الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٧ الصفحة 3

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٧

تَصَرَّفَ مِنْهُمَا مِنْ صَرِيحِ الطَّلاَقِ لِوُرُودِهِمَا بِمَعْنَى الطَّلاَقِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، فَقَدْ وَرَدَ لَفْظُ الْفِرَاقِ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ (١) وَفِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ (٢) وَوَرَدَ لَفْظُ السَّرَاحِ فِي آيَاتٍ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: ﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ (٣) وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ (٤) .

إِلاَّ أَنَّ الْجُمْهُورَ يَرَى أَنَّ لَفْظَ الْفِرَاقِ، وَلَفْظَ السَّرَاحِ لَيْسَا مِنْ صَرِيحِ الطَّلاَقِ؛ لأَِنَّهُمَا يُسْتَعْمَلاَنِ فِي غَيْرِ الطَّلاَقِ كَثِيرًا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْل اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا. . .﴾ (٥) . وَلِذَلِكَ فَهُمَا مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلاَقِ (٦) .

_________

(١) سورة النساء / ١٣٠.

(٢) سورة الطلاق / ٢.

(٣) سورة البقرة / ٢٢٩.

(٤) سورة البقرة / ٢٣١.

(٥) سورة آل عمران / ١٠٣.

(٦) البدائع ٣ / ١٠١ - ١٠٦ (ط. الجمالية)، ابن العابدين ٢ / ٤٣٠ (ط. المصرية) . جواهر الإكليل ١ / ٣٤٥ (ط. المعرفة)، حاشية الدسوقي ٢ / ٣٧٨ (ط. الفكر)، روضة الطالبين ٨ / ٢٣ - ٢٧ (ط. المكتب الإسلامي) . الأشباه والنظائر للسيوطي / ٣٠٢ (ط. الأولى)، كشاف القناع ٥ / ٢٤٥ - ٢٥٠ (ط. النصر)، الإنصاف ٨ / ٤٦٢ - ٤٧٥ (ط. التراث)، المغني ٨ / ١٢١ - ١٢٤ (ط الرياض) .

ح - الظِّهَارُ:

١٩ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى: أَنَّ اللَّفْظَ الصَّرِيحَ فِي الظِّهَارِ هُوَ أَنْ يَقُول الرَّجُل لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتُهُمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ﴾ (١) . وَلِحَدِيثِ خَوْلَةَ امْرَأَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ؛ حَيْثُ قَال لَهَا زَوْجُهَا أَوْسٌ: " أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي " (٢) وَكَذَا قَوْلُهُ: أَنْتِ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَوْ مِنِّي كَظَهْرِ أُمِّي. وَكَذَلِكَ لَوْ قَال لِزَوْجَتِهِ: جِسْمُكِ أَوْ بَدَنُكِ أَوْ جُمْلَتُكِ أَوْ نَفْسُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي.

وَمِثْل ذَلِكَ: مَا لَوْ شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِظَهْرِ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنَ النِّسَاءِ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً، كَالْجَدَّةِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَالأُْخْتِ وَابْنَتِهَا وَبِنْتِ الأَْخِ فَإِنَّهُ يَكُونُ - أَيْضًا - صَرِيحًا فِي الظِّهَارِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الْقَدِيمِ، وَالْقَوْل الثَّانِي فِي الْقَدِيمِ: أَنَّهُ لاَ يَكُونُ ظِهَارًا لِلْعُدُول عَنِ الْمَعْهُودِ، إِذِ اللَّفْظُ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ مُخْتَصٌّ

_________

(١) سورة المجادلة / ٢.

(٢) حديث خولة. امرأة أوس بن الصامت. أخرجه أحمد (٦ / ٤١٠ - ط. الميمنية) . والبيهقي (٧ / ٣٨٩ - ط دائرة المعارف العثمانية) وفي إسناده مقال. ولكن ذكر البيهقي له طريقا آخر مرسلا ثم قال: وهو شاهد للموصول قبله.

بِالأُْمِّ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْمَحَارِمِ (١) .

وَتَفْصِيل ذَلِكَ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي (ظِهَارٌ) .

ط - الْقَذْفُ:

٢٠ - امْتَازَتْ صِيغَةُ الْقَذْفِ عَنْ غَيْرِهَا مِنَ الصِّيَغِ بِمَجِيءِ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ فِيهَا، فَالْقَذْفُ الصَّرِيحُ الْمُتَّفَقُ عَلَى صَرَاحَتِهِ مِنْ قِبَل الْعُلَمَاءِ هُوَ أَنْ يَقُول لِرَجُلٍ: زَنَيْتَ، أَوْ يَا زَانِي، أَوْ لاِمْرَأَةٍ: زَنَيْتِ، أَوْ يَا زَانِيَةَ فَهَذِهِ الأَْلْفَاظُ لاَ تَحْتَمِل مَعْنًى آخَرَ غَيْرَ الْقَذْفِ، وَمِثْل ذَلِكَ اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ مِنَ النُّونِ وَالْيَاءِ وَالْكَافِ، وَكَذَا كُل لَفْظٍ صَرِيحٍ فِي الْجِمَاعِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَذْفًا إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ وَصْفُ الْحُرْمَةِ، وَكَذَا نَفْيُ الْوَلَدِ عَنْ أَبِيهِ بِقَوْلِهِ: لَسْتَ لأَِبِيكَ.

وَمِنْ صَرِيحِ الْقَذْفِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ: الرَّمْيُ بِالإِْصَابَةِ فِي الدُّبُرِ كَقَوْلِهِ: لُطْتَ، أَوْ لاَطَ بِكَ فُلاَنٌ، سَوَاءٌ خُوطِبَ بِهِ رَجُلٌ أَوِ

_________

(١) ابن عابدين ٢ / ٥٧٥ (ط. المصرية)، البدائع ٣ / ٢٣٣ (ط. الجمالية)، فتح القدير ٣ / ٢٢٦ - ٢٢٩ (ط. الأميرية) . جواهر الإكليل ١ / ٣٧٢ (ط. الجمالية) - حاشية الدسوقي ٢ / ٤٤٢ (ط. الفكر) . روضة الطالبين ٨ / ٢٦٢ - ٢٦٤ (ط. المكتب الإسلامي) . حاشية القليوبي ٤ / ١٤ - ١٥ - (ط الحلبي) . الأشباه والنظائر للسيوطي / ٣٧٠ (ط. الأولى) كشاف القناع ٥ / ٣٦٨ - ٣٧٠ (ط. النصر)، المغني ٧ / ٣٤٠ - ٣٤٧ (ط. الرياض) .

امْرَأَةٌ. وَأَمَّا الرَّمْيُ بِإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ فَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ قَذْفٌ إِنْ قُلْنَا: يُوجِبُ الْحَدَّ، وَإِلاَّ فَلاَ.

وَأَمَّا الْكِنَايَةُ: فَكَقَوْلِهِ لِلرَّجُل: يَا فَاجِرُ، وَلِلْمَرْأَةِ: يَا خَبِيثَةُ.

وَأَمَّا التَّعْرِيضُ: فَكَقَوْلِهِ: أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ بِزَانٍ، وَأُمِّي لَيْسَتْ بِزَانِيَةٍ (١) .

وَتَفْصِيل ذَلِكَ مَحَلُّهُ (قَذْفٌ) .

ك - النَّذْرُ:

٢١ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ قَوْل الشَّخْصِ:

لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرُ كَذَا مِنْ صَرِيحِ النَّذْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا دُونَ ذِكْرِ لَفْظِ النَّذْرِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ صَرِيحِ النَّذْرِ أَيْضًا، وَيَرَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ

_________

(١) البدائع ٧ / ٤٢ - ٤٣ ط. الجمالية، ابن عابدين ٣ / ١٦٨ - ١٧١ (ط. الأميرية) . فتح القدير ٤ / ١٩٠ - ١٩١ (ط. الأميرية) - الاختيار ٤ / ٩٣ - ٩٤ (ط. الثانية)، جواهر الإكليل ٢ / ٢٨٧ - ٢٨٨ (ط. المعرفة)، شرح الزرقاني ٨ / ٨٦ - ٨٧ (ط الفكر)، القوانين الفقهية / ٣٥٠ (ط الأولى) . الأشباه والنظائر للسيوطي / ٣٠٥ - ٣٠٦ (ط. الأولى)، حاشية القليوبي ٤ / ٢٨ - ٢٩ (ط. حلبي)، روضة الطالبين ٨ / ٣١١ - ٣١٢ (ط. المكتب الإسلامي)، حاشية الجمل على المنهج ٤ / ٤٢٥ - ٤٢٦ (ط. التراث)، الإنصاف ١٠ / ٢١٠ - ٢١٧ (ط. الأولى)، كشاف القناع ٦ / ١٠٩ - ١١٢ (ط. النصر)، المعني ٨ / ٢٢١ - ٢٢٢ (ط. الرياض) .

وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ ذِكْرِ لَفْظِ النَّذْرِ، وَأَنَّهُ لاَ يَصِحُّ النَّذْرُ بِدُونِهِ (١) .

وَالتَّفْصِيل يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي (نَذْرٌ)

.

صَعِيدٌ

انْظُرْ: تَيَمُّم

_________

(١) حاشية ابن عابدين ٢ / ١٢٥ (ط. المصرية)، القوانين الفقهية / ٧٣ (ط. الأولى)، روضة الطالبين ٣ / ٢٩٣ (ط. المكتب الإسلامي) . المغني ٩ / ٣٣ (ط. الرياض) .

صَغَائِرُ

التَّعْرِيفُ:

١ - الصَّغَائِرُ لُغَةً: مِنْ صَغُرَ الشَّيْءُ فَهُوَ صَغِيرٌ وَجَمْعُهُ صِغَارٌ، وَالصَّغِيرَةُ صِفَةٌ وَجَمْعُهَا صِغَارٌ أَيْضًا، وَلاَ تُجْمَعُ عَلَى صَغَائِرَ إِلاَّ فِي الذُّنُوبِ وَالآْثَامِ.

أَمَّا اصْطِلاَحًا: فَقَدِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ فَقَال بَعْضُهُمْ: الصَّغِيرَةُ - مِنَ الذُّنُوبِ - هِيَ كُل ذَنْبٍ لَمْ يُخْتَمْ بِلَعْنَةٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ نَارٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَال: الصَّغِيرَةُ مَا دُونَ الْحَدَّيْنِ حَدِّ الدُّنْيَا، وَحَدِّ الآْخِرَةِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَال: الصَّغِيرَةُ هِيَ مَا لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ فِي الدُّنْيَا وَلاَ وَعِيدٌ فِي الآْخِرَةِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَال: الصَّغِيرَةُ هِيَ كُل مَا كُرِهَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ (١) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْكَبَائِرُ:

٢ - الْكَبِيرَةُ فِي اللُّغَةِ: الإِْثْمُ وَجَمْعُهَا كَبَائِرُ.

_________

(١) لسان العرب، المصباح المنير، المعجم الوسيط مادة (صغر)، وحاشية ابن عابدين ٢ / ١٤٠، إحياء علوم الدين ٤ / ١٨، ١٥.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: قَال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هِيَ مَا كَانَ حَرَامًا مَحْضًا، شُرِعَتْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ، بِنَصٍّ قَاطِعٍ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ. وَقِيل: إِنَّهَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حَدٌّ، أَوْ تَوَعَّدَ عَلَيْهَا بِالنَّارِ أَوِ اللَّعْنَةِ أَوِ الْغَضَبِ، وَهَذَا أَمْثَل الأَْقْوَال (١) .

اللَّمَمُ:

٣ - وَاللَّمَمُ - بِفَتْحَتَيْنِ - مُقَارَبَةُ الْمَعْصِيَةِ، وَقِيل: هِيَ الصَّغَائِرُ، أَوْ هِيَ فِعْل الرَّجُل الصَّغِيرَةِ ثُمَّ لاَ يُعَاوِدُهَا، وَيُقَال: أَلَمَّ بِالذَّنْبِ فَعَلَهُ، وَأَلَمَّ بِالشَّيْءِ قَرُبَ مِنْهُ، وَيُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الصَّغِيرَةِ (٢) . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِْثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ﴾ (٣) وَقَال بَعْضُهُمْ: اللَّمَمُ: هُوَ مَا دُونَ الزِّنَى الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ؛ مِنَ الْقُبْلَةِ، وَالنَّظْرَةِ.

وَقَال آخَرُونَ: اللَّمَمُ هُوَ صَغَائِرُ الذُّنُوبِ.

حُكْمُ الصَّغَائِرِ:

٤ - اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي انْقِسَامِ الذُّنُوبِ إِلَى كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ.

_________

(١) التعريفات للجرجاني، المصباح المنير مادة (كبر)، شرح عقيدة الطحاوية ص ٤١٨ (ط. المكتب الإسلامي) .

(٢) المصباح، غريب القرآن مادة: (لمم)، تفسير القرطبي ١٧ / ١٠٦.

(٣) سورة النجم الآية: (٣٢) .

فَقَال مُعْظَمُ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِنَّ الذُّنُوبَ تَنْقَسِمُ إِلَى كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ، وَأَنَّ الصَّغَائِرَ تُغْفَرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (١) وقَوْله تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِْثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾ (٢) وَلِقَوْلِهِ ﷺ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ: مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ (٣) .

وَقَال بَعْضُهُمْ: إِنَّ الذُّنُوبَ وَالْمَعَاصِيَ كُلَّهَا كَبَائِرُ؛ وَإِنَّمَا يُقَال لِبَعْضِهَا صَغِيرَةٌ بِالإِْضَافَةِ إِلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا.

فَالْمُضَاجَعَةُ مَعَ الأَْجْنَبِيَّةِ كَبِيرَةٌ بِالإِْضَافَةِ إِلَى النَّظْرَةِ، صَغِيرَةٌ بِالإِْضَافَةِ إِلَى الزِّنَى. وَقَطْعُ يَدِ الْمُسْلِمِ كَبِيرَةٌ بِالإِْضَافَةِ إِلَى ضَرْبِهِ، صَغِيرَةٌ بِالإِْضَافَةِ إِلَى قَتْلِهِ، كَمَا صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ بِذَلِكَ فِي الإِْحْيَاءِ.

وَقَالُوا: لاَ ذَنْبَ عِنْدَنَا يُغْفَرُ بِاجْتِنَابِ آخَرَ، بَل كُل الذُّنُوبِ كَبِيرَةٌ، وَمُرْتَكِبُهَا فِي الْمَشِيئَةِ، غَيْرُ الْكُفْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ

_________

(١) سورة النساء الآية: (٣١) .

(٢) سورة النجم الآية: (٣٢) .

(٣) حديث: " الصلوات الخمس والجمعة. . ". أخرجه مسلم ١ / ٢٠٩ (ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.

يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ (١) .

وَلِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَال لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُول اللَّهِ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا؟ قَال: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ (٢) فَقَدْ جَاءَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى الْيَسِيرِ كَمَا جَاءَ عَلَى الْكَثِيرِ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الطَّيِّبُ وَأَبُو إِسْحَاقَ الإِْسْفَرايِينِيُّ وَأَبُو الْمَعَالِي وَعَبْدُ الرَّحِيمِ الْقُشَيْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ.

وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنْوَاعًا مِنْ صَغَائِرِ الذُّنُوبِ مِنْهَا: النَّظَرُ الْمُحَرَّمُ، وَالْقُبْلَةُ، وَالْغَمْزَةُ، وَلَمْسُ الأَْجْنَبِيَّةِ.

وَمِنْهَا: هَجْرُ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَكَثْرَةُ الْخُصُومَاتِ إِلاَّ إِنْ رَاعَى فِيهَا حَقَّ الشَّرْعِ.

وَمِنْهَا: الإِْشْرَافُ عَلَى بُيُوتِ النَّاسِ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ الْفُسَّاقِ إِينَاسًا لَهُمْ، وَالْغَيْبَةُ لِغَيْرِ أَهْل الْعِلْمِ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ (٣) .

وَقَدْ تَعْظُمُ الصَّغَائِرُ مِنَ الذُّنُوبِ، فَتَصِيرُ

_________

(١) سورة النساء الآية: (٤٨) .

(٢) حديث: " من اقتطع حق امرئ مسلم. . " أخرجه مسلم ١ / ١٢٢ - (ط الحلبي) .

(٣) مغني المحتاج ٤ / ٤٢٧، كشاف القناع ٦ / ٤١٩، الطحاوي ص ٣٧١، مواهب الجليل ٦ / ١٥١، دليل الفالحين ١ / ٣٥٣، القرطبي ٥ / ١٥٨، ١٧ / ١٠٦ إحياء علوم الدين ٤ / ١٥.

كَبِيرَةً لِعِدَّةِ أَسْبَابٍ:

مِنْهَا: الإِْصْرَارُ وَالْمُوَاظَبَةُ.

وَمِنْهَا: أَنْ يَسْتَصْغِرَ الذَّنْبَ.

وَمِنْهَا: السُّرُورُ بِالصَّغِيرَةِ وَالْفَرَحُ وَالتَّبَجُّحُ بِهَا، وَاعْتِدَادُ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَلِكَ نِعْمَةٌ، وَالْغَفْلَةُ عَنْ كَوْنِهِ سَبَبَ الشَّقَاوَةِ (١) . وَالتَّفَاصِيل فِي: مُصْطَلَحِ (كَبِيرَةٌ، وَشَهَادَةٌ، وَعَدَالَةٌ، وَمَعْصِيَةٌ) .

_________

(١) إحياء علوم الدين ٤ / ٣٢، ٣٣.