الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٢ الصفحة 3

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٢

الْحَالَيْنِ، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ قَال: إِذَا اسْتَطْعَمَكُمُ الإِْمَامُ فَأَطْعِمُوهُ (١) .

وَاسْتِطْعَامُهُ سُكُوتُهُ، وَيَنْوِي الْفَاتِحُ الْفَتْحَ لاَ التِّلاَوَةَ عَلَى الصَّحِيحِ، لأَِنَّهُ مُرَخَّصٌ فِيهِ، وَقِرَاءَتُهُ مَمْنُوعٌ عَنْهَا، وَلَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ بَعْدَ انْتِقَالِهِ إِلَى آيَةٍ أُخْرَى لَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهُ، وَهُوَ قَوْل عَامَّةِ مَشَايِخِهِمْ، لإِطْلاَقِ الْمُرَخِّصِ.

وَفِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ: وَفِي الْمُحِيطِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، فَإِنَّ فِيهِ: وَذَكَرَ فِي الأَْصْل وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ إِذَا فَتَحَ عَلَى إِمَامِهِ يَجُوزُ مُطْلَقًا، لأَِنَّ الْفَتْحَ وَإِنْ كَانَ تَعْلِيمًا، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ، وَأَنَّهُ تِلاَوَةٌ حَقِيقِيَّةٌ فَلاَ يَكُونُ مُفْسِدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ، وَصَحَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لاَ تَفْسُدُ صَلاَةُ الْفَاتِحِ عَلَى كُل حَالٍ، وَتَفْسُدُ صَلاَةُ الإِْمَامِ، إِذَا أَخَذَ مِنَ الْفَاتِحِ بَعْدَ أَنِ انْتَقَل إِلَى آيَةٍ أُخْرَى، وَفِي الْكَافِي: لاَ تَفْسُدُ صَلاَةُ الإِْمَامِ أَيْضًا.

وَالْحَاصِل أَنَّ الْفَتْحَ عَلَى إِمَامِهِ لاَ يُوجِبُ فَسَادَ صَلاَةِ أَحَدٍ لاَ الْفَاتِحِ، وَلاَ الآْخِذِ فِي الصَّحِيحِ، وَيُكْرَهُ لِلْمُقْتَدِي أَنْ يَعْجَل بِالْفَتْحِ، وَيُكْرَهُ لِلإِْمَامِ أَنْ يُلْجِئَهُمْ إِلَيْهِ بِأَنْ يَسْكُتَ بَعْدَ الْحَصْرِ، أَوْ يُكَرِّرَ الآْيَةَ، بَل يَرْكَعُ إِذَا جَاءَ أَوَانُهُ، أَوْ يَنْتَقِل إِلَى آيَةٍ أُخْرَى لَيْسَ

_________

(١) أثر علي: " إذا استطعمكم الإمام فأطعموه ". أخرجه الدارقطني (١ / ١٠٠) .

فِي وَصْلِهَا مَا يُفْسِدُ الصَّلاَةَ، أَوْ يَنْتَقِل إِلَى سُورَةٍ أُخْرَى.

وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي أَوَانِ الرُّكُوعِ، فَفِي بَعْضِهَا: اعْتُبِرَ أَوَانُهُ إِذَا قَرَأَ الْمُسْتَحَبَّ، وَفِي بَعْضِهَا: اعْتُبِرَ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ: أَيْ إِذَا قَرَأَ مِقْدَارَ مَا يَجُوزُ بِهِ الصَّلاَةُ رَكَعَ. (١)

وَإِنْ فَتَحَ الْمُصَلِّي عَلَى غَيْرِ إِمَامِهِ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ لأَِنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ، فَكَانَ مِنْ جِنْسِ كَلاَمِ النَّاسِ، إِلاَّ إِذَا نَوَى التِّلاَوَةَ، فَإِنْ نَوَى التِّلاَوَةَ لاَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ عِنْدَ الْكُل، وَتَفْسُدُ صَلاَةُ الآْخِذِ، إِلاَّ إِذَا تَذَكَّرَ قَبْل تَمَامِ الْفَتْحِ، وَأَخَذَ فِي التِّلاَوَةِ قَبْل تَمَامِ الْفَتْحِ فَلاَ تَفْسُدُ، وَإِلاَّ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ، لأَِنَّ تَذَكُّرَهُ يُضَافُ إِلَى الْفَتْحِ.

قَال ابْنُ عَابِدِينَ: إِنْ حَصَل التَّذَكُّرُ بِسَبَبِ الْفَتْحِ تَفْسُدُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَشَرَعَ فِي التِّلاَوَةِ قَبْل تَمَامِ الْفَتْحِ أَمْ بَعْدَهُ، لِوُجُودِ التَّعَلُّمِ، وَإِنْ حَصَل تَذَكُّرُهُ مِنْ نَفْسِهِ لاَ بِسَبَبِ الْفَتْحِ لاَ تَفْسُدُ مُطْلَقًا، وَكَوْنُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ حَصَل بِالْفَتْحِ لاَ يُؤَثِّرُ بَعْدَ تَحَقُّقِ أَنَّهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَشْمَل هَذَا إِذَا كَانَ الْمَفْتُوحُ عَلَيْهِ مُصَلِّيًا أَوْ غَيْرَ مُصَلٍّ، وَإِنْ سَمِعَ الْمُؤْتَمُّ مِمَّنْ لَيْسَ فِي الصَّلاَةِ فَفَتَحَ بِهِ عَلَى إِمَامِهِ فَسَدَتْ

_________

(١) البحر الرائق ٢ / ٦، وابن عابدين ١ / ٤١٨، وفتح القدير ١ / ٣٤٧.

صَلاَةُ الْكُل، لأَِنَّ التَّلْقِينَ مِنْ خَارِجٍ، وَفَتْحُ الْمُرَاهِقِ كَالْبَالِغِ فِيمَا ذُكِرَ.

هَذَا كُلُّهُ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَال أَبُو يُوسُفَ: إِنَّ الْفَتْحَ عَلَى الإِْمَامِ لاَ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلصَّلاَةِ، فَلاَ تَفْسُدُ صَلاَةُ الْفَاتِحِ مُطْلَقًا، لأَِنَّهُ قِرَاءَةٌ فَلاَ تَتَغَيَّرُ بِقَصْدِ الْقَارِئِ. (١)

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا أُرْتِجَ عَلَى الإِْمَامِ فِي الْفَاتِحَةِ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَفْتَحَ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْل: بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ تَجِبُ فِي الصَّلاَةِ كُلِّهَا أَوْ جُلِّهَا.

أَمَّا عَلَى الْقَوْل: بِأَنَّ الْفَاتِحَةَ تَجِبُ فِي جُل الصَّلاَةِ لاَ فِي كُلِّهَا، وَحَصَل الرِّتَاجُ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي جُل الصَّلاَةِ، كَأَنْ يَقِفَ فِي ثَالِثَةِ الثُّلاَثِيَّةِ، أَوْ رَابِعَةِ الرَّبَاعِيَةِ، فَالْفَتْحُ عَلَيْهِ سُنَّةٌ، أَمَّا صَلاَةُ الإِْمَامِ فَصَحِيحَةٌ مُطْلَقًا، لأَِنَّهُ كَمَنْ طَرَأَ لَهُ الْعَجْزُ عَنْ رُكْنٍ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ، أَمَّا فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فَيُسَنُّ الْفَتْحُ عَلَيْهِ إِنْ وَقَفَ حَقِيقَةً: بِأَنِ اسْتَفْتَحَ وَلَمْ يَنْتَقِل لِغَيْرِ سُورَةٍ وَلَمْ يُكَرِّرْ آيَةً، أَوْ وَقَفَ حُكْمًا: بِأَنْ رَدَّدَ آيَةً، إِذْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ لِلتَّبَرُّكِ أَوِ التَّلَذُّذِ بِهَا، وَيُحْتَمَل لِلاِسْتِطْعَامِ، كَقَوْلِهِ: " وَاللَّهُ " وَيُكَرِّرُهَا أَوْ يَسْكُتُ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ بَعْدَهَا " غَفُورٌ رَحِيمٌ ".

_________

(١) البحر الرائق ٢ / ٦ - ٧، وابن عابدين ١ / ٤١٨، وفتح القدير ١ / ٣٤٧.

وَمِنَ الْحُكْمِيِّ أَيْضًا: خَلْطُ آيَةِ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذَابٍ، أَوْ تَغْيِيرُهُ آيَةً تَغْيِيرًا يَقْتَضِي الْكُفْرَ، أَوْ وَقْفُهُ وَقْفًا قَبِيحًا فَيَفْتَحُ عَلَيْهِ بِالتَّنْبِيهِ عَلَى الصَّوَابِ، وَلاَ سُجُودَ عَلَيْهِ لِلْفَتْحِ عَلَى إِمَامِهِ، وَأَمَّا إِنِ انْتَقَل إِلَى آيَةٍ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ، أَوْ لَمْ يَقِفْ فَيُكْرَهُ الْفَتْحُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَلاَ تَبْطُل صَلاَةُ الْفَاتِحِ وَلاَ سُجُودَ عَلَيْهِ. (١)

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْفَتْحَ عَلَى الإِْمَامِ مُسْتَحَبٌّ، قَال النَّوَوِيُّ: إِذَا أُرْتِجَ عَلَى الإِْمَامِ وَوَقَفَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ اسْتُحِبَّ لِلْمَأْمُومِ تَلْقِينُهُ، وَكَذَا إِذَا كَانَ يَقْرَأُ فِي مَوْضِعٍ فَسَهَا وَانْتَقَل إِلَى غَيْرِهِ اسْتُحِبَّ تَلْقِينُهُ، وَإِذَا سَهَا عَنْ ذِكْرٍ فَأَهْمَلَهُ، أَوْ قَال غَيْرَهُ اسْتُحِبَّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقُولَهُ جَهْرًا لِيَسْمَعَهُ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ ﵁: " كَانَ أَصْحَابُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يُلَقِّنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الصَّلاَةِ (٢) . وَالأَْخْبَارِ السَّابِقَةِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْفَتْحِ عَلَى الإِْمَامِ.

وَلاَ يَقْطَعُ الْفَتْحُ عَلَى الإِْمَامِ مُوَالاَةَ الْفَاتِحَةِ، لأَِنَّهُ فِي مَصْلَحَةِ الصَّلاَةِ، فَلاَ يَجِبُ اسْتِئْنَافُهَا، وَإِنْ كَانَ التَّوَقُّفُ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِ

_________

(١) شرح الزرقاني ١ / ٢٤٢، وحاشية الدسوقي ١ / ٢٨١.

(٢) حديث: " كان أصحاب رسول الله ﷺ يلقن بعضهم بعضًا ". أخرجه الدارقطني ١ / ٤٠١، وضعف إسناده النووي في المجموع ٤ / ٢٣٩.

الْفَاتِحَةِ، لأَِنَّهُ إِعَانَةٌ لِلإِْمَامِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَطْلُوبَةِ.

وَلاَ بُدَّ فِي الْفَتْحِ عَلَيْهِ مِنْ قَصْدِ الْقِرَاءَةِ، وَلَوْ مَعَ الْفَتْحِ، وَإِلاَّ بَطَلَتْ صَلاَةُ الْفَاتِحِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

وَيَكُونُ الْفَتْحُ عَلَى الإِْمَامِ إِذَا تَوَقَّفَ عَنِ الْقِرَاءَةِ وَسَكَتَ، وَلاَ يَفْتَحُ عَلَيْهِ مَا دَامَ يُرَدِّدُ. (١)

فَإِنْ لَمْ يَقْصِدِ الْقِرَاءَةَ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إِنْ كَانَ عَالِمًا، وَإِلاَّ فَلاَ تَبْطُل، لأَِنَّهَا مِمَّا يَخْفَى عَلَى الْعَوَامِّ غَالِبًا، وَالْفَتْحُ مَنْدُوبٌ عِنْدَهُمْ وَلَوْ فِي الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ، وَفِي حَاشِيَةِ الْقَلْيُوبِيِّ: وَفِيهِ نَظَرٌ فِي الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى مِنَ الْجُمُعَةِ، وَقِيَاسُ نَظَائِرِهِ الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ، وَأَنَّهُ لاَ يَقْطَعُ مُوَالاَةَ الْفَاتِحَةِ وَإِنْ طَال، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (٢) .

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا أُرْتِجَ عَلَى الإِْمَامِ فِي الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ كَالْفَاتِحَةِ لَزِمَ مَنْ وَرَاءَهُ الْفَتْحُ عَلَيْهِ، وَكَذَا إِنْ غَلِطَ فِي الْفَاتِحَةِ، لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ صَلاَتِهِ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْبِيهُهُ عِنْدَ نِسْيَانِ سَجْدَةٍ وَنَحْوِهَا مِنَ الأَْرْكَانِ الْفِعْلِيَّةِ.

وَإِنْ عَجَزَ الْمُصَلِّي عَنْ إِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ

_________

(١) حاشية الجمل على شرح المنهج ١ / ٣٤٨، والقليوبي ١ / ١٤٩ - ١٥٠، والمجموع شرح المهذب ٤ / ٢٣٨ وما بعده.

(٢) المصادر السابقة.

بِالإِْرْتَاجِ عَلَيْهِ فَكَالْعَاجِزِ عَنِ الْقِيَامِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ، يَأْتِي بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ، وَلاَ يُعِيدُهَا كَالأُْمِّيِّ، فَإِنْ كَانَ إِمَامًا صَحَّتْ صَلاَةُ الأُْمِّيِّ خَلْفَهُ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ، وَالْقَارِئُ يُفَارِقُهُ لِلْعُذْرِ وَيُتِمُّ لِنَفْسِهِ، لأَِنَّهُ لاَ يَصِحُّ ائْتِمَامُ الْقَارِئِ بِالأُْمِّيِّ، هَذَا قَوْل ابْنِ عَقِيلٍ، وَقَال الْمُوَفَّقُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ. (١)

وَلاَ يَفْتَحُ الْمُصَلِّي عَلَى غَيْرِ إِمَامِهِ مُصَلِّيًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ فَإِنْ فَعَل كُرِهَ وَلَمْ تَبْطُل الصَّلاَةُ بِهِ، لأَِنَّهُ قَوْلٌ مَشْرُوعٌ فِيهَا (٢)

_________

(١) المغني: ٢ / ٥٥ - ٥٦، وكشاف القناع ١ / ٣٧٨ - ٣٧٩.

(٢) المغني ٢ / ٥٦، وكشاف القناع ١ / ٣٧٩.

فِتْنَة

التَّعْرِيفُ:

١ - الْفِتْنَةُ فِي اللُّغَةِ كَمَا قَال الأَْزْهَرِيُّ: الاِبْتِلاَءُ وَالاِمْتِحَانُ وَالاِخْتِبَارُ، وَأَصْلُهَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِكَ: فَتَنْتُ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ إِذَا أَذَبْتَهُمَا بِالنَّارِ لِتُمَيِّزَ الرَّدِيءَ مِنَ الْجَيِّدِ.

وَتَأْتِي الْفِتْنَةُ بِمَعْنَى الْكُفْرِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ (١) كَمَا تَأْتِي بِمَعْنَى الْفَضِيحَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ﴾ (٢) وَتَأْتِي الْفِتْنَةُ بِمَعْنَى الْعَذَابِ، وَبِمَعْنَى الْقَتْل، وَالْفَاتِنُ: الْمُضِل عَنِ الْحَقِّ. (٣)

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:

٢ - تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى التَّحْذِيرِ مِنَ الْفِتَنِ وَالأَْمْرِ بِتَجَنُّبِهَا وَاعْتِزَالِهَا وَعَدَمِ الْخَوْضِ فِيهَا، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى

_________

(١) سورة الأنفال / ٣٩.

(٢) سورة المائدة / ٤١.

(٣) لسان العرب، والمصباح المنير، ومختار الصحاح.

: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ (١) وَمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ ﵂ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّال، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ (٢) قَال ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِتْنَةُ الْمَحْيَا مَا يَعْرِضُ لِلإِْنْسَانِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ مِنَ الاِفْتِنَانِ بِالدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ وَالْجَهَالاَتِ، وَأَعْظَمُهَا وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ أَمْرُ الْخَاتِمَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ. (٣)

وَهُنَاكَ بَعْضُ الأَْحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْفِتْنَةِ وَمِنْهَا:

أ - بَيْعُ السِّلاَحِ زَمَنَ الْفِتْنَةِ:

٣ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى حُرْمَةِ بَيْعِ مَا يُقْصَدُ بِهِ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ وَاعْتَبَرُوهُ مِنْ أَقْسَامِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَمَثَّلُوا لَهُ بِبَيْعِ السِّلاَحِ زَمَنَ الْفِتْنَةِ، وَسَبَبُ النَّهْيِ عَنْهُ أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى ضَرَرٍ مُطْلَقٍ وَعَامٍّ، وَفِي مَنْعِهِ سَدٌّ لِذَرِيعَةِ الإِْعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ.

_________

(١) سورة الأنفال / ٢٥.

(٢) حديث عائشة " أن رسول الله ﷺ كان يدعو في الصلاة اللهم. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٢ / ٣١٧) ومسلم (١ / ٤١٢) .

(٣) فتح الباري ٢ / ٣١٩.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى كَرَاهَتِهِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ، لأَِنَّ الْمَعْصِيَةَ لاَ تَقُومُ بِعَيْنِهِ.

وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ف ١٠٠، ١١٢، ١١٥، ١١٦) وَمُصْطَلَحِ (سَدُّ الذَّرَائِعِ ف ٩) .

ب - اشْتِرَاطُ أَمْنِ الْفِتْنَةِ فِي جَوَازِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا:

٤ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهَا عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ.

وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (شَهْوَةٌ ف ١١ وَعَوْرَةٌ ف ٣) .

ج - الْفِتْنَةُ فِي عَزْل الإِْمَامِ الْجَائِرِ:

٥ - اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ - مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ - قَيْدَ عَدَمِ وُقُوعِ الْفِتْنَةِ عِنْدَ عَزْل الإِْمَامِ، فَإِذَا فَسَقَ الإِْمَامُ أَوْ ظَلَمَ وَجَارَ اسْتَحَقَّ الْعَزْل إِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى عَزْلِهِ فِتْنَةٌ، فَإِنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ ﵃ صَلَّوْا خَلْفَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ وَقَبِلُوا الْوِلاَيَةَ عَنْهُمْ، وَهَذَا عِنْدَهُمْ لِلضَّرُورَةِ وَخَشْيَةَ الْفِتْنَةِ، فَإِنْ أَدَّى خَلْعُهُ إِلَى فِتْنَةٍ احْتُمِل أَدْنَى الْمَضَرَّتَيْنِ مِنْ جَوْرِهِ وَظُلْمِهِ أَوْ خَلْعِهِ وَعَزْلِهِ،

فَإِذَا قَامَ عَلَيْهِ إِمَامٌ عَدْلٌ فَيَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ وَإِعَانَةُ ذَلِكَ الْقَائِمِ.

انْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِمَامَةٌ ف ١٢) .