الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٠
وَالْمُخَالَطَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأَْشْخَاصِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ أَحَدُ الأَْمْرَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَرَجَّحُ فِي حَقِّهِ أَحَدُهُمَا
(١) وَنَقَل ابْنُ حَجَرٍ عَنِ الْخَطَّابِيِّ: أَنَّ الْعُزْلَةَ وَالاِخْتِلاَطَ يَخْتَلِفَانِ بِاخْتِلاَفِ مُتَعَلِّقَاتِهِمَا، فَتُحْمَل الأَْدِلَّةُ الْوَارِدَةُ فِي الْحَضِّ عَلَى الاِجْتِمَاعِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِطَاعَةِ الأَْئِمَّةِ وَأُمُورِ الدِّينِ، وَعَكْسُهَا فِي عَكْسِهِ، وَأَمَّا الاِجْتِمَاعُ وَالاِفْتِرَاقُ بِالأَْبْدَانِ، فَمَنْ عَرَفَ الاِكْتِفَاءَ بِنَفْسِهِ فِي حَقِّ مَعَاشِهِ وَمُحَافَظَةِ دِينِهِ، فَالأَْوْلَى لَهُ الاِنْكِفَافُ عَنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ بِشَرْطِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَالسَّلاَمِ وَالرَّدِّ وَحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْعِيَادَةِ وَشُهُودِ الْجِنَازَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْمَطْلُوبُ إِنَّمَا هُوَ تَرْكُ فُضُول الصُّحْبَةِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ شُغْل الْبَال وَتَضْيِيعِ الْوَقْتِ عَنِ الْمُهِمَّاتِ وَيُجْعَل الاِجْتِمَاعُ بِمَنْزِلَةِ الاِحْتِيَاجِ إِلَى الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ، فَيَقْتَصِرُ مِنْهُ عَلَى مَا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَهُوَ رُوحُ الْبَدَنِ وَالْقَلْبِ (٢) .
قَال الْغَزَالِيُّ: إِنْ وَجَدْتَ جَلِيسًا يُذَكِّرُكَ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ وَسِيرَتُهُ فَالْزَمْهُ وَلاَ تُفَارِقْهُ، وَاغْتَنِمْهُ وَلاَ تَسْتَحْقِرْهُ، فَإِنَّهَا غَنِيمَةُ الْمُؤْمِنِ وَضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ، وَتَحَقَّقَ أَنَّ الْجَلِيسَ الصَّالِحَ خَيْرٌ مِنَ
_________
(١) فتح الباري ١٣ / ٤٣ ط السلفية.
(٢) فتح الباري ١ / ٣٣٢ - ٣٣٣ ط. السلفية.
الْوَحْدَةِ، وَأَنَّ الْوَحْدَةَ خَيْرٌ مِنَ الْجَلِيسِ السُّوءِ (١) .
آدَابُ الْعُزْلَةِ:
٤ - يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ - إِذَا آثَرَ الْعُزْلَةَ - أَنْ يَعْتَقِدَ بِاعْتِزَالِهِ عَنِ الْخَلْقِ سَلاَمَةَ النَّاسِ مِنْ شَرِّهِ، وَلاَ يَقْصِدَ سَلاَمَتَهُ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ، فَإِنَّ الأَْوَّل نَتِيجَةُ اسْتِصْغَارِ نَفْسِهِ، وَالثَّانِيَ شُهُودُ مَزِيَّتِهِ عَلَى الْخَلْقِ، وَمَنِ اسْتَصْغَرَ نَفْسَهُ فَهُوَ مُتَوَاضِعٌ وَمَنْ رَأَى لِنَفْسِهِ مَزِيَّةً عَلَى أَحَدٍ فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ (٢)، وَأَنْ يَكُونَ خَالِيًا مِنْ جَمِيعِ الأَْذْكَارِ إِلاَّ ذِكْرَ رَبِّهِ، خَالِيًا مِنْ جَمِيعِ الإِْرَادَاتِ إِلاَّ رِضَا رَبِّهِ، وَخَالِيًا مِنْ مُطَالَبَةِ النَّفْسِ مِنْ جَمِيعِ الأَْسْبَابِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنَّ خَلْوَتَهُ تُوقِعُهُ فِي فِتْنَةٍ أَوْ بَلِيَّةٍ (٣) . وَأَنْ يَتْرُكَ الْخِصَال الْمَذْمُومَةَ؛ لأَِنَّ الْعُزْلَةَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ اعْتِزَال الْخِصَال الْمَذْمُومَةِ، فَالتَّأْثِيرُ لِتَبْدِيل الصِّفَاتِ لاَ لِلتَّنَائِي عَنِ الأَْوْطَانِ (٤)، وَأَنْ يَأْكُل الْحَلاَل (٥)، وَيَقْنَعَ بِالْيَسِيرِ مِنَ الْمَعِيشَةِ، وَيَصْبِرَ عَلَى مَا يَلْقَاهُ مِنْ أَذَى الْجِيرَانِ، وَيَسُدَّ سَمْعَهُ عَنِ
_________
(١) إحياء علوم الدين ٢ / ٢٣٢.
(٢) الرسالة القشيرية لأبي القاسم عبد الكريم القشيري بتحقيق د. عبد الحليم محمود، ود. محمود بن الشريف ١ / ٢٩٨ - ٢٩٩ نشر دار الكتب الحديثة
(٣) الرسالة القشيرية ١ / ٣٠٠.
(٤) الرسالة القشيرية ١ / ٢٩٩.
(٥) جامع العلوم والحكم لابن رجب ص٩٣.
الإِْصْغَاءِ إِلَى مَا يُقَال فِيهِ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهِ بِالْعُزْلَةِ (١) .
وَلْيَكُنْ لَهُ أَهْلٌ صَالِحَةٌ، أَوْ جَلِيسٌ صَالِحٌ لِتَسْتَرِيحَ نَفْسُهُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ سَاعَةً مِنْ كَدِّ الْمُوَاظَبَةِ، فَفِيهِ عَوْنٌ عَلَى بَقِيَّةِ السَّاعَاتِ (٢) .
وَلْيَكُنْ كَثِيرَ الذِّكْرِ لِلْمَوْتِ وَوَحْدَةِ الْقَبْرِ (٣) .
وَلْيَلْزَمِ الْقَصْدَ فِي حَالَتَيِ الْعُزْلَةِ وَالْخُلْطَةِ؛ لأَِنَّ الإِْغْرَاقَ فِي كُل شَيْءٍ مَذْمُومٌ وَخَيْرُ الأُْمُورِ أَوْسَطُهَا، وَالْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ.
قَال الْخَطَّابِيُّ: وَالطَّرِيقَةُ الْمُثْلَى فِي هَذَا الْبَابِ أَلاَّ تَمْتَنِعَ مِنْ حَقٍّ يَلْزَمُكَ لِلنَّاسِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبُوكَ بِهِ، وَأَلاَّ تَنْهَمِكَ لَهُمْ فِي بَاطِلٍ لاَ يَجِبُ عَلَيْكَ وَإِنْ دَعَوْكَ إِلَيْهِ، فَإِنَّ مَنِ اشْتَغَل بِمَا لاَ يَعْنِيهِ فَاتَهُ مَا يَعْنِيهِ، وَمَنِ انْحَل فِي الْبَاطِل جَمَدَ عَنِ الْحَقِّ، فَكُنْ مَعَ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ، وَكُنْ بِمَعْزِلٍ عَنْهُمْ فِي الشَّرِّ، وَتَوَخَّ أَنْ تَكُونَ فِيهِمْ شَاهِدًا كَغَائِبٍ وَعَالِمًا كَجَاهِلٍ (٤) .
كَيْفِيَّةُ الاِعْتِزَال:
٥ - الاِعْتِزَال عَنِ النَّاسِ يَكُونُ مَرَّةً فِي الْجِبَال وَالشِّعَابِ، وَمَرَّةً فِي السَّوَاحِل وَالرِّبَاطِ، وَمَرَّةً فِي الْبُيُوتِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ: إِذَا كَانَتِ
_________
(١) إحياء علوم الدين ٢ / ٢٤٣.
(٢) إحياء علوم الدين ٢ / ٢٤٣.
(٣) إحياء علوم الدين ٢ / ٢٤٤.
(٤) العزلة للخطابي ص٢٣٦ - ٢٣٧.
الْفِتْنَةُ فَأَخْفِ مَكَانَكَ، وَكُفَّ لِسَانَكَ (١) وَلَمْ يَخُصَّ مَوْضِعًا مِنْ مَوْضِعٍ.
وَقَدْ جَعَلَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْعُزْلَةَ، اعْتِزَال الشَّرِّ وَأَهْلِهِ بِقَلْبِكَ وَعَمَلِكَ إِنْ كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. قَال ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي تَفْسِيرِ الْعُزْلَةِ: أَنْ تَكُونَ مَعَ الْقَوْمِ، فَإِذَا خَاضُوا فِي ذِكْرِ اللَّهِ فَخُضْ مَعَهُمْ، وَإِنْ خَاضُوا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَاسْكُتْ (٢) .
وَقَال الْقُرْطُبِيُّ: أَحْوَال النَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ تَخْتَلِفُ فَرُبَّ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى سُكْنَى الْكُهُوفِ وَالْغِيرَانِ فِي الْجِبَال، وَهِيَ أَرْفَعُ الأَْحْوَال؛ لأَِنَّهَا الْحَالَةُ الَّتِي اخْتَارَهَا اللَّهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ فِي بِدَايَةِ أَمْرِهِ وَنَصَّ عَلَيْهَا فِي كِتَابِهِ مُخْبِرًا عَنِ الْفِتْيَةِ فَقَال: ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ (٣)، وَرُبَّ رَجُلٍ تَكُونُ الْعُزْلَةُ لَهُ فِي بَيْتِهِ أَخَفَّ عَلَيْهِ وَأَسْهَل، وَقَدِ اعْتَزَل رِجَالٌ مِنْ أَهْل بَدْرٍ فَلَزِمُوا بُيُوتَهُمْ بَعْدَ قَتْل عُثْمَانَ، فَلَمْ يَخْرُجُوا إِلاَّ إِلَى قُبُورِهِمْ، وَرُبَّ رَجُلٍ مُتَوَسِّطٍ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ لَهُ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يَصْبِرُ بِهَا عَلَى مُخَالَطَةِ النَّاسِ
_________
(١) حديث: " إذا كانت الفتنة فأخف مكانك ". أورده القرطبي في تفسيره ١٠ / ٣٦١ ولم يعزه إلى أي مصدر، ولم نهتد إلى من أخرجه.
(٢) تفسير القرطبي ١٠ / ٣٦١.
(٣) سورة الكهف / ١٦.
وَأَذَاهُمْ، فَهُوَ مَعَهُمْ فِي الظَّاهِرِ وَمُخَالِفٌ لَهُمْ فِي الْبَاطِنِ (١) .
فَوَائِدُ الْعُزْلَةِ:
٦ - قَدْ يَكُونُ لِلْعُزْلَةِ فَوَائِدُ مِنْهَا:
أ - التَّفَرُّغُ لِلْعِبَادَةِ وَالْفِكْرِ، وَالاِسْتِئْنَاسِ بِمُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى (٢) .
ب - التَّخَلُّصُ بِالْعُزْلَةِ مِنَ الْمَعَاصِي الَّتِي يَتَعَرَّضُ الإِْنْسَانُ لَهَا غَالِبًا بِالْمُخَالَطَةِ، وَيَسْلَمُ مِنْهَا فِي الْخَلْوَةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ، وَالرِّيَاءُ، وَالسُّكُوتُ عَنِ الأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمُسَارَقَةِ الطَّبْعِ مِنَ الأَْخْلاَقِ الرَّدِيئَةِ، وَالأَْعْمَال الْخَبِيثَةِ الَّتِي يُوجِبُهَا الْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا (٣) .
ج - الْخَلاَصُ مِنَ الْفِتَنِ وَالْخُصُومَاتِ، وَصِيَانَةُ الدِّينِ وَالنَّفْسِ عَنِ الْخَوْضِ فِيهَا وَالتَّعَرُّضِ لأَِخْطَارِهَا (٤) .
د - الْخَلاَصُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ (٥) .
هـ - السَّلاَمَةُ مِنْ آفَاتِ النَّظَرِ إِلَى زِينَةِ
_________
(١) تفسير القرطبي ١٠ / ٣٦٢.
(٢) إحياء علوم الدين ٢ / ٢٢٦ وبريقة محمودية في شرح طريقة محمدية لأبي سعيد الخادمي ٤ / ٤٦ - ٤٧.
(٣) إحياء علوم الدين ٢ / ٢٢٨ - ٢٣١، والعزلة ١٠١ - ١٠٢.
(٤) إحياء علوم الدين ٢ / ٢٣٢.
(٥) إحياء علوم الدين ٢ / ٢٢٣، العزلة للخطابي ص١٠٧ - ١٠٨.
الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا وَالاِسْتِحْسَانُ لِمَا ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ زُخْرُفِهَا وَعَابَهُ مِنْ زَبْرَجِ غُرُورِهَا (١) .
والسَّلاَمَةُ مِنَ التَّبَذُّل لِعَوَامِّ النَّاسِ وَحَوَاشِيهِمْ وَالتَّصَوُّنُ عَنْ ذِلَّةِ الاِمْتِهَانِ مِنْهُمْ (٢)
آفَاتُ الْعُزْلَةِ:
٧ - قَال الْغَزَالِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ مِنَ الْمَقَاصِدِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ مَا يُسْتَفَادُ بِالاِسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ وَلاَ يَحْصُل ذَلِكَ إِلاَّ بِالْمُخَالَطَةِ، فَكُل مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْمُخَالَطَةِ يَفُوتُ بِالْعُزْلَةِ وَفَوَاتُهُ مِنْ آفَاتِ الْعُزْلَةِ (٣) .
_________
(١) العزلة ص١٠٣ - ١٠٤، وإحياء علوم الدين ٢ / ٢٣٥.
(٢) العزلة ص١١٥.
(٣) إحياء علوم الدين ٢ / ٢٣٦، وبريقة محمودية شرح طريقة محمدية ٤ / ٤٧، وعوارف المعارف للسهروردي ص ٤٢٥ وما بعدها.
عَزْم
التَّعْرِيفُ:
١ - الْعَزْمُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرٌ، يُقَال: عَزَمَ عَلَى الشَّيْءِ، وَعَزَمَهُ عَزْمًا: عَقَدَ ضَمِيرَهُ عَلَى فِعْلِهِ، وَعَزَمَ عَزِيمَةً وَعَزْمَةً: اجْتَهَدَ وَجَدَّ فِي أَمْرِهِ (١) وَيَأْتِي بِمَعْنَى الصَّبْرِ وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْتِزَامِ الأَْمْرِ، كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ (٢) وَفَسَّرَهُ الأَْلُوسِيُّ بِأَنَّهُ: تَصْمِيمُ رَأْيٍ وَثَبَاتُ قَدَمٍ فِي الأُْمُورِ (٣) .
أَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَلاَ يَخْرُجُ مَعْنَاهُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، قَال ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّ الْعَزْمَ هُوَ: الْمَيْل إِلَى الشَّيْءِ وَالتَّصْمِيمُ عَلَى فِعْلِهِ (٤)، وَقَال التَّهَانُوِيُّ: الْعَزْمُ هُوَ: جَزْمُ الإِْرَادَةِ، أَيِ الْمَيْل بَعْدَ التَّرَدُّدِ الْحَاصِل مِنَ الدَّوَاعِي الْمُخْتَلِفَةِ (٥) .
_________
(١) المصباح المنير، ولسان العرب، والمفردات للراغب الأصفهاني.
(٢) سورة طه / ١١٥، وانظر القرطبي ١١ / ٢٥١.
(٣) روح المعاني ١٦ / ٢٧٠.
(٤) فتح الباري (١١ / ٣٢٧) .
(٥) كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْرَادَةُ:
٢ - الإِْرَادَةُ فِي اللُّغَةِ: الْمَشِيئَةُ، وَيَسْتَعْمِلُهَا الْفُقَهَاءُ بِمَعْنَى الْقَصْدِ إِلَى الشَّيْءِ وَالاِتِّجَاهِ إِلَيْهِ، أَوْ هِيَ: صِفَةٌ تُوجِبُ لِلْحَيِّ حَالًا يَقَعُ مِنْهُ الْفِعْل عَلَى وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ (١) .
فَالإِْرَادَةُ أَعَمُّ مِنَ الْعَزْمِ، حَيْثُ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّصْمِيمُ عَلَى فِعْل الشَّيْءِ.
ب - النِّيَّةُ:
٣ - النِّيَّةُ فِي اللُّغَةِ: الْقَصْدُ، ثُمَّ خُصَّتْ فِي غَالِبِ الاِسْتِعْمَال بِعَزْمِ الْقَلْبِ عَلَى أَمْرٍ مِنَ الأُْمُورِ (٢) . وَعَلَى ذَلِكَ فَهِيَ أَقْرَبُ لِمَعْنَى الْعَزْمِ.
لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النِّيَّةَ: قَصْدُ الشَّيْءِ، مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ، فَإِنْ قَصَدَهُ وَتَرَاخَى فَهُوَ عَزْمٌ (٣) وَنَقَل التَّهَانُوِيُّ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ النِّيَّةَ وَالْعَزْمَ مُتَّحِدَانِ مَعْنًى (٤)، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ النِّيَّةَ عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى إِيجَادِ الْفِعْل جَزْمًا (٥)، وَهَذَا
_________
(١) التعريفات.
(٢) المصباح المنير.
(٣) مغني المحتاج ٤ / ١٢٤، وحاشية القليوبي (٤ / ١٧٦) .
(٤) كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي.
(٥) مراقي الفلاح ص١١٧، والمغني لابن قدامة ٣ / ٩٤.
هُوَ مَعْنَى الْعَزْمِ أَيْضًا كَمَا سَبَقَ، وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: الْعَزْمُ وَالْقَصْدُ وَالنِّيَّةُ اسْمٌ لِلإِْرَادَةِ الْحَادِثَةِ، لَكِنَّ الْعَزْمَ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى الْفِعْل، وَالْقَصْدُ الْمُقْتَرِنُ بِهِ، وَالنِّيَّةُ الْمُقْتَرِنَةُ بِالْفِعْل مَعَ دُخُولِهِ تَحْتَ الْعِلْمِ بِالْمَنْوِيِّ (١) .
ج - الْهَمُّ:
٤ - مِنْ مَعَانِي الْهَمِّ: الإِْرَادَةُ وَالْقَصْدُ، يُقَال: هَمَمْتُ بِالشَّيْءِ هَمًّا إِذَا أَرَدْتَهُ وَلَمْ تَفْعَلْهُ، وَالْهَمُّ أَوَّل الْعَزْمِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْعَزْمِ أَيْضًا (٢) . وَيَقُول ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: إِنَّ الْهَمَّ تَرْجِيحُ قَصْدِ الْفِعْل وَهُوَ أَنْ يَمِيل إِلَى الشَّيْءِ وَلَكِنْ لاَ يُصَمِّمُ عَلَى فِعْلِهِ، وَفَوْقَهُ الْعَزْمُ، وَهُوَ: أَنْ يَمِيل إِلَيْهِ وَيُصَمِّمَ عَلَى فِعْلِهِ، فَالْعَزْمُ مُنْتَهَى الْهَمِّ، وَالْهَمُّ أَوَّل الْعَزْمِ (٣)، وَالْعَزْمُ فِيهِ تَوْطِينُ النَّفْسِ عَلَى الْفِعْل، بِخِلاَفِ الْهَمِّ، كَمَا قَال التَّهَانُوِيُّ (٤)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
٥ - بَحَثَ الْفُقَهَاءُ وَالأُْصُولِيُّونَ مَسَائِل الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْل أَوِ التَّرْكِ فِي مَسَائِل مُخْتَلِفَةٍ مِنْهَا:
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٧٢.
(٢) المصباح المنير.
(٣) فتح الباري ١١ / ٣٢٧، والمصباح المنير.
(٤) كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي.
أ - الثَّوَابُ أَوِ الْعِقَابُ عَلَى الْعَزْمِ:
٦ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الإِْنْسَانَ لاَ يُعَاقَبُ عَلَى مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ مِنَ الْمَعَاصِي مَا لَمْ يَعْمَلْهَا أَوْ يَتَكَلَّمْ بِهَا، فَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَال النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا مَا لَمْ تَعْمَل أَوْ تَتَكَلَّمْ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا (١) قَال ابْنُ حَجَرٍ: الْمُرَادُ نَفْيُ الْحَرَجِ عَمَّا يَقَعُ فِي النَّفْسِ حَتَّى يَقَعَ الْعَمَل بِالْجَوَارِحِ، أَوِ الْقَوْل بِاللِّسَانِ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالْوَسْوَسَةِ: تَرَدُّدُ الشَّيْءِ فِي النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ وَيَسْتَقِرَّ عِنْدَهُ (٢) كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَفْعَلْهَا فَلاَ عِقَابَ عَلَيْهِ (٣)، بَل تُكْتَبُ لَهُ حَسَنَةٌ إِذَا كَانَ قَدْ تَرَكَهَا قَادِرًا عَلَيْهَا، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ ﷿ قَال: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ
_________
(١) حديث: " إن الله تجاوز لي عن أمتي. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٥ / ٦٠) ومسلم (١ / ١١٦) والرواية الأخرى هي لمسلم وللبخاري كذلك (١١ / ٥٤٩) .
(٢) (فتح الباري ٥ / ١٦١ ط السلفية) .
(٣) (فتح الباري ١١ / ٣٢٣) .