الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٦ الصفحة 3

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٦

التَّصَرُّفِ إِذَا أَسْقَطَهُ الْمُشْتَرِطُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَقْسَامِ الشَّرْطِ الْبَاطِل. وَضَابِطُهُ عِنْدَهُمُ اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَيْعِ أَوْ يُخِل بِالثَّمَنِ فِيهِ أَوْ يُؤَدِّي إِلَى غَرَرٍ فِي الْهِبَةِ، فَأَنْوَاعُهُ عَلَى هَذَا ثَلاَثَةٌ.

النَّوْعُ الأَْوَّل: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُنَافِي الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَيْعِ كَأَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لاَ يَبِيعَ أَوْ لاَ يَهَبَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ إِذَا أَسْقَطَهُ الْمُشْتَرِطُ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ (١) .

النَّوْعُ الثَّانِي: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُخِل بِالثَّمَنِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى جَهَالَةٍ فِيهِ بِزِيَادَةٍ إِنْ كَانَ شَرْطُ السَّلَفِ مِنَ الْمُشْتَرِي أَوْ نَقْصٍ إِنْ كَانَ مِنَ الْبَائِعِ كَبَيْعٍ وَشَرْطِ سَلَفٍ مِنْ أَحَدِهِمَا لأَِنَّ الاِنْتِفَاعَ بِالسَّلَفِ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ أَوِ الْمُثَمَّنِ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَهَذَا الشَّرْطُ إِنْ حَذَفَهُ الْمُشْتَرِطُ صَحَّ الْعَقْدُ (٢) .

النَّوْعُ الثَّالِثُ: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى غَرَرٍ وَمِثَالُهُ فِي الْهِبَةِ مَا لَوْ دَفَعَ إِلَى آخَرَ فَرَسًا لِيَغْزُوَ عَلَيْهِ سِنِينَ وَشَرَطَ الْوَاهِبُ أَنْ يُنْفِقَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَيْهِ أَيِ الْفَرَسِ فِي تِلْكَ السِّنِينَ ثُمَّ تَكُونَ الْفَرَسُ مِلْكًا لِلْمَدْفُوعِ لَهُ فَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْغَرَرِ (٣) .

_________

(١) الدسوقي ٣ / ٥٩ - ٦٦ (ط. الفكر) .

(٢) الدسوقي ٣ / ٦٦ - ٦٧ (ط. الفكر) .

(٣) جواهر الإكليل ٢ / ٢١٥ (ط. المعرفة)، التاج والإكليل هامش مواهب الجليل (٦ / ٦١ - ٦٢ ط. النجاح) .

٢٦ - الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يُحْكَمُ مَعَهُ بِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ سَوَاءٌ أَسْقَطَهُ الْمُشْتَرِطُ أَوْ لَمْ يُسْقِطْهُ. وَهَذَا الْقِسْمُ يَتَنَاوَل الشُّرُوطَ الْبَاطِلَةَ الَّتِي تَسْقُطُ وَيَصِحُّ مَعَهَا التَّصَرُّفُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشُّرُوطَ الْبَاطِلَةَ الَّتِي يَصِحُّ مَعَهَا التَّصَرُّفُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ الَّتِي يَصِحُّ مَعَهَا التَّصَرُّفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَدْ سَبَقَتْ ضَوَابِطُ ذَلِكَ.

وَأَنْوَاعُهُ مَا يَأْتِي:

٢٧ - النَّوْعُ الأَْوَّل: ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ اشْتِرَاطُ مَا لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلاَ يُلاَئِمُ مُقْتَضَاهُ وَلَمْ يَرِدْ شَرْعٌ وَلاَ عُرْفٌ بِجَوَازِهِ وَلَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لأَِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْل الاِسْتِحْقَاقِ.

وَمِثَالُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ لَوْ شَرَطَ أَحَدُ الْمُزَارِعَيْنِ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى أَنْ لاَ يَبِيعَ الآْخَرُ نَصِيبَهُ وَلاَ يَهَبَهُ فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ.

لأَِنَّ هَذَا الشَّرْطَ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأَِحَدٍ فَلاَ يُوجِبُ الْفَسَادَ وَهَذَا لأَِنَّ فَسَادَ الْبَيْعِ فِي مِثْل هَذِهِ الشُّرُوطِ لِتَضَمُّنِهَا الرِّبَا وَذَلِكَ بِزِيَادَةِ مَنْفَعَةٍ مَشْرُوطَةٍ فِي الْعَقْدِ لاَ يُقَابِلُهَا عِوَضٌ وَلَمْ يُوجَدْ فِي هَذَا الشَّرْطِ لأَِنَّهُ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأَِحَدٍ إِلاَّ أَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ لاَ يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ

فَالْعَقْدُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ (١) .

النَّوْعُ الثَّانِي. ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ أَوْ مِنَ الاِسْتِحْقَاقِ، فَإِذَا بَاعَ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ ثُمَّ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فِيهِ كَانَ لَهُ رَدُّهُ وَلاَ عِبْرَةَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ (٢) .

النَّوْعُ الثَّالِثُ: اشْتِرَاطُ مَا يُخَالِفُ أَوْ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ دُونَ الإِْخْلاَل بِمَقْصُودِهِ وَهَذَا النَّوْعُ ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَا لَوِ اشْتَرَطَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودَعِ ضَمَانَهَا فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا تَلِفَتْ فِي مَحَلٍّ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لأَِنَّ يَدَ الْمُودَعِ يَدُ أَمَانَةٍ فَلاَ يَضْمَنُ إِلاَّ بِالتَّعَدِّي الْوَدِيعَةُ مِنَ الأَْمَانَاتِ فَلاَ يَضْمَنُ إِذَا تَلِفَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيُلْغَى الشَّرْطُ وَتَصِحُّ الْوَدِيعَةُ.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَا لَوْ قَال: أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً فَعَلَى الْجَدِيدِ لَوْ قَال مَعَ قَوْلِهِ: أَعْمَرْتُكَهَا فَإِذَا مِتُّ عَادَتْ إِلَيَّ أَوْ إِلَى وَارِثِي فَكَذَا هِيَ هِبَةٌ وَإِعْمَارٌ صَحِيحٌ فِي الأَْصَحِّ وَبِهِ قَطَعَ الأَْكْثَرُونَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فَيَلْغُو ذِكْرُ الشَّرْطِ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مَا لَوِ اشْتَرَطَ أَنْ لاَ خَسَارَةَ عَلَيْهِ أَوْ شَرَطَ أَنَّهُ

_________

(١) البدائع (٥ / ١٧٠ ط. جمالية) .

(٢) الدسوقي ٣ / ١١٢.

مَتَى نَفَقَ الْمَبِيعُ وَإِلاَّ رَدَّهُ فَهَذَا الشَّرْطُ لاَ يُبْطِل الْبَيْعَ (١) .

النَّوْعُ الرَّابِعُ: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى جَهَالَةٍ أَوْ أَمْرٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ كَمَا لَوْ بَاعَ بَقَرَةً وَشَرَطَ أَنْ تُدِرَّ كُل يَوْمٍ صَاعًا فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَصِحُّ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ (٢) .

_________

(١) الخرشي ٤ / ٣٢٨ (ط. بولاق)، مغني المحتاج ٢ / ٣٠٨ (ط. حلب)، (كشاف القناع ٣ / ١٩٣ ط. النصر) .

(٢) مغني المحتاج ٢ / ٣٣ - ٣٤.

شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا

التَّعْرِيفُ:

١ - الشَّرْعُ، وَالشَّرِيعَةُ، وَالشِّرْعَةُ فِي اللُّغَةِ: الطَّرِيقُ الظَّاهِرُ الَّذِي يُوصَل مِنْهُ إِلَى الْمَاءِ، يُقَال: شَرَعَتِ الإِْبِل شَرْعًا وَشُرُوعًا: إِذَا وَرَدَتِ الْمَاءَ (١) . وَالشَّرْعُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا سَنَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ مِنَ الدِّينِ وَأَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِهِ (٢) .

" وَمَنْ قَبْلَنَا " هُمُ الأَْنْبِيَاءُ الْمُرْسَلُونَ قَبْل نَبِيِّنَا إِلَى الأُْمَمِ السَّابِقَةِ.

فَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا هُوَ: مَا جَاءَ بِهِ الرُّسُل مِنَ الشَّرَائِعِ إِلَى الأُْمَمِ الَّتِي أُرْسِلُوا إِلَيْهَا قَبْل مَبْعَثِ النَّبِيِّ (٣) .

وَحْدَةُ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ:

٢ - الشَّرَائِعُ السَّمَاوِيَّةُ كُلُّهَا مِنْ مَصْدَرٍ

_________

(١) لسان العرب، تاج العروس.

(٢) روح المعاني في تفسير قوله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة منهاجًا) إلخ الآية (٤٨) من سورة المائدة. وحاشية الشيخ زادة على تفسير البيضاوي في تفسير الآية المذكورة.

(٣) تحفة المحتاج لابن حجر الهيثمي شرح المنهاج ١ / ٢٢، نهاية المحتاج ١ / ٣٢.

وَاحِدٍ، وَهُوَ اللَّهُ ﷾، فَهِيَ لِهَذَا مُتَّحِدَةُ الأُْصُول. فَلاَ تَخْتَلِفُ فِي أُصُول الدِّينِ، كَوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَوُجُوبِ إِخْلاَصِ الْعِبَادَةِ لَهُ. وَالإِْيمَانِ بِالْبَعْثِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ، وَالْمَلاَئِكَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُصُول الدِّينِ.

قَال اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (١) .

اخْتِلاَفُ الشَّرَائِعِ فِي الْفُرُوعِ:

٣ - الشَّرَائِعُ السَّمَاوِيَّةُ قَدْ تَخْتَلِفُ فِي الأَْحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ حَسَبَ اخْتِلاَفِ الزَّمَنِ وَالْبِيئَاتِ، وَبِسَبَبِ ظُرُوفٍ وَمُلاَبَسَاتٍ خَاصَّةٍ بِأُمَّةٍ مِنَ الأُْمَمِ فَتُحَرَّمُ بَعْضُ أُمُورٍ عَلَى أُمَّةٍ لأَِسْبَابٍ خَاصَّةٍ بِهَا.

كَمَا حُرِّمَ عَلَى الْيَهُودِ بَعْضُ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ، قَال تَعَالَى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُل ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ﴾ (٢) .

وَلَكِنْ هَل نَحْنُ مُتَعَبَّدُونَ بِفُرُوعِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا مِنَ الأُْمَمِ؟ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الأُْصُول

_________

(١) سورة الشورى / ١٣.

(٢) سورة الأنعام / ١٤٦.

وَالْفِقْهِ فِي ذَلِكَ.

وَهَل كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَعَبَّدُ قَبْل الْمَبْعَثِ بِشَرْعِ أَحَدٍ مِنَ الأَْنْبِيَاءِ؟ مِنْهُمْ مَنْ قَال: كَانَ يَتَعَبَّدُ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَى ذَلِكَ.

وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الاِخْتِلاَفِ الأُْصُولِيِّ وَالْكَلاَمِيِّ فَإِنَّ مَا هُوَ مِنَ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ وَإِنْ وَرَدَ مَا يَدُل عَلَى إِقْرَارِهِ فَهُوَ شَرْعٌ لَنَا وَإِنْ وَرَدَ مَا يَدُل عَلَى نَسْخِهِ فَلَيْسَ شَرْعًا لَنَا بِالاِتِّفَاقِ.

وَإِنْ سَكَتَ شَرْعُنَا عَنْ إِقْرَارِهِ وَنَسْخِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ شَرْعٌ لَنَا، ثَابِتُ الْحُكْمِ عَلَيْنَا، إِذَا قَصَّهُ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، وَلاَ تَقْرِيرٍ، فَلاَ نَأْخُذُ مِنْ أَحْبَارِهِمْ وَلاَ مِنْ كُتُبِهِمْ (١) .

وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ﴾، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ (٢) .

وقَوْله تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ (٣) .

وَقَالُوا: إِنَّ هَذِهِ الآْيَاتِ وَغَيْرَهَا تَدُل عَلَى

_________

(١) رد المحتار ١ / ٦٢، شرح العناية على الهداية مع فتح القدير ١ / ٤٣٧، الفصول في الأصول ١ / ١٩، تبصرة الحكام ٢ / ٩٣، مطالب أولي النهى ٤ / ٢٠٦.

(٢) سورة الأنعام الآيات ٨٣ - ٩٠.

(٣) سورة النحل / ١٢٣.

أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا مِنَ الأَْنْبِيَاءِ شَرْعٌ لَنَا، وَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لاَزِمَةً لَنَا بِنَفْسِ وُرُودِهَا فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ قَبْل مَبْعَثِ النَّبِيِّ ﷺ فَإِنَّهَا قَدْ صَارَتْ شَرِيعَةً لَنَا بِوُرُودِهَا عَلَى شَرِيعَتِنَا وَلَزِمَنَا أَحْكَامُهَا. بِنَاءً عَلَى هَذَا اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى آرَاءٍ فِقْهِيَّةٍ ذَهَبُوا إِلَيْهَا.

فَقَدِ اسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ (١) عَلَى وُجُوبِ قَتْل الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَالِحٍ ﵇، ﴿قَال هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ (٢) . عَلَى جَوَازِ قَسْمِ الشِّرْبِ بِالأَْيَّامِ، لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ نَبِيِّهِ صَالِحٍ بِذَلِكَ وَلَمْ يُعْقِبْهُ بِالنَّسْخِ فَصَارَتْ شَرِيعَةً لَنَا مُبْتَدَأَةً (٣) .

وَاسْتَدَل الْمَالِكِيَّةُ عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ بِالأَْمَارَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَل سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا﴾ (٤) . حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ يَعْقُوبَ ﵊ رَدًّا عَلَى قَوْل إِخْوَةِ يُوسُفَ ﴿إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ (٥) .

_________

(١) سورة المائدة / ٤٥.

(٢) سورة الشعراء / ١٥٥.

(٣) بدائع الصنائع ٦ / ١٨٨، ابن عابدين ٥ / ٣٤٣.

(٤) سورة يوسف / ١٨.

(٥) سورة يوسف / ١٧.

وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ أَحْكَامًا كَثِيرَةً: مِنْهَا: لَوْ وُجِدَ مَيِّتٌ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، وَهُوَ غَيْرُ مَخْتُونٍ وَعَلَيْهِ زُنَّارٌ فَلاَ يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، اسْتِنَادًا إِلَى هَذِهِ الأَْمَارَةِ (١) .

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَوْل الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ: إِنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا، وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ، وَقَالُوا: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَال لَهُ: كَيْفَ تَقْضِي؟ فَأَجَابَهُ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَال: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَال: فَبِسُنَّةِ رَسُول اللَّهِ ﷺ. قَال: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُول اللَّهِ ﷺ؟ قَال: أَجْتَهِدُ رَأْيِي (٢) .

وَلَمْ يَذْكُرْ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا فَزَكَّاهُ النَّبِيُّ ﷺ وَصَوَّبَهُ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَدَارِكِ الأَْحْكَامِ لَمَا جَازَ الْعُدُول إِلَى الاِجْتِهَادِ إِلاَّ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ (٣) .

وَتَفْصِيل الْمَوْضُوعِ وَأَدِلَّةُ الْمُخْتَلِفِينَ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.

_________

(١) تبصرة الحكام ٢ / ٩٣ تفسير القرطبي في تفسير الآية المذكورة.

(٢) حديث معاذ لما بعثه النبي ﷺ إلى اليمن، أخرجه الترمذي (٣ / ٦٠٧ - ط الحلبي) وأعله جمع من العلماء بجهالة راو فيه، وأعلوه كذلك بالإرسال. كذا في التلخيص لابن حجر (٤ / ١٨٢ - ١٨٣ - ط شركة الطباعة الفنية) .

(٣) المستصفى ١ / ٢٥٠ وما بعدها.

شَرْقَاءُ

.

انْظُرْ: أُضْحِيَّةٌ

شِرْكٌ

.

انْظُرْ: إِشْرَاكٌ، اشْتِرَاكٌ