الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٧ الصفحة 4

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٧

صِغَرٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الصِّغَرُ فِي اللُّغَةِ: مَأْخُوذٌ مِنْ صَغُرَ صِغَرًا: قَل حَجْمُهُ أَوْ سِنُّهُ فَهُوَ صَغِيرٌ، وَالْجَمْعُ: صِغَارٌ. وَفِيهِ - أَيْضًا - الأَْصْغَرُ اسْمُ تَفْضِيلٍ (١) .

وَالصِّغَرُ ضِدُّ الْكِبَرِ، وَالصُّغَارَةُ خِلاَفُ الْعِظَمِ.

وَاصْطِلاَحًا: هُوَ وَصْفٌ يَلْحَقُ بِالإِْنْسَانِ مُنْذُ مَوْلِدِهِ إِلَى بُلُوغِهِ الْحُلُمَ (٢) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الصِّبَا:

٢ - يُطْلَقُ الصِّبَا عَلَى مَعَانٍ عِدَّةٍ مِنْهَا: الصِّغَرُ وَالْحَدَاثَةُ، وَالصَّبِيُّ الصَّغِيرُ دُونَ الْغُلاَمِ، أَوْ مَنْ لَمْ يُفْطَمْ بَعْدُ، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ: الصَّبِيُّ مُنْذُ وِلاَدَتِهِ إِلَى أَنْ يُفْطَمَ (٣) . وَعَلَى هَذَا فَالصِّبَا أَخَصُّ مِنِ الصِّغَرِ.

_________

(١) لسان العرب لابن منظور، والمعجم الوسيط مادة (صغر) .

(٢) كشف الأسرار ٤ / ١٣٥٨.

(٣) لسان العرب والمعجم الوسيط

التَّمْيِيزُ:

٣ - هُوَ أَنْ يَصِيرَ لِلصَّغِيرِ وَعْيٌ وَإِدْرَاكٌ يَفْهَمُ بِهِ الْخِطَابَ إِجْمَالًا (١) .

الْمُرَاهَقَةُ:

٤ - الرَّهَقُ: جَهْلٌ فِي الإِْنْسَانِ وَخِفَّةٌ فِي عَقْلِهِ.

يُقَال: فِيهِ رَهَقٌ أَيْ حِدَّةٌ وَخِفَّةٌ.

وَرَاهَقَ الْغُلاَمُ: قَارَبَ الْحُلُمَ (٢)

الرُّشْدُ:

٥ - الرُّشْدُ: أَنْ يَبْلُغَ الصَّبِيُّ حَدَّ التَّكْلِيفِ صَالِحًا فِي دِينِهِ مُصْلِحًا لِمَالِهِ (٣) .

مَرَاحِل الصِّغَرِ:

٦ - تَنْقَسِمُ مَرَاحِل الصِّغَرِ إِلَى مَرْحَلَتَيْنِ:

(١) - مَرْحَلَةِ عَدَمِ التَّمْيِيزِ.

(٢) - مَرْحَلَةِ التَّمْيِيزِ:

الْمَرْحَلَةُ الأُْولَى: عَدَمُ التَّمْيِيزِ:

٧ - تَبْدَأُ هَذِهِ الْمَرْحَلَةُ مُنْذُ الْوِلاَدَةِ إِلَى التَّمْيِيزِ.

الْمَرْحَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَرْحَلَةُ التَّمْيِيزِ:

٨ - تَبْدَأُ هَذِهِ الْمَرْحَلَةُ مُنْذُ قُدْرَةِ الصَّغِيرِ عَلَى

_________

(١) لسان العرب والمعجم الوسيط، وكشف الأسرار على أصول البزدوي ٤ / ١٣٥٨.

(٢) لسان العرب، المعجم الوسيط مادة (رهق) .

(٣) لسان العرب، والمعجم الوسيط مادة (رشد) .

التَّمْيِيزِ بَيْنَ الأَْشْيَاءِ، بِمَعْنَى: أَنْ يَكُونَ لَهُ إِدْرَاكٌ يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ.

وَيُلاَحَظُ: أَنَّ التَّمْيِيزَ لَيْسَ لَهُ سِنٌّ مُعَيَّنَةٌ يُعْرَفُ بِهَا، وَلَكِنْ تَدُل عَلَى التَّمْيِيزِ أَمَارَاتُ التَّفَتُّحِ وَالنُّضُوجِ، فَقَدْ يَصِل الطِّفْل إِلَى مَرْحَلَةِ التَّمْيِيزِ فِي سِنٍّ مُبَكِّرَةٍ، وَقَدْ يَتَأَخَّرُ إِلَى مَا قَبْل الْبُلُوغِ، وَتَنْتَهِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةُ بِالْبُلُوغِ (١) .

أَهْلِيَّةُ الصَّغِيرِ:

تَنْقَسِمُ أَهْلِيَّةُ الصَّغِيرِ إِلَى قِسْمَيْنِ:

أ - أَهْلِيَّةِ وُجُوبٍ.

ب - أَهْلِيَّةِ أَدَاءً.

(أ) أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ:

٩ - هِيَ صَلاَحِيَةُ الإِْنْسَانِ لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ الْمَشْرُوعَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَمَنَاطُهَا الإِْنْسَانِيَّةُ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ (٢) .

(ب) أَهْلِيَّةُ الأَْدَاءِ:

١٠ - هِيَ صَلاَحِيَةُ الإِْنْسَانِ لِصُدُورِ الْفِعْل عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا، وَمَنَاطُهَا التَّمْيِيزُ.

أَهْلِيَّةُ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ:

١١ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَدَى هَذِهِ الأَْهْلِيَّةِ،

_________

(١) نيل الأوطار ١ / ٣٤٨، كشف الخفاء ٢ / ٢٨٤.

(٢) كشف الأسرار ٤ / ١٣٥٧، ١٣٥٨.

وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي: مُصْطَلَحِ (أَهْلِيَّةٌ) (١) .

أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِالصَّغِيرِ:

أَوَّلًا - التَّأْذِينُ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ:

١٢ - يُسْتَحَبُّ الأَْذَانُ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ الْيُمْنَى، وَالإِْقَامَةُ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى؛ لِمَا رَوَى أَبُو رَافِعٍ أَنَّهُ قَال: رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ (٢)

انْظُرْ مُصْطَلَحَ (أَذَان) .

ثَانِيًا: تَحْنِيكُ الْمَوْلُودِ:

١٣ - يُسْتَحَبُّ تَحْنِيكُ الْمَوْلُودِ، وَالتَّحْنِيكُ: هُوَ دَلْكُ حَنَكِ الْمَوْلُودِ بِتَمْرَةٍ مَمْضُوغَةٍ، وَمِنَ الأَْحَادِيثِ الَّتِي اسْتَدَل بِهَا الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّحْنِيكِ، مَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ غُلاَمًا، قَال: فَقَال لِي أَبُو طَلْحَةَ: احْفَظْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ. فَأَتَيْتُهُ بِهِ - وَأَرْسَل مَعِي بِتَمَرَاتٍ - فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ ﷺ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ وَحَنَّكَهُ بِهِ وَسَمَّاهُ: عَبْدَ اللَّهِ (٣) . انْظُرْ: (تَحْنِيك)

_________

(١) انظر الموسوعة ٧ / ١٥٨ - ١٥٩ (أهلية) .

(٢) حديث أبي رافع أنه قال: " رأيت رسول الله ﷺ أذن في أذن الحسين بن علي ". أخرجه الترمذي. ٤ / ٩٧ - ط الحلبي) وفي إسناده راو ضعيف، ذكر الذهبي في ترجمته في الميزان: (٢ / ٢٥٤ - ط الحلبي) هذا الحديث من مناكيره.

(٣) حديث أنس: " أن أم سليم ولدت غلاما، قال: فقال لي أبو طلحة: احفظه. . . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ٥٨٧ - ط. السلفية) ومسلم (٣ / ١٦٩٠ - ط. الحلبي)

ثَالِثًا - تَسْمِيَةُ الْمَوْلُودِ:

١٤ - تُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهُ بِاسْمٍ مُسْتَحَبٍّ، لِمَا رَوَاهُ سَمُرَةُ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: الْغُلاَمُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُسَمَّى وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ (١) انْظُرْ: (تَسْمِيَة) .

رَابِعًا - عَقِيقَةُ الْمَوْلُودِ:

١٥ - الْعَقِيقَةُ لُغَةً: مَعْنَاهَا الْقَطْعُ.

وَشَرْعًا: مَا يُذْبَحُ عَنِ الْمَوْلُودِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى

. وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَلْمَانِ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَعَ الْغُلاَمِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَْذَى (٢) .

وَلِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ ﵂ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَمَرَهُمْ عَنِ الْغُلاَمِ: شَاتَانِ مُتَكَافِئَتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ (٣) .

_________

(١) حديث: " الغلام مرتهن بعقيقته ". أخرجه الترمذي (٤ / ١٠١ - ط الحلبي) وقال: حديث حسن صحيح.

(٢) حديث سلمان بن عامر الضبي: " مع الغلام عقيقة. .) . أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ٥٩٠ - ط السلفية) .

(٣) حديث عائشة: " أن رسول الله ﷺ أمرهم عن الغلام شاتان متكافئتان. . . ". أخرجه الترمذي (٣ / ٩٧ - ط. الحلبي) قال: حديث حسن صحيح. وقوله: متكافئتان أي: متساويتان في السن.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهَا.

فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ إِلَى اسْتِحْبَابِهَا، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْعَقِيقَةَ نُسِخَتْ بِالأُْضْحِيَّةِ؛ فَمَنْ شَاءَ فَعَل، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَل (١) .

خَامِسًا: الْخِتَانُ:

١٦ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إِلَى أَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ فِي حَقِّ الرِّجَال، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي الْمُعْتَمَدِ - إِلَى أَنَّ الْخِتَانَ وَاجِبٌ عَلَى الرِّجَال وَالنِّسَاءِ. انْظُرْ: (خِتَان) .

حُقُوقُ الصَّغِيرِ:

مِنْ حُقُوقِ الصَّغِيرِ مَا يَأْتِي:

١٧ - أ - أَنْ يُنْسَبَ إِلَى أَبِيهِ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (نَسَبٌ) .

ب - أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةٌ) .

ج - تَعْلِيمُهُ وَتَأْدِيبُهُ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَيْ: (تَعْلِيمٌ، وَتَأْدِيبٌ) .

مَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الصَّغِيرِ مَالِيًّا:

١٨ - يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ مَا يَلِي: قِيمَةُ الْمُتْلَفَاتِ، وَالنَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ،

_________

(١) شرح منتهى الإرادات ٢ / ٨٧٩، البدائع ٥ / ٦٩، وجواهر الإكليل ١ / ٢٢٤، والمهذب ١ / ٢٤٨، وحلية العلماء ٣ / ٣٣٢.

وَالْعُشْرُ، وَالْخَرَاجُ، وَزَكَاةُ الْمَال، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَالأُْضْحِيَّةُ، عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلاَفٍ يُنْظَرُ فِي الْمُصْطَلَحَاتِ الْخَاصَّةِ بِهَا، وَيُطَالَبُ الْوَلِيُّ أَوِ الْوَصِيُّ بِتَنْفِيذِ هَذِهِ الاِلْتِزَامَاتِ مِنْ مَال الصَّغِيرِ.

الْوِلاَيَةُ عَلَى الصَّغِيرِ:

١٩ - الْوِلاَيَةُ فِي اللُّغَةِ: الْقِيَامُ بِالأَْمْرِ أَوْ عَلَيْهِ، وَقِيل: هِيَ النُّصْرَةُ وَالْمَعُونَةُ (١) .

وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْوِلاَيَةَ:

هِيَ سُلْطَةٌ شَرْعِيَّةٌ يَتَمَكَّنُ بِهَا صَاحِبُهَا مِنَ الْقِيَامِ عَلَى شُؤُونِ الصِّغَارِ الشَّخْصِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ (٢) .

وَتَبْدَأُ الْوِلاَيَةُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى الصَّغِيرِ مُنْذُ وِلاَدَتِهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ رَشِيدًا

، وَمِنْ هَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْوِلاَيَةَ تَكُونُ عَلَى الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَعَلَى الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَالْوِلاَيَةُ وَاجِبَةٌ لِمَصْلَحَةِ كُل قَاصِرٍ؛ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ غَيْرَ صَغِيرٍ.

أَقْسَامُ الْوِلاَيَةِ:

تَنْقَسِمُ الْوِلاَيَةُ بِحَسَبِ السُّلْطَةِ الْمُخَوَّلَةِ لِلْوَلِيِّ إِلَى قِسْمَيْنِ: وِلاَيَةٍ عَلَى النَّفْسِ، وَوِلاَيَةٍ عَلَى الْمَال.

_________

(١) لسان العرب.

(٢) ابن عابدين ٢ / ٢٩٦، والبدائع ٥ / ١٥٢ الدسوقي ٣ / ٢٩٢.

أ - الْوِلاَيَةُ عَلَى النَّفْسِ:

٢٠ - يَقُومُ الْوَلِيُّ بِمُقْتَضَاهَا بِالإِْشْرَافِ عَلَى شُؤُونِ الصَّغِيرِ الشَّخْصِيَّةِ، مِثْل: التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ وَالتَّطْبِيبِ إِلَى آخِرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ أُمُورٍ، وَكَذَا تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ؛ فَالتَّزْوِيجُ مِنْ بَابِ الْوِلاَيَةِ عَلَى النَّفْسِ.

ب - الْوِلاَيَةُ عَلَى الْمَال:

٢١ - يَقُومُ الْوَلِيُّ بِمُقْتَضَاهَا بِالإِْشْرَافِ عَلَى شُؤُونِ الصَّغِيرِ الْمَالِيَّةِ: مِنْ إِنْفَاقٍ، وَإِبْرَامِ عُقُودٍ، وَالْعَمَل عَلَى حِفْظِ مَالِهِ وَاسْتِثْمَارِهِ وَتَنْمِيَتِهِ (١) .

وَلِلْفُقَهَاءِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ فِي تَقْسِيمِ الأَْوْلِيَاءِ وَمَرَاتِبِهِمْ، يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وِلاَيَةٌ) .

تَأْدِيبُ الصِّغَارِ وَتَعْلِيمُهُمْ:

٢٢ - يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ تَأْدِيبُ الصِّغَارِ بِالآْدَابِ الشَّرْعِيَّةِ؛ الَّتِي تَغْرِسُ فِي نَفْسِ الطِّفْل الأَْخْلاَقَ الْكَرِيمَةَ وَالسُّلُوكَ الْقَوِيمَ، كَالأَْمْرِ بِأَدَاءِ الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ فِي طَوْقِهِ: يُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي: (تَأْدِيبٌ، تَعْلِيمٌ) .

تَطْبِيبُ الصَّغِيرِ:

٢٣ - لِلْوَلِيِّ عَلَى النَّفْسِ وِلاَيَةُ عِلاَجِ الصَّغِيرِ

_________

(١) البدائع ٥ / ١٥٢، الشرح الكبير للدردير ٣ / ٢٩٢، نهاية المحتاج ٣ / ٣٥٥.

وَتَطْبِيبُهُ وَخِتَانُهُ؛ لأَِنَّ هَذِهِ الأَْشْيَاءَ مِنْ أَهَمِّ الأُْمُورِ اللاَّزِمَةِ لِلصِّغَارِ لِتَعَلُّقِهَا بِصِحَّتِهِ وَيَتَحَقَّقُ هَذَا بِالإِْذْنِ لِلطَّبِيبِ فِي تَقْدِيمِ الْعِلاَجِ اللاَّزِمِ لِلصِّغَارِ، وَالإِْذْنِ فِي إِجْرَاءِ الْعَمَلِيَّاتِ الْجِرَاحِيَّةِ لَهُمْ.

قَال الْفُقَهَاءُ: هَذَا خَاصٌّ بِالْوَلِيِّ عَلَى النَّفْسِ، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ عَلَى الْمَال ذَلِكَ، فَلَوْ أَذِنَ الْوَلِيُّ عَلَى الْمَال لِلطَّبِيبِ بِإِجْرَاءِ عَمَلِيَّةٍ لِلصَّغِيرِ فَهَلَكَ، فَعَلَى الْوَلِيِّ الدِّيَةُ لِتَعَدِّيهِ، أَمَّا إِنْ كَانَتْ هُنَاكَ ضَرُورَةٌ مُلِحَّةٌ فِي إِجْرَاءِ الْعَمَلِيَّةِ لإِنْقَاذِ حَيَاةِ الصَّغِيرِ، وَتَغَيَّبَ الْوَلِيُّ عَلَى النَّفْسِ فَلِلْوَلِيِّ عَلَى الْمَال الإِْذْنُ فِي إِجْرَاءِ الْعَمَلِيَّةِ، أَوْ لأَِيِّ أَحَدٍ مِنْ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ؛ لأَِنَّ إِنْقَاذَ الآْدَمِيِّ وَاجِبٌ عَلَى كُل مُسْلِمٍ (١) .

تَصَرُّفَاتُ الْوَلِيِّ الْمَالِيَّةُ:

٢٤ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ يَتَصَرَّفُ وُجُوبًا فِي مَال الصَّغِيرِ بِمُقْتَضَى الْمَصْلَحَةِ وَعَدَمِ الضَّرَرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيمِ إِلاَّ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (٢) وَقَال سُبْحَانَهُ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُل إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ (٣) كَمَا أَنَّهُمُ

_________

(١) حاشية الدسوقي ٤ / ٣٥٥، المغني ٨ / ٣٢٧، ونهاية المحتاج ٧ / ٢١٠.

(٢) سورة الأنعام آية ١٥٢.

(٣) سورة البقرة آية ٢٢٠.

اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْغَنِيَّ لاَ يَأْكُل مِنْ مَال الْيَتِيمِ، وَلِلْفَقِيرِ أَنْ يَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ﴾ (١) .

وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَال الْيَتِيمِ (٢) إِذَا كَانَ فَقِيرًا؛ أَنَّهُ يَأْكُل مِنْهُ مَكَانَ قِيَامِهِ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ (٣)

. وَوَرَدَ أَنَّ رَجُلًا سَأَل رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَال: إِنِّي فَقِيرٌ لَيْسَ لِي شَيْءٌ، وَلِيَ يَتِيمٌ؟ قَال: كُل مِنْ مَال يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ، وَلاَ مُبَاذِرٍ، وَلاَ مُتَأَثِّلٍ، وَلاَ تَخْلِطْ مَالَكَ بِمَالِهِ (٤) " وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وِلاَيَةٌ) .

أَحْكَامُ الصَّغِيرِ فِي الْعِبَادَاتِ:

الطَّهَارَةُ:

٢٥ - تَجِبُ الطَّهَارَةُ عَلَى كُل مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ إِذَا تَحَقَّقَ سَبَبُهَا، أَمَّا الصَّغِيرُ فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ الطَّهَارَةُ، وَإِنَّمَا يَأْمُرُهُ الْوَلِيُّ بِهَا أَمْرَ تَأْدِيبٍ وَتَعْلِيمٍ.

_________

(١) سورة النساء آية ٦

(٢) أسباب النزول للواحدي ص ١٠٦، الجامع لأحكام القرآن القرطبي ٥ / ٣٤.

(٣) حديث نزول آية (ومن كان غنيا فليستعفف) أخرجه البخاري. الفتح ٨ / ٢٤١ - ط السلفية)، وفي رواية له: " في والي اليتيم ".

(٤) حديث: " كل من مال يتيمك غير مسرف ". أخرجه النسائي (٦ / ٢٥٦ - ط المكتبة التجارية) من حديث عبد الله بن عمرو، وقوى ابن حجر إسناده في الفتح (٨ / ٢٤١ - ط السلفية) .