الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٠ الصفحة 16

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٠

السُّلْطَانِ نَفْسِهِ، وَلاَ يَمْلِكُ الْقَاضِي عَزْلَهُ (١)

وَإِنِ اسْتَخْلَفَهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ مِنَ الإِْمَامِ فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيل خِلاَفٍ يُنْظَرُ فِي: (اسْتِخْلاَفٌ، وَقَضَاءٌ) .

عَزْل الْحَكَمِ أَوِ الْمُحَكَّمِ:

٢٦ - مَنْ وَلاَّهُ خَصْمَانِ لِيَكُونَ مُحَكَّمًا بَيْنَهُمَا، يَنْعَزِل بِأُمُورٍ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي مُصْطَلَحِ: (تَحْكِيم فِقْرَةُ ٤١) .

عَزْل الْوَكِيل:

٢٧ - عَقْدُ الْوَكَالَةِ مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ - أَيْ غَيْرِ الْمُلْزِمَةِ - لأَِيٍّ مِنَ الْمُوَكِّل وَالْوَكِيل، إِذِ الثَّانِي مُتَبَرِّعٌ، وَالأَْوَّل قَدْ لاَ يَسْتَسِيغُ تَصَرُّفَ وَكِيلِهِ فَيُمْكِنُهُ الاِسْتِغْنَاءُ عَنْهُ، وَبِنَاءً عَلَى هَذَا فَإِنَّ عَزْل الْوَكِيل عَنِ الْوَكَالَةِ قَدْ يَقَعُ مِنَ الْوَكِيل نَفْسِهِ، وَقَدْ يَقَعُ مِنْ مُوَكِّلِهِ

وَانْظُرْ تَفْصِيل ذَلِكَ وَغَيْرِهِ فِي مُصْطَلَحِ: (وَكَالَة) .

عَزْل الْوَصِيِّ:

٢٨ - يَكُونُ عَزْل الْوَصِيِّ بِعَزْلِهِ نَفْسَهُ عَنِ الْوِصَايَةِ أَوْ بِعَزْلِهِ مِنْ قِبَل الْمُوصِي، أَوْ بِحُدُوثِ خَلَلٍ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الإِْيصَاءِ إِلَيْهِ

_________

(١) الفتاوى الهندية ٣ / ٣١٦

أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِيصَاء فِقْرَةُ ١٨ وَوَصِيَّة) .

عَزْل الْمُضَارِبِ:

٢٩ - الْمُضَارَبَةُ: عَقْدٌ مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ تَجْرِي بَيْنَ اثْنَيْنِ: أَحَدُهُمَا رَبُّ مَالٍ وَالآْخَرُ عَامِلٌ - وَالْمُضَارِبُ هُوَ الْعَامِل مِنْهُمَا، وَعَزْلُهُ يَتَحَقَّقُ بِسَبَبٍ مِنَ الأَْسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لإِنْهَاءِ الْمُضَارَبَةِ.

وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (مُضَارَبَة) .

عَزْل الْكَفِيل:

٣٠ - الْكَفِيل هُوَ مَنْ يَضُمُّ ذِمَّتَهُ إِلَى ذِمَّةِ الأَْصِيل فِي الْمُطَالَبَةِ بِنَفْسٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حَقُّ الْمَكْفُول لَهُ فِي مُطَالَبَةِ الْكَفِيل، فَلاَ بُدَّ مِنَ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْكَفِيل مِنْ أَهْل التَّبَرُّعِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً.

وَيَنْتَهِي هَذَا الْحَقُّ بِأُمُورٍ يُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ: (كَفَالَة) .

عَزْل نَاظِرِ الْوَقْفِ:

٣١ - نَاظِرُ الْوَقْفِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَصْلِيًّا أَوْ فَرْعِيًّا.

فَإِنْ كَانَ أَصْلِيًّا فَإِنَّ عَزْلَهُ يَكُونُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلاَثَةٍ:

١ - بِعَزْلِهِ نَفْسَهُ عَنْ وِلاَيَةِ الْوَقْفِ.

٢ - بِمَوْتِهِ.

٣ - بِفَقْدِ شَرْطٍ مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي يَجِبُ تَحَقُّقُهَا فِيهِ، وَهِيَ: الْعَقْل، وَالْبُلُوغُ، وَالْعَدَالَةُ، وَالْكَفَاءَةُ، وَالإِْسْلاَمُ (١) . وَإِنْ كَانَ فَرْعِيًّا فَفِي عَزْلِهِ خِلاَفٌ.

وَتَفْصِيل ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَقْف) .

عَزْل الْمَرِيضِ عَنِ الأَْصِحَّاءِ:

٣٢ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عَزْل الْمَرْضَى عَنِ الأَْصِحَّاءِ خَشْيَةَ الْعَدْوَى وَانْتِقَال الْمَرَضِ أَوْ عَدَمِ عَزْلِهِمْ، فَقَال بَعْضُهُمْ بِوُجُوبِ الْعَزْل، وَبَعْضُهُمْ بِعَدَمِهِ، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (عَدْوَى وَمَرَضٌ) .

الْعَزْل عَنِ الزَّوْجَةِ وَالأَْمَةِ:

٣٣ - الْعَزْل عَنِ الزَّوْجَةِ وَالأَْمَةِ هُوَ أَنْ يُجَامِعَ الرَّجُل حَلِيلَتَهُ، فَإِذَا قَارَبَ الإِْنْزَال نَزَعَ وَأَنْزَل خَارِجَ الْفَرْجِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ - إِمَّا الْعُزُوفُ عَنْ عُلُوقِ الْمَرْأَةِ وَتَكْوِينِ حَمْلٍ فِي رَحِمِهَا، وَإِمَّا أَسْبَابٌ صِحِّيَّةٌ تَعُودُ إِلَى الْمَرْأَةِ أَوْ إِلَى الْجَنِينِ أَوْ إِلَى الطِّفْل الرَّضِيعِ.

_________

(١) حاشية ابن عابدين ٤ / ٣٨١، وبلغة السالك ٢ / ٢٨٢، ومغني المحتاج ٢ / ٣٩٣، والمبدع ٥ / ٣٣٧.

أَوَّلًا - الْعَزْل عَنِ الأَْمَةِ الْمَمْلُوكَةِ:

٣٤ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - إِلَى جَوَازِ عَزْل السَّيِّدِ عَنْ أَمَتِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَذِنَتْ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ تَأْذَنْ؛ لأَِنَّ الْوَطْءَ حَقُّهُ لاَ غَيْرُ، وَكَذَا إِنْجَابُ الْوَلَدِ وَلَيْسَ ذَلِكَ حَقًّا لَهَا (١)

ثَانِيًا - الْعَزْل عَنِ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ.

٣٥ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا عَلَى رَأْيَيْنِ:

الرَّأْيُ الأَْوَّل: الإِْبَاحَةُ مُطْلَقًا أَذِنَتِ الزَّوْجَةُ أَوْ لَمْ تَأْذَنْ، إِلاَّ أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَل وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَلِكَ؛ لأَِنَّ حَقَّهَا الاِسْتِمْتَاعُ دُونَ الإِْنْزَال، إِلاَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهَا (٢) .

الرَّأْيُ الثَّانِي: الإِْبَاحَةُ بِشَرْطِ إِذْنِهَا، فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كُرِهَ، وَهُوَ قَوْل عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمَالِكٍ، وَهُوَ الرَّأْيُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ، وَبِهِ قَال الْحَنَفِيَّةُ، إِلاَّ أَنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا مَا إِذَا فَسَدَ الزَّمَانُ فَأَبَاحُوهُ دُونَ إِذْنِهَا (٣) .

وَاسْتَدَل الْقَائِلُونَ بِالإِْبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ بِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ ﵁ قَال: كُنَّا نَعْزِل عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَالْقُرْآنُ يَنْزِل، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، كُنَّا نَعْزِل عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ ﷺ

_________

(١) ابن عابدين ٣ / ١٧٦، وشرح الزرقاني على الموطأ ٣ / ٢٢٩، والمغني بأعلى الشرح الكبير ٨ / ١٣٤.

(٢) إحياء علوم الدين ٢ / ٥٢.

(٣) ابن عابدين ٢ / ٣٧٩، وصحيح مسلم بشرح النووي ١٠ / ١٤.

فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَلَمْ يَنْهَنَا (١)

وَاسْتَدَل الْقَائِلُونَ بِالإِْبَاحَةِ بِشَرْطِ الاِسْتِئْذَانِ بِمَا رَوَى الإِْمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ أَنَّهُ قَال: نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنْ يُعْزَل عَنِ الْحُرَّةِ إِلاَّ بِإِذْنِهَا (٢)

وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: نُهِيَ عَنْ عَزْل الْحُرَّةِ إِلاَّ بِإِذْنِهَا (٣)

وَأَمَّا أَدِلَّةُ الْكَرَاهَةِ: إِنْ كَانَ الْعَزْل بِدُونِ عُذْرٍ؛ فَلأَِنَّهُ وَسِيلَةٌ لِتَقْلِيل النَّسْل، وَقَطْعِ اللَّذَّةِ عَنِ الْمَوْطُوءَةِ إِذْ قَدْ حَثَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى تَعَاطِي أَسْبَابِ الْوَلَدِ فَقَال: تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا (٤)

وَقَال: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ

_________

(١) حديث: " كنا نعزل على عهد رسول الله ﷺ. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٩ / ٣٠٥) ومسلم (٢ / ١٠٦٥) من حديث جابر.

(٢) حديث: " نهى رسول الله ﷺ أن يعزل. . . ". أخرجه ابن ماجه (١ / ٦٢٠)، وضعف إسناده البوصيري في الزوائد (١ / ٣٣٩) .

(٣) حديث: " نهى عن عزل الحرة إلا بإذنها. . . ". أخرجه البيهقي (٧ / ٢٣١) وذكر ابن حجر في التلخيص (٣ / ١٨٨) تضعيف أحد رواته.

(٤) حديث: " تناكحوا تكثروا. . . ". أخرجه عبد الرزاق في المصنف (٦ / ١٧٣) عن سعيد بن أبي هلال وذكر فيه ابن حجر في التلخيص (٣ / ١١٦) تضعيف أحد رواته.

بِكُمُ الأُْمَمَ (١) وَالْعُذْرُ فِي الْعَزْل يَتَحَقَّقُ فِي الأُْمُورِ التَّالِيَةِ:

١ - إِذَا كَانَتِ الْمَوْطُوءَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَتَخْشَى عَلَى الْوَلَدِ الْكُفْرَ.

٢ - إِذَا كَانَتْ أَمَةً وَيَخْشَى الرِّقَّ عَلَى وَلَدِهِ.

٣ - إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ يُمْرِضُهَا الْحَمْل أَوْ يَزِيدُ فِي مَرَضِهَا.

٤ - إِذَا خَشِيَ عَلَى الرَّضِيعِ مِنَ الضَّعْفِ.

٥ - إِذَا فَسَدَ الزَّمَانُ وَخَشِيَ فَسَادَ ذُرِّيَّتِهِ.

_________

(١) حديث: " تزوجوا الودود الولود. . . ". أخرجه أبو داود (٢ / ٥٤٢) من حديث معقل بن يسار، وحسن إسناده الهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ٢٥٨) .

عُزْلَة

التَّعْرِيفُ:

١ - الْعُزْلَةُ - بِالضَّمِّ - فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ مِنَ الاِعْتِزَال (١)، وَهُوَ تَجَنُّبُ الشَّيْءِ بِالْبَدَنِ كَانَ ذَلِكَ أَوْ بِالْقَلْبِ (٢) .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْخُرُوجُ عَنْ مُخَالَطَةِ الْخَلْقِ بِالاِنْزِوَاءِ وَالاِنْقِطَاعِ (٣) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْخَلْوَةُ:

٢ - الْخَلْوَةُ: انْفِرَادُ الإِْنْسَانِ بِنَفْسِهِ (٤) .

قَال السُّهْرَوَرْدِيُّ: الْخَلْوَةُ غَيْرُ الْعُزْلَةِ، فَالْخَلْوَةُ مِنَ الأَْغْيَارِ، وَالْعُزْلَةُ مِنَ النَّفْسِ وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ وَمَا يَشْغَل عَنِ اللَّهِ، فَالْخَلْوَةُ كَثِيرَةُ الْوُجُودِ، وَالْعُزْلَةُ قَلِيلَةُ الْوُجُودِ (٥) .

حُكْمُ الْعُزْلَةِ:

٣ - ذَهَبَ الْعُلَمَاءُ إِلَى أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ الْعُزْلَةِ عِنْدَ

_________

(١) القاموس المحيط ومتن اللغة.

(٢) المفردات للراغب الأصفهاني.

(٣) التعريفات للجرجاني، ودستور العلماء ٢ / ٣٢٠.

(٤) القواعد للبركتي.

(٥) عوارف المعارف ص٤٢٤ - ٤٢٥.

ظُهُورِ الْفِتَنِ وَفَسَادِ النَّاسِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الإِْنْسَانُ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إِزَالَةِ الْفِتْنَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ فِي إِزَالَتِهَا بِحَسَبِ الْحَال وَالإِْمْكَانِ (١)، وَأَمَّا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْفِتْنَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْعُزْلَةِ وَالاِخْتِلاَطِ: قَال النَّوَوِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الاِخْتِلاَطَ بِالنَّاسِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ - أَيْ مِنْ شُهُودِ خَيْرِهِمْ دُونَ شَرِّهِمْ، وَسَلاَمَتِهِمْ مِنْ شَرِّهِ - هُوَ الْمُخْتَارُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَسَائِرُ الأَْنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَخْيَارِهِمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَبِهِ قَال الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ ﵃ أَجْمَعِينَ (٢) .

وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَفْضَلِيَّةِ الْمُخَالَطَةِ: بِأَنَّ اللَّهَ ﷾ أَمَرَ بِالاِجْتِمَاعِ، وَحَضَّ عَلَيْهِ، وَنَهَى عَنِ الاِفْتِرَاقِ وَحَذَّرَ مِنْهُ، فَقَال تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْل اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ

_________

(١) عمدة القارئ ١ / ١٦٣ ط. المنيرية، والقرطبي ١٠ / ٣٦٠، ١٧ / ٢٦٤.

(٢) دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين ٣ / ٤٦ - ٤٧ ط. الحلبي، وعمدة القاري ١ / ١٦٣.

إِخْوَانًا﴾ (١) وَأَعْظَمُ الْمِنَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي جَمْعِ الْكَلِمَةِ وَتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ مِنْهُمْ فَقَال ﷿: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَْرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ .

(٢) وَقَال ﷾: ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ (٣)

وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ نَبَوِيَّةٍ مِنْهَا: قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، خَيْرٌ مِنَ الْمُؤْمِنَ الَّذِي لاَ يُخَالِطُهُمْ وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ. (٤)

وَقَالُوا: إِنَّ الْمُخَالَطَةَ فِيهَا اكْتِسَابُ الْفَوَائِدِ، وَشُهُودُ شَعَائِرِ الإِْسْلاَمِ، وَتَكْثِيرُ سَوَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِيصَال الْخَيْرِ إِلَيْهِمْ وَلَوْ بِعِيَادَةِ الْمَرْضَى، وَتَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ، وَإِفْشَاءُ السَّلاَمِ، وَالأَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَإِعَانَةُ الْمُحْتَاجِ، وَحُضُورُ

_________

(١) سورة آل عمران / ١٠٣.

(٢) سورة الأنفال / ٦٣.

(٣) سورة آل عمران / ١٠٥، وانظر: العزلة للخطابي بتحقيق ياسين محمد السواس ص٥٣ نشر دار ابن كثير، وإحياء علوم الدين ٢ / ٢٢٣.

(٤) حديث: " المؤمن الذي يخالط الناس. . . ". أخرجه أحمد (٥ / ٣٦٥) وذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية ٣ / ٤٧٦ وقال عن رواته: (كلهم ثقات) . وانظر: الآداب الشرعية لابن مفلح ٣ / ٤٧٦.

جَمَاعَاتِهِمْ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ كُل أَحَدٍ (١) .

وَنَقَل ابْنُ حَجَرٍ وَالْعَيْنِيُّ عَنْ قَوْمٍ: تَفْضِيل الْعُزْلَةِ، لِمَا فِيهَا مِنَ السَّلاَمَةِ الْمُحَقَّقَةِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِوَظَائِفِ الْعِبَادَةِ الَّتِي تَلْزَمُهُ وَمَا يُكَلَّفُ بِهِ، قَال الْكِرْمَانِيُّ: الْمُخْتَارُ فِي عَصْرِنَا تَفْضِيل الاِنْعِزَال لِنُدْرَةِ خُلُوِّ الْمَحَافِل عَنِ الْمَعَاصِي (٢) .

وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ ﵊: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا﴾ (٣) وَبِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ ﵁ لَمَّا قَال: يَا رَسُول اللَّهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَال: أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ. (٤)

وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الْعُزْلَةِ

_________

(١) عمدة القاري ١ / ١٦٣، وفتح الباري (١٣ / ٤٢ - ٤٣) ط. السلفية.

(٢) فتح الباري ١٣ / ٤٢ - ٤٣، وعمدة القاري ١ / ١٦٣.

(٣) سورة مريم / ٤٨.

(٤) حديث: " أمسك عليك لسانك. . . ". أخرجه الترمذي ٤ / ٦٠٥، وقال: (حديث حسن) . وانظر إحياء علوم الدين ٢ / ٢٢٥ والعزلة ص٦٣.