الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣١
ب - قَوْل الصَّحَابَةِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى:
٧ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الأُْصُولِيِّينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ قَوْل الصَّحَابِيِّ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ مُلْحَقٌ بِالسُّنَّةِ لِغَيْرِ الصَّحَابِيِّ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُهُ وَتَرْكُ رَأْيِهِ، لاَ فِي حَقِّ صَحَابِيٍّ آخَرَ.
وَقَال الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَأَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ: إِنَّ قَوْل الصَّحَابِيِّ وَقَوْل مُجْتَهِدٍ آخَرَ سَوَاءٌ فَلاَ يُلْحَقُ بِالسُّنَّةِ.
وَهَذَا الْخِلاَفُ فِيمَا لَمْ تَعُمَّ بَلْوَاهُ. وَأَمَّا فِيمَا عَمَّتِ الْبَلْوَى بِهِ وَوَرَدَ قَوْل الصَّحَابِيِّ مُخَالِفًا لِعَمَل الْمُبْتَلِينَ فَلاَ يَجِبُ الأَْخْذُ بِهِ بِالاِتِّفَاقِ (١) .
وَتَفْصِيل الْمَوْضُوعِ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
_________
(١) فواتح الرحموت مع مسلم الثبوت ٢ / ١٨٦.
عُمُومُ الْمُقْتَضَى
التَّعْرِيفُ:
١ - مِنْ مَعَانِي الْعُمُومِ: الشُّمُول وَالتَّنَاوُل، يُقَال: عَمَّ الْمَطَرُ الْبِلاَدَ إِذَا شَمَلَهَا فَهُوَ عَامٌّ (١) .
وَالْمُقْتَضَى: مَا اسْتَدْعَاهُ صِدْقُ الْكَلاَمِ أَوْ صِحَّتُهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا فِي اللَّفْظِ، أَيْ: الأَْمْرُ غَيْرُ الْمَذْكُورِ، اُعْتُبِرَ لأَِجْل صِدْقِ الْكَلاَمِ أَوْ صِحَّتِهِ. وَلَوْلاَهُ لاَخْتَل أَحَدُهُمَا (٢) .
أَوْ هُوَ: أَمْرٌ اقْتَضَاهُ النَّصُّ لِصِحَّةِ مَا تَنَاوَلَهُ، وَيُقَال: الْمُقْتَضَى جَعْل غَيْرِ الْمَذْكُورِ مَذْكُورًا تَصْحِيحًا لِلْمَذْكُورِ، فَلاَ يُعْمَل النَّصُّ إِلاَّ بِشَرْطِ تَقَدُّمِهِ عَلَى النَّصِّ (٣) .
٢ - وَالْمُرَادُ بِعُمُومِ الْمُقْتَضَى عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ هُوَ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ ثَمَّ تَقْدِيرَاتٌ لِتَصْحِيحِ
_________
(١) المصباح المنير، ولسان العرب، ومتن اللغة.
(٢) مسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت مع المستصفى ١ / ٢٩٤.
(٣) كشف الأسرار على المنار مع نور الأنوار ١ / ٢٥٩.
الْكَلاَمِ وَصِدْقِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمُرُ الْكُل، فَيَكُونُ مُتَنَاوِلًا لِجَمِيعِ مَا يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ (١) .
قَال الْبُنَانِيُّ: لاَ عُمُومَ لِلْمُقْتَضَى عَلَى اسْمِ الْمَفْعُول، أَيِ اللاَّزِمِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْكَلاَمُ تَصْحِيحًا لَهُ إِذَا كَانَ تَحْتَهُ أَفْرَادٌ لاَ يَجِبُ إِثْبَاتُ جَمِيعِهَا. لأَِنَّ الضَّرُورَةَ تُرْفَعُ بِإِثْبَاتِ فَرْدٍ (٢) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
عُمُومُ الْمَجَازِ:
٣ - الْمَقْصُودُ بِعُمُومِ الْمَجَازِ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ هُوَ: إِرَادَةُ مَعْنًى مَجَازِيٍّ شَامِلٍ لِلْحَقِيقِيِّ وَغَيْرِهِ وَمُتَنَاوِلٍ لَهُ بِمَا أَنَّهُ فَرْدٌ مِنْهُ (٣) .
وَعُمُومُ الْمَجَازِ مُتَعَلِّقٌ بِشُمُول اللَّفْظِ، أَمَّا عُمُومُ الْمُقْتَضَى فَمُتَعَلِّقٌ بِالْمَعْنَى وَالْحُكْمِ
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
٤ - اخْتَلَفَ الأُْصُولِيُّونَ فِي كَوْنِ الْمُقْتَضَى لَهُ عُمُومٌ أَوْ لاَ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُقْتَضَى لاَ عُمُومَ
_________
(١) مسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت ١ / ٢٩٤.
(٢) حاشية البناني على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع ١ / ٤٠٢.
(٣) مسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت ١ / ٢١٦.
لَهُ؛ لأَِنَّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ مِنْ عَوَارِضِ الأَْلْفَاظِ، وَالْمُقْتَضَى مَعْنًى وَلَيْسَ لَفْظًا. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُقْتَضَى يَجْرِي فِيهِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ؛ لأَِنَّ الْمُقْتَضَى عِنْدَهُمْ كَالْمَحْذُوفِ الَّذِي يُقَدَّرُ.
٥ - وَقَدْ بَنَى الأُْصُولِيُّونَ عَلَى هَذَا الْخِلاَفِ أَحْكَامًا وَفُرُوعًا، مِنْهَا قَوْلُهُ ﷺ إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ (١) لَمْ يُرِدْ بِهِ عَيْنَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ؛ لأَِنَّ عَيْنَهُمَا غَيْرُ مَرْفُوعٍ حَقِيقَةً، فَلَوْ أُرِيدَ عَيْنَهُمَا لَصَارَ كَذِبًا، وَهُوَ ﵊ مَعْصُومٌ عَنْهُ (٢) فَاقْتَضَى ضَرُورَةَ زِيَادَةِ تَقْدِيرِ (حُكْمٍ) لِيَصِيرَ مُفِيدًا، وَصَارَ الْمَرْفُوعُ حُكْمَهُمَا، فَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَثْبُتُ رَفْعُ الْحُكْمِ عَامًّا فِي الآْخِرَةِ، وَهُوَ الْمُؤَاخَذَةُ بِالْعِقَابِ، وَفِي الدُّنْيَا مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ شَرْعًا، عَمَلًا بِعُمُومِ الْمُقْتَضَى كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا الأَْصْل قَالُوا: لاَ يَقَعُ طَلاَقُ الْمُكْرَهِ وَالْمُخْطِئِ، وَلاَ يَفْسُدُ الصَّوْمُ بِالأَْكْل
_________
(١) حديث: " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان ". أخرجه ابن ماجه (١ / ٦٥٩) والحاكم (٢ / ١٩٨) من حديث ابن عباس، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
(٢) كشف الأسرار على المنار للنسفي ١ / ٢٦٥.
مُكْرَهًا أَوْ مُخْطِئًا أَوْ نَاسِيًا.
وَقَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّمَا يَرْتَفِعُ بِهِ حُكْمُ الآْخِرَةِ لاَ غَيْرُ؛ لأَِنَّ الْمُقْتَضَى لاَ عُمُومَ لَهُ، وَحُكْمُ الآْخِرَةِ وَهُوَ الإِْثْمُ مُرَادٌ بِالإِْجْمَاعِ، وَبِهَذَا الْقَدْرِ يَصِيرُ مُفِيدًا، فَتَزُول الضَّرُورَةُ، فَلاَ يَتَعَدَّى إِلَى حُكْمٍ آخَرَ (١) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
عَمْيَاءُ
اُنْظُرْ: عَمًى
عَنَانٌ
اُنْظُرْ: شَرِكَة
عِنَبٌ
.
اُنْظُرْ: أَشْرِبَة، زَكَاةٌ
_________
(١) كشف الأسرار على المنار ١ / ٢٦٤، ٢٦٥.
عَنَتٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - مِنْ مَعَانِي الْعَنَتِ فِي اللُّغَةِ: الْخَطَأُ وَالْمَشَقَّةُ وَالْهَلاَكُ. وَالإِْثْمُ وَالزِّنَا، يُقَال: أَعْنَتَهُ إِذَا أَوْقَعَهُ فِي الْعَنَتِ أَيِ الْمَشَقَّةِ، وَيُقَال: فُلاَنٌ يَتَعَنَّتُ فُلاَنًا وَيُعَنِّتُهُ أَيْ يُشَدِّدُ عَلَيْهِ وَيُلْزِمُهُ مَا يَصْعُبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ (١) يَقُول اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ﴾ (٢) أَيْ لَوْ شَاءَ لَشَدَّدَ عَلَيْكُمْ وَتَعَبَّدَكُمْ بِمَا يَصْعُبُ عَلَيْكُمْ أَدَاؤُهُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى فِي أَوْصَافِ النَّبِيِّ ﷺ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ (٣) أَيْ شَدِيدٌ عَلَيْهِ مَا يَشُقُّ عَلَيْكُمْ. وَيَعِزُّ عَلَيْهِ مَشَقَّتُكُمْ (٤)، فَأَصْل الْعَنَتِ: الشِّدَّةُ وَالْمَشَقَّةُ، ثُمَّ اُسْتُعْمِل فِي الْهَلاَكِ وَالْفَسَادِ وَالزِّنَا (٥) .
_________
(١) لسان العرب، والمصباح المنير، ومتن اللغة.
(٢) سورة البقرة / ٢٢٠، وتفسير القرطبي ٣ / ٦٦.
(٣) سورة التوبة / ١٢٨.
(٤) تفسير القرطبي ٨ / ٣٠١.
(٥) لسان العرب، والمصباح المنير.
وَمِنْ مَعَانِيهِ فِي الاِصْطِلاَحِ: الزِّنَا وَالْفُجُورُ، وَبِهَذَا فَسَّرُوا قَوْله تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ (١)، أَيْ نِكَاحُ الأَْمَةِ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ (الزِّنَا) وَلَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِنِكَاحِ الْحُرَّةِ (٢) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
٢ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الأَْمَةِ الْمُسْلِمَةِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا، أَيْ قُدْرَةً عَلَى أَنْ يَنْكِحَ حُرَّةً، وَخَافَ الْعَنَتَ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا قَوْل عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، لاَ نَعْلَمُ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفًا فِيهِ (٣) .
وَالأَْصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ إِلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ (٤)
وَمَعَ ذَلِكَ فَالصَّبْرُ عَنْ نِكَاحِ الأَْمَةِ خَيْرٌ وَأَفْضَل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاَللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (٥)
_________
(١) سورة النساء / ٢٥.
(٢) تفسير القرطبي ٥ / ١٣٦، والقليوبي على شرح المنهاج ٤ / ٣٣٧، والحطاب ٣ / ٤٧٢، ٤٧٣.
(٣) المغني لابن قدامة ٦ / ٥٩٧.
(٤) سورة النساء / ٢٥.
(٥) سورة النساء / ٢٥.
وَقَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ): إِنَّ الأَْصْل تَحْرِيمُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ النِّكَاحِ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِ شُرُوطٌ. وَإِنَّ الْجَوَازَ إِذَا اجْتَمَعَتِ الشُّرُوطُ مِنْ بَابِ الرُّخْصَةِ.
وَالْحِكْمَةُ فِي التَّحْرِيمِ: أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الزَّوَاجِ يُؤَدِّي إِلَى رِقِّ الْوَلَدِ؛ لأَِنَّ الْوَلَدَ تَبَعٌ لأُِمِّهِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ (١) .
وَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِ نِكَاحِ الْحُرِّ لِلأَْمَةِ مَا وَرَدَ فِي الآْيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ حُرَّةٍ، أَوْ لِعَدَمِ وُجُودِ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةً مِنَ الصَّدَاقِ - وَقِيل: الصَّدَاقُ وَالنَّفَقَةُ مَعًا - وَخَوْفُ الْعَنَتِ، أَيْ: الْوُقُوعُ فِي الزِّنَا إِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ (٢) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَجُوزُ نِكَاحُ الأَْمَةِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُسْلِمَةً أَمْ كِتَابِيَّةً، وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ وَلاَ خَوْفَ الْعَنَتِ، وَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ (٣) وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿وَأُحِل لَكُمْ مَا
_________
(١) تفسير القرطبي ٥ / ١٣٦، ١٣٧، وحاشية القليوبي على شرح المنهاج ٣ / ٢٤٧، والمغني ٦ / ٥٩٧.
(٢) الزرقاني ٣ / ٢٢٠، والحطاب وبهامشه المواق ٣ / ٤٧٢، ٤٧٣، وروضة الطالبين ٧ / ١٣٩ - ١٣١، ومطالب أولي النهى ٥ / ١١٣.
(٣) سورة النساء / ٣.
وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ (١) فَلاَ يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ بِمَا يُوجِبُ التَّخْصِيصَ، وَقَالُوا: إِنَّ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا﴾ إِلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ﴾ (٢) لاَ يَدُل عَلَى الْمَنْعِ إِلاَّ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَالصِّفَةِ، وَهُمَا لَيْسَا بِحُجَّةٍ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْحُجِّيَّةِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ، لاَ عَلَى التَّحْرِيمِ (٣) .
وَنَقَل ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَنْ مَالِكٍ جَوَازَ نِكَاحِ الأَْمَةِ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَخَافُ عَنَتًا وَهُوَ وَاجِدٌ لِلطَّوْل، قَال: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ (٤) .
وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إِذَا لَمْ تَكُنِ الأَْمَةُ مَمْلُوكَةً لَهُ أَوْ لِوَلَدِهِ، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الأَْمَةُ مَمْلُوكَةً لَهُ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ مَا شُرِعَ إِلاَّ مُثْمِرًا ثَمَرَاتٍ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ، وَالْمَمْلُوكِيَّةُ تُنَافِي الْمَالِكِيَّةَ، كَمَا قَال الْمَرْغِينَانِيُّ (٥)، وَلأَِنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ يُفِيدُ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَإِبَاحَةَ الْبُضْعِ، كَمَا قَال ابْنُ قُدَامَةَ (٦) .
_________
(١) سورة النساء / ٢٤.
(٢) سورة النساء / ٢٥.
(٣) فتح القدير ٣ / ٣٧٦.
(٤) الحطاب ٣ / ٤٧٢.
(٥) فتح القدير ٢ / ٣٧١.
(٦) المغني لابن قدامة ٦ / ٦١٠.
عَنْفَقَةٌ
اُنْظُرْ: لِحْيَة
عُنَّةٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الْعُنَّةُ فِي اللُّغَةِ: عَجْزٌ يُصِيبُ الرَّجُل فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ، يُقَال: عَنَّ عَنِ امْرَأَتِهِ: إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ، أَوْ مُنِعَ عَنْهَا بِالسِّحْرِ.
وَالْعُنَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ مَعْنَى الاِعْتِرَاضِ، كَأَنَّ الْعِنِّينَ اعْتَرَضَهُ مَا يَحْبِسُهُ عَنِ النِّسَاءِ، وَسُمِّيَ عِنِّينًا لأَِنَّهُ يَعِنُّ ذَكَرُهُ لِقُبُل الْمَرْأَةِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَلاَ يَقْصِدُهُ (١) .
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: الْعُنَّةُ هِيَ الْعَجْزُ عَنِ الْوَطْءِ فِي الْقُبُل لِعَدَمِ انْتِشَارِ الآْلَةِ (٢)، وَسُمِّيَ الْعِنِّينُ بِذَلِكَ لِلِينِ ذَكَرِهِ وَانْعِطَافِهِ، مَأْخُوذٌ مِنْ عَنَانِ الدَّابَّةِ (٣) .
_________
(١) لسان العرب، والقاموس المحيط، والمحكم والمحيط الأعظم لابن سيده، والمعجم الوسيط مادة عنن.
(٢) أسنى المطالب شرح روض الطالب ٣ / ١٧٦.
(٣) القليوبي ٣ / ٢٦١، ونهاية المحتاج للرملي ٦ / ٣٠٩، ٣١٤، ومغني المحتاج ٣ / ٢٠٢، والمغني والشرح الكبير ٧ / ٦٠٦.