَانَ مُحَرَّمًا، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ اثْنَا عَشَرَ حُكْمًا، وَلأَِنَّ الْعِلَّةَ فِي الأَْصْل الْجِمَاعُ بِدُونِ الإِْنْزَال، وَالْجِمَاعُ هَاهُنَا غَيْرُ مُوجِبٍ فَلَمْ يَصِحَّ اعْتِبَارُهُ بِهِ (٢) .

قَال النَّوَوِيُّ: إِذَا أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ كَالأَْكْل وَالشُّرْبِ، وَالاِسْتِمْنَاءِ وَالْمُبَاشَرَاتِ الْمُفْضِيَاتِ إِلَى الإِْنْزَال، فَلاَ كَفَّارَةَ، لأَِنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْجِمَاعِ، وَهَذِهِ الأَْشْيَاءُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ (٣) .

وَقَال الزَّيْلَعِيُّ: وَلاَ كَفَّارَةَ بِالإِْنْزَال فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، لاِنْعِدَامِ الْجِمَاعِ صُورَةً، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِوُجُودِهِ مَعْنًى، وَالْمُرَادُ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ غَيْرِ الْقُبُل وَالدُّبُرِ كَالْفَخِذِ وَالإِْبِطِ وَالْبَطْنِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى اللَّمْسِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَالْقُبْلَةِ (٤) . وَقَال: وَلَوْ أَنْزَل بِقُبْلَةٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِوُجُودِ مَعْنَى الْجِمَاعِ وَهُوَ الإِْنْزَال بِالْمُبَاشَرَةِ، دُونَ

_________

(١) المغني ٣ / ١٢١.

(٢) المغني ٣ / ١٢١.

(٣) المجموع ٦ / ٣٤١.

(٤) تبيين الحقائق ١ / ٣٢٩.

الْكَفَّارَةِ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ، فَانْعَدَمَ صُورَةُ الْجِمَاعِ، وَهَذَا لأَِنَّ الْقَضَاءَ يَكْفِي لِوُجُوبِهِ وُجُودَ الْمُنَافِي صُورَةً أَوْ مَعْنًى، وَلاَ يَكْفِي ذَلِكَ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، فَلاَ بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْمُنَافِي صُورَةً وَمَعْنًى، لأَِنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، بِخِلاَفِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ حَيْثُ تَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ (١) .

الْقَوْل الثَّانِي: وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالإِْنْزَال بِالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، قَالُوا: وَلَوْ تَعَمَّدَ إِنْزَال مَنِيٍّ بِتَقْبِيلٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ أَوْ بِإِدَامَةِ فِكْرٍ أَوْ نَظَرٍ وَكَانَ عَادَتُهُ الإِْنْزَال (٢) .

وَهُوَ قَوْل عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (٣)، وَأَبِي خَلَفٍ الطَّبَرِيِّ مِنْ تَلاَمِذَةِ الْقَفَّال الْمَرْوَزِيِّ (٤) .

وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ فُطِّرَ بِجِمَاعٍ فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ كَالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ (٥) .

وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا وَمَا أَشْبَهَهُ:

٢٤ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي الْقُبُل مُتَعَمِّدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ،

_________

(١) تبيين الحقائق ١ / ٣٢٤.

(٢) حاشية الدسوقي ١ / ٥٢٨، ٥٢٩) .

(٣) المغني ٣ / ١٢١.

(٤) المجموع ٦ / ٣٤١.

(٥) المغني ٣ / ١٢١.

وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي وُجُوبِهَا عَلَى مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا أَوْ مُخْطِئًا أَوْ جَاهِلًا عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْل الأَْوَّل: لاَ كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا أَوْ مُخْطِئًا أَوْ جَاهِلًا.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (١)، وَالْمَالِكِيَّةُ (٢)، وَالشَّافِعِيَّةُ (٣)، وَبِهِ قَال: إِسْحَاقُ وَاللَّيْثُ وَالأَْوْزَاعِيُّ (٤)، وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْمُنْذِرِ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَالثَّوْرِيِّ (٥) .

وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ .

وَقَوْلِهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ (٦) .

فَفِي الآْيَةِ وَالْحَدِيثِ نَصٌّ عَلَى رَفْعِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَالإِْكْرَاهِ، وَالْمُرَادُ رَفْعُ الْحُكْمِ، لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنَ الثَّلاَثَةِ مَوْجُودٌ حِسًّا، وَالْحُكْمُ نَوْعَانِ: دُنْيَوِيٌّ وَهُوَ الْفَسَادُ، وَأُخْرَوِيٌّ وَهُوَ الإِْثْمُ، وَمُسَمَّى الْحُكْمِ يَشْمَلُهُمَا، فَيَتَنَاوَل الرَّفْعُ الْحُكْمَيْنِ، فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، لأَِنَّ الْكَفَّارَةَ

_________

(١) المبسوط ٣ / ٧١.

(٢) مواهب الجليل للحطاب ٢ / ٤٣١، ٤٣٧، الجامع لأحكام القرآن ٢ / ٣٢١.

(٣) روضة الطالبين ٢ / ٣٧٤، والمجموع ٦ / ٣٢٤.

(٤) الجامع لأحكام القرآن ٢ / ٣٢١، ٣٢٢.

(٥) المغني ٣ / ١٢١، ١٢٢، والجامع لأحكام القرآن ٢ / ٣٢٢.

(٦) حديث: " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان. . . ". أخرجه ابن ماجه (١ / ٦٥٩) والحاكم (٢ / ١٩٨) من حديث ابن عباس، واللفظ لابن ماجه، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

لِرَفْعِ الإِْثْمِ وَهُوَ مَحْطُوطٌ عَنِ النَّاسِ (١) .

وَبِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلاَ كَفَّارَةَ (٢) .

وَالدَّلاَلَةُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ ظَاهِرَةٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا سَوَاءٌ كَانَ الْفِطْرُ بِالْجِمَاعِ أَوْ غَيْرِهِ (٣) .

وَبِأَنَّ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ فِي نَهَارِ رَمَضَانِ تَخْتَلِفُ عَنْ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ حَيْثُ تَجِبُ هَذِهِ الْكَفَّارَاتُ مَعَ الشُّبْهَةِ، أَمَّا كَفَّارَةُ الْفِطْرِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَتَسْقُطُ مَعَ الشُّبْهَةِ.

وَالْفَرْقُ: أَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَجِبُ لأَِجْل جَبْرِ الْفَائِتِ، وَفِي الصَّوْمِ حَصَل الْجَبْرُ بِالْقَضَاءِ، فَكَانَتِ الْكَفَّارَةُ زَاجِرَةً فَقَطْ، فَشَابَهَتِ الْحُدُودَ فَتَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ (٤) .

وَبِقِيَاسِ الْجِمَاعِ عَلَى الأَْكْل وَالشُّرْبِ، فَكَمَا أَنَّ مَنْ أَكَل أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، كَذَلِكَ مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا أَوْ مُخْطِئًا أَوْ جَاهِلًا لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ (٥) .

الْقَوْل الثَّانِي: وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ

_________

(١) تبيين الحقائق ١ / ٣٢٢.

(٢) حديث: " من أفطر في شهر رمضان ناسيًا. . . ". أخرجه الدارقطني (٢ / ١٧٨)، وقال النووي في المجموع (٦ / ٣٢٤): بإسناد صحيح أو حسن.

(٣) المجموع ٦ / ٣٢٤.

(٤) تبيين الحقائق ١ / ٣٢٤.

(٥) المجموع ٦ / ٣٢٣.

جَامَعَ نَاسِيًا أَوْ مُخْطِئًا أَوْ جَاهِلًا. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ (١)، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عَطَاءٍ (٢)، وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ (٣) .

وَاسْتَدَل الْحَنَابِلَةُ وَمَنْ مَعَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ إِذَا جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ هَلَكْتُ. قَال: مَا لَكَ؟ قَال: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ. فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: هَل تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَال: لاَ. قَال: فَهَل تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَال: لاَ. قَال: فَهَل تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَال: لاَ. قَال: فَمَكَثَ النَّبِيُّ ﷺ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ، أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ - وَالْعَرَقُ الْمِكْتَل - قَال: أَيْنَ السَّائِل؟ فَقَال: أَنَا. قَال: خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَال الرَّجُل: عَلَى أَفْقَرِ مِنِّي يَا رَسُول اللَّه؟ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا - يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ - أَهْل بَيْتٍ أَفْقَرَ مِنْ أَهْل بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَال: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ (٤) .

فَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى

_________

(١) كشاف القناع ٢ / ٣٢٤، والمغني ٣ / ١٢١.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ٢ / ٣٢٢، والمغني ٣ / ١٢٢.

(٣) الجامع لأحكام القرآن ٢ / ٣٢٢.

(٤) حديث أبي هريرة: " بينا نحن جلوس عند النبي ﷺ. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٤ / ١٦٣)، ومسلم (٢ / ٧٨١ - ٧٨٢) والسياق للبخاري.

مَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ عَامِدًا أَمْ سَاهِيًا أَمْ جَاهِلًا أَمْ مُخْطِئًا مُخْتَارًا كَانَ أَوْ مُكْرَهًا، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَسْتَفْصِل الأَْعْرَابِيَّ وَلَوِ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بِذَلِكَ لاَسْتَفْصَلَهُ، لأَِنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لاَ يَجُوزُ، وَالسُّؤَال مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ، كَأَنَّهُ قَال: إِذَا وَاقَعْتَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَكَفِّرْ (١) .

وَبِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ يَحْرُمُ الْوَطْءُ فِيهِ، فَاسْتَوَى عَمْدُهُ وَغَيْرُهُ كَالْحَجِّ (٢) .

وَبِأَنَّ إِفْسَادَ الصَّوْمِ وَوُجُوبَ الْكَفَّارَةِ حُكْمَانِ يَتَعَلَّقَانِ بِالْجِمَاعِ، لاَ تُسْقِطُهُمَا الشُّبْهَةُ، فَاسْتَوَى فِيهِمَا الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ كَسَائِرِ أَحْكَامِهِ (٣) .

وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِتَعَمُّدِ الإِْفْطَارِ بِالأَْكْل وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا:

٢٥ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَكَل أَوْ شَرِبَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُخْطِئًا.

وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي وُجُوبِهَا بِتَعَمُّدِ الأَْكْل أَوِ الشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا عَلَى قَوْلَيْنِ.

الْقَوْل الأَْوَّل: وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِتَعَمُّدِ الأَْكْل وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ.

_________

(١) كشاف القناع ٢ / ٣٢٤، والمغني ٣ / ١٢٠، ١٢١.

(٢) كشاف القناع ٢ / ٣٢٤.

(٣) المغني ٣ / ١٢٢.