الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٩ الصفحة 10

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٩

وَلَمْ تَتَغَيَّرْ عِدَّتُهَا لَدَى الْجُمْهُورِ، وَلاَ يُعَدُّ فَارًّا بِطَلاَقِهَا، وَفِي قَوْلٍ ثَانٍ لِلْحَنَابِلَةِ أَنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ خِلاَفُ الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ. وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى تَوْرِيثِهَا مِنْهُ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِطَلَبِهَا كَالْمُخَيَّرَةِ وَالْمُمَلَّكَةِ وَالْمُخَالِعَةِ، أَوْ بِغَيْرِ طَلَبِهَا، حَتَّى لَوْ مَاتَ بَعْدَ عِدَّتِهَا وَزَوَاجِهَا مِنْ غَيْرِهِ. (١)

مَسْأَلَةُ الْهَدْمِ:

٦٧ - هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَمَيَّزَتْ بِلَقَبٍ خَاصٍّ بِهَا لَدَى الْفُقَهَاءِ، نَظَرًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِيهَا وَأَهَمِّيَّتِهَا، وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ مِمَّا يَلِي: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ (٢) عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ عِدَّتِهَا وَدَخَل بِهَا، ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْهُ: أَنَّهُ يَمْلِكُ عَلَيْهَا ثَلاَثَ تَطْلِيقَاتٍ. كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا بِمَا دُونَ الثَّلاَثِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا - دُونَ الزَّوَاجِ مِنْ آخَرَ - أَنَّهُ يَمْلِكُ عَلَيْهَا مَا بَقِيَ لَهُ إِلَى الثَّلاَثِ فَقَطْ. فَإِذَا طَلَّقَهَا بِمَا دُونَ الثَّلاَثِ، فَتَزَوَّجَتْ مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ عِدَّتِهَا وَدَخَل بِهَا، ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ

_________

(١) الدسوقي ٢ / ٣٥٣.

(٢) الدر المختار ٣ / ٤١٨، والشرح الصغير ١ / ٤٦٧ ط. الحلبي، والمغني ٧ / ٤٤٣ - ٤٤٤، ومغني المحتاج ٣ / ٢٩٣.

بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْهُ:

فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ عَلَيْهَا مَا بَقِيَ لَهُ إِلَى الثَّلاَثِ، فَإِنْ كَانَ أَبَانَهَا بِوَاحِدَةٍ مَلَكَ عَلَيْهَا اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَبَانَهَا بِاثْنَتَيْنِ مَلَكَ عَلَيْهَا ثَالِثَةً فَقَطْ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِيهِمْ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ عَلَيْهَا ثَلاَثًا، وَقَدِ انْهَدَمَ مَا أَبَانَهَا بِهِ سَابِقًا، وَمِنْ هُنَا سُمِّيَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَسْأَلَةِ الْهَدْمِ، وَقَوْل الشَّيْخَيْنِ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فِيهِمُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ ﵃ وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ، وَالْقَوْل الثَّانِي - وَهُوَ الأَْرْجَحُ عِنْدَهُمْ - مَعَ الْجُمْهُورِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فِي الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ، فَمِنْهُمْ بَل أَكْثَرُهُمْ قَالُوا بِتَرْجِيحِ قَوْل مُحَمَّدٍ، كَالْكَمَال بْنِ الْهُمَامِ، بَل إِنَّهُ قَال عَنْهُ: إِنَّهُ الْحَقُّ، وَتَبِعَهُ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ النَّهْرِ وَالْبَحْرِ والشُّرنْبُلاَلِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ قَوْل الشَّيْخَيْنِ كَالْعَلاَّمَةِ قَاسِمٍ، وَعَلَيْهِ مَشَتِ الْمُتُونُ

حُكْمُ جُزْءِ الطَّلْقَةِ:

٦٨ - إِذَا قَال الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ، أَوْ رُبُعَ طَلْقَةٍ، أَوْ ثُلُثَ طَلْقَةٍ أَوْ أَقَل مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ، وَقَعَ عَلَيْهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ. (١) لأَِنَّ الطَّلْقَةَ تَحْرِيمٌ، وَهُوَ لاَ يَتَجَزَّأُ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يَحْسُنُ مَعَهُ ذِكْرُ كُل مَذْهَبٍ عَلَى حِدَةٍ: قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَجُزْءُ الطَّلْقَةِ وَلَوْ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ تَطْلِيقَةٌ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ. فَلَوْ زَادَتِ الأَْجْزَاءُ وَقَعَ أُخْرَى، وَهَكَذَا مَا لَمْ يَقُل: نِصْفُ طَلْقَةٍ وَثُلُثُ طَلْقَةٍ وَسُدُسُ طَلْقَةٍ فَيَقَعُ الثَّلاَثُ؛ لأَِنَّ الْمُنَكَّرَ إِذَا أُعِيدَ مُنَكَّرًا كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الأَْوَّل، فَيَتَكَامَل كُل جُزْءٍ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا قَال: نِصْفُ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثُهَا وَسُدُسُهَا، حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةً؛ لأَِنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ عَيْنُ الأَْوَّل. فَإِنْ جَاوَزَ مَجْمُوعُ الأَْجْزَاءِ تَطْلِيقَةً - بِأَنْ قَال: نِصْفُ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثُهَا وَرُبُعُهَا - قِيل: تَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَقِيل ثِنْتَانِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَصَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَلَوْ بِلاَ وَاوٍ بِأَنْ قَال: نِصْفُ طَلْقَةٍ، ثُلُثُ طَلْقَةٍ، سُدُسُ طَلْقَةٍ، فَوَاحِدَةٌ، لِدَلاَلَةِ

_________

(١) المغني ٧ / ٤٢٦ - ٤٢٨، ومغني المحتاج ٣ / ٢٩٨ - ٢٩٩، والدسوقي ٢ / ٣٨٥ - ٣٨٦، والشرح الصغير ١ / ٤٦٠ ط. الحلبي.

حَذْفِ الْعَاطِفِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الأَْجْزَاءَ مِنْ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّ الثَّانِيَ بَدَلٌ مِنَ الأَْوَّل، وَالثَّالِثَ بَدَلٌ مِنَ الثَّانِي.

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا (١)، وَيَقَعُ بِثَلاَثَةِ أَنْصَافِ طَلْقَتَيْنِ ثَلاَثَةٌ؛ لأَِنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ وَاحِدَةٌ فَثَلاَثَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ ثَلاَثُ تَطْلِيقَاتٍ، وَقِيل ثِنْتَانِ، لأَِنَّ التَّطْلِيقَتَيْنِ إِذَا نُصِّفَتَا كَانَتْ أَرْبَعَةَ أَنْصَافٍ فَثَلاَثَةٌ مِنْهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ، فَتَكْمُل تَطْلِيقَتَيْنِ. وَيَقَعُ بِثَلاَثَةِ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَانِ فِي الأَْصَحِّ وَكَذَا فِي نِصْفِ ثَلاَثِ تَطْلِيقَاتٍ لأَِنَّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَيَتَكَامَل النِّصْفُ. وَفِي نِصْفَيْ طَلْقَتَيْنِ يَتَكَامَل كُل نِصْفٍ فَيَحْصُل طَلْقَتَانِ. (٢)

٦٩ - وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ قَال الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَال لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ لَزِمَتْهُ وَاحِدَةٌ لِعَدَمِ إِضَافَةِ الْجُزْءِ لِلَفْظِ طَلْقَةٍ، وَلَوْ قَال لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ وَثُلُثَ وَرُبُعَ طَلْقَةٍ لَزِمَهُ اثْنَتَانِ لِزِيَادَةِ الأَْجْزَاءِ عَلَى وَاحِدَةٍ. وَلَوْ أَضَافَ الْجُزْءَ لِلَفْظِ طَلْقَةٍ، فَقَال لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثُلُثَ طَلْقَةٍ وَرُبُعَ طَلْقَةٍ بِحَرْفِ

_________

(١) الدر المختار، وحاشية ابن عابدين ٣ / ٢٥٩، ٢٦٠.

(٢) ابن عابدين والدر المختار ٣ / ٣٦٠، ٣٦١.

الْعَطْفِ لَزِمَهُ اثْنَتَانِ. وَإِنْ قَال لَهَا: أَنْتِ. طَالِقٌ ثُلُثَ طَلْقَةٍ وَرُبُعَ طَلْقَةٍ وَنِصْفَ طَلْقَةٍ لَزِمَهُ ثَلاَثُ طَلَقَاتٍ؛ لأَِنَّ كُل كَسْرٍ أُضِيفَ لِطَلْقَةٍ أُخِذَ مُمَيَّزُهُ، فَاسْتَقَل بِنَفْسِهِ، أَيْ: حُكِمَ بِكَمَال الطَّلْقَةِ فِيهِ، فَالْجُزْءُ الآْخَرُ الْمَعْطُوفُ يُعَدُّ طَلْقَةً. (١)

٧٠ - وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَال الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ بَعْضَ طَلْقَةٍ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ؛ لأَِنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَتَبَعَّضُ، فَإِيقَاعُ بَعْضِهِ كَإِيقَاعِ كُلِّهِ، وَلَوْ قَال لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ؛ لأَِنَّ نِصْفَيِ الطَّلْقَةِ طَلْقَةٌ، إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ كُل نِصْفٍ مِنْ طَلْقَةٍ، فَتَقَعُ طَلْقَتَانِ عَمَلًا بِقَصْدِهِ، وَالأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ: أَنَّ قَوْل الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ نِصْفُهُمَا، مَا لَمْ يُرِدْ كُل نِصْفٍ مِنْ طَلْقَةٍ فَتَقَعُ طَلْقَتَانِ. وَفِي أَجْزَاءِ الطَّلْقَةِ قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: حَاصِل مَا ذُكِرَ أَنَّهُ إِنْ كَرَّرَ لَفْظَ " طَلْقَةٌ " مَعَ الْعَاطِفِ، وَلَمْ تَزِدِ الأَْجْزَاءُ عَلَى طَلْقَةٍ، كَأَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ، كَانَ كُل جُزْءٍ طَلْقَةً، وَإِنِ اسْقَطَ لَفْظَ طَلْقَةٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ رُبُعَ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ، أَوْ أَسْقَطَ الْعَاطِفَ كَأَنْتِ طَالِقٌ ثُلُثَ طَلْقَةٍ، رُبُعَ

_________

(١) الشرح الصغير ١ / ٤٦٠، والشرح الكبير ٢ / ٣٨٥ - ٣٨٦.

طَلْقَةٍ، كَانَ الْكُل طَلْقَةً، فَإِنْ زَادَتِ الأَْجْزَاءُ كَنِصْفِ وَثُلُثِ وَرُبُعِ طَلْقَةٍ كَمُل الزَّائِدُ مِنْ طَلْقَةٍ أُخْرَى وَوَقَعَ بِهِ طَلْقَةٌ، وَلَوْ قَال: نِصْفُ طَلْقَةٍ وَنِصْفُهَا وَنِصْفُهَا فَثَلاَثٌ، إِلاَّ إِنْ أَرَادَ بِالنِّصْفِ الثَّالِثِ تَأْكِيدَ الثَّانِي فَطَلْقَتَانِ. (١)

٧١ - وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ قَال الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ؛ لأَِنَّ نِصْفَيِ الشَّيْءِ كُلُّهُ، وَإِنْ قَال: ثَلاَثَةُ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ،؛ لأَِنَّ ثَلاَثَةَ أَنْصَافٍ طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ، فَكَمُل النِّصْفُ، فَصَارَا طَلْقَتَيْنِ.

وَإِنْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً، لأَِنَّ نِصْفَ الطَّلْقَتَيْنِ طَلْقَةٌ، وَإِنْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَيْ طَلْقَتَيْنِ وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ، لأَِنَّ نِصْفَيِ الشَّيْءِ جَمِيعُهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ ثَلاَثِ طَلَقَاتٍ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ؛ لأَِنَّ نِصْفَهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ، ثُمَّ يَكْمُل النِّصْفُ فَتَصِيرُ طَلْقَتَيْنِ. وَإِنْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ وَثُلُثَ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ لأَِنَّهَا أَجْزَاءُ الطَّلْقَةِ، وَلَوْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ فَقَال أَصْحَابُنَا: يَقَعُ ثَلاَثٌ، لأَِنَّهُ عَطَفَ جُزْءًا مِنْ طَلْقَةٍ عَلَى

_________

(١) مغني المحتاج ٣ / ٢٨٩ - ٢٩٩.

جُزْءٍ مِنْ طَلْقَةٍ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا طَلَقَاتٌ مُتَغَايِرَةٌ، وَلأَِنَّهَا لَوْ كَانَتِ الثَّانِيَةُ هِيَ الأُْولَى لَجَاءَ بِهَا فَاللاَّمُ التَّعْرِيفِ فَقَال: ثُلُثُ الطَّلْقَةِ وَسُدُسُ الطَّلْقَةِ، فَإِنَّ أَهْل الْعَرَبِيَّةِ قَالُوا: إِذَا ذُكِرَ لَفْظٌ ثُمَّ أُعِيدَ مُنَكَّرًا فَالثَّانِي غَيْرُ الأَْوَّل، وَإِنْ أُعِيدَ مُعَرَّفًا بِالأَْلِفِ وَاللاَّمِ فَالثَّانِي هُوَ الأَْوَّل. وَإِنْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ ثُلُثَ طَلْقَةٍ سُدُسَ طَلْقَةٍ طَلُقَتْ طَلْقَةً؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَعْطِفْ بِوَاوِ الْعَطْفِ، فَيَدُل عَلَى أَنَّ هَذِهِ الأَْجْزَاءَ مِنْ طَلْقَةٍ غَيْرُ مُتَغَايِرَةٍ، وَلأَِنَّهُ يَكُونُ الثَّانِي هَاهُنَا بَدَلًا مِنَ الأَْوَّل، وَالثَّالِثُ مِنَ الثَّانِي، وَالْبَدَل هُوَ الْمُبْدَل أَوْ بَعْضُهُ، فَلَمْ يَقْتَضِ الْمُغَايَرَةَ وَعَلَى هَذَا التَّعْلِيل لَوْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً نِصْفَ طَلْقَةٍ، أَوْ طَلْقَةً طَلْقَةً لَمْ تَطْلُقْ إِلاَّ طَلْقَةً، فَإِنْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفًا وَثُلُثًا وَسُدُسًا لَمْ يَقَعْ إِلاَّ طَلْقَةٌ، لأَِنَّ هَذِهِ أَجْزَاءُ الطَّلْقَةِ، إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ مِنْ كُل طَلْقَةٍ جُزْءًا فَتَطْلُقُ ثَلاَثًا. وَلَوْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفًا وَثُلُثًا وَرُبُعًا طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ؛ لأَِنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الطَّلْقَةِ نِصْفَ سُدُسٍ ثُمَّ يَكْمُل، وَإِنْ أَرَادَ مِنْ كُل طَلْقَةٍ جُزْءًا طَلُقَتْ ثَلاَثًا. (١)

الرَّجْعَةُ فِي الطَّلاَقِ:

٧٢ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا طَلَّقَ

_________

(١) المغني ٧ / ٢٤٣ - ٢٤٤.

زَوْجَتَهُ بَائِنًا لاَ يَعُودُ إِلَيْهَا إِلاَّ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، فِي الْعِدَّةِ أَمْ بَعْدَهَا، مَا دَامَتِ الْبَيْنُونَةُ صُغْرَى وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ بَعْدَ فَسْخِ الزَّوَاجِ. فَإِذَا كَانَتِ الْبَيْنُونَةُ كُبْرَى، فَلاَ يَعُودُ إِلَيْهَا إِلاَّ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ أَيْضًا، وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهِ، وَيَدْخُل بِهَا، ثُمَّ يُفَارِقُهَا وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِل لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ .

(١) كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ رَجْعِيًّا وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ، فَإِنَّ لَهُ الْعَوْدَ إِلَيْهَا بِالْمُرَاجَعَةِ بِدُونِ عَقْدٍ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاَحًا﴾ . (٢) وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الرَّجْعَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِهَا الآْخَرِ. وَلِلتَّفْصِيل اُنْظُرْ مُصْطَلَحَ: (رَجْعَة ج ٢٢) .

(التَّفْرِيقُ لِلشِّقَاقِ:

٧٣ - الشِّقَاقُ هُنَا: هُوَ النِّزَاعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِسَبَبٍ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ بِسَبَبِهِمَا مَعًا، أَوْ بِسَبَبِ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُمَا، فَإِذَا وَقَعَ الشِّقَاقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِمَا

_________

(١) الآية ٢٣٠ من سورة البقرة.

(٢) الآية ٢٢٨ من سورة البقرة.

الإِْصْلاَحُ، فَقَدْ شُرِعَ بَعْثُ حَكَمَيْنِ مِنْ أَهْلِهِمَا لِلْعَمَل عَلَى الإِْصْلاَحِ بَيْنَهُمَا وَإِزَالَةِ أَسْبَابِ النِّزَاعِ وَالشِّقَاقِ، بِالْوَعْظِ وَمَا إِلَيْهِ، قَال تَعَالَى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ (١) وَمُهِمَّةُ الْحَكَمَيْنِ هُنَا الإِْصْلاَحُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِحِكْمَةٍ وَرَوِيَّةٍ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مُهِمَّةِ الْحَكَمَيْنِ، وَفِي شُرُوطِهِمَا، وَذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ التَّالِي:

أ - مُهِمَّةُ الْحَكَمَيْنِ:

٧٤ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مُهِمَّةَ الْحَكَمَيْنِ الإِْصْلاَحُ لاَ غَيْرُ، فَإِذَا نَجَحَا فِيهِ فَبِهَا، وَإِلاَّ تَرَكَا الزَّوْجَيْنِ عَلَى حَالِهِمَا لِيَتَغَلَّبَا عَلَى نِزَاعِهِمَا بِنَفْسَيْهِمَا، إِمَّا بِالْمُصَالَحَةِ، أَوْ بِالصَّبْرِ، أَوْ بِالطَّلاَقِ، أَوْ بِالْمُخَالَعَةِ، وَلَيْسَ لِلْحَكَمَيْنِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إِلاَّ أَنْ يُفَوِّضَ الزَّوْجَانِ إِلَيْهِمَا ذَلِكَ، فَإِنْ فَوَّضَاهُمَا بِالتَّفْرِيقِ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنِ التَّوْفِيقِ، كَانَا وَكِيلَيْنِ عَنْهُمَا فِي ذَلِكَ، وَجَازَ لَهُمَا التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ. (٢)

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ وَاجِبَ الْحَكَمَيْنِ الإِْصْلاَحُ أَوَّلًا، فَإِنْ عَجَزَا عَنْهُ لِتَحَكُّمِ

_________

(١) لآية ٣٥ من سورة النساء.

(٢) تفسير روح المعاني ٥ / ٢٧.

الشِّقَاقِ كَانَ لَهُمَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ دُونَ تَوْكِيلٍ، وَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي إِمْضَاءُ حُكْمِهِمَا بِهَذَا التَّفْرِيقِ إِذَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ ذَلِكَ اجْتِهَادَهُ.

وَإِنْ طَلَّقَا، وَاخْتَلَفَ الْحَكَمَانِ فِي الْمَال، بِأَنْ قَال أَحَدُهُمَا: الطَّلاَقُ بِعِوَضٍ، وَقَال الآْخَرُ: بِلاَ عِوَضٍ، فَإِنْ لَمْ تَلْتَزِمْهُ الْمَرْأَةُ فَلاَ طَلاَقَ يَلْزَمُ الزَّوْجَ، وَيَعُودُ الْحَال كَمَا كَانَ، وَإِنِ الْتَزَمَتْهُ وَقَعَ وَبَانَتْ مِنْهُ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ بِأَنْ قَال أَحَدُهُمَا: طَلَّقْنَا بِعَشْرَةٍ، وَقَال الآْخَرُ: بِثَمَانِيَةٍ، فَيُوجِبُ ذَلِكَ الاِخْتِلاَفُ لِلزَّوْجِ خُلْعَ الْمِثْل وَكَذَلِكَ لَوِ اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ، أَوْ جِنْسِهِ.

(١) وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنِ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بَعَثَ الْقَاضِي حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، وَهُمَا وَكِيلاَنِ لَهُمَا فِي الأَْظْهَرِ، وَفِي قَوْلٍ: هُمَا حَاكِمَانِ مُوَلَّيَانِ مِنَ الْحَاكِمِ، فَعَلَى

الأَْوَّل: يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا بِبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ، فَيُوَكِّل الزَّوْجُ حَكَمَهُ بِطَلاَقٍ وَقَبُول عِوَضِ خُلْعٍ، وَتُوَكِّل الزَّوْجَةُ حَكَمَهَا بِبَذْل عِوَضٍ وَقَبُول طَلاَقٍ، وَيُفَرِّقُ الْحَكَمَانِ بَيْنَهُمَا إِنْ رَأَيَاهُ صَوَابًا، وَإِنِ اخْتَلَفَ رَأْيُهُمَا بَعَثَ الْقَاضِي اثْنَيْنِ غَيْرَهُمَا، حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى شَيْءٍ، وَعَلَى

الْقَوْل الثَّانِي: لاَ يُشْتَرَطُ رِضَا الزَّوْجَيْنِ بِبَعْثِهِمَا

_________

(١) الدسوقي ٢ / ٣٤٦ - ٣٤٧.