الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٩
تَقَدَّمَ الاِخْتِلاَفُ فِيهِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَلَى مَحَل الطَّلاَقِ.
هَذَا فِي الطَّلاَقِ الْمُنَجَّزِ، فَإِذَا عَلَّقَ طَلاَقَهَا بِشَرْطٍ، كَأَنْ قَال: إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلاَنٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ التَّعْلِيقِ زَوْجَةً صَحَّ الطَّلاَقُ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عِنْدَ التَّعْلِيقِ فَفِيهِ الْخِلاَفُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الطَّلاَقِ الْمُنَجَّزِ.
فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ التَّعْلِيقِ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، ثُمَّ حَصَل الشَّرْطُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَضَافَ التَّعْلِيقَ إِلَى النِّكَاحِ - كَأَنْ قَال لِلأَْجْنَبِيَّةِ: إِنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا - طَلُقَتْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ.
وَإِنْ أَضَافَهُ إِلَى غَيْرِ النِّكَاحِ، بِأَنْ قَال لِلأَْجْنَبِيَّةِ: إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلاَنٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، ثُمَّ دَخَلَتْ، لَمْ تَطْلُقْ بِالاِتِّفَاقِ. وَكَذَلِكَ إِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ قَبْل الزَّوَاجِ، فَإِنَّهَا لاَ تَطْلُقُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى.
فَإِذَا عَلَّقَ طَلاَقَ الأَْجْنَبِيَّةِ عَلَى غَيْرِ النِّكَاحِ، وَنَوَى فِيهِ النِّكَاحَ، مِثْل أَنْ يَقُول لَهَا: إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلاَنٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، ثُمَّ دَخَلَتِ الدَّارَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا، طَلُقَتْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لِلنِّيَّةِ، وَلَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِعَدَمِ الإِْضَافَةِ لِلنِّكَاحِ لَفْظًا (١) .
_________
(١) الدر المختار ٣ / ٣٤٤ - ٣٤٥، ومغني المحتاج ٣ / ٢٩٢، والشرح الكبير ٢ / ٣٧٠.
الشَّرْطُ الثَّانِي: تَعْيِينُ الْمُطَلَّقَةِ بِالإِْشَارَةِ أَوْ بِالصِّفَةِ أَوْ بِالنِّيَّةِ.
٢٦ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ الْمُطَلَّقَةِ، وَطُرُقُ التَّعْيِينِ ثَلاَثَةٌ: الإِْشَارَةُ، وَالْوَصْفُ، وَالنِّيَّةُ، فَأَيُّهَا قُدِّمَ جَازَ، فَإِذَا تَعَارَضَ الثَّلاَثَةُ فَفِيهِ التَّفْصِيل التَّالِي: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا عَيَّنَ الْمُطَلَّقَةَ بِالإِْشَارَةِ وَالصِّفَةِ وَالنِّيَّةِ وَقَعَ الطَّلاَقُ عَلَى الْمُعَيَّنَةِ، كَأَنْ قَال لِزَوْجَتِهِ الَّتِي اسْمُهَا عَمْرَةُ مُشِيرًا إِلَيْهَا: يَا عَمْرَةُ، أَنْتِ طَالِقٌ، قَاصِدًا طَلاَقَهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِالاِتِّفَاقِ، لِتَمَامِ التَّعْيِينِ بِذَلِكَ.
فَإِنْ أَشَارَ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ لِمُتَعَدِّدَاتٍ دُونَ أَنْ يَصِفَهَا بِوَصْفٍ، وَلَمْ يَنْوِ غَيْرَهَا، وَقَال لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَعَ الطَّلاَقُ عَلَيْهَا بِالاِتِّفَاقِ أَيْضًا، لأَِنَّ الإِْشَارَةَ كَافِيَةٌ لِلتَّعْيِينِ، وَكَذَلِكَ إِذَا وَصَفَهَا بِوَصْفِهَا دُونَ إِشَارَةٍ وَدُونَ قَصْدِ غَيْرِهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ أَيْضًا، كَمَا إِذَا قَال: سَلْمَى طَالِقٌ. فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَمْ يُشِرْ إِلَيْهَا وَلَمْ يَصِفْهَا، كَمَا إِذَا قَال: إِحْدَى نِسَائِي طَالِقٌ، وَنَوَى وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ دُونَ غَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَال: امْرَأَتِي طَالِقٌ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ زَوْجَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ.
فَإِنْ أَشَارَ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ،
وَوَصَفَ غَيْرَهَا، بِأَنْ قَال لإِحْدَى زَوْجَاتِهِ وَاسْمُهَا سَلْمَى: أَنْتِ يَا عَمْرَةُ طَالِقٌ، وَكَانَتِ الأُْخْرَى اسْمُهَا عَمْرَةُ، طَلُقَتِ الْمُشَارُ إِلَيْهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَضَاءً، وَلَمْ تَطْلُقْ عَمْرَةُ لِلْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ: الْوَصْفُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ، وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ (١) وَكَذَلِكَ إِذَا أَشَارَ إِلَيْهَا وَوَصَفَهَا بِغَيْرِ وَصْفِهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ، كَمَا إِذَا قَال لاِمْرَأَتِهِ، أَنْتِ يَا غَزَالَةُ طَالِقٌ، لِلْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ.
فَإِذَا لَمْ يُشِرْ إِلَيْهَا، وَلَكِنْ وَصَفَهَا بِوَصْفٍ هُوَ فِيهَا، وَعَنَى بِهَا غَيْرَهَا، كَأَنْ قَال: زَوْجَتِي سَلْمَى طَالِقٌ، وَقَصَدَ غَيْرَهَا، دُيِّنَ إِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ اسْمُهَا سَلْمَى (وَوَقَعَ دِيَانَةً) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ عَلَيْهِ دِيَانَةً وَلاَ قَضَاءً، لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ أَصْلًا، وَعَدَمِ احْتِمَال اللَّفْظِ لِلنِّيَّةِ.
فَإِنْ قَال: نِسَاءُ الدُّنْيَا كُلُّهُنَّ طَوَالِقُ، وَنَوَى زَوْجَتَهُ، طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ قَال: نِسَاءُ مَحَلَّتِي كُلُّهُنَّ طَوَالِقُ، طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ، نَوَاهَا أَمْ لَمْ يَنْوِهَا، فَإِنْ قَال: نِسَاءُ مَدِينَتِي كُلُّهُنَّ طَوَالِقُ، فَإِنْ نَوَى زَوْجَتَهُ فِيهِنَّ طَلُقَتْ، وَإِلاَّ فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى عَدَمِ طَلاَقِهَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَيْضًا، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ
_________
(١) المادة ٦٥ / من مجلة الأحكام العدلية.
أَنَّهَا تَطْلُقُ كَمَا فِي نِسَاءِ الْحَيِّ (١) . وَلَوْ قَال: نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ طَوَالِقُ لَمْ تَطْلُقِ امْرَأَتُهُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ: سَلْمَى وَعَمْرَةُ، فَدَعَا سَلْمَى فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ، فَظَنَّهَا سَلْمَى فَطَلَّقَهَا، طَلُقَتْ سَلْمَى دِيَانَةً وَقَضَاءً عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لِلْقَصْدِ، أَمَّا عَمْرَةُ فَتَطْلُقُ قَضَاءً لاَ دِيَانَةً لِعَدَمِ الْقَصْدِ (٢) . وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى طَلاَقِ الْمُجِيبَةِ فِي الأَْصَحِّ، أَمَّا الْمُنَادَاةُ فَلَمْ تَطْلُقْ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لَمْ تَطْلُقَا (٣) . وَلَوْ قَال الرَّجُل لِزَوْجَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ مَعَهَا: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، ثُمَّ قَال: قَصَدْتُ الأَْجْنَبِيَّةَ، قُبِل قَوْلُهُ فِي الأَْصَحِّ لَدَى الشَّافِعِيَّةِ، لاِحْتِمَال كَلاَمِهِ ذَلِكَ وَلِكَوْنِ الأَْجْنَبِيَّةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ قَابِلَةً - أَيْ لِلطَّلاَقِ - فَتُقَدَّمُ النِّيَّةُ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ، لأَِنَّهَا مَحَل الطَّلاَقِ دُونَ الثَّانِيَةِ، فَلاَ يُصْرَفُ قَوْلُهُ إِلَى قَصْدِهِ، لِلْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ: إِعْمَال الْكَلاَمِ أَوْلَى مِنْ إِهْمَالِهِ (٤)، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ أَصْلًا، طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ قَوْلًا وَاحِدًا لِلْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ، فَلَوْ قَال لِزَوْجَتِهِ وَرَجُلٍ: أَحَدُكُمَا طَالِقٌ،
_________
(١) الدر المختار ٣ / ٢٩٣ - ٢٩٤ والروضة ٨ / ٣٤.
(٢) الشرح الكبير للدردير ٢ / ٣٦٦ - ٣٦٧.
(٣) مغني المحتاج ٣ / ٣٢٧.
(٤) المادة ٦٠ / من مجلة الأحكام العدلية، والأشباه والنظائر للسيوطي ص ١٤٢ - ١٤٣ ط. الحلبي.
وَقَصَدَ الرَّجُل، بَطَل قَصْدُهُ، وَطَلُقَتْ زَوْجَتُهُ، لأَِنَّ الرَّجُل لَيْسَ مَحَل الطَّلاَقِ أَصْلًا.
وَلَوْ قَال لإِحْدَى زَوْجَتَيْهِ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ إِنْ فَعَلَتُ كَذَا، ثُمَّ فَعَل الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ إِحْدَاهُمَا، تَعَيَّنَتِ الثَّانِيَةُ الْحَيَّةُ لِلطَّلاَقِ، طَلُقَتْ (١) . وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَال لِزَوْجَاتِهِ الأَْرْبَعِ: إِحْدَاكُنَّ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ نِيَّةٌ طَلُقَتْ الَّتِي نَوَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ، وَمَنْ وَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَيْهَا كَانَتْ هِيَ الْمُطَلَّقَةُ، وَقَال مَالِكٌ: طَلُقْنَ جَمِيعًا، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يُخَيَّرُ، وَيَقَعُ الطَّلاَقُ عَلَى مَنْ يَخْتَارُهَا مِنْهُنَّ لِلطَّلاَقِ.
فَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ وَنَسِيَهَا، " أُخْرِجَتِ الْمُطَلَّقَةُ بِالْقُرْعَةِ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (٢) . وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ لاَ يُعَوَّل عَلَى الْقُرْعَةِ لِبَيَانِ مَنْ وَقَعَ الطَّلاَقُ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ عَلَى تَعْيِينِهِ هُوَ.
وَتَطْلِيقُ جُزْءِ الْمُطَلَّقَةِ كَتَطْلِيقِهَا كُلِّهَا إِذَا كَانَ الْجُزْءُ شَائِعًا وَأَضَافَهُ إِلَيْهَا، كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ: نِصْفُكِ طَالِقٌ، أَوْ ثُلُثُكِ، أَوْ رُبُعُكِ، أَوْ جُزْءٌ مِنْ أَلْفٍ مِنْكِ. . فَإِنْ
_________
(١) مغني المحتاج ٣ / ٣٠٤ - ٣٠٥.
(٢) المغني ٧ / ٤٣٤ - ٤٤٠.
أَضَافَهُ إِلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْجُزْءُ الْمُعَيَّنُ ثَابِتًا فِيهَا وَجُزْءًا لاَ يَتَجَزَّأُ مِنْهَا كَرَأْسِهَا، وَبَطْنِهَا. . . فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ كَلُعَابِهَا، وَعَرَقِهَا، وَسَائِرِ فَضَلاَتِهَا لَمْ تَطْلُقْ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ طَلَّقَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهَا طَلُقَتْ، وَإِنْ طَلَّقَ جُزْءًا مُعَيَّنًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا عَادَةً كَالرَّأْسِ، وَالْوَجْهِ، وَالرَّقَبَةِ، وَالظَّهْرِ. . طَلُقَتْ، وَإِنْ كَانَ لاَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا عَادَةً كَالْيَدِ وَالرِّجْل لَمْ تَطْلُقْ فَإِنْ تَعَارَفَهُ النَّاسُ طَلُقَتْ بِهِ أَيْضًا (١) .
الشُّرُوطُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِصِيغَةِ الطَّلاَقِ:
٢٧ - صِيغَةُ الطَّلاَقِ هِيَ اللَّفْظُ الْمُعَبَّرُ بِهِ عَنْهُ، إِلاَّ أَنَّهُ يُسْتَعَاضُ عَنِ اللَّفْظِ فِي أَحْوَالٍ بِالْكِتَابَةِ أَوِ الإِْشَارَةِ. وَلِكُلٍّ مِنَ اللَّفْظِ وَالْكِتَابَةِ وَالإِْشَارَةِ شُرُوطٌ لاَ بُدَّ مِنْ تَوَافُرِهَا فِيهِ، وَإِلاَّ لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ هِيَ:
_________
(١) المغني ٧ / ٤٢٦، ومغني المحتاج ٣ / ٢٩٠ - ٢٩١، وروضة الطالبين ٨ / ٦٣، والشرح الكبير للدردير ٢ / ٣٨٨، والدر المختار ٣ / ٢٥٦ - ٢٥٧، والاختيار ٣ / ١٢٦.
أ - شُرُوطُ اللَّفْظِ:
يُشْتَرَطُ فِي اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَل فِي الطَّلاَقِ شُرُوطٌ هِيَ:
الشَّرْطُ الأَْوَّل: الْقَطْعُ أَوِ الظَّنُّ بِحُصُول اللَّفْظِ وَفَهْمِ مَعْنَاهُ:
٢٨ - الْمُرَادُ هُنَا: حُصُول اللَّفْظِ وَفَهْمُ مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ نِيَّةُ وُقُوعِ الطَّلاَقِ بِهِ، وَقَدْ تَكُونُ نِيَّةُ الْوُقُوعِ شَرْطًا فِي أَحْوَالٍ كَمَا سَيَأْتِي.
وَعَلَى هَذَا إِذَا حَلَفَ الْمُطَلِّقُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ شَكَّ أَكَانَ حَلِفُهُ بِطَلاَقٍ أَمْ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَغْوٌ وَلاَ يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا شَكَّ أَطَلَّقَ أَمْ لاَ؟ فَإِنَّهُ لاَ يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، فَإِنْ تَيَقَّنَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ طَلَّقَ ثُمَّ شَكَّ فِي الْعَدَدِ، أَطَلَّقَ وَاحِدَةً، أَمْ ثِنْتَيْنِ، أَمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؟ بَنَى عَلَى الأَْقَل لِحُصُول الْيَقِينِ أَوِ الظَّنِّ بِهِ وَالشَّكِّ فِيمَا فَوْقَهُ، وَالشَّكُّ لاَ يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِخِلاَفِ الظَّنِّ وَالْيَقِينِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ، وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يَتَحَرَّى، فَإِنِ اسْتَوَيَا عِنْدَهُ حُمِل بِأَشَدِّ ذَلِكَ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا فِي قَضَايَا الْفُرُوجِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ تَعْلِيقًا عَلَى ذَلِكَ: وَيُمْكِنُ حَمْل الأَْوَّل عَلَى الْقَضَاءِ، وَالثَّانِي عَلَى الدِّيَانَةِ (١) .
_________
(١) الدر المختار وابن عابدين عليه ٣ / ٢٨٣ - ٢٨٤، والشرح الكبير ٢ / ٤٠١، ومغني المحتاج ٣ / ٢٨٠، ٣٠٣، والمغني ٧ / ٣١٨، والقوانين الفقهية ص ٢٥٥.
فَإِذَا نَوَى التَّلَفُّظَ بِالطَّلاَقِ ثُمَّ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ، لَمْ يَقَعْ بِالاِتِّفَاقِ، لاِنْعِدَامِ اللَّفْظِ أَصْلًا، وَخَالَفَ الزُّهْرِيُّ، وَقَال بِوُقُوعِ طَلاَقِ النَّاوِي لَهُ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ (١) . وَدَلِيل الْجُمْهُورِ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُِمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَل أَوْ تَكَلَّمْ بِهِ (٢) . وَلَوْ لُقِّنَ أَعْجَمِيٌّ لَفْظَ الطَّلاَقِ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ مَعْنَاهُ، فَقَالَهُ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ عَرَبِيٌّ إِذَا لُقِّنَ لَفْظًا أَعْجَمِيًّا يُفِيدُ الطَّلاَقَ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ مُطْلَقًا (٣) .
الشَّرْطُ الثَّانِي: نِيَّةُ وُقُوعِ الطَّلاَقِ بِاللَّفْظِ:
٢٩ - هَذَا خَاصٌّ بِالْكِنَايَاتِ مِنَ الأَْلْفَاظِ، أَمَّا الصَّرِيحُ فَلاَ يُشْتَرَطُ لِوُقُوعِ الطَّلاَقِ بِهِ نِيَّةُ الطَّلاَقِ أَصْلًا، وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ بَعْضَ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ حَيْثُ أَوْقَعُوا الطَّلاَقَ بِهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَالصَّرِيحِ، وَهِيَ الْكِنَايَاتُ الظَّاهِرَةُ، كَقَوْل الْمُطَلِّقِ لِزَوْجَتِهِ: سَرَّحْتُكِ، فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ: طَلَّقْتُكِ، وَوَافَقَهُمُ الْحَنَابِلَةُ فِي ذَلِكَ
_________
(١) المغني ٧ / ٣١٨، والقوانين الفقهية ص ٢٥٥.
(٢) حديث: " إن الله تجاوز لأمتي. . . ". أخرجه البخاري فتح الباري (٩ / ٣٨٨) ومسلم (١ / ١١٧) من حديث أبي هريرة واللفظ لمسلم.
(٣) مغني المحتاج ٣ / ٢٨٩.
عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، خِلاَفًا لِمَا فُهِمَ مِنْ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ، وَذُكِرَ فِي نَيْل الْمَآرِبِ أَنَّ لَفْظَ: سَرَاحٍ مِنَ الْكِنَايَاتِ فَيَحْتَاجُ لِلنِّيَّةِ (١) . وَهَل تَقُومُ قَرَائِنُ الأَْحْوَال وَالْعُرْفِ مَقَامَ النِّيَّةِ فِي الْكِنَايَاتِ؟ .
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى ذَلِكَ، وَخَالَفَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَقَالُوا: لاَ عِبْرَةَ. بِالْعُرْفِ وَقَرَائِنِ الْحَال، وَعَلَى ذَلِكَ إِذَا قَال الرَّجُل لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ طَلاَقَهَا طَلُقَتْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِلنِّيَّةِ، وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَكُونُ ظِهَارًا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الطَّلاَقَ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَتَطْلُقُ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَطْلُقُ ثَلاَثًا فِي الْمَدْخُول بِهَا، وَيُنَوَّى (أَيْ يُسْأَل عَنْ نِيَّتِهِ) فِي غَيْرِ الْمَدْخُول بِهَا. وَهَل يَقَعُ الطَّلاَقُ بِلَفْظٍ لاَ يَحْتَمِلُهُ أَصْلًا كَقَوْلِهِ لَهَا: اسْقِنِي مَاءً؟ إِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلاَقَ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ بِالإِْجْمَاعِ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلاَقَ وَقَعَ الطَّلاَقُ بِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلاَ يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ لِلْمَالِكِيَّةِ (٢) .
_________
(١) المغني ٧ / ٣٢٦، والدسوقي ٢ / ٣٦٥، والقوانين الفقهية ص ٢٥٣، ونيل المآرب ٢ / ٢٣٧.
(٢) كشاف القناع ٥ / ٢٥٣، والمغني ٧ / ٣٢٢، وابن عابدين ٣ / ٢٩٨ - ٣٠٠ والاختيار ٣ / ١٣٢، والروضة ٨ / ٢٦، والقوانين الفقهية ص٢٥٢ - ٢٥٣، ٢٥٤ ومغني المحتاج ٣ / ٢٨٢ - ٢٨٣، وبداية المجتهد ٢ / ٨٤.
ب - شُرُوطُ الْكِتَابَةِ:
اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ لِوُقُوعِ الطَّلاَقِ بِالْكِتَابَةِ شَرْطَيْنِ:
الشَّرْطُ الأَْوَّل: أَنْ تَكُونَ مُسْتَبِينَةً.
٣٠ - وَالْمَقْصُودُ أَنْ تَكُونَ مَكْتُوبَةً بِشَكْلٍ ظَاهِرٍ يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ يَثْبُتُ بِهِ، كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْوَرَقِ، أَوِ الأَْرْضِ، بِخِلاَفِ الْكِتَابَةِ فِي الْهَوَاءِ أَوِ الْمَاءِ، فَإِنَّهَا غَيْرُ مُسْتَبِينَةٍ وَلاَ يَقَعُ بِهَا الطَّلاَقُ، وَهَذَا لَدَى الْجُمْهُورِ، وَفِي رِوَايَةٍ لأَِحْمَدَ يَقَعُ بِهَا الطَّلاَقُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مُستَبِينَةً (١) .
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مَرْسُومَةً:
٣١ - قَال الْحَنَفِيَّةُ: الْكِتَابَةُ إِذَا كَانَتْ مُسْتَبِينَةً وَمَرْسُومَةً يَقَعُ الطَّلاَقُ بِهَا، نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَبِينَةٍ لاَ يَقَعُ مُطْلَقًا وَإِنْ نَوَى.
أَمَّا إِذَا كَانَتْ مُسْتَبِينَةً غَيْرَ مَرْسُومَةٍ، فَإِنْ نَوَى يَقَعُ، وَإِلاَّ لاَ يَقَعُ وَقِيل: يَقَعُ مُطْلَقًا (٢) . وَالْكِتَابَةُ الْمَرْسُومَةُ عِنْدَهُمْ هِيَ: مَا كَانَ
_________
(١) المغني ٧ / ٤٢٤.
(٢) ابن عابدين مع الدر المختار ٣ / ٢٤٦.