الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٥
الأَْشْوَاطِ السَّبْعَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الرَّمَل وَدُونَ الْعَدْوِ. وَالسُّنَّةُ أَنْ يَمْشِيَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ. فَقَدْ كَانَ ﷺ يَسْعَى بَطْنَ الْمَسِيل إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (١) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُسَنُّ الْخَبَبُ فِي الذَّهَابِ مِنَ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَةِ فَقَطْ، وَلاَ يُسَنُّ فِي الإِْيَابِ.
وَسُنِّيَّةُ السَّعْيِ الشَّدِيدِ هَذِهِ تَخْتَصُّ بِالرِّجَال دُونَ النِّسَاءِ؛ لأَِنَّ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السِّتْرِ، فَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهِنَّ الْمَشْيُ فَقَطْ.
٢٣ - ح - الْمُوَالاَةُ بَيْنَ أَشْوَاطِ السَّعْيِ:
وَسُنِّيَّتُهَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، خِلاَفًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمُعْتَمَدِ، فَقَدْ جَعَلُوا الْمُوَالاَةَ بَيْنَ أَشْوَاطِ السَّعْيِ شَرْطًا لِصِحَّةِ السَّعْيِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَصَّل الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا: (٢) .
(١) إِنْ جَلَسَ فِي سَعْيِهِ وَكَانَ شَيْئًا خَفِيفًا أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ
_________
(١) حديث: كان ﷺ يسعى بطن المسيل إذا طاف. . . . أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٥٠٢ - ط السلفية) . ومسلم (٢ / ٩٢٠ - ط الحلبي)، من حديث ابن عمر.
(٢) شرح الرسالة وحاشية العدوي ١ / ٤٧١ - ٤٧٢، كشاف القناع ٢ / ٤٨٧.
طَال جُلُوسُهُ وَصَارَ كَالتَّارِكِ بِأَنْ كَثُرَ التَّفْرِيقُ، ابْتَدَأَ السَّعْيَ مِنْ جَدِيدٍ.
(٢) لاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَقِفَ مَعَ أَحَدٍ وَيُحَدِّثَهُ، فَإِنْ فَعَل وَكَانَ خَفِيفًا لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا، فَإِنْ كَثُرَ ابْتَدَأَ السَّعْيَ مِنْ جَدِيدٍ.
(٣) إِنْ أَصَابَهُ حَقْنٌ تَوَضَّأَ وَبَنَى عَلَى مَا سَبَقَ وَلَمْ يُعِدْ.
(٤) إِنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ تَمَادَى إِلاَّ أَنْ يَضِيقَ وَقْتُ الصَّلاَةِ فَلْيُصَل، ثُمَّ يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى لَهُ.
وَكُل ذَلِكَ لاَ يَضُرُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ قَل أَوْ كَثُرَ (١)، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنَ الْكَرَاهَةِ أَنْ يَقْطَعَ السَّعْيَ لإِقَامَةِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ بِالْجَمَاعَةِ، وَلِصَلاَةِ الْجِنَازَةِ، كَمَا فِي الطَّوَافِ، بَل هُوَ هُنَا أَوْلَى.
٢٤ - ط - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى سُنِّيَّةِ الاِضْطِبَاعِ فِي السَّعْيِ قِيَاسًا عَلَى الطَّوَافِ.
٢٥ - ي - اسْتَحَبَّ الْحَنَفِيَّةُ إِذَا فَرَغَ مِنَ السَّعْيِ أَنْ يَدْخُل الْمَسْجِدَ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ،
_________
(١) حتى قال النووي: وإن كان شهرا أو سنة أو أكثر، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور. المجموع ٨ / ٨١ - ٨٢.
لِيَكُونَ خَتْمُ السَّعْيِ كَخَتْمِ الطَّوَافِ، كَمَا ثَبَتَ أَنَّ مَبْدَأَهُ بِالاِسْتِلاَمِ كَمَبْدَئِهِ (١) .
وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلاَنِ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ. قَال الْجُوَيْنِيُّ: " حَسَنٌ وَزِيَادَةُ طَاعَةٍ ". وَقَال ابْنُ الصَّلاَحِ: " يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ ذَلِكَ لأَِنَّهُ ابْتِدَاعُ شِعَارٍ ". قَال النَّوَوِيُّ (٢): " وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الصَّلاَحِ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (٣) ".
مُبَاحَاتُ السَّعْيِ:
٢٦ - يُبَاحُ فِي السَّعْيِ مَا يُبَاحُ فِي الطَّوَافِ، بَل هُوَ أَوْلَى. وَمِنْ ذَلِكَ:
أ - الْكَلاَمُ الْمُبَاحُ الَّذِي لاَ يَشْغَلُهُ.
ب - الأَْكْل وَالشُّرْبُ.
ج - الْخُرُوجُ مِنْهُ لأَِدَاءِ مَكْتُوبَةٍ، أَوْ صَلاَةِ جِنَازَةٍ، عَلَى خِلاَفٍ لِلْمَالِكِيَّةِ (٤) .
مَكْرُوهَاتُ السَّعْيِ:
٢٧ - أ - الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالْحَدِيثُ، إِذَا كَانَ
_________
(١) فتح القدير ٢ / ١٥٦ - ١٥٧، ورد المحتار ٢ / ٢٣٥.
(٢) المجموع ٨ / ٨٤ - ٨٥.
(٣) انظر سنن السعي في المسلك المتقسط ص١٢٠ - ١٢١ وشرح الرسالة وحاشية العدوي ١ / ٤٧٠ - ٤٧٢ والمجموع ٨ / ٨٣ - ٨٥ ومغني المحتاج ١ / ٤٩٤ - ٤٩٥ والمغني ٣ / ٣٩٤ - ٣٩٨.
(٤) المسلك المتقسط ص١٢١.
شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى وَجْهٍ يَشْغَلُهُ عَنِ الْحُضُورِ، وَيَدْفَعُهُ عَنِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، أَوْ يَمْنَعُهُ عَنِ الْمُوَالاَةِ.
٢٨ - ب - تَأْخِيرُ السَّعْيِ عَنْ وَقْتِهِ الْمُخْتَارِ تَأْخِيرًا كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، بِإِبْعَادِهِ كَثِيرًا مِنَ الطَّوَافِ (١) .
وَوَرَدَتْ جُمْلَةٌ مِنَ الأَْدْعِيَةِ وَالأَْذْكَارِ الْمَأْثُورَةِ فِي السَّعْيِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَعَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، مِنْهَا مَا يَلِي:
٢٩ - أ - عِنْدَ التَّوَجُّهِ إِلَى الصَّفَا لِلسَّعْيِ يَذْهَبُ مِنْ أَيِّ بَابٍ يَتَيَسَّرُ لَهُ، وَيَقْرَأُ هَذِهِ الآْيَةَ: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ وَكَذَلِكَ عِنْدَمَا يَبْلُغُ الْمَرْوَةَ آخِرَ كُل شَوْطٍ.
لِفِعْل النَّبِيِّ ﷺ ذَلِكَ (٢) .
٣٠ - ب - إِذَا صَعِدَ عَلَى الصَّفَا وَقَفَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَرَى الْكَعْبَةَ الْمُعَظَّمَةَ، وَكَذَلِكَ إِذَا صَعِدَ عَلَى الْمَرْوَةِ تَوَجَّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَذَكَرَ وَدَعَا كَمَا فَعَل النَّبِيُّ ﷺ وَيُسَنُّ أَنْ يُطِيل الْقِيَامَ، وَيَقُول كَمَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: فَاسْتَقْبَل الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَال: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ
_________
(١) المسلك المتقسط ص١٢١ - ١٢٢.
(٢) حديث قراءة﴾ إن الصفا والمروة من شعائر الله ﴿عند الصفا أخرجه مسلم (٢ / ٨٨٨ - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله. سورة البقرة آية: ١٥٨.
الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَْحْزَابَ وَحْدَهُ. ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَال مِثْل هَذَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. . . حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَل عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَل عَلَى الصَّفَا (١) .
٣١ - ج - وَرَدَ مِنَ الدُّعَاءِ عَلَى الصَّفَا: " اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، وَإِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنِي لِلإِْسْلاَمِ أَلاَّ تَنْزِعَهُ مِنِّي حَتَّى تَتَوَفَّانِي وَأَنَا مُسْلِمٌ " (٢) .
" اللَّهُمَّ اعْصِمْنَا بِدِينِكَ وَطَوَاعِيَتِكَ، وَطَوَاعِيَةِ رَسُولِكَ، وَجَنِّبْنَا حُدُودَكَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا نُحِبُّكَ وَنُحِبُّ مَلاَئِكَتَكَ وَأَنْبِيَاءَكَ وَرُسُلَكَ، وَنُحِبُّ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ. اللَّهُمَّ يَسِّرْنَا لِلْيُسْرَى وَجَنِّبْنَا الْعُسْرَى، وَاغْفِرْ لَنَا فِي الآْخِرَةِ وَالأُْولَى، وَاجْعَلْنَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ " (٣) .
_________
(١) حديث الذكر عند الصفا والمروة. أخرجه مسلم (٢ / ٨٨٨ - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.
(٢) حديث ذكر: اللهم إنك قلت ادعوني أستجب لكم. أخرجه مالك في الموطأ (١ / ٣٧٢ - ٣٧٣ - ط الحلبي) . موقوفا على ابن عمر
(٣) دعاء: اللهم اعصمنا بدينك. أخرجه البيهقي (٥ / ٩٤ - ط دائرة المعارف العثمانية) موقوفا على ابن عمر.
٣٢ - د - عِنْدَ الْهُبُوطِ مِنَ الصَّفَا وَرَدَ هَذَا الدُّعَاءُ: " اللَّهُمَّ أَحْيِنِي عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّكَ، وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِهِ، وَأَعِذْنِي مِنْ مُضِلاَّتِ الْفِتَنِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ " (١) .
٣٣ - هـ - عِنْدَ السَّعْيِ الشَّدِيدِ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الأَْخْضَرَيْنِ: " رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، إِنَّكَ أَنْتَ الأَْعَزُّ الأَْكْرَمُ " (٢) .
٣٤ - و- عِنْدَ الاِقْتِرَابِ مِنَ الْمَرْوَةِ يَقْرَأُ ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ . ثُمَّ يَرْقَى عَلَى الْمَرْوَةِ وَيَقِفُ مُسْتَقْبِل الْقِبْلَةِ وَيَأْتِي مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ كَمَا عِنْدَ الصَّفَا، وَكَذَلِكَ عِنْدَمَا يَهْبِطُ مِنَ الْمَرْوَةِ يَدْعُو بِمَا سَبَقَ عِنْدَ الْهُبُوطِ مِنَ الصَّفَا؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ فَعَل عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَل عَلَى الصَّفَا (٣) . كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ.
وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَدِيثِ شَيْءٌ مِنَ الأَْدْعِيَةِ
_________
(١) فتح القدير ٢ / ١٥٥. وحديث: ذكر اللهم أحيني على سنة نبيك. أخرجه البيهقي (٥ / ٩٥ - ط دائرة المعارف العثمانية) موقوفا على ابن عمر.
(٢) ذكر: رب اغفر وارحم، إنك أنت الأعز الأكرم. أخرجه البيهقي (٥ / ٩٥ - ط دائرة المعارف العثمانية) موقوفا على ابن عمر وابن مسعود.
(٣) حديث: أن النبي ﷺ فعل على المروة كما فعل على الصفا. سبق تخريجه ف ٢٩.
وَالأَْذْكَارِ يُوَزَّعُ عَلَى أَشْوَاطِ السَّعْيِ وَيَخُصُّ كُل شَوْطٍ بِدُعَاءٍ، إِنَّمَا وَزَّعَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهَا أَدْعِيَةً مِنَ الْمَأْثُورِ فِي السَّعْيِ وَمِنْ غَيْرِهِ إِرْشَادًا لِلنَّاسِ، وَتَسْهِيلًا عَلَيْهِمْ لإِحْصَاءِ أَشْوَاطِ السَّعْيِ. وَهُوَ سُنَّةٌ بِغَيْرِ تَحْدِيدٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَجَعَل الْحَنَفِيَّةُ الدُّعَاءَ فِي السَّعْيِ مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ.
وَيَجْتَهِدُ فِي الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ بِأَنْوَاعِ الأَْذْكَارِ وَالأَْدْعِيَةِ فِي السَّعْيِ كُلِّهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَقْصُودٌ عَظِيمٌ، لِقَوْلِهِ ﷺ: إِنَّمَا جُعِل رَمْيُ الْجِمَارِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ (١) .
_________
(١) حديث: " إنما جعل رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله ". أخرجه الترمذي (٣ / ٢٣٧ - ط الحلبي) من حديث عائشة، وفي إسناده راو متكلم فيه، وذكر الذهبي هذا الحديث من مناكيره، كذا في " ميزان الاعتدال " (٣ / ٨ - ط الحلبي) .
سَفْتَجَة.
التَّعْرِيفُ:
١ - السُّفْتَجَةُ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِهَا، وَفَتْحِ التَّاءِ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. قَال فِي الْقَامُوسِ: السُّفْتَجَةُ كَقُرْطَقَةٍ، أَنْ يُعْطِيَ شَخْصٌ مَالًا لآِخَرَ، وَلِلآْخَرِ مَالٌ فِي بَلَدِ الْمُعْطِي فَيُوَفِّيَهُ إِيَّاهُ ثَمَّ. فَيَسْتَفِيدُ أَمْنَ الطَّرِيقِ (١) .
وَالسُّفْتَجَةُ اصْطِلاَحًا كَمَا قَال ابْنُ عَابِدِينَ: إِقْرَاضٌ لِسُقُوطِ خَطَرِ الطَّرِيقِ.
وَفِي الدُّسُوقِيِّ: هِيَ الْكِتَابُ الَّذِي يُرْسِلُهُ الْمُقْتَرِضُ لِوَكِيلِهِ بِبَلَدٍ لِيَدْفَعَ لِلْمُقْرِضِ نَظِيرَ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ بِبَلَدِهِ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْبَالُوصَةِ (٢) .
_________
(١) القاموس وفي الملحق بلسان العرب (قسم المصطلحات الفنية والعلمية) السفتجة: الكمبيالة، محرر صادر من دائن يكلف فيه مدينه دفع مبلغ معين في تاريخ معين لإذن شخص ثالث أو لإذن الدائن نفسه أو لإذن الحامل للمحرر.
(٢) حاشية ابن عابدين على الدر المختار ٤ / ٢٩٥، والدسوقي ٣ / ٢٢٥.
هَل السُّفْتَجَةُ قَرْضٌ أَوْ حَوَالَةٌ:؟
٢ - السُّفْتَجَةُ تُشْبِهُ الْحَوَالَةَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ يُحِيل الْمُقْرِضَ إِلَى شَخْصٍ ثَالِثٍ فَكَأَنَّهُ نَقَل دَيْنَ الْمُقْرِضِ مِنْ ذِمَّتِهِ إِلَى ذِمَّةِ الْمُحَال عَلَيْهِ، وَالْحَوَالَةُ لاَ تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا نَقْل الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ.
لَكِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ وَبَعْضَ الْحَنَفِيَّةِ - اعْتَبَرُوهَا مِنْ بَابِ الْقَرْضِ؛ لأَِنَّ الْكَلاَمَ فِي الْقَرْضِ الَّذِي يَجُرُّ مَنْفَعَةً هَل هُوَ جَائِزٌ أَوْ غَيْرُ جَائِزٍ، أَمَّا الْحَوَالَةُ فَهِيَ فِي دَيْنٍ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ فِعْلًا.
وَقَدْ ذَكَرَهَا بَعْضُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ كَالْحَصْكَفِيِّ وَالْمَرْغِينَانِيِّ فِي آخِرِ بَابِ الْحَوَالَةِ مَعَ ذِكْرِهَا فِي بَابِ الْقَرْضِ أَيْضًا.
وَقَال ابْنُ الْهُمَامِ وَالْبَابَرْتِيُّ: أَوْرَدَ الْقُدُورِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا لأَِنَّهَا مُعَامَلَةٌ فِي الدُّيُونِ كَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ، وَقَال الْكَرْمَانِيُّ: هِيَ فِي مَعْنَى الْحَوَالَةِ لأَِنَّهُ أَحَال الْخَطَرَ الْمُتَوَقَّعَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ. وَهَذَا مَا قَالَهُ الْحَصْكَفِيُّ، قَال: السُّفْتَجَةُ: إِقْرَاضٌ لِسُقُوطِ خَطَرِ الطَّرِيقِ، فَكَأَنَّهُ أَحَال الْخَطَرَ الْمُتَوَقَّعَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْحَوَالَةِ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ وَفِي نَظْمِ الْكَنْزِ لاِبْنِ الْفَصِيحِ:
وَكُرِهَتْ سَفَاتِجُ الطَّرِيقِ وَهِيَ إِحَالَةٌ عَلَى التَّحْقِيقِ. قَال شَارِحُهُ الْمَقْدِسِيُّ: لأَِنَّهُ يُحِيل صَدِيقَهُ عَلَيْهِ أَوْ مَنْ يَكْتُبُ إِلَيْهِ (١) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
٣ - الْقَرْضُ مِنَ الْقُرَبِ الْمَنْدُوبِ إِلَيْهَا، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ، شُرِعَ لِلتَّعَاوُنِ بَيْنَ النَّاسِ وَتَفْرِيجِ كُرَبِ الْمُحْتَاجِينَ بِمَا يَبْذُلُهُ الْمُقْرِضُ لِلْمُسْتَقْرِضِ الْمُحْتَاجِ، وَهُوَ لاَ يَطْلُبُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ سِوَى الثَّوَابَ مِنَ اللَّهِ ﷾، فَإِذَا طَلَبَ الْمُقْرِضُ مِنْ وَرَاءِ إِقْرَاضِهِ نَفْعًا خَاصًّا لَهُ مِنَ الْمُسْتَقْرِضِ فَقَدْ خَرَجَ بِذَلِكَ عَنْ مَوْضُوعِ الْقَرْضِ لأَِنَّهُ عَقْدُ إِرْفَاقٍ وَقُرْبَةٍ، وَلِذَلِكَ يَحْرُمُ إِذَا كَانَ يَجْلُبُ نَفْعًا لِلْمُقْرِضِ وَخَاصَّةً إِذَا شُرِطَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الْقَرْضِ، كَأَنْ يَشْتَرِطَ الْمُقْرِضُ زِيَادَةً عَمَّا أَقْرَضَ أَوْ أَجْوَدَ مِنْهُ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الرِّبَا، وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْمَعْرُوفَةِ: أَنَّ كُل قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ حَرَامٌ، رَوَى ذَلِكَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ. قَال: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الأَْحْمَرُ عَنْ
_________
(١) ابن عابدين ٤ / ١٧٤، ٢٩٥، ٢٩٦، وفتح القدير لابن الهمام وبهامشه العناية للبابر والكفاية للكرلاني ٦ / ٣٥٥، ٣٥٦، دار إحياء التراث، والدسوقي ٣ / ٢٢٥، ٢٢٦، والمهذب ١ / ٣١١، والمغني ٤ / ٣٥٤ - ٣٥٦.