الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٧
٣٨ - وَإِنْ بَلَغَ الصَّغِيرُ غَيْرَ رَشِيدٍ فَلاَ تُسَلَّمُ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ بَل يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ السَّفَهِ بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَل اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ (١) .
إِلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَال: يَسْتَمِرُّ الْحَجْرُ عَلَى الْبَالِغِ غَيْرِ الرَّشِيدِ إِلَى بُلُوغِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ يُسَلَّمُ إِلَيْهِ مَالُهُ وَلَوْ لَمْ يَرْشُدْ؛ لأَِنَّ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ بَعْدَ هَذِهِ السِّنِّ إِهْدَارًا لِكَرَامَتِهِ الإِْنْسَانِيَّةِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيمِ إِلاَّ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ (٢) وَتَمَامُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُعْرَفُ فِي مُصْطَلَحِ: (حَجْرٌ، وَرُشْدٌ) .
ب - الإِْذْنُ لِلصَّغِيرِ بِالتِّجَارَةِ:
٣٩ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اخْتِبَارِ الْمُمَيِّزِ فِي التَّصَرُّفَاتِ؛ لِمَعْرِفَةِ رُشْدِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿
وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ أَيِ اخْتَبِرُوهُمْ، وَاخْتِبَارُهُ بِتَفْوِيضِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يَتَصَرَّفُ فِيهَا أَمْثَالُهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلاَدِ التُّجَّارِ اخْتُبِرَ بِالْمُمَاكَسَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلاَدِ الزُّرَّاعِ اخْتُبِرَ بِالزِّرَاعَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلاَدِ أَصْحَابِ الْحِرَفِ اخْتُبِرَ بِالْحِرْفَةِ، وَالْمَرْأَةُ تُخْتَبَرُ فِي شُؤُونِ الْبَيْتِ مِنْ غَزْلٍ وَطَهْيِ
_________
(١) سورة النساء آية ٥.
(٢) سورة الأنعام آية ١٥٢.
طَعَامٍ وَصِيَانَتِهِ وَشِرَاءِ لَوَازِمِ الْبَيْتِ وَنَحْوِهَا.
وَاخْتَلَفُوا فِي إِذْنِ الْوَلِيِّ لِلصَّغِيرِ بِالتِّجَارَةِ وَفِي أَثَرِ الإِْذْنِ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ - فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ - وَالْحَنَابِلَةُ - فِي الرِّوَايَةِ الرَّاجِحَةِ - يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْمَال الإِْذْنُ لِلصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ إِذَا أَنِسَ مِنْهُ الْخِبْرَةَ لِتَدْرِيبِهِ عَلَى طُرُقِ الْمَكَاسِبِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ أَيِ اخْتَبِرُوهُمْ لِتَعْلَمُوا رُشْدَهُمْ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الاِخْتِبَارُ بِتَفْوِيضِ التَّصَرُّفِ إِلَيْهِمْ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ وَلأَِنَّ الْمُمَيِّزَ عَاقِلٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَيَرْتَفِعُ حَجْرُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِهَذَا الإِْذْنِ فَلَوْ تَصَرَّفَ بِلاَ إِذْنٍ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُمْ - وَلَمْ يَنْفُذْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالرِّوَايَةُ الأُْخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَالإِْذْنُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا، مِثْل: أَذِنْتُ لَكَ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ دَلاَلَةً كَمَا لَوْ رَآهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ؛ لأَِنَّ سُكُوتَهُ دَلِيل الرِّضَا، وَلَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ سُكُوتُهُ لأَدَّى إِلَى الإِْضْرَارِ بِمَنْ يُعَامِلُونَهُ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ - مِنَ الْحَنَفِيَّةِ -: لاَ يَثْبُتُ الإِْذْنُ بِالدَّلاَلَةِ؛ لأَِنَّ سُكُوتَهُ مُحْتَمِلٌ لِلرِّضَا وَلِعَدَمِ الرِّضَا.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ الإِْذْنُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ وَإِنَّمَا يُسَلَّمُ إِلَيْهِ الْمَال وَيُمْتَحَنُ فِي
الْمُمَاكَسَةِ، فَإِذَا أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ عَنْهُ؛ لأَِنَّ تَصَرُّفَاتِهِ وَعُقُودَهُ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ تَوَافُرِ الْعَقْل الْكَافِي لِتَقْدِيرِ الْمَصْلَحَةِ فِي مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفِ، فَلاَ يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْعُقَلاَءِ قَبْل وُجُودِ مَظِنَّةِ كَمَال الْعَقْل (١) .
الْوَصِيَّةُ مِنَ الصَّغِيرِ:
٤٠ - اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: - فِي أَرْجَحِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُمْ - عَلَى اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ، فَلاَ تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ؛ وَلَوْ كَانَ مُمَيِّزًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ ضَرَرًا مَحْضًا، إِذْ هِيَ تَبَرُّعٌ، كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَعْمَال التِّجَارَةِ.
وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ وَصِيَّةَ الْمُمَيِّزِ وَهُوَ مَنْ أَتَمَّ السَّابِعَةَ إِذَا كَانَتْ لِتَجْهِيزِهِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ؛ لأَِنَّ عُمَرَ ﵁ أَجَازَ وَصِيَّةَ صَبِيٍّ مِنْ غَسَّانَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ أَوْصَى لأَِخْوَالِهِ؛ وَلأَِنَّهُ لاَ ضَرَرَ عَلَى الصَّبِيِّ فِي جَوَازِ وَصِيَّتِهِ؛ لأَِنَّ الْمَال سَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ وَصِيَّتِهِ.
وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَصِيَّةَ الْمُمَيِّزِ؛
_________
(١) مغني المحتاج ٢ / ١٧٠، الدر المختار ٥ / ١٠٨، ١١١، تبيين الحقائق ٥ / ٢٠٣ وما بعدها، البدائع ٧ / ١٩٤ وما بعدها، الشرح الكبير ٣ / ٢٩٤، ٣٠٣ وما بعدها، الشرح الصغير ٣ / ٣٨٤، المغني ٤ / ٤٦٨ كشاف القناع ٣ / ٤٤٥.
وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ فَأَقَل مِمَّا يُقَارِبُهَا، دُونَ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، إِذَا عَقَل الْمُمَيِّزُ الْقُرْبَةَ؛ لأَِنَّهَا تَصَرُّفٌ يُحَقِّقُ نَفْعًا لَهُ فِي الآْخِرَةِ بِالثَّوَابِ، فَصَحَّ مِنْهُ كَالإِْسْلاَمِ وَالصَّلاَةِ (١) .
قَبُول الصَّغِيرِ لِلْوَصِيَّةِ:
٤١ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ إِنْ كَانَ صَغِيرًا غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْقَبُول أَوِ الرَّدِّ؛ لأَِنَّ عِبَارَتَهُ مُلْغَاةٌ، وَإِنَّمَا يَقْبَل عَنْهُ وَلِيُّهُ أَوْ يَرُدُّ عَنْهُ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نَاقِصِ الأَْهْلِيَّةِ - وَهُوَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ - فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَهُ الْقَبُول؛ لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ نَفْعٌ مَحْضٌ لَهُ كَالْهِبَةِ وَالاِسْتِحْقَاقِ فِي الْوَقْفِ، وَلَيْسَ لَهُ وَلاَ لِوَلِيِّهِ الرَّدُّ؛ لأَِنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ فَلاَ يَمْلِكُونَهُ.
وَقَال الْجُمْهُورُ: أَمْرُ الْقَبُول وَالرَّدِّ عَنْ نَاقِصِ الأَْهْلِيَّةِ لِوَلِيِّهِ يَفْعَل مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ.
تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ:
٤٢ - لِلصَّغِيرِ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى الزَّوَاجُ قَبْل الْبُلُوغِ، وَلَكِنْ لاَ يُبَاشِرُ عَقْدَ الزَّوَاجِ بِنَفْسِهِ، بَل يَقُومُ وَلِيُّهُ بِمُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ وَتَزْوِيجِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُزَوَّجُ ذَكَرًا يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ
_________
(١) البدائع ٧ / ٣٣٤ وما بعدها، تبيين الحقائق ٦ / ١٨٥، القوانين الفقهية ص ٤٠٥، شرح الرسالة ٢ / ١٦٩، مغني المحتاج ٣ / ٣٩، كشاف القناع ٤ / ٣٧١ وما بعدها، وبداية المجتهد ٢ / ٣٢٨.
تَزْوِيجُهُ بِمَهْرِ الْمِثْل، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى زُوِّجَتْ مِنْ إِنْسَانٍ صَالِحٍ يُحَافِظُ عَلَيْهَا وَيُدَبِّرُ شُؤُونَهَا (١) .
انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (نِكَاح):
طَلاَقُ الصَّغِيرِ:
٤٣ - الطَّلاَقُ رَفْعُ قَيْدِ الزَّوَاجِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْتِزَامَاتٌ مَالِيَّةٌ، فَلِذَلِكَ لاَ يَصِحُّ طَلاَقُ الصَّبِيِّ مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، وَأَجَازَ الْحَنَابِلَةُ طَلاَقَ مُمَيِّزٍ يَعْقِل الطَّلاَقَ وَلَوْ كَانَ دُونَ عَشْرِ سِنِينَ، بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ زَوْجَتَهُ تَبِينُ مِنْهُ وَتُحَرَّمُ عَلَيْهِ إِذَا طَلَّقَهَا، وَيَصِحُّ تَوْكِيل الْمُمَيِّزِ فِي الطَّلاَقِ وَتَوَكُّلُهُ فِيهِ؛ لأَِنَّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ مُبَاشَرَةُ شَيْءٍ، صَحَّ أَنْ يُوَكَّل وَأَنْ يَتَوَكَّل فِيهِ، وَلاَ يَصِحُّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنْ يُطَلِّقَ الْوَلِيُّ عَلَى الصَّبِيِّ بِلاَ عِوَضٍ لأَِنَّ الطَّلاَقَ ضَرَرٌ (٢) .
عِدَّةُ الصَّغِيرَةِ مِنْ طَلاَقٍ أَوْ وَفَاةٍ:
٤٤ - الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُل امْرَأَةٍ فَارَقَهَا زَوْجُهَا بِطَلاَقٍ أَوْ وَفَاةٍ، كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً، وَلَمَّا كَانَ زَوَاجُ الصَّغِيرَةِ جَائِزًا صَحَّ إِيقَاعُ الطَّلاَقِ عَلَيْهَا، فَإِذَا طَلُقَتِ الصَّغِيرَةُ فَإِنَّ الْعِدَّةَ تَلْزَمُهَا، وَتَعْتَدُّ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ إِنْ كَانَتِ الْعِدَّةُ
_________
(١) البدائع ٢ / ٢٣٢، الشرح الصغير ٢ / ٢٩٦، مغني المحتاج ٣ / ١٦٩، كشاف القناع ٥ / ٤٣، ٤٤.
(٢) فتح القدير ٣ / ٢١، ٣٨ - ٤٠، الشرح الكبير ٢ / ٣٦٥، بداية المجتهد ٢ / ٨١، ٨٣، المهذب ٢ / ٧٧، كشاف القناع ٥ / ٢٦٢، ٢٦٥.
مِنْ طَلاَقٍ. وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ سَأَلُوا النَّبِيَّ ﷺ عَنْ عِدَّةِ الصَّغِيرَاتِ فَنَزَل قَوْله تَعَالَى: ﴿وَاَللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ (١) .
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاَللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّغِيرَاتِ فَتَكُونُ عِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. وَإِنْ كَانَتِ الْعِدَّةُ مِنْ وَفَاةٍ: تَكُونُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: ﴿وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ (٢) .
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَزْوَاجًا﴾ لَفْظٌ عَامٌّ يَشْمَل الْكَبِيرَاتِ وَالصَّغِيرَاتِ، فَتَكُونُ عِدَّةُ الصَّغِيرَاتِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَلِلصَّغِيرَةِ فِي الْعِدَّةِ حَقُّ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى عَلَى زَوْجِهَا الْمُطَلِّقِ (٣) عَلَى تَفْصِيلٍ فِي الْمَذَاهِبِ يُعْرَفُ فِي مُصْطَلَحِ: (عِدَّةٌ) .
_________
(١) سورة الطلاق آية ٤، وسؤال النبي ﷺ عن نزول آية: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم) . أخرجه الحكام (٢ / ٤٩٣ - ٤٩٣ - ط. دائرة المعارف العثمانية) من حديث أبي بن كعب. وصححه، ووافقه الذهبي.
(٢) سورة البقرة آية ٢٣٤.
(٣) فتح القدير ٤ / ١٣٩، المغني ٩ / ٩٠، ٩١ مغني المحتاج ٣ / ٣٨٦، ٣٨٧، حاشية الدسوقي ٢ / ٤٢٢، أحكام القرآن للجصاص ٣ / ٤٥٦ وما بعدها، أحكام القرآن لابن العربي ٤ / ١٨٣٦، ١٨٣٨.
قَضَاءُ الصَّغِيرِ:
٤٥ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ تَوْلِيَةِ الصَّغِيرِ الْقَضَاءَ، وَبِالتَّالِي لاَ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ (١) . انْظُرْ: (قَضَاء) .
شَهَادَةُ الصَّغِيرِ:
٤٦ - يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَاقِلًا بَالِغًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، فَلاَ تُقْبَل شَهَادَةُ الطِّفْل؛ لأَِنَّهُ لاَ تَحْصُل الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ، وَلاَ تُقْبَل شَهَادَةُ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْبَالِغِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ (٢) . وَقَوْلِهِ: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ (٣) وَقَوْلِهِ: ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ (٤) وَالصَّغِيرُ مِمَّنْ لاَ تُرْضَى شَهَادَتُهُ؛ وَلأَِنَّ الصَّغِيرَ لاَ يَأْثَمُ بِكِتْمَانِ الشَّهَادَةِ، فَدَل عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَاهِدٍ.
وَأَمَّا شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَتَجُوزُ عِنْدَ الإِْمَامِ مَالِكٍ فِي الْجِرَاحِ، وَفِي الْقَتْل؛ خِلاَفًا لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (٥) .
_________
(١) البدائع ٧ / ٣، الدسوقي ٤ / ١٢٩، مغني المحتاج ٤ / ٣٧٥، المغني ٩ / ٣٩.
(٢) سورة البقرة آية ٢٨٢
(٣) سورة الطلاق ٢
(٤) سورة البقرة آية ٢٨٢
(٥) بداية المجتهد ٢ / ٤٥١، ٤٥٢، البدائع ٦ / ٢٦٧، المغني ٩ / ١٩٤، مغني المحتاج ٤ / ٤٢٧.
أَحْكَامُ الصَّغِيرِ فِي الْعُقُوبَاتِ:
٤٧ - لَقَدْ قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ مَرَاحِل الصِّغَرِ إِلَى قِسْمَيْنِ رَئِيسِيَّيْنِ:
الأَْوَّل: الصَّغِيرُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ وَهَذَا لاَ تُطَبَّقُ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ مِنَ الْعُقُوبَاتِ الْبَدَنِيَّةِ أَصْلًا؛ لاِنْعِدَامِ مَسْئُولِيَّتِهِ.
الثَّانِي: الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ لاَ تُطَبَّقُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ، وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ عَلَى مَا ارْتَكَبَ بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ صِغَرِ سِنِّهِ؛ بِالتَّوْبِيخِ وَالضَّرْبِ غَيْرِ الْمُتْلِفِ أَمَّا إِذَا ارْتَكَبَ الصَّغِيرُ فِعْلًا مِنْ شَأْنِهِ إِتْلاَفُ مَال الْغَيْرِ، وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ مَالِهِ، وَكَذَا لَوْ قَتَل إِنْسَانًا خَطَأً وَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، هَذَا هُوَ الْمَبْدَأُ الْعَامُّ الَّذِي يُحَدِّدُ عَلاَقَةَ الصِّغَارِ بِالْعُقُوبَاتِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (جِنَايَةٌ - دِيَةٌ - قِصَاصٌ) .
حَقُّ الصَّغِيرِ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ:
٤٨ - حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ يَثْبُتُ لأَِوْلِيَاءِ الْمَقْتُول (وَرَثَتِهِ) وَالأَْوْلِيَاءُ قَدْ يَكُونُونَ جَمَاعَةً، أَوْ يَكُونُ وَاحِدًا مُنْفَرِدًا، وَالْجَمَاعَةُ قَدْ يَكُونُونَ جَمِيعًا كِبَارًا، أَوْ كِبَارًا وَصِغَارًا. وَالْوَاحِدُ الْمُنْفَرِدُ قَدْ يَكُونُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا.
أَوَّلًا - إِذَا كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ صَغِيرًا مُنْفَرِدًا:
٤٩ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي انْتِظَارِ بُلُوغِهِ:
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهُمَا: يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ. وَالثَّانِيَةُ: يَسْتَوْفِي الْقَاضِي الْقِصَاصَ نِيَابَةً عَنِ الصَّغِيرِ.
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ يُنْتَظَرُ الْبُلُوغُ، وَلِوَلِيِّ الصَّغِيرِ أَوْ وَصِيِّهِ النَّظَرُ بِالْمَصْلَحَةِ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ أَوْ فِي أَخْذِ الدِّيَةِ كَامِلَةً.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّغِيرِ؛ لأَِنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي، فَحَقُّهُ التَّفْوِيضُ إِلَى اخْتِيَارِ الْمُسْتَحِقِّ؛ فَلاَ يَحْصُل الْمَقْصُودُ بِاسْتِيفَاءِ غَيْرِهِ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ (١) .
ثَانِيًا - إِذَا كَانَ الصَّغِيرُ مُشْتَرَكًا مَعَ جَمَاعَةٍ كِبَارٍ:
فَلِلْكِبَارِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَلاَ يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّغِيرِ لِثُبُوتِ حَقِّ الْقِصَاصِ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً عَلَى سَبِيل الْكَمَال وَالاِسْتِقْلاَل؛ وَلأَِنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ لاَ يَتَجَزَّأُ؛ لِثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ لاَ يَتَجَزَّأُ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ.
انْظُرْ: (قِصَاص) .
_________
(١) البدائع ٧ / ٢٤٣، المغني ٧ / ٧٣٩، الشرح الكبير ٤ / ٢٥٨، مغني المحتاج ٤ / ٤٠.