الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٩ الصفحة 11

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٩

وَيُحَكَّمَانِ، بِمَا يَرَيَانِهِ مَصْلَحَةً مِنَ الْجَمْعِ أَوِ التَّفْرِيقِ. (١)

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مُهِمَّةَ الْحَكَمَيْنِ الأُْولَى التَّوْفِيقُ، فَإِنْ عَجَزَا عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا التَّفْرِيقُ فِي قَوْلٍ كَالْحَنَفِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ: لَهُمَا ذَلِكَ. (٢)

ب - شُرُوطُ الْحَكَمَيْنِ:

٧٥ - اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ فِي الْحَكَمَيْنِ شُرُوطًا هِيَ:

١ - كَمَال الأَْهْلِيَّةِ، وَهِيَ: الْعَقْل وَالْبُلُوغُ وَالرُّشْدُ، فَلاَ يَجُوزُ تَحْكِيمُ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ.

٢ - الإِْسْلاَمُ، فَلاَ يَحْكُمُ غَيْرُ الْمُسْلِمِ فِي الْمُسْلِمِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الاِسْتِعْلاَءِ عَلَيْهِ.

٣ - الْحُرِّيَّةُ، فَلاَ يَحْكُمُ عَبْدٌ، وَلِلْحَنَابِلَةِ قَوْلٌ آخَرُ بِجَوَازِ جَعْل الْعَبْدِ مُحَكَّمًا، مَا دَامَ التَّحْكِيمُ وَكَالَةً.

٤ - الْعَدَالَةُ، وَهِيَ: مُلاَزَمَةُ التَّقْوَى.

٥ - الْفِقْهُ بِأَحْكَامِ هَذَا التَّحْكِيمِ.

٦ - أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْل الزَّوْجَيْنِ إِنْ أَمْكَنَ عَلَى سَبِيل النَّدْبِ لاَ الْوُجُوبِ.

ثُمَّ إِنْ وَكَّل الزَّوْجَانِ الْحَكَمَيْنِ بِالتَّفْرِيقِ

_________

(١) مغني المحتاج ٣ / ٢٦١.

(٢) المغني ٧ / ٢٥٢.

بِرِضَاهُمَا كَانَ لَهُمَا التَّفْرِيقُ أَيْضًا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْجَمْعِ وَالتَّوْفِيقِ، وَفِي حَال التَّوْكِيل فِي التَّفْرِيقِ يُشْتَرَطُ إِلَى جَانِبِ مَا تَقَدَّمَ: أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَانِ كَامِلَيِ الأَْهْلِيَّةِ رَاشِدَيْنِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنِ احْتِمَال رَدِّ بَعْضِ الْمَهْرِ.

فَإِنْ وَكَّل الزَّوْجَانِ الْحَكَمَيْنِ بِالتَّفْرِيقِ، ثُمَّ جُنَّ أَحَدُهُمَا أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْل التَّفْرِيقِ، لَغَا التَّوْكِيل، وَلَمْ يَكُنْ لِلْحَكَمَيْنِ غَيْرُ التَّوْفِيقِ، فَإِنْ غَابَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْل التَّفْرِيقِ لَمْ يَنْعَزِل الْحَكَمَانِ، وَيَكُونُ لَهُمَا التَّفْرِيقُ فِي غَيْبَتِهِ؛ لأَِنَّ الْغَيْبَةَ لاَ تُبْطِل الْوَكَالَةَ، بِخِلاَفِ الْجُنُونِ وَالإِْغْمَاءِ.

وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْحَكَمَيْنِ، وَمَعَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْظْهَرِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْقَوْل الثَّانِي الذُّكُورَةَ؛ لأَِنَّ الْحَكَمَيْنِ هُنَا حَاكِمَانِ، وَلاَ يَجُوزُ جَعْل الْمَرْأَةِ عِنْدَهُمْ حَاكِمًا.

وَالْحَكَمَانِ يَحْكُمَانِ بِالتَّفْرِيقِ جَبْرًا عَنِ الزَّوْجَيْنِ؛ لأَِنَّهُمَا حَاكِمَانِ هُنَا وَنَائِبَانِ عَنِ الْقَاضِي، إِلاَّ أَنْ يُسْقِطَ الزَّوْجَانِ مُتَّفِقَيْنِ دَعْوَى التَّفْرِيقِ قَبْل حُكْمِ الْحَكَمَيْنِ، فَإِنْ فَعَلاَ سَقَطَ التَّحْكِيمُ وَلَمْ يَجُزْ لَهُمَا الْحُكْمُ بِالتَّفْرِيقِ بِهِ؛ لأَِنَّ شَرْطَ التَّحْكِيمِ هُنَا الدَّعْوَى، وَهَذَا إِذَا كَانَا مُحَكَّمَيْنِ مِنَ الْقَاضِي، فَإِنْ كَانَا مُحَكَّمَيْنِ مِنْ قِبَل الزَّوْجَيْنِ مِنْ غَيْرِ قَاضٍ، فَكَذَلِكَ يَنْفُذُ حُكْمُهُمَا عَلَى

الزَّوْجَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلاَ بِهِ، مَا دَامَا لَمْ يَعْزِلاَهُمَا قَبْل الْحُكْمِ، فَإِنْ عَزَلاَهُمَا قَبْل الْحُكْمِ انْعَزِلاَ، مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَعْدَ ظُهُورِ رَأْيِهِمَا، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ ظُهُورِ رَأْيِهِمَا لَمْ يَنْعَزِلاَ.

(١) كَمَا أَوْجَبَ الْمَالِكِيَّةُ كَوْنَ الْحَكَمَيْنِ مِنْ أَهْل الزَّوْجَيْنِ، وَلَمْ يُجِيزَا تَحْكِيمَ غَيْرِهِمَا، إِلاَّ أَنْ لاَ يُوجَدَ مِنْ أَهْلِهِمَا مَنْ يَصْلُحُ لِلتَّحْكِيمِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ جَازَ تَحْكِيمُ جَارَيْهِمَا، أَوْ غَيْرِهِمَا، وَنُدِبَ أَنْ يَكُونَا جَارَيْنِ لِلْعِلْمِ بِحَالِهِمَا غَالِبًا.

ثُمَّ إِذَا وَكَّل الزَّوْجَانِ الْحَكَمَيْنِ بِالتَّفْرِيقِ مُخَالَعَةً، كَانَ لَهُمَا ذَلِكَ بِحَسَبِ رَأْيِهِمَا مَا لَمْ يُقَيِّدَاهُمَا بِشَيْءٍ، فَإِنْ قَيَّدَاهُمَا تَقَيَّدَا بِهِ لَدَى الْجَمِيعِ.

فَإِذَا لَمْ يُوَكِّلاَهُمَا بِالتَّفْرِيقِ وَالْمُخَالَعَةِ، كَانَ لَهُمَا التَّفْرِيقُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ دُونَ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُنَا يَمْلِكُ الْحَكَمَانِ التَّفْرِيقَ بِطَلاَقٍ أَوْ مُخَالَعَةٍ بِحَسَبِ رَأْيِهِمَا، فَإِنْ رَأَيَا أَنَّ الضَّرَرَ كُلَّهُ مِنَ الزَّوْجِ طَلَّقَا عَلَيْهِ، وَإِنْ رَأَيَا أَنَّهُ كُلُّهُ مِنَ الزَّوْجَةِ فَرَّقَا بَيْنَهُمَا بِمُخَالَعَةٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ لَهُ كُل الْمَهْرِ، وَرُبَّمَا أَكْثَرَ مِنْهُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ بَعْضُهُ مِنَ الزَّوْجَةِ وَبَعْضُهُ مِنَ الزَّوْجِ، فَرَّقَا بَيْنَهُمَا مُخَالَعَةً عَلَى جُزْءٍ مِنَ الْمَهْرِ يُنَاسِبُ مِقْدَارَ الضَّرَرِ مِنْ كُلٍّ.

_________

(١) الدسوقي على الشرح الكبير ٢ / ٣٤٣ - ٣٤٧، والقليوبي وعميرة ٣ / ٣٠٦.

قَضَاءُ الْقَاضِي بِتَفْرِيقِ الْحَكَمَيْنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ:

٧٦ - إِنْ كَانَ الْمُحَكَّمَانِ مُوَكَّلَيْنِ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِالتَّفْرِيقِ، فَلاَ حَاجَةَ لِحُكْمِ الْقَاضِي بِتَفْرِيقِهِمَا، وَتَقَع الْفُرْقَةُ بِحُكْمِهِمَا مُبَاشَرَةً.

وَإِنْ كَانَا مُحَكَّمَيْنِ مِنَ الْقَاضِي، أُلْزِمَا بِرَفْعِ حُكْمِهِمَا إِلَيْهِ لِيُنَفِّذَهُ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ خِيَارَ لَهُ فِي إِنْفَاذِهِ، بَل هُوَ مُجْبَرٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَالَفَ اجْتِهَادَهُ - كَمَا تَقَدَّمَ -

فَإِذَا اخْتَلَفَ الْحَكَمَانِ وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ عَزَلَهُمَا الْقَاضِي، وَعَيَّنَ حَكَمَيْنِ آخَرَيْنِ بَدَلًا مِنْهُمَا، وَهَكَذَا حَتَّى يَتَّفِقَ حَكَمَانِ عَلَى شَيْءٍ، فَيُنَفِّذُهُ.

نَوْعُ الْفُرْقَةِ الثَّابِتَةِ بِتَفْرِيقِ الْحَكَمَيْنِ:

٧٧ - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ لِلشِّقَاقِ طَلاَقٌ بَائِنٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَكَمَانِ مِنْ قِبَل الْقَاضِي أَمْ مِنْ قِبَل الزَّوْجَيْنِ، وَهُوَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، حَتَّى لَوْ أَوْقَعَ الْحَكَمَانِ طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا لَمْ يَقَعْ بِحُكْمِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ تَفْرِيقُهُمَا طَلاَقًا أَمْ مُخَالَعَةً عَلَى بَدَلٍ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُمَا إِنْ فَرَّقَا بِخُلْعٍ فَطَلاَقٌ بَائِنٌ، وَإِنْ فَرَّقَا بِطَلاَقٍ فَهُوَ طَلاَقٌ.

وَهَل لِلزَّوْجَيْنِ إِقَامَةُ حَكَمٍ وَاحِدٍ بَدَلًا مِنَ

اثْنَيْنِ؟ وَالْجَوَابُ نَعَمْ، نَصَّ عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ. وَهَل يَكُونُ ذَلِكَ لِوَلِيِّ الزَّوْجَيْنِ أَيْضًا؟ تَرَدَّدَ الْمَالِكِيَّةُ فِيهِ.

وَالشَّافِعِيَّةُ يَقُولُونَ بِعَدَمِ الاِكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ (١) لِلآْيَةِ: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ . (٢)

التَّفْرِيقُ لِسُوءِ الْمُعَاشَرَةِ:

٧٨ - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ إِذَا أَضَرَّ بِهَا زَوْجُهَا كَانَ لَهَا طَلَبُ الطَّلاَقِ مِنْهُ لِذَلِكَ، سَوَاءٌ تَكَرَّرَ مِنْهُ الضَّرَرُ أَمْ لاَ، كَشَتْمِهَا وَضَرْبِهَا ضَرْبًا مُبَرِّحًا. . وَهَل تَطْلُقُ بِنَفْسِهَا هُنَا بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ يُطَلِّقُ الْقَاضِي عَنْهَا؟ قَوْلاَنِ لِلْمَالِكِيَّةِ (٣) وَلَمْ أَرَ مِنَ الْفُقَهَاءِ الآْخَرِينَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ بِوُضُوحٍ، وَكَأَنَّهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهِ مَا لَمْ يَصِل الضَّرَرُ إِلَى حَدِّ إِثَارَةِ الشِّقَاقِ، فَإِنْ وَصَل إِلَى ذَلِكَ، كَانَ الْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ.

التَّفْرِيقُ لِلإِْعْسَارِ بِالصَّدَاقِ:

٧٩ - إِذَا أَعْسَر الزَّوْجُ بِالصَّدَاقِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا عَلَى أَقْوَالٍ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا فِرَاقُهُ

_________

(١) الدسوقي ٢ / ٣٤٤، ونهاية المحتاج ٦ / ٣٨٥.

(٢) الآية ٣٥ من سورة النساء.

(٣) الدسوقي على الشرح الكبير ٢ / ٣٤٥.

بِسَبَبِ ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَلَكِنْ مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْهُ، وَالنَّظِرَةُ إِلَى مَيْسَرَةٍ، وَلَهَا كَامِل نَفَقَتِهَا.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ لَهَا طَلَبَ التَّفْرِيقِ إِلَى جَانِبِ مَالِهَا مِنْ: مَنْعِ نَفْسِهَا وَالنَّفَقَةِ مَا دَامَ لَمْ يَدْخُل بِهَا، وَيُؤَجَّل الزَّوْجُ لإِثْبَاتِ عُسْرَتِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ عَجْزُهُ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، فَإِنْ دَخَل بِهَا الزَّوْجُ لَمْ يَكُنْ لَهَا طَلَبُ التَّفْرِيقِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وُجُوهٌ وَأَقْوَالٌ ثَلاَثَةٌ:

الأَْوَّل: الْفَسْخُ مُطْلَقًا.

وَالثَّانِي: الْفَسْخُ مَا لَمْ يَدْخُل بِهَا، وَإِلاَّ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، وَهُوَ الأَْظْهَرُ لَدَى الشَّافِعِيَّةِ.

وَالثَّالِثُ: لَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ مُطْلَقًا، وَهِيَ غَرِيمٌ كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ.

(١) وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (إِعْسَار ف ١٤) .

شُرُوطُ التَّفْرِيقِ بِالإِْعْسَارِ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِهِ:

٨٠ - يُشْتَرَطُ لِلتَّفْرِيقِ بِالإِْعْسَارِ شُرُوطٌ، هِيَ:

أ - أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ وَاجِبًا عَلَى الزَّوْجِ وُجُوبًا حَالًّا: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَصْلًا،

_________

(١) البدائع ٢ / ٢٨٨، ورد المختار ٢ / ٦٥٦، ٤ / ٣١٥ - ٣١٧، وجواهر الإكليل ١ / ٣٠٧ - ٣٠٨، والشرح الكبير مع الدسوقي ٢ / ٢٩٩ - ٣٠٠، والمهذب ٢ / ٦٢، والمغني ٧ / ٥٧٩ ط. الرياض الحديثة والمقنع ٣ / ٩٨.

كَأَنْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا وَلَمْ يَدْخُل بِهَا، أَوْ كَانَ وُجُوبُهُ مُؤَجَّلًا كَأَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ تَأْجِيلُهُ، لَمْ يَكُنْ لَهَا طَلَبُ التَّفْرِيقِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَإِنْ سَلَّمَ الْبَعْضَ وَأَعْسَر بِالْبَعْضِ الْبَاقِي، فَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلاَنِ: الأَْقْوَى مِنْهُمَا: جَوَازُ التَّفْرِيقِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

ب - أَنْ لاَ تَكُونَ الزَّوْجَةُ قَدْ رَضِيَتْ بِتَأْجِيل الْمَهْرِ قَبْل الْعَقْدِ، أَوْ بَعْدَهُ بِطَرِيقِ الدَّلاَلَةِ، فَإِذَا تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ لَمْ يَكُنْ لَهَا طَلَبُ التَّفْرِيقِ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِذَا عَلِمَتْ بِإِعْسَارِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَسَكَتَتْ أَوْ رَضِيَتْ بِهِ صَرَاحَةً، فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ لَهَا حَقٌّ فِي طَلَبِ التَّفْرِيقِ لِلإِْعْسَارِ بِالْمَهْرِ بَعْدَ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْعُنَّةِ.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالتَّفْرِيقِ لِلإِْعْسَارِ بِالْمَهْرِ عَلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ حُكْمِ قَاضٍ بِهِ، أَوْ مُحَكَّمٍ؛ لأَِنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، هَذَا إِنْ قَدَرَتِ الزَّوْجَةُ عَلَى الرَّفْعِ إِلَيْهِمَا، فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ ذَلِكَ، وَفَرَّقَتْ بِنَفْسِهَا جَازَ لِلضَّرُورَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ.

(١) وَإِنْ ثَبَتَ إِعْسَارُهُ طَلَّقَ الْقَاضِي عَلَيْهِ فَوْرًا، وَقِيل: يُنْظِرُهُ مُدَّةً يَرَاهَا مُنَاسَبَةَ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ إِعْسَارُهُ أَنْظَرَهُ، وَقِيل: يَسْجُنُهُ حَتَّى

_________

(١) مغني المحتاج ٣ / ٤٤٤.

يَدْفَعَ الْمَهْرَ، أَوْ يَظْهَرَ مَالُهُ فَيُنَفِّذُهُ عَلَيْهِ، أَوْ يَثْبُتُ إِعْسَارُهُ فَيُطَلِّقُ عَلَيْهِ.

نَوْعُ الْفُرْقَةِ الثَّابِتَةِ بِالإِْعْسَارِ بِالْمَهْرِ:

٨١ - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ لِلإِْعْسَارِ بِالْمَهْرِ طَلاَقٌ بَائِنٌ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا فَسْخٌ، لاَ طَلاَقٌ. (١)

التَّفْرِيقُ لِلإِْعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ:

٨٢ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ مَا لَمْ تَمْتَنِعْ مِنَ التَّمْكِينِ، فَإِذَا لَمْ يَقُمِ الزَّوْجُ بِهَا لِغَيْرِ مَانِعٍ مِنَ الزَّوْجَةِ كَانَ لَهَا حَقُّ طَلَبِهَا مِنْهُ بِالْقَضَاءِ، وَأَخْذُهَا جَبْرًا عَنْهُ.

فَإِذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ عَنْ دَفْعِ هَذِهِ النَّفَقَةِ لِمَانِعٍ مِنَ الزَّوْجَةِ، كَنُشُوزِهَا، لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا.

وَهَل يَكُونُ لِلزَّوْجَةِ حَقُّ طَلَبِ التَّفْرِيقِ مِنْهُ إِذَا امْتَنَعَ عَنْهَا بِدُونِ سَبَبٍ مِنَ الزَّوْجَةِ؟

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فِي بَعْضِ الأَْحْوَال، وَاتَّفَقُوا فِي أَحْوَالٍ أُخْرَى عَلَى مَا يَلِي: -

أ - إِنْ كَانَ لِلزَّوْجِ الْمُمْتَنِعِ عَنِ النَّفَقَةِ مَالٌ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ لِلزَّوْجَةِ أَخْذُ نَفَقَتِهَا مِنْهُ، بِعِلْمِ الزَّوْجِ أَوْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، بِنَفْسِهَا أَوْ بِأَمْرِ

_________

(١) ابن عابدين ٣ / ٥٩٠، والدسوقي مع الشرح الكبير ٢ / ٢٩٩، ومغني المحتاج ٣ / ٤٤٤، والمغني ٨ / ٨٨١.

الْقَاضِي، لَمْ يَكُنْ لَهَا طَلَبُ التَّفْرِيقِ، لِوُصُولِهَا إِلَى حَقِّهَا بِغَيْرِ الْفُرْقَةِ، فَلاَ تُمَكَّنُ مِنْهَا.

وَيَسْتَوِي هُنَا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، وَأَنْ يَكُونَ مَال الزَّوْجِ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا أَيْضًا، وَأَنْ يَكُونَ الْمَال نُقُودًا أَوْ مَنْقُولاَتٍ أَوْ عَقَارَاتٍ، لإِمْكَانِ الأَْخْذِ مِنْهَا.

إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ نَصُّوا فِي الأَْظْهَرِ مِنْ قَوْلَيْنِ عَلَى أَنَّ مَالَهُ الظَّاهِرَ إِنْ كَانَ حَاضِرًا فَلاَ تَفْرِيقَ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْهُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، فَلَهَا طَلَبُ الْفَسْخِ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِإِحْضَارِهِ، وَلاَ فَسْخَ لَهَا، وَلَوْ غَابَ وَجُهِل حَالُهُ فِي الْيَسَارِ وَالإِْعْسَارِ فَلاَ فَسْخَ؛ لأَِنَّ السَّبَبَ لَمْ يَتَحَقَّقْ.

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ كَلاَمِ أَحْمَدَ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ: إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الإِْمْكَانِ أَخْذُ النَّفَقَةِ مِنَ الْمَال الْغَائِبِ، فَإِنَّ لَهَا طَلَبَ التَّفْرِيقِ، وَإِلاَّ فَلاَ، وَإِنْ كَانَ الْمَال حَاضِرًا فَلاَ تَفْرِيقَ.

ب - فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ الْمُمْتَنِعِ عَنِ النَّفَقَةِ مَالٌ ظَاهِرٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ لإِعْسَارِهِ، أَمْ لِلْجَهْل بِحَالِهِ، أَمْ لأَِنَّهُ غَيَّبَ مَالَهُ، فَرَفَعَتْهُ الزَّوْجَةُ إِلَى الْقَاضِي طَالِبَةً التَّفْرِيقَ لِذَلِكَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ التَّفْرِيقِ، عَلَى قَوْلَيْنِ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجَةِ هُنَا

طَلَبُ التَّفْرِيقِ، وَالْقَاضِي يَأْمُرُهَا بِالاِسْتِدَانَةِ عَلَى الزَّوْجِ، وَيَأْمُرُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا - لَوْلاَ زَوْجُهَا - بِإِقْرَاضِهَا، فَإِنِ امْتَنَعَ حَبَسَهُ وَعَزَّرَهُ حَتَّى يُقْرِضَهَا، ثُمَّ يَعُودَ بِذَلِكَ عَلَى زَوْجِهَا إِذَا أَيْسَر إِنْ شَاءَ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا أَعْسَر بِالنَّفَقَةِ فَالزَّوْجَةُ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَتْ بَقِيَتْ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ وَاسْتَدَانَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَتْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا لِلْقَاضِي طَالِبَةً فَسْخَ نِكَاحِهَا، وَالْقَاضِي يُجِيبُهَا إِلَى ذَلِكَ حَالًا، أَوْ بَعْدَ التَّلَوُّمِ لِلزَّوْجِ (١)، رَجَاءَ مَقْدِرَتِهِ عَلَى الإِْنْفَاقِ، عَلَى اخْتِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ﵃ وَهُوَ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِمْ.

شُرُوطُ التَّفْرِيقِ لِعَدَمِ الإِْنْفَاقِ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِهِ:

٨٣ - يُشْتَرَطُ لِلتَّفْرِيقِ لِعَدَمِ الإِْنْفَاقِ - عِنْدَ مَنْ يَقُول - بِهِ شُرُوطٌ، هِيَ:

_________

(١) التلَّوم لغة: الانتظار، وفي الاصطلاح: هو بهذا المعنى، وقال المالكية: هو تصبر الزوجة يومًا أو يومين أو أكثر بأمر القاضي برجاء يسار الزوج بالنفقة.