الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٧ الصفحة 8

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٧

عَدَّ التَّوَلِّيَ يَوْمَ الزَّحْفِ مِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ (١) .

وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَزِيدَ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَلَى مِثْلَيِ الْمُسْلِمِينَ؛ بِأَنْ كَانُوا مِثْلَهُمْ أَوْ أَقَل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ (٢)، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَنْضَمُّ إِلَيْهِمْ مُحَارِبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ (٣) فَإِنْ زَادَ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَنْ مِثْلَيِ الْمُسْلِمِينَ جَازَ الاِنْصِرَافُ عَنِ الصَّفِّ (٤) .

الصَّفُّ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ:

٨ - قَال الْفُقَهَاءُ: يُسْتَحَبُّ تَسْوِيَةُ الصَّفِّ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا (٥) .

_________

(١) حديث التولي يوم الزحف. أخرجه البخاري. فتح الباري ١٢ / ١٨١ ط. السلفية) ومسلم (١ / ٩٢ ط. عيسي الحلبي) من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعا.

(٢) سورة الأنفال / ٦٦.

(٣) سورة الأنفال / ١٦.

(٤) ابن عابدين ٣ / ٢٢١ جواهر الإكليل ١ / ٢٥٤، مغني المحتاج ٣ / ٢٢٤، كشاف القناع ٦ / ٣٧.

(٥) حديث: " أن النبي ﷺ نعى النجاشي " أخرجه البخاري. فتح الباري ٣ / ١١٦ ط. السلفية) ومسلم. ٢ / ٦٥٦ ط. عيسي الحلبي ٩ من حديث أبي هريرة ﵁.

وَوَرَدَ أَنَّ أَبَا بَكَّارٍ الْحَكَمَ بْنَ فَرُّوخَ قَال: صَلَّى بِنَا أَبُو الْمَلِيحِ عَلَى جِنَازَةٍ فَظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ كَبَّرَ فَأَقْبَل عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَال: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَلْتَحْسُنْ شَفَاعَتُكُمْ (١) .

كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ تَنْقُصَ الصُّفُوفُ عَنْ ثَلاَثَةٍ لِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ صُفُوفٍ فَقَدْ أَوْجَبَ (٢) وَقَوْلِهِ ﷺ: مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلاَّ شُفِّعُوا فِيهِ (٣) .

فَإِنْ كَانَ وَرَاءَ الإِْمَامِ أَرْبَعَةٌ جَعَلَهُمْ صَفَّيْنِ فِي كُل صَفٍّ رَجُلَيْنِ، وَإِذَا كَانُوا سَبْعَةً أَقَامُوا ثَلاَثَةَ صُفُوفٍ يَتَقَدَّمُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِمَامًا وَثَلاَثَةٌ بَعْدَهُ وَاثْنَانِ بَعْدَهُمْ وَوَاحِدٌ بَعْدَهُمَا؛ لِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَكَانُوا سَبْعَةً فَجَعَل الصَّفَّ الأَْوَّل ثَلاَثَةً وَالثَّانِيَ اثْنَيْنِ وَالثَّالِثَ وَاحِدًا (٤) . إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ كَرِهَ

_________

(١) أثر أبي بكار الحكم بن فروح. أخرجه النسائي (سنن النسائي ٤ / ٧٦ رقم ١٩٩٩٣ نشر المكتبة الإسلامية بحلب) .

(٢) حديث: " من صلى عليه ثلاث صفوف فقد أوجب " أخرجه الترمذي (سنن الترمذي ٣ / ٤٣٧ ط. دار الكتب العلمية) من حديث مالك بن هبيرة مرفوعا وقال: حديث مالك بن هبيرة حديث حسن.

(٣) حديث: " ما من ميت يصلي عليه أمة. . . ". أخرجه مسلم (٢ / ٦٥٤ ط. عيسي الحلبي) من حديث عائشة ﵂ مرفوعا.

(٤) حديث: " أن النبي ﷺ صلى على جنازة فكانوا سبعة " لم نعثر عليه فيما لدينا من مراجع السنن والآثار، أورده ابن قدامة في المغني، وعزاه إلى كتاب ابن عقيل نقلا عن عطاء بن أبي رباح وقال: لا أحسب هذا الحديث صحيحا. . المغني ٢ / ٤٩٣ ط. الرياض)

أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ صَفًّا، كَمَا كَرِهُوا إِذَا كَانُوا ثَلاَثَةً أَنْ يُجْعَلُوا ثَلاَثَةَ صُفُوفٍ بِحَيْثُ يَكُونُ كُل صَفٍّ رَجُلًا وَاحِدًا (١) .

أَمَّا مَسْأَلَةُ صَفِّ الْمَوْتَى إِذَا اجْتَمَعُوا فَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (جَنَائِزُ) .

_________

(١) الفتاوى الهندية ١ / ١٦٤، ومغني المحتاج ١ / ٣٦١، وكشاف القناع ١ / ١١١، والمغني لابن قدامة ٢ / ٤٩٢، ٤٩٣

صِفَةٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الصِّفَةُ لُغَةً: الْحِلْيَةُ، قَال اللَّيْثُ: الْوَصْفُ: وَصْفُكَ الشَّيْءَ بِحِلْيَتِهِ وَنَعْتِهِ، وَاتَّصَفَ الشَّيْءُ: أَمْكَنَ وَصْفُهُ (١) . وَالصِّفَةُ فِي اصْطِلاَحِ أَهْل النَّحْوِ: هِيَ الاِسْمُ الدَّال عَلَى بَعْضِ أَحْوَال الذَّاتِ، وَذَلِكَ نَحْوُ: طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ وَعَاقِلٌ وَأَحْمَقُ وَغَيْرُهَا، وَهِيَ الأَْمَارَةُ اللاَّزِمَةُ لِذَاتِ الْمَوْصُوفِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهَا (٢) .

وَالصِّفَةُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: أَنْ يَنْضَبِطَ الْمَوْصُوفُ عَلَى وَجْهٍ فَلاَ يَبْقَى بَعْدَ الْوَصْفِ إِلاَّ تَفَاوُتٌ يَسِيرٌ (٣) .

وَالصِّفَةُ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ: تَقْيِيدُ لَفْظٍ مُشْتَرَكِ الْمَعْنَى بِلَفْظٍ آخَرَ مُخْتَصٍّ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلاَ غَايَةٍ، وَلاَ يُرِيدُونَ بِهَا النَّعْتَ فَقَطْ كَالنُّحَاةِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ تَمْثِيلُهُمْ بِمَطْل الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، مَعَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ إِنَّمَا هُوَ بِالإِْضَافَةِ - فَقَطْ - وَقَدْ جَعَلُوهُ صِفَةً (٤)

_________

(١) لسان العرب مادة (وصف)

(٢) التعريفات ص ١٧٥ (ط دار الكتاب العربي) .

(٣) بدائع الصنائع ٥ / ٢٠٨، فتح القدير ١ / ١٩٢ ط. بولاق.

(٤) البحر المحيط للزركشي ٤ / ٣٠. ط الأولي، وزارة الأوقاف الكويتية) .

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:

٢ - تَدْخُل الصِّفَةُ فِي شُرُوطِ بَيْعِ السَّلَمِ، وَفِي الْبَيْعِ عَلَى الصِّفَةِ، فَيَثْبُتُ بِتَخَلُّفِهَا خِيَارُ فَوَاتِ الْوَصْفِ. وَمَنَاطُ الصِّفَةِ فِي الْفِقْهِ، أَنْ تَكُونَ مُنْضَبِطَةً عَلَى وَجْهٍ لاَ يَبْقَى بَعْدَ الْوَصْفِ إِلاَّ تَفَاوُتٌ يَسِيرٌ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يُمْكِنُ وَيَبْقَى بَعْدَ الْوَصْفِ تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ فَلاَ يَجُوزُ الْعَمَل فِيهِ، بِسَبَبِ بَقَاءِ الْعَيْنِ مَجْهُولَةَ الْقَدْرِ جَهَالَةً فَاحِشَةً مُفْضِيَةً إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَعَدَمُهَا مَطْلُوبٌ شَرْعًا (١)، وَلَيْسَ لِلصِّفَةِ مُقَابِلٌ فِي الثَّمَنِ؛ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فِي الْعَقْدِ تَدْخُل مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي الرَّدِّ أَوِ الأَْخْذِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ.

وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (سَلَمٌ) (وَرِبًا) .

وَرَاجِعْ مُصْطَلَحَ (خِيَارُ فَوَاتِ الصِّفَةِ ٢٠ ١٥٩، وَأَيْضًا ف ١٠ ص ١٦٢) .

٣ - وَفِي أُصُول الْفِقْهِ: يَدْخُل مَفْهُومُ الصِّفَةِ: وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى الذَّاتِ بِأَحَدِ الأَْوْصَافِ فِي نَحْوِ: فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ، وَكَتَعْلِيقِ نَفَقَةِ الْبَيْنُونَةِ عَلَى الْحَمْل، وَشَرْطِ ثَمَرَةِ النَّخْل لِلْبَائِعِ إِذَا كَانَتْ مُؤَبَّرَةً (٢) .

_________

(١) بدائع الصنائع ٥ / ٢٠٨، الخرشي ٥ / ٢١٢، المهذب ١ / ٣٠٤، كشاف القناع ٣ / ٣٧٦.

(٢) البحر المحيط ٤ / ٣٠ (ط. وزارة الأوقاف الكويتية) .

صَفْقَةٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الصَّفْقَةُ: الْمَرَّةُ مِنَ الصَّفْقِ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ: الضَّرْبُ الَّذِي يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ (١) .

وَفِي الْحَدِيثِ: التَّسْبِيحُ لِلرِّجَال، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ (٢) .

وَتُطْلَقُ الصَّفْقَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ، يُقَال: صَفَّقَ يَدَهُ بِالْبَيْعَةِ وَالْبَيْعِ:

وَعَلَى يَدِهِ صَفْقًا إِذَا ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى يَدِ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ، وَيُقَال: تَصَافَقَ الْقَوْمُ إِذَا تَبَايَعُوا. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁: الصَّفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ رِبًا (٣) . أَيْ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ (٤)

_________

(١) لسان العرب

(٢) حديث: " التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء " أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٧٧ - ط. السلفية) ومسلم (١ / ٣١٨ - ط. الحلبي) من حديث أبي هريرة.

(٣) حديث أبن مسعود: " صفقتان في صفقة ربا ". أخرجه العقيلي في الضعفاء. ٣ / ٢٨٨ - ط. دار الكتب العلمية) مرفوعا وموقوفا، ورجح الموقوف.

(٤) حاشية الجمل ٣ / ٩٤، ومطالب أولي النهى ٣ / ٤٥، والتعريفات ص ١٣٣.

الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالصَّفْقَةِ:

٢ - الْجَمْعُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فِي صَفْقَةٍ ضَرْبَانِ:

(١) أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ

(٢) أَنْ يَجْمَعَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيِ الْحُكْمِ.

فَالأَْوَّل: إِنْ جَمَعَ فِي الصَّفْقَةِ بَيْنَ مَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ هُوَ جَمْعٌ، كَأَنْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ أَوْ خَمْسِ نِسْوَةٍ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ بَطَل الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ؛ لِتَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الأُْخْتَيْنِ، وَبَيْنَ الْخَمْسِ، فَالإِْبْطَال فِي وَاحِدَةٍ، وَالتَّصْحِيحُ فِي غَيْرِهَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَإِنْ جَمَعَ فِي الصَّفْقَةِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ: كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَابِلٌ لِلْعَقْدِ، بِأَنْ يَجْمَعَ عَيْنَيْنِ لَهُ قَابِلَتَيْنِ لِلْبَيْعِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ صَحَّ الْعَقْدُ فِيهِمَا، ثُمَّ إِنْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ: كَشَاةٍ وَثَوْبٍ، أَوْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ لَكِنَّهُمَا مُخْتَلِفَا الْقِيمَةِ وَزَّعَ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ. وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ: كَشَاتَيْنِ مُتَّفِقَتَيِ الْقِيمَةِ وَزَّعَ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الأَْجْزَاءِ.

وَإِنْ جَمَعَ فِي الصَّفْقَةِ شَيْئَيْنِ غَيْرَ قَابِلَيْنِ لِلْعَقْدِ: كَخَمْرٍ، وَمَيْتَةٍ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ، وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ (١) .

_________

(١) روضة الطالبين ٣ / ٤٢٠، أسنى المطالب ٢ / ٤٢، ابن عابدين ٤ / ١٠٣، كشاف القناع ٣ / ١٥٧، الشرح الصغير ٣ / ٢٢ - ٢٣.

اشْتِمَال الصَّفْقَةِ عَلَى مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لاَ يَجُوزُ:

٣ - إِذَا اشْتَمَلَتِ الصَّفْقَةُ عَلَى مَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، وَمَا لاَ يَجُوزُ، فَإِنْ كَانَ لِمَا لاَ يَجُوزُ فِيهِ الْعَقْدُ قِيمَةٌ، كَأَنْ يَبِيعَ دَارَهُ وَدَارَ غَيْرِهِ صَحَّ الْعَقْدُ فِي دَارِهِ بِالْقِسْطِ مِنَ الْمُسَمَّى، إِذَا وَزَّعَ عَلَى قِيمَتَيْهِمَا، وَبَطَل فِي دَارِ غَيْرِهِ إِعْطَاءً لِكُل مِنْهُمَا حُكْمُهُ؛ وَلأَِنَّ الصَّفْقَةَ اشْتَمَلَتْ عَلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ، فَالْعَدْل التَّصْحِيحُ فِي الصَّحِيحِ، وَقَصْرُ الْفَسَادِ عَلَى الْفَاسِدِ، وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ بُطْلاَنُ الصَّفْقَةِ كُلِّهَا (١) .

أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ، بِأَنِ اشْتَمَلَتْ عَلَى خَلٍّ وَخَمْرٍ، أَوْ مَيْتَةٍ وَمُذَكَّاةٍ، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَبْطُل فِيهِمَا إِنْ لَمْ يُسَمِّ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا بِاتِّفَاقِ أَئِمَّتِهِمْ.

أَمَّا إِذَا سَمَّى لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُل فِيهِمَا؛ لأَِنَّ الْمَيْتَةَ وَالْخَمْرَ لَيْسَا بِمَالٍ، وَالْبَيْعُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَكَانَ الْقَبُول فِي الْمَيْتَةِ، وَالْخَمْرِ كَالْمَشْرُوطِ لِلْبَيْعِ فِيهِمَا، وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ.

_________

(١) أسنى المطالب ٢ / ٤٢، فتح القدير، ٦ / ٨٩، مطالب أولي النهى ٣ / ٤٥. القوانين الفقهية ١٧٢.

وَقَال الصَّاحِبَانِ: يَصِحُّ الْعَقْدُ إِنْ سُمِّيَ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِسْطٌ مِنَ الثَّمَنِ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: تُفَرَّقُ الصَّفْقَةُ فِيهِمَا فَيَصِحُّ فِي الْحَلاَل وَيَبْطُل فِي الْحَرَامِ.

وَالتَّفْصِيل فِي (تَفْرِيقٌ، وَبَيْعٌ) .

وَإِنِ اشْتَمَلَتِ الصَّفْقَةُ عَلَى عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيِ الْحُكْمِ: كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، أَوْ بَيْعٍ وَسَلَمٍ، أَوْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ، صَحَّ كُلٌّ مِنْهُمَا؛ لِصِحَّتِهِ مُنْفَرِدًا فَلاَ يَضُرُّ الْجَمْعُ، وَلاَ أَثَرَ لاِخْتِلاَفِ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ، كَمَا لاَ أَثَرَ لَهُ فِي بَيْعِ مَشْفُوعٍ، وَغَيْرِ مَشْفُوعٍ.

وَصُورَةُ الإِْجَارَةِ، وَالْبَيْعِ أَنْ يَقُول: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ، وَآجَرْتُكَ دَارِي سَنَةً بِكَذَا. وَصُورَةُ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ، أَنْ يَقُول: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي، وَبِعْتُكَ دَارَهَا، وَهِيَ فِي حِجْرِهِ؛ أَوْ رَشِيدَةٌ وَكَّلَتْهُ فِي بَيْعِ دَارِهَا فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَالْبَيْعُ، وَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ، وَمَهْرِ الْمِثْل (١) .

وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (تَفْرِيقٌ، وَنِكَاحٌ، وَصَدَاقٌ) .

_________

(١) المراجع السابقة

صَفِيٌّ

التَّعْرِيفُ:

١ - الصَّفِيُّ: مِنَ الصَّفْوِ، وَالصَّفَاءُ نَقِيضُ الْكَدَرِ،

وَهُوَ الْخَالِصُ مِنْ كُل شَيْءٍ، وَاسْتَصْفَى الشَّيْءَ وَاصْطَفَاهُ: اخْتَارَهُ.

قَال أَبُو عُبَيْدَة: الصَّفِيُّ مِنَ الْغَنِيمَةِ: مَا اخْتَارَهُ الرَّئِيسُ مِنَ الْمَغْنَمِ وَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ قَبْل الْقِسْمَةِ: مِنْ فَرَسٍ، أَوْ سَيْفٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ الصَّفِيَّةُ - أَيْضًا - وَجَمْعُهُ صَفَايَا (١) . وَمِنْهُ قَوْل عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَنَمَةَ يُخَاطِبُ بِسْطَامٍ بْنَ قَيْسٍ:

لَكَ الْمِرْبَاعُ فِيهَا وَالصَّفَايَا

وَحُكْمُكَ وَالنَّشِيطَةُ وَالْفُضُول

وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ ﵂ كَانَتْ صَفِيَّةُ مِنَ الصَّفِيِّ تَعْنِي صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ كَانَتْ مِنْ غَنِيمَةِ خَيْبَرَ (٢) .

_________

(١) لسان العرب، المصباح المنير - مادة (صفا) .

(٢) حديث عائشة: " كانت صفية من الصّفيّ " أخرجه أبو داود (٣ / ٣٩٨ - ط عزت عبيد دعاس) والحاكم (٢ / ١٢٨ - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.