الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣١
خبر الواحد فيما تعم فيه البلوى
قول الصحابة فيما تعم به البلوى
الاختلاف في الوطء أثناء السنة أو بعدها
اختيار الزوجة الاستمرار في النكاح
عورة المرأة بالنسبة للرجل الأجنبي
عورة المرأة المسلمة بالنسبة للأجنبية الكافرة
عورة المرأة بالنسبة للمرأة المسلمة
عورة الأمة بالنسبة للرجل الأجنبي
عورة كل من الزوجين بالنسبة للآخر
النظر إلى العورة لتحمل الشهادة
التصرفات التي يجب أن يكون العوض فيها مقدرا ومعلوما
التصرفات التي لا يجب فيها تقدير العوض
ثانيا - العيوب الخفية في المبيع
تمسك المشتري بالمبيع المعيب مع الأرش
أولا - العيب من نفس الجنس، اتحد الجنس أو اختلف، قبل القبض أو بعده
ثالثا - الصرف معين والعيب من نفس الجنس والمعيب البعض
رابعا إذا تلف العوض بعد العقد ثم علم عيبه
حكم العقد من حيث الإمضاء أو الفسخ
حكم أخذ الأرش في المعيب التالف بعد القبض
حكم العيب في الصرف في الذمة وأخذ البدل والأرش فيه
العيب في الحيوان المأخوذ في الزكاة
أن يكون الغرر في المعقود عليه أصالة
أن يكون الغرر في عقد من عقود المعاوضات المالية
أولا - الغرر في عقود المعاوضات المالية
ثانيا - الغرر في عقود التبرعات
أولا - الشرط الذي في وجوده غرر
ثانيا - الشرط الذي يحدث غررا في العقد
ثالثا - الشرط الذي يزيد الغرر في العقد
ثانيا - الغرة في الجناية على الجنين
ثالثا الغرس في الأرض التي يتعلق بها حق الغير
رابعا غرس الشجر في المسجد والأرض الموقوفة.
الغرور بفهم فاسد من نصوص القرآن والسنة
وصول المني إلى الفرج من غير إيلاج
الثانية - تعميم الشعر والبشرة بالماء
ثالثا - ما يتعلق بالضمان من أحكام
اختلاف الغاصب والمالك في الغصب والمغصوب
ضمان المغصوب إذا تصرف فيه الغاصب أو غصب منه
ما يؤخذ من الغنيمة ولا يعتبر غلولا
تملك ما بقي مما أبيح له أخذه قبل القسم
الحجر على الغني بسبب إسرافه وتبذيره
أثر الغنى في النفقة الواجبة للزوجة
اعتبار الغنى في الكفاءة في النكاح
ما يعتبر من أموال الغنيمة وما لا يعتبر
ثانيا - ما جلا أهلها عنها خوفا
أموال المسلمين إذا استردوها من الحربيين
الأخذ من الغنيمة والانتفاع بها قبل القسمة وبعدها
حق الغائب عن القتال لمصلحة في الغنيمة
التفضيل والتسوية بين أهل الرضخ
جواز بيع الغازي شيئا من مال دار الحرب
أما الثمانية التي تطرد في حق العامة فهي
وأما الأسباب الثلاثة التي هي في الخاصة،
تراجم فقهاء الجزء الحادي والثلاثين
أبو الحسن الكرخي (٢٦٠ - ٣٤٠هـ)
أبو الحسن المنوفي (٨٥٧ - ٩٣٩ هـ)
أبو سعيد بن المعلى (؟ - ٧٣ هـ)
أبو الفتح المطرزي (٥٣٨ - ٦١٠ هـ)
عُمُومٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الْعُمُومُ: مَصْدَرٌ مِنْ عَمَّ يَعُمُّ عُمُومًا فَهُوَ عَامٌّ، وَمِنْ مَعَانِيهِ فِي اللُّغَةِ: الشُّمُول وَالتَّنَاوُل، يُقَال: عَمَّ الْمَطَرُ الْبِلاَدَ: شَمَلَهَا، وَمِنْهُ قَوْل الْعَرَبِ: عَمَّهُمْ بِالْعَطِيَّةِ أَيْ شَمَلَهُمْ، وَيُقَال: خَصْبٌ عَامٌ إِذَا شَمَل الْبُلْدَانَ وَالأَْعْيَانَ (١) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهُ بَعْضُ الأُْصُولِيِّينَ بِأَنَّهُ: إِحَاطَةُ الأَْفْرَادِ دُفْعَةً. وَقَال الْمَازِرِيُّ: الْعُمُومُ عِنْدَ أَئِمَّةِ الأُْصُول هُوَ الْقَوْل الْمُشْتَمِل عَلَى شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا (٢) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْعَامُّ:
٢ - الْعَامُّ: هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَغْرِقُ لِجَمِيعِ مَا يَصْلُحُ لَهُ بِوَضْعٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ (٣) .
_________
(١) متن اللغة، والمصباح المنير، وكشف الأسرار على المنار ١ / ١١٠، وحاشية البناني على جمع الجوامع ١ / ٣٩٨.
(٢) دستور العلماء، والبحر المحيط في أصول الفقه للزركشي ٣ / ٦.
(٣) شرح البدخشي ٢ / ٧٥، وإرشاد الفحول ص١٠٥، وجمع الجوامع ١ / ٣٩٨.
وَعَرَّفَ بَعْضُ الأُْصُولِيِّينَ الْعَامَّ بِأَنَّهُ: لَفْظٌ يَتَنَاوَل أَفْرَادًا مُتَّفِقَةَ الْحُدُودِ عَلَى سَبِيل الشُّمُول. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْعَامِّ: أَنَّ الْعَامَّ هُوَ اللَّفْظُ الْمُتَنَاوِل، وَالْعُمُومُ تَنَاوُل اللَّفْظِ لِمَا صَلَحَ لَهُ. فَالْعُمُومُ مَصْدَرٌ. وَالْعَامُّ اسْمُ فَاعِلٍ مُشْتَقٌّ مِنْ هَذَا الْمَصْدَرِ، وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ " لأَِنَّ الْمَصْدَرَ الْفِعْل، وَالْفِعْل غَيْرُ الْفَاعِل (١) .
ب - الْخُصُوصُ
٣ - الْخُصُوصُ: كَوْنُ اللَّفْظِ مُتَنَاوِلًا لِبَعْضِ مَا يَصْلُحُ لَهُ لاَ لِجَمِيعِهِ (٢) . وَعَلَى ذَلِكَ فَالْخُصُوصُ ضِدُّ الْعُمُومِ.
ج - الْمُشْتَرَكُ:
٤ - الْمُشْتَرَكُ: مَأْخُوذٌ مِنَ الاِشْتِرَاكِ. وَعَرَّفَهُ الأُْصُولِيُّونَ بِأَنَّهُ: كُل لَفْظٍ يَتَنَاوَل أَفْرَادًا مُخْتَلِفَةَ الْحُدُودِ عَلَى سَبِيل الْبَدَل، مِثْل كَلِمَةِ قُرْءٍ فَإِنَّهُ مُشْتَرَكٌ يَصْدُقُ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَلَى سَبِيل الْبَدَل، وَكَذَلِكَ كَلِمَةُ الْعَيْنِ فَإِنَّهَا اسْمٌ لِلنَّاظِرِ وَعَيْنِ الشَّمْسِ وَعَيْنِ الرُّكْبَةِ وَعَيْنِ الْمَاءِ، وَلِلنَّقْدِ
_________
(١) كشف الأسرار على المنار ١ / ١١٠ مع نور الأنوار على المنار، والبحر المحيط ٣ / ٧.
(٢) البحر المحيط ٣ / ٢٤٠.
مِنَ الْمَال، تُطْلَقُ عَلَى كُل وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى سَبِيل الْبَدَل (١) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
٥ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الأُْصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّ الْعَامَّ يُوجِبُ الْحُكْمَ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ، فَإِذَا وَرَدَ فِي النَّصِّ لَفْظٌ عَامٌّ ثَبَتَ الْحُكْمُ لِمَا يَتَنَاوَلُهُ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى خِلاَفِهِ.
وَاخْتَلَفَ الأُْصُولِيُّونَ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْعُمُومِ، وَالتَّفْصِيل فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
_________
(١) كشف الأسرار ١ / ٣٧، ٣٨.
عُمُومُ الْبَلْوَى
التَّعْرِيفُ:
١ - مِنْ مَعَانِي الْعُمُومِ فِي اللُّغَةِ: الشُّمُول وَالتَّنَاوُل، يُقَال: عَمَّ الْمَطَرُ الْبِلاَدَ، شَمَلَهَا، فَهُوَ عَامٌّ (١)
وَالْبَلْوَى فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ بِمَعْنَى الاِخْتِبَارِ وَالاِمْتِحَانِ، يُقَال: بَلَوْتُ الرَّجُل بَلْوًا وَبَلاَءً وَابْتَلَيْتُهُ: اخْتَبَرْتُهُ، وَيُقَال: بَلَى فُلاَنٌ وَابْتَلَى إِذَا امْتَحَنَ (٢) .
أَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَيُفْهَمُ مِنْ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِعُمُومِ الْبَلْوَى: الْحَالَةُ أَوِ الْحَادِثَةُ الَّتِي تَشْمَل كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ وَيَتَعَذَّرُ الاِحْتِرَازُ عَنْهَا (٣)، وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِالضَّرُورَةِ الْعَامَّةِ (٤) وَبَعْضُهُمْ بِالضَّرُورَةِ الْمَاسَّةِ، أَوْ حَاجَةِ النَّاسِ (٥) .
وَفَسَّرَهُ الأُْصُولِيُّونَ بِمَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ
_________
(١) المصباح المنير، ولسان العرب، ومتن اللغة.
(٢) المصباح المنير، ولسان العرب.
(٣) ابن عابدين ١ / ٢٠٦، والقليوبي مع شرح المنهاج ١ / ١٨٣، ١٨٤.
(٤) الاختيار لتعليل المختار ١ / ٣٤.
(٥) ابن عابدين ٤ / ٢٤٦، وبغية المسترشدين ص١٣٣، والفتاوى الهندية ٣ / ٢٠٩.
فِي عُمُومِ الأَْحْوَال (١) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِعُمُومِ الْبَلْوَى:
بَنَى الْفُقَهَاءُ وَالأُْصُولِيُّونَ عَلَى عُمُومِ الْبَلْوَى أَحْكَامًا فِقْهِيَّةً وَأُصُولِيَّةً فِي مُخْتَلَفِ الأَْبْوَابِ وَالْمَسَائِل مِنْهَا مَا يَلِي:
أَوَّلًا: الأَْحْكَامُ الْفِقْهِيَّةُ:
٢ - مِنَ الْقَوَاعِدِ الْعَامَّةِ فِي الْفِقْهِ الإِْسْلاَمِيِّ أَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ، وَإِذَا ضَاقَ الأَْمْرُ اتَّسَعَ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (٢) وَقَال ﷺ بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ (٣)
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ جَمِيعُ رُخَصِ الشَّرْعِ وَتَخْفِيفَاتُهُ (٤) .
وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَسْبَابَ التَّخْفِيفِ مِنَ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ وَالإِْكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ وَالْجَهْل وَالْعُسْرِ وَعُمُومِ الْبَلْوَى وَنَحْوِهَا، وَبَيَّنُوا أَثَرَهَا فِي مُخْتَلَفِ الأَْحْكَامِ وَالْمَسَائِل الْفِقْهِيَّةِ.
_________
(١) كشف الأسرار ٣ / ١٦.
(٢) سورة البقرة / ١٨٥.
(٣) حديث: " بُعثت بالحنيفية السمحة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ١ / ٩٣) تعليقًا، وأحمد (٥ / ٢٦٦) من حديث أبي أمامة، واللفظ لأحمد، وحسن إسناده ابن حجر في فتح الباري (١ / ٩٤) .
(٤) الأشباه والنظائر للسيوطي ص٨٦، ٨٧، ولابن نجيم ص٧٦، ٧٧.
وَمِنَ الرُّخَصِ الَّتِي شُرِعَتْ بِسَبَبِ الْعُسْرِ وَعُمُومِ الْبَلْوَى مَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ وَابْنُ نُجَيْمٍ مِنْ جَوَازِ الصَّلاَةِ مَعَ النَّجَاسَةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا، كَدَمِ الْقُرُوحِ وَالدَّمَامِل وَالْبَرَاغِيثِ، وَطِينِ الشَّارِعِ وَذَرْقِ الطُّيُورِ إِذَا عَمَّ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَطَافِ، وَمَا لاَ نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، وَأَثَرِ نَجَاسَةٍ عَسُرَ زَوَالُهُ، وَالْعَفْوُ عَنْ غُبَارِ السِّرْقِينِ وَقَلِيل الدُّخَانِ النَّجَسِ وَأَمْثَالِهَا، وَهِيَ كَثِيرَةٌ مُفَصَّلَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ (١) .
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيل مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنَ الْعَفْوِ عَنْ بَوْل الشَّخْصِ أَوْ بَوْل غَيْرِهِ الَّذِي انْتَضَحَ عَلَى ثِيَابِهِ كَرُءُوسِ إِبَرٍ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالْعِلَّةُ الضَّرُورَةُ قِيَاسًا عَلَى مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِمَّا عَلَى أَرْجُل الذُّبَابِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى النَّجَاسَةِ ثُمَّ يَقَعُ عَلَى الثِّيَابِ (٢)، وَمِثْلُهُ الدَّمُ عَلَى ثِيَابِ الْقَصَّابِ، فَإِنَّ فِي التَّحَرُّزِ عَنْهُ حَرَجًا ظَاهِرًا (٣) .
٣ - وَمِنَ الأَْحْكَامِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى عُمُومِ الْبَلْوَى طَهَارَةُ الْخُفِّ وَالنَّعْل بِالدَّلْكِ عَلَى الأَْرْضِ وَنَحْوِهَا مِنَ الأَْشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ، كَمَا
_________
(١) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص٧٦، ٧٧، والأشباه والنظائر للسيوطي ص٨٦، ٨٧،، حاشية ابن عابدين ١ / ٢١٤، ٢١٥، الاختيار لتعليل المختار ١ / ٣٦، وجواهر الإكليل على مختصر خليل ١ / ١١، ١٢، وحاشية القليوبي على شرح المنهاج ١ / ٨٣، وروضة الطالبين ١ / ١٨.
(٢) ابن عابدين ١ / ٢١٤.
(٣) ابن عابدين ١ / ٢٠٦، وجواهر الإكليل ١ / ١٢.
ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ (١)، قَال التُّمُرْتَاشِيُّ: وَيَطْهُرُ خُفٌّ وَنَحْوُهُ، كَنَعْلٍ تَنَجَّسَ بِذِي جُرْمٍ بِدَلْكٍ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَإِنْ كَانَ رَطْبًا عَلَى قَوْل أَبِي يُوسُفَ. وَهُوَ الأَْصَحُّ الْمُخْتَارُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِعُمُومِ الْبَلْوَى (٢) .
وَلِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ، وَلْيُصَل فِيهِمَا. (٣)
٤ - وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ مِنَ الأَْحْكَامِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى عُمُومِ الْبَلْوَى فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ: جَوَازُ أَكْل الْمَيْتَةِ وَمَال الْغَيْرِ مَعَ ضَمَانِ الضَّرَرِ إِذَا اُضْطُرَّ. وَأَكْل الْوَلِيِّ مِنْ مَال الْيَتِيمِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ إِذَا احْتَاجَ، وَمَشْرُوعِيَّةُ الرَّدِّ بِالْخِيَارَاتِ فِي الْبَيْعِ (٤) .
وَكَذَلِكَ مَشْرُوعِيَّةُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ (غَيْرِ اللاَّزِمَةِ) لأَِنَّ لُزُومَهَا يَشُقُّ، كَمَا ذَكَرَ مِنْهَا إِبَاحَةَ النَّظَرِ لِلْخُطْبَةِ وَالتَّعْلِيمِ وَالإِْشْهَادِ وَالْمُعَامَلَةِ وَالْمُعَالَجَةِ وَنَحْوِهَا (٥) .
وَلِتَفْصِيل هَذِهِ الأَْحْكَامِ وَأَمْثَالِهَا يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (تَيْسِير ف ٤٨ وَمَا بَعْدَهَا،
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٢٠٦، وجواهر الإكليل ١ / ١٢.
(٢) ابن عابدين ١ / ٢٠٦.
(٣) حديث: " إذا جاء أحدكم إلى المسجد. . . ". أخرجه أبو داود (١ / ٤٢٧) من حديث أبي سعيد الخدري، وصحح إسناده النووي في المجموع (٢ / ١٧٩) .
(٤) الأشباه والنظائر للسيوطي ص٨٧.
(٥) الأشباه والنظائر للسيوطي ص٨٧، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص٧٩.
وَحَاجَة ف ٢٤ وَمَا بَعْدَهَا) .
٥ - وَمِنْ هَذَا الْقَبِيل مَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ جَوَازِ عَقْدِ الاِسْتِصْنَاعِ - وَهُوَ عَقْدُ مُقَاوَلَةٍ مَعَ أَهْل الصَّنْعَةِ عَلَى أَنْ يَعْمَل شَيْئًا (١) - مَعَ أَنَّهُ يُخَالِفُ الْقَوَاعِدَ لأَِنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْمَعْدُومِ؛ إِلاَّ أَنَّهُ أُجِيزَ لِلْحَاجَةِ الْمَاسَّةِ إِلَيْهِ وَفِي مَنْعِهِ مَشَقَّةٌ وَإِحْرَاجٌ (٢) .
وَمِنَ الْمَسَائِل الَّتِي بَنَاهَا الْحَنَفِيَّةُ عَلَى عُمُومِ الْبَلْوَى جَوَازُ إِجَارَةِ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ مَعَ الْمَاءِ، قَال الْحَنَفِيَّةُ: جَازَ إِجَارَةُ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ أَيْ مَجْرَى الْمَاءِ مَعَ الْمَاءِ تَبَعًا، بِهِ يُفْتَى لِعُمُومِ الْبَلْوَى (٣) .
لَكِنَّ الْمَشَقَّةَ وَالْحَرَجَ إِنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي مَوْضِعٍ لاَ نَصَّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْبَلْوَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ، قَال ابْنُ نُجَيْمٍ: لاَ اعْتِبَارَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْبَلْوَى فِي مَوْضِعِ النَّصِّ، كَمَا فِي بَوْل الآْدَمِيِّ، فَإِنَّ الْبَلْوَى فِيهِ أَعَمُّ (٤) .
ثَانِيًا: الْمَسَائِل الأُْصُولِيَّةُ:
ذَكَرَ الأُْصُولِيُّونَ أَثَرَ عُمُومِ الْبَلْوَى فِي مَسَائِل مِنْهَا:
أ - خَبَرُ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ فِيهِ الْبَلْوَى:
٦ - اخْتَلَفَ الأُْصُولِيُّونَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ
_________
(١) المجلة م ١٢٤.
(٢) ابن عابدين ٤ / ٢٤٦، وبغية المسترشدين ص١٣٣.
(٣) ابن عابدين ٥ / ٣٩.
(٤) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص ٨٤.
فِيمَا تَعُمُّ فِيهِ الْبَلْوَى، هَل يُوجِبُ الْعَمَل أَمْ لاَ؟ فَذَهَبَ عَامَّةُ الأُْصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ يُقْبَل خَبَرُ الْوَاحِدِ إِذَا صَحَّ سَنَدُهُ، وَلَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الأَْكْثَرُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِعَمَل الصَّحَابَةِ ﵃، فَإِنَّهُمْ عَمِلُوا بِهِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، مِثْل رُجُوعِهِمْ إِلَى خَبَرِ عَائِشَةَ ﵂ فِي وُجُوبِ الْغُسْل بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَبِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْل فِي هَذَا الْبَابِ ظَنِّيُّ الصِّدْقِ، فَيَجِبُ قَبُولُهُ، كَمَا إِذَا لَمْ تَعُمَّ بِهِ الْبَلْوَى، أَلاَ تَرَى أَنَّ الْقِيَاسَ يُقْبَل فِيهِ مَعَ أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنَ الْخَبَرِ. فَإِذَا قُبِل فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى. مَا هُوَ دُونَ الْخَبَرِ - أَيِ الْقِيَاسِ - فَلأَنْ يُقْبَل فِيهِ الْخَبَرُ أَوْلَى (١) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِيمَا يَتَكَرَّرُ وُقُوعُهُ وَتَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، كَخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ فِي مَسِّ الذَّكَرِ أَنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، لاَ يُثْبِتُ الْوُجُوبَ دُونَ اشْتِهَارٍ أَوْ تَلَقِّي الأُْمَّةِ بِالْقَبُول. لأَِنَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى يَكْثُرُ السُّؤَال عَنْهُ مِنْ حَيْثُ احْتِيَاجُ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَتَقْضِي الْعَادَةُ بِنَقْلِهِ مُتَوَاتِرًا، لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَلاَ يُعْمَل بِالآْحَادِ
_________
(١) كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي ٣ / ١٦، ١٧، وفواتح الرحموت مع مسلم الثبوت ٣ / ١٢٩ - ١٣١، وجمع الجوامع مع حاشية البناني ٢ / ١٣٠، ١٣٥.
فِيهِ (١)، قَال فِي كَشْفِ الأَْسْرَارِ: إِنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِي اسْتِفَاضَةَ نَقْل مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَذَلِكَ لأَِنَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، كَمَسِّ الذَّكَرِ لَوْ كَانَ مِمَّا تُنْتَقَضُ بِهِ الطَّهَارَةُ لأَشَاعَهُ النَّبِيُّ ﷺ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مُخَاطَبَةِ الآْحَادِ، بَل يُلْقِيهِ إِلَى عَدَدٍ يَحْصُل بِهِ التَّوَاتُرُ أَوِ الشُّهْرَةُ مُبَالَغَةً فِي إِشَاعَتِهِ؛ لِئَلاَّ يُفْضِيَ إِلَى بُطْلاَنِ صَلاَةِ كَثِيرٍ مِنَ الأُْمَّةِ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِهِ. وَلِهَذَا تَوَاتَرَ نَقْل الْقُرْآنِ وَاشْتُهِرَتْ أَخْبَارُ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ وَغَيْرِهَا، وَلَمَّا لَمْ يُشْتَهَرْ عَلِمْنَا أَنَّهُ سَهْوٌ أَوْ مَنْسُوخٌ (٢)، وَمِنْ أَحَادِيثِ الآْحَادِ الَّتِي لَمْ يَأْخُذْ بِهَا الْحَنَفِيَّةُ لِمُخَالَفَةِ عُمُومِ الْبَلْوَى حَدِيثُ الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ فِي الصَّلاَةِ الْجَهْرِيَّةِ (٣) فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَمَل الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ خِلاَفَ ذَلِكَ مُدَّةَ عُمْرِهِمْ، وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَهُمْ، وَمِنَ الْبَيِّنِ أَنَّ شَأْنَهُمْ أَجَل مِنْ أَنْ يَتْرُكُوا السُّنَّةَ مُدَّةَ عُمْرِهِمْ (٤) .
_________
(١) مسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت ٢ / ١٢٨ - ١٣٠، وجمع الجوامع ٢ / ١٣٥، وكشف الأسرار عن أصول البزدوي ٣ / ١٧.
(٢) كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي ٣ / ١٧.
(٣) حديث: " الجهر بالتسمية. . . ". أخرجه الترمذي (٢ / ١٤) من حديث ابن عباس بلفظ: كان النبي ﷺ يفتتح صلاته بـ " بسم الله الرحمن الرحيم ".
(٤) فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت ٢ / ١٢٩، وانظر كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي ٣ / ١٦، ١٧، ١٨.