الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٥
المصالح التي تتحقق بطريق الكفاية
غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه وتشييعه ودفنه
المكلف بتحقيق فرض الكفاية في الإمامة العظمى
الكفاية في حاجات الأفراد الخاصة
توفير الكفاية عن طريق توظيف الضرائب على الأغنياء
ولاية الكافر على المسلم وولاية المسلم على الكافر
نكاح المسلم كافرة ونكاح الكافر مسلمة
ثانيا غسل الكفين مع اليدين في الوضوء
رابعا غسل الكفين قبل الأكل وبعده
الكفارة في اليمين اللغو على أمر في المستقبل
الحلف على الشيء بعينه مرات كثيرة
الحلف بأيمان متعددة على أمور شتى
تعدد الكفارة بتعدد القتلى والقاتل واحد
وجوب الكفارة على من باشر فيما دون الفرج
وجوب الكفارة على من جامع ناسيا وما أشبهه
وجوب الكفارة بتعمد الإفطار بالأكل والشرب ونحوهما
وجوب الكفارة بالإكراه على الجماع
وجوب الكفارة على من طلع عليه الفجر وهو مجامع
كفارة من جامع يظن عدم طلوع الفجر
وجوب الكفارة بالجماع في صوم غير رمضان
تعدد الكفارة بتعدد الجماع في نهار رمضان
تعدد الكفارة على من جامع في يومين ولم يكفر
تعدد الكفارة على من جامع فكفر ثم جامع ثانية في نفس اليوم
تعدد الجزاء بقتل الصيد والأكل منه
ما يجب على المحرم بلبس المخيط، وإماطة الأذى من غير ضرورة
الكفارات الواجبة بالجماع ودواعيه
وجوب الكفارة على المرأة الموطوءة
تعدد الكفارة بتعدد الجماع ودواعيه
أثر النسيان والجهل في سقوط الكفارة
وجوب الكفارة على من غسل رأسه بالخطمي والسدر
وجوب الفدية بلبس السراويل عند عدم الإزار
لبس الخفين مقطوعين مع وجود النعلين
وجوب الكفارة على المرأة إذا ظاهرت من زوجها
سقوط الكفارة بالاستثناء بالمشيئة
تعدد الكفارة على من ظاهر من أربع نسوة له بلفظ واحد
تعدد الكفارة على من ظاهر من نسائه بكلمات
تعدد الكفارة بالوطء قبل التكفير
وجوب الكفارة بمجرد الظهار دون العود
أولا الشروط العامة في الكفارات
شروط وجوب كفارة الجماع في نهار رمضان
الشروط الخاصة بالإطعام في الكفارات
أنواع الكلام وطرق دلالته على معناه
الكلام حال قضاء الحاجة وفي الخلاء
الكلام بعد النية وقبل تكبيرة الإحرام
الكلام أثناء الخطبة وقبلها وبعدها وبين الخطبتين
مرور الكلب الأسود بين يدي المصلي
ما يقع فيه الكناية من التصرفات
أولا تقسيم الكنز بالنظر لنسبته التاريخية
ثانيا تقسيم الكنز الجاهلي بالنظر إلى الدار التي وجد فيها
النوع الأول الكنز الذي يوجد في دار الإسلام
النوع الثاني الكنوز التي يجدها المسلم أو الذمي في دار الحرب
ملكية الكنز الموجود في أرض مملوكة لغير معين
الاستئجار على العمل في استخراج الكنوز
استخراج الكنز من دار الإسلام لا من دار الحرب
حكم الكاهن من حيث الردة وعدمها
اعتبار الكيل في علة تحريم الربا
الحالات التي يشملها حكم اللاحق
الطاهر والنجس من الألبان وما يحل شربه منها
لحوق المرتد بدار الحرب وأثره في تصرفاته
ما استرسل من اللحية أو خرج عن حد الوجه
تخليل اللحية الكثيفة في الوضوء
غسل اللحية في الغسل من الجنابة
الأخذ من اللحية عند التحلل من الإحرام
الدية أو الأرش في إتلاف شعر اللحية
العقد الفاسد عند الحنفية غير لازم
ما يرجع من الشروط إلى الرجل والمرأة
ما يجب عند امتناع الزوج عن اللعان
ما يجب إذا امتنعت المرأة عن اللعان
أولا آثار اللعان في حق الزوجين
ثانيا آثار اللعان في حق نسب الولد
أثر اللعان من حيث جعل الولد المنفي نسبه أجنبيا
رابعا قراءة القرآن بغير اللغة العربية
ثانيا - اللغو أثناء خطبة الجمعة
التصرفات المقيدة بألفاظ مخصوصة وغير المقيدة
الإكراه على التلفظ بألفاظ مخصوصة
اشتراك لفظ واحد بين معنيين أو أكثر
إطلاق ألقاب التفخيم على الفساق
لمس المرأة بالنسبة لنقض الوضوء
أثر لمس الفرج في انتقاض الوضوء
لمس المحرم للمرأة وأثره على النسك
قيام اللمس مقام الرؤية في حصول العلم بالمبيع
تلوين الغاصب المغصوب بلون من عنده
أثر اختلاف اللون في ضمان الأجير
اختصاص الأمة المحمدية بليلة القدر
تراجم فقهاء الجزء الخامس والثلاثين
أبو مجلز (؟ - ١٠٠، وقيل ١٠٩هـ)
بكير بن عبد الله بن الأشج (؟ - ١١٧، وقيل غير ذلك) .
حاطب بن أبي بلتعة (؟ - ٦٥هـ وقيل غير ذلك)
الربيع بن خيثم (؟ - ٦٣، وقيل ٦١هـ)
عبد الجبار المعتزلي (؟ - ٤١٥هـ)
عبد الرحمن الأجهوري (؟ - ١٩٨هـ)
عبد الرحمن الشربيني (؟ - ١٣٢٦هـ)
عبد الله بن الصامت (؟ - مات ما بين السبعين والثمانين هجري)
كِفَايَة
التَّعْرِيفُ:
١ - الْكِفَايَةُ لُغَةً: مِنْ كَفَى يَكْفِي كِفَايَةً.
وَمِنْ مَعَانِيهَا: مَا يَحْصُل بِهِ الاِسْتِغْنَاءُ عَنْ غَيْرِهِ، وَيُقَال: اكْتَفَيْتُ بِالشَّيْءِ: أَيِ اسْتَغْنَيْتُ بِهِ (١)، وَمِنْهُ قَوْلُهُ ﷺ: مَنْ قَرَأَ بِالآْيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ (٢) .
وَمِنْهَا: الْقِيَامُ بِالأَْمْرِ. فَيُقَال: اسْتَكْفَيْتُهُ أَمْرًا فَكَفَانِيهِ: أَيْ قَامَ بِهِ مَقَامِي، وَيُقَال: كَفَاهُ الأَْمْرَ إِذَا قَامَ مَقَامَهُ فِيهِ فَهُوَ كَافٍ وَكَفِيٌّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ (٣) .
وَمِنْهَا: سَدُّ الْخُلَّةِ أَيِ الْحَاجَةِ وَبُلُوغُ الأَْمْرِ
_________
(١) لسان العرب لابن منظور، والمصباح المنير للفيومي، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس مادة (كفى)، والمفردات في غريب القرآن للأصفهاني ص٤٣٧، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير ٤ / ١٩٣، وبصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي ٤ / ٣٦٨.
(٢) حديث: " من قرأ بالآيتين من آخر. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٩ / ٥٥)، ومسلم (١ / ٥٥٥) من حديث أبي مسعود، واللفظ للبخاري.
(٣) سورة الزمر / ٣٦.
فِي الْمُرَادِ، فَيُقَال: كَفَاهُ مَئُونَتَهُ يَكْفِيه كِفَايَةً، وَمِنْهُ الْكَفِيَّةُ: وَهِيَ مَا يَكْفِي الإِْنْسَانَ مِنَ الْعَيْشِ.
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ لِلْكِفَايَةِ عِدَّةُ اسْتِعْمَالاَتٍ مِنْهَا:
الْكِفَايَةُ بِمَعْنَى: الأَْفْعَال الْمُهِمَّةِ الَّتِي قَصَدَ الشَّارِعُ وُجُودَهَا دُونَ النَّظَرِ إِلَى شَخْصِ فَاعِلِهَا، وَذَلِكَ لِتَعَلُّقِهَا بِمَصَالِحِ الأُْمَّةِ، وَيُطْلَقُ عَلَى تِلْكَ الأَْفْعَال فُرُوضُ الْكِفَايَاتِ كَالْجِهَادِ فِي سَبِيل اللَّهِ وَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ.
وَبِمَعْنَى: أَهْلِيَّةُ الشَّخْصِ لِلْقِيَامِ بِالأَْفْعَال الْمُهِمَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَصَالِحِ الأُْمَّةِ، كَالْوِلاَيَاتِ الْعَامَّةِ وَالْوَظَائِفِ الْخَاصَّةِ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ مَقْصُودِ الْوِلاَيَةِ وَوَسَائِل تَحْقِيقِ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ.
وَبِمَعْنَى: سَدُّ الْحَاجَاتِ الأَْصْلِيَّةِ لِلشَّخْصِ مِنْ مَطْعَمٍ وَمَلْبَسٍ وَمَسْكَنٍ وَغَيْرِهَا، مِمَّا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَحَال مَنْ فِي نَفَقَتِهِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ تَقْتِيرٍ (١) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتِ الصِّلَةِ:
أ - الْكَفَافُ
٢ - الْكَفَافُ لُغَةً مِنْ كَفَّ بِمَعْنَى: تَرَكَ،
_________
(١) مغني المحتاج للشربيني ٣ / ١٠٦، والأحكام السلطانية للماوردي ص٢٢، والغياثي ص٩٠، ٩١.
يُقَال: كَفَّ عَنِ الشَّيْءِ كَفًّا: تَرَكَهُ، وَيُقَال: كَفَفْتُهُ كَفًّا: مَنَعْتُهُ، وَيُقَال: قُوتُهُ كَفَافٌ: أَيْ مِقْدَارُ حَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلاَ نَقْصٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَِنَّهُ يَكُفُّ عَنْ سُؤَال النَّاسِ وَيُغْنِي عَنْهُمْ، وَيُقَال: اسْتَكَفَّ وَتَكَفَّفَ إِذَا أَخَذَ بِبَطْنِ كَفِّهِ، أَوْ سَأَل كَفًّا مِنَ الطَّعَامِ، أَوْ مَا يَكُفُّ بِهِ الْجُوعَ (١) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَعَلَى ذَلِكَ عَرَّفَهُ الشَّرِيفُ الْجُرْجَانِيُّ بِأَنَّهُ: (مَا كَانَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَلاَ يَفْضُل مِنْهُ شَيْءٌ، وَيَكُفُّ عَنِ السُّؤَال (٢» .
وَيَخْتَلِفُ حَدُّ الْكَفَافِ فِي الإِْنْسَانِ عَنْ حَدِّ الْكِفَايَةِ، مِنْ أَنَّ حَدَّ الْكَفَافِ يَقْتَصِرُ عَلَى سَدِّ الضَّرُورِيَّاتِ الْقُصْوَى مِنْ مَطْعَمٍ وَمَسْكَنٍ وَمَلْبَسٍ، أَمَّا حَدُّ الْكِفَايَةِ فَيَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى مَا لاَ بُدَّ لِلإِْنْسَانِ مِنْهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ، مِنْ نِكَاحٍ وَتَعْلِيمٍ وَعِلاَجٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ، وَمَا يَتَزَيَّنُ بِهِ مِنْ مَلاَبِسَ وَحُلِيٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
ب - الْحَاجَةُ
٣ - الْحَاجَةُ لُغَةً: الاِفْتِقَارُ إِلَى الشَّيْءِ وَالاِضْطِرَارُ إِلَيْهِ، جَمْعُهَا حَاجَاتٌ
_________
(١) معجم مقاييس اللغة لابن فارس، والمصباح المنير للفيومي مادة (كفّ) .
(٢) التعريفات للجرجاني ص٢٣٧.
وَحَوَائِجُ (١) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْحَاجَةُ مَا يَفْتَقِرُ الإِْنْسَانُ إِلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ يَبْقَى بِدُونِهِ (٢) .
وَعَرَّفَهَا عُلَمَاءُ الأُْصُول بِأَنَّهَا: مَا يُفْتَقَرُ إِلَيْهَا مِنْ حَيْثُ التَّوْسِعَةِ وَرَفْعِ الضِّيقِ الْمُؤَدِّي فِي الْغَالِبِ إِلَى الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ اللاَّحِقَةِ بِفَوْتِ الْمَطْلُوبِ، فَإِذَا لَمْ تُرَاعَ دَخَل عَلَى الْمُكَلَّفِينَ - فِي الْجُمْلَةِ - الْحَرَجُ وَالْمَشَقَّةُ (٣) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْحَاجَةِ وَالْكِفَايَةِ التَّضَادُّ.
الْكِفَايَةُ فِي حَاجَاتِ الأُْمَّةِ وَمَصَالِحِهَا الْعَامَّةِ:
٤ - نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى حَاجَاتِ الأُْمَّةِ وَمَصَالِحِهَا، وَطَلَبَ مِنَ النَّاسِ الْقِيَامَ بِهَا دُونَ النَّظَرِ إِلَى شَخْصِ مَنْ يَقُومُ بِهَا، وَهِيَ تُسَمَّى (الأَْمْرَ الْكِفَائِيَّ)، وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيل لِذَلِكَ.
أَقْسَامُ الأَْمْرِ الْكِفَائِيِّ
الْكِفَايَةُ فِي حَاجَاتِ الأُْمَّةِ كَمَا تُتَصَوَّرُ فِي الْفُرُوضِ وَالْوَاجِبَاتِ تُتَصَوَّرُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَالسُّنَنِ، وَلِذَلِكَ يَنْقَسِمُ الأَْمْرُ الْكِفَائِيُّ إِلَى: فَرْضِ كِفَايَةٍ، وَسُنَّةِ كِفَايَةٍ.
أ - فَرْضُ الْكِفَايَةِ:
٥ - فَرْضُ الْكِفَايَةِ هُوَ: أَمْرٌ مُهِمٌّ كُلِّيٌّ تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ لاَ يَنْتَظِمُ الأَْمْرُ إِلاَّ
_________
(١) لسان العرب، ومعجم مقاييس اللغة مادة (حوج) .
(٢) قواعد الفقه للبركتي.
(٣) الموافقات للشاطبي ٢ / ١٠.
بِحُصُولِهَا، قَصَدَ الشَّارِعُ حُصُولَهَا مِنْ مَجْمُوعِ الْمُكَلَّفِينَ لاَ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَلَيْسَ مِنْ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، فَإِذَا قَامَ بِهِ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ (١) .
وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى يَخْتَلِفُ عَنْ (فَرْضِ الْعَيْنِ)، وَهُوَ: مَا طَلَبَ الشَّارِعُ حُصُولَهُ مِنْ كُل فَرْدٍ مِنَ الأَْفْرَادِ الْمُكَلَّفِينَ بِهِ (٢)، مِثْل الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ لاَ يَسْقُطُ الإِْثْمُ عَنِ الْبَاقِينَ.
وَأَهَمُّ وُجُوهِ الاِخْتِلاَفِ بَيْنَهُمَا
أ - أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ، كَصَلاَةِ الظُّهْرِ مَثَلًا، فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْخُضُوعُ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمُهُ وَمُنَاجَاتُهُ وَالتَّذَلُّل إِلَيْهِ وَالْمُثُول بَيْنَ يَدَيْهِ وَالتَّفَهُّمُ لِخِطَابِهِ وَالتَّأَدُّبُ بِأَدَبِهِ، وَهَذِهِ مَصَالِحُ تَتَكَرَّرُ كُلَّمَا تَكَرَّرَتِ الصَّلاَةُ فَتَجِبُ عَلَى كُل مُكَلَّفٍ.
أَمَّا فَرْضُ الْكِفَايَةِ فَلاَ تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ كَنُزُول الْبَحْرِ لإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ، فَإِنَّ مَصْلَحَتَهُ لاَ تَتَكَرَّرُ بِنُزُول كُل مُكَلَّفٍ، فَإِذَا أَنْقَذَ الْغَرِيقَ إِنْسَانٌ تَحَقَّقَتِ الْمَصْلَحَةُ بِنُزُولِهِ، وَالنَّازِل بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْبَحْرِ لاَ تَحْصُل مِنْهُ
_________
(١) حاشية ابن عابدين ٤ / ١٢٣، الدر المنتقي بحاشية مجمع الأنهر للحلبي ١ / ٦٣٢، وتهذيب الفروق ١ / ١٢٧، والمنثور في القواعد للزركشي ٣ / ٣٣، والبحر المحيط للزركشي ١ / ٢٤٢، والأشباه والنظائر للسيوطي ٤١٠، وكشاف القناع للبهوتي ٣ / ٣٣.
(٢) الإحكام للآمدي ١ / ٧٦، وشرح البدخشي ١ / ٤٥
مَصْلَحَةُ إِنْقَاذِ ذَلِكَ الْغَرِيقِ، فَجَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْكِفَايَةِ نَفْيًا لِلْعَبَثِ فِي الأَْفْعَال (١) .
ب - فَرْضُ الْعَيْنِ يُقْصَدُ مِنْهُ امْتِحَانُ الْمُكَلَّفِينَ بِهِ فِي حِينِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ حُصُول الْفِعْل دُونَ النَّظَرِ إِلَى الْفَاعِل (٢) .
ج - فَرْضُ الْعَيْنِ يُؤَدِّي إِلَى تَحْقِيقِ مَصْلَحَةِ الْفَرْدِ وَرَفْعِ شَأْنِهِ فِي مَجَال الأَْمْرِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ، فِي حِينِ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يُؤَدِّي إِلَى تَحْقِيقِ مَصْلَحَةِ الْمُجْتَمَعِ وَرَفْعِ شَأْنِهِ (٣) .
د - فَرْضُ الْعَيْنِ يُطَالَبُ بِهِ جَمِيعُ الْمُكَلَّفِينَ، وَلاَ يَسْقُطُ الإِْثْمُ عَنِ التَّارِكِينَ لَهُ بِأَدَاءِ الْبَعْضِ، لِبَقَاءِ التَّكْلِيفِ بِهِ عَلَى التَّارِكِينَ لَهُ، فِي حِينِ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَسْقُطُ عَنِ التَّارِكِينَ لَهُ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ وَكَانَ كَافِيًا (٤) .
ب - سُنَّةُ الْكِفَايَةِ:
٦ - سُنَّةُ الْكِفَايَةِ مِثْل ابْتِدَاءِ السَّلاَمِ مِنْ جَمَاعَةٍ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ مِنْ جَمَاعَةٍ وَهِيَ تَخْتَلِفُ عَنْ سُنَّةِ الْعَيْنِ كَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَصِيَامِ الأَْيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَالطَّوَافِ فِي غَيْرِ النُّسُكِ (٥) .
_________
(١) الفروق للقرافي ١ / ١٦٦، والأشباه والنظائر للسبكي ٢ / ٨٩.
(٢) البحر المحيط للزركشي ١ / ٢٤٢.
(٣) الدر المنتقي على هامش مجمع الأنهر ١ / ٦٣٢.
(٤) حاشية ابن عابدين ١ / ٥٣٨، ٤ / ١٢٣، وكشاف القناع ٣ / ٣٣.
(٥) حاشية ابن عابدين ١ / ٥٣٨، والبحر المحيط ١ / ٢٤٣، والفروق للقرافي ١ / ١٧٧، ومغني المحتاج ٤ / ٢١٤، ونهاية المحتاج ٨ / ٥٣.
الْمَصَالِحُ الَّتِي تَتَحَقَّقُ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ
مِنْ مَصَالِحِ الأُْمَّةِ مَا يَتَحَقَّقُ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ وَهُوَ أَقْسَامٌ
أَوَّلًا: الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ
٧ - مِنْهَا الاِشْتِغَال بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ كَطَلَبِ الْعِلْمِ وَتَصْنِيفِ كُتُبِهِ، وَحِفْظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَحِفْظِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَإِقَامَةِ الْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ عَلَى الْعَقِيدَةِ الإِْسْلاَمِيَّةِ، وَدَفْعِ الشُّبُهَاتِ وَحَل الْمُشْكِلاَتِ وَالاِجْتِهَادِ فِي الْقَضَايَا الْمُسْتَجَدَّةِ.
وَمِنْهَا إِقَامَةُ الشَّعَائِرِ الدِّينِيَّةِ كَصَلاَةِ الْجَمَاعَةِ، وَصَلاَةِ التَّرَاوِيحِ فِي جَمَاعَةٍ، وَالأَْذَانِ وَصَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَصَلاَةِ الْعِيدَيْنِ وَصَلاَةِ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ، وَصَلاَةِ الاِسْتِسْقَاءِ وَالاِعْتِكَافِ وَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلاَةِ وَالطَّوَافِ وَالأُْضْحِيَةِ.
وَمِنْهَا الْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ وَالأَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاسْتِنْقَاذُ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَإِفْشَاءُ السِّلاَمِ وَرَدُّهُ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ.
ثَانِيًا: الْمَصَالِحُ الدُّنْيَوِيَّةُ
٨ - مِنْهَا الاِشْتِغَال بِالْعُلُومِ الْحَيَاتِيَّةِ وَتَعَلُّمُ أُصُول الصِّنَاعَاتِ وَالْحِرَفِ كَالصَّنَاعَةِ وَالزِّرَاعَةِ.
ثَالِثًا: الْمَصَالِحُ الْمُشْتَرَكَةُ
٩ - بِالإِْضَافَةِ إِلَى الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ تُوجَدُ مَصَالِحُ مُشْتَرَكَةٌ تَجْمَعُ بَيْنَ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ طَلَبَ الشَّرْعُ مِنَ الأُْمَّةِ فِعْلَهَا.
مِنْهَا تَحَمُّل الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا، وَالْتِقَاطُ اللَّقِيطِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَغُسْل الْمَيِّتِ وَتَكْفِينُهُ، وَالْقِيَامُ بِالْوِلاَيَاتِ وَالْوَظَائِفِ، وَبَيَانُهَا كَالتَّالِي:
أ - تَحَمُّل الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا
١٠ - تَحَمُّل الشَّهَادَةِ: هُوَ الْعِلْمُ بِمَا يُشْهَدُ بِهِ مِنَ الْحُقُوقِ كَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَحَمُّل الشَّهَادَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، إِذَا كَانَ الشُّهُودُ جَمَاعَةً، فَلَوِ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ عَنِ التَّحَمُّل أَثِمُوا جَمِيعًا، لأَِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الشَّاهِدُ وَاحِدًا فَيَتَعَيَّنُ التَّحَمُّل فِيهِ وَيَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ، لأَِنَّ التَّحَمُّل يَفْتَقِرُ إِلَيْهِ وَيُخْشَى ضَيَاعُ الْحُقُوقِ (١)، قَال تَعَالَى: ﴿وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ (٢)، فَقَدْ جَمَعَتْ هَذِهِ الآْيَةُ الأَْمْرَيْنِ: التَّحَمُّل وَالأَْدَاءَ.
_________
(١) الهداية ٣ / ١٦، ومجمع الأنهر ٢ / ١١٥، ١٨٦، والشرح الصغير ٤ / ٢٨٤، والقوانين الفقهية ٣٣٩، وأسهل المدارك ٣ / ٢١٢، والمهذب ٢ / ٣٢٤، وأدب القضاء لابن أبي الدم ٣٢٢، والأشباه للسيوطي ٤١٤، والإنصاف ١٢ / ٣، والكافي لابن قدامة ٣ / ٥١٥.
(٢) سورة البقرة / ٢٨٢.
وَأَمَّا أَدَاءُ الشَّهَادَةِ مِنَ الْمُتَحَمِّل إِذَا طَلَبَهَا الْمُدَّعِي فَفَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا كَانَ الْمُتَحَمِّلُونَ جَمَاعَةً، فَإِذَا امْتَنَعُوا أَثِمُوا جَمِيعًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (١)، وَإِذَا كَانَ الْمُتَحَمِّل وَاحِدًا تَعَيَّنَ الأَْدَاءُ فِيهِ وَيَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ، وَدَلِيل الْفَرْضِيَّةِ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ (٢) .
وَالتَّفْصِيل فِي (شَهَادَةٌ ف ٥) .
ب - الْتِقَاطُ اللَّقِيطِ
١١ - اللَّقِيطُ: هُوَ الطِّفْل الْمَنْبُوذُ الَّذِي لاَ قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ نَفْسِهِ، وَهُوَ نَفْسٌ مُحْتَرَمَةٌ فِي الشَّرْعِ الإِْسْلاَمِيِّ تَسْتَحِقُّ الْحِفْظَ وَالرِّعَايَةَ، وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْتِقَاطَهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا كَانَ الْوَاجِدُونَ لَهُ جَمَاعَةً، أَمَّا إِذَا كَانَ الْوَاجِدُ فَرْدًا وَاحِدًا وَخَافَ عَلَيْهِ الْهَلاَكَ إِنْ تَرَكَهُ صَارَ الْتِقَاطُهُ فَرْضَ عَيْنٍ وَلاَ يَحِل لَهُ تَرْكُهُ (٣) .
وَالتَّفْصِيل فِي (لَقِيطٌ) .
ج - عِيَادَةُ الْمَرِيضِ:
١٢ - الْمَرِيضُ: هُوَ الَّذِي أُصِيبَ بِمَرَضٍ
_________
(١) المراجع السابقة.
(٢) سورة البقرة / ٢٨٣.
(٣) الدر المنتقى مع مجمع الأنهر ١ / ٧١٠، والهداية ٢ / ١٧٣، والشرح الصغير ٤ / ١٧٨، والقوانين الفقهية ٣٧٢، والمهذب ١ / ٤٤١، والمنثور ٣ / ٧٣، والأشباه للسيوطي ٤١٣، والكافي لابن قدامة ٢ / ٣٦٣.
يُضْعِفُ جِسْمَهُ وَيُؤَثِّرُ فِي نَفْسِهِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يُوَاسِيهِ وَيُطَيِّبُ نَفْسَهُ وَيَقُومُ عَلَى خِدْمَتِهِ وَتَمْرِيضِهِ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ لِحَدِيثِ: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ، قِيل: وَمَا هِيَ يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَال: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ (١) .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ.
وَذَهَبَ الإِْمَامُ الْبُخَارِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّ الْعِيَادَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الأَْعْيَانِ، لأَِنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمَرِيضِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَال بِهِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَصَوَّبَهُ (٢) .
_________
(١) حديث: " حق المسلم على المسلم ست. . . ". أخرجه مسلم (٤ / ١٧٠٥) .
(٢) الهداية ٣ / ١٠٣، والشرح الصغير ٤ / ٧٦٣، ومغني المحتاج ١ / ٣٢٩، والمغني ٢ / ٤٤٩، والإنصاف ٢ / ٤٦١، والآداب الشرعية ٣ / ٥٥٤، وصحيح البخاري ٧ / ٣ باب وجوب عيادة المريض.