الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٥
أثر غلاء الأسعار على نفقة الزوجة
البيع بالسعر المكتوب على السلعة
حكم تأخر السعي عن طواف الزيارة
أولا ما يكون للتخفيف عن المسافر
ثانيا أحكام السفر لغير التخفيف
تحريم السفر على المرأة إلا مع زوج أو محرم
إشراف الجار الأعلى على دار الجار الأسفل
هل يشترط حكم قاض بالحجر لترتب أحكامه عليه؟
إشهاد القاضي على حجره أو إعلانه
نقض قرار القاضي بالحجر بقرار قاض آخر
ادعاء الرشد أو السفه وإقامة البينة على ذلك
أثر السفه على الأيمان وكفارتها
أثر السفه في الأحكام المتعلقة بحقوق العباد
أثر السفه على الطلاق والخلع والظهار والإيلاء
أولا الإقرار بمال أو بدين أو غيره
خامسا إقراره بالقصاص أو بحد من الحدود
أثر السفه في العفو عن الجناية أو القصاص الثابت له
الامتناع عن إنقاذ السفينة من الغرق
ما يقبل السقوط من حقوق الله تعالى ومن حقوق العباد
سقوط الصلاة عن الحائض والنفساء
سقوط الصلاة عن المجنون والمغمى عليه
وجوب الحد بشرب الخمر أو غيره من المسكرات
ثانيا المسكرات الأخرى غير الخمر
حكم تناول البنج والأفيون والحشيشة
الجمع بين زوجتين في مسكن واحد أو في دار لكل واحدة بيت فيه
الجمع بين الزوجة وأقارب الزوج في مسكن واحد
زيارة الأبوين أو المحارم للزوجة في مسكنها
السكنى باعتبارها مترتبة على تصرف من التصرفات
متى يتحقق الغصب عند القائلين به
حكم دخول محل سكنى الغير بغير إذنه
حكم النظر في محل سكنى الغير دون إذن
حكم السكوت في المعاملات والعقود
سكوت الولي عند بيع أو شراء من تحت ولايته
سكوت المرأة عند استئذانها للنكاح
أولا من أقسام البيان عند الأصوليين
إعداد السلاح للجهاد والتدرب عليه
بيع السلاح لأهل الحرب وأهل الفتنة
اشتراط حمل السلاح لحد الحرابة (قطع الطريق)
السلام بوساطة الرسول أو الكتاب
السلام على المنشغل بالقراءة والذكر والتلبية والأكل، وعلى قاضي الحاجة وعلى من في الحمام ونحو ذلك.
السلام على الفساق وأرباب المعاصي
السلام على أهل الذمة وغيرهم من الكفار
استحباب السلام عند دخول بيت أو مسجد وإن لم يكن فيه أحد
إلقاء السلام على من يظن أنه لا يرد السلام
قول ﵇، عند ذكر نبي أو رجل من الصالحين
هل تلزم البينة في استحقاق السلب
بيع العين الغائبة الموصوفة في الذمة
الشروط التي ترجع إلى البدلين معا
الشرط الأول أن يكون المسلم فيه دينا موصوفا في الذمة
الشرط الثاني أن يكون المسلم فيه معلوما
الشرط الثالث أن يكون المسلم فيه مؤجلا
الشرط الرابع أن يكون الأجل معلوما
الشرط الخامس أن يكون المسلم فيه مقدور التسليم عند محله
الشرط السادس تعيين مكان الإيفاء
الأحكام المترتبة على السلم والمتعلقة به
تعذر المسلم فيه عند حلول الأجل
الاتفاق على تقسيط المسلم فيه على نجوم
الصورة الثانية من عقد السلم المؤقت
ذكر المالكية والشافعية لذلك شروطا
حكم التسميد بالنجاسة والأكل من ثمار الأشجار المسمدة بها
السماد في المزارعة أو المساقاة ونحوها
حكم صلاة الجماعة والجمعة في حق من يسمع الأذان
سماع خطبة الجمعة لمن تنعقد بهم
الأحكام الإجمالية ومواطن البحث
ثانيا السنة في اصطلاح الأصوليين
وقت استيفاء القصاص في قلع السن
الحكم إن نبتت السن المجني عليها بعد استيفاء القصاص
عود سن الجاني بعد استيفاء القصاص
القصاص في قطع غير المثغور سن مثغور
الحكم التكليفي لأداء السنن الرواتب
الوتر هل هو سنة راتبة أو واجب؟
ما يستحب وما يكره في السنن الرواتب
(٣) صلاة الرواتب في جماعة أو فرادى
حكم قراءة سورة الفاتحة في الصلاة
قراءة السورة في الركعتين الأخريين من الصلاة
تكرار السورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين
جمع السورتين من القرآن في ركعة واحدة
ثانيا السياسة الشرعية في المال
ثالثا السياسة الشرعية في الولايات
رابعا السياسة الشرعية في العقوبة
ثانيا اعتماد خطيب الجمعة على السيف
رابعا تحلية السيف بالذهب والفضة
الأحكام المتعلقة بالشارب (من الشرب)
الأحكام المتعلقة بالشارب (الشعر على الشفة العليا)
ثالثا الأخذ من الشارب يوم الجمعة
الأكل من الطعام الحلال فوق الشبع
أولا - ما يجب في الشجاج من قصاص أو أرش
ثانيا وقت الحكم بالقصاص أو الدية في الشجاج
ثالثا - كيفية استيفاء القصاص في الشجاج
أنواع المياه بالنسبة لحقي الشرب والشفة
القسم الثاني المياه الجارية في أنهار وسواقي مملوكة
القسم الثالث أن يكون المنبع مملوكا
شرط وجوب الانتفاع بالأنهار الخاصة ونحوها
تراجم فقهاء الجزء الخامس والعشرين
أبو بكر الفارسي (توفي في حدود ٣٥٠ هـ)
أبو القاسم الأنماطي (؟ - ٢٨٨ هـ)
زياد بن الحارث الصدائي (؟ -؟ -)
الشريف أبو جعفر (٤١١ - ٤٧٠ هـ)
محمد بن عبد الحكم (١٨٢ - ٢٦٨ هـ)
سِعَايَة
التَّعْرِيفُ:
١ - السِّعَايَةُ فِي الأَْصْل مِنَ السَّعْيِ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي كُل عَمَلٍ، خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا، وَفِي التَّنْزِيل: ﴿لِتُجْزَى كُل نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾ (١) ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِْنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ (٢) . فَيُقَال: سَعَى عَلَى الصَّدَقَةِ سَعْيًا وَسِعَايَةً: عَمِل فِي أَخْذِهَا، وَسَعَى الْعَبْدُ فِي فَكِّ رَقَبَتِهِ سِعَايَةً. وَسَعَى بِهِ سِعَايَةً إِلَى الْوَالِي: وَشَى (٣) .
وَمَعْنَاهَا الاِصْطِلاَحِيُّ لاَ يَخْرُجُ عَنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
_________
(١) سورة طه آية / ١٥.
(٢) سورة النجم / ٣٩.
(٣) لسان العرب، والمصباح المنير، والقاموس ومختار الصحاح، والمعجم الوسيط.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْعِتْقُ:
٢ - الْعِتْقُ فِي الاِصْطِلاَحِ إِزَالَةُ الرِّقِّ عَنْ الآْدَمِيِّ لاَ إِلَى مَالِكٍ، بَل تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَوَجْهُ الصِّلَةِ أَنَّ السِّعَايَةَ مِنَ الْوَسَائِل الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الْعِتْقِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسِّعَايَةِ:
السِّعَايَةُ إِلَى الْوَالِي:
٣ - السِّعَايَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَالسِّعَايَةُ بِحَقٍّ كَمَنْ يَسْعَى إِلَى السُّلْطَانِ بِمَنْ يُؤْذِيهِ، وَالْحَال أَنَّهُ لاَ يُدْفَعُ بِلاَ رَفْعٍ إِلَى السُّلْطَانِ، أَوْ سَعَى بِمَنْ يُبَاشِرُ الْفِسْقَ وَلاَ يَمْتَنِعُ بِنَهْيِهِ، فَهَذَا لاَ شَيْءَ فِيهِ وَلَوْ غَرَّمَ السُّلْطَانُ الْمَسْعِيَّ بِهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى السَّاعِي.
وَأَمَّا السِّعَايَةُ بِالنَّاسِ إِلَى الْوَالِي بِغَيْرِ حَقٍّ أَيِ الْوِشَايَةُ بِهِمْ فَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُفَسِّقَةِ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا شَهَادَةُ صَاحِبِهَا، وَلاَ تُقْبَل عِنْدَ الْقَاضِي، وَيُعَزَّرُ السَّاعِي بِهَا زَجْرًا لَهُ وَدَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَإِذَا غَرَّمَهُ السُّلْطَانُ شَيْئًا ضَمِنَ السَّاعِي (١) .
_________
(١) بدائع الصنائع ٤ / ١٢٣، ابن عابدين ٥ / ١٣٥، وروضة الطالبين ١١ / ٢٢٣، والقليوبي ٤ / ٣١٩.
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي (ضَمَان) .
السِّعَايَةُ فِي أَخْذِ الصَّدَقَةِ:
٤ - يَجِبُ عَلَى الإِْمَامِ بَعْثُ السُّعَاةِ لأَِخْذِ الزَّكَاةِ وَتَفْرِيقِهَا وَهُمُ الْعَامِلُونَ عَلَى الزَّكَاةِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ؛ وَلِمَا فِي ذَلِكَ السَّعْيِ مِنْ إِيصَال الْحُقُوقِ إِلَى أَهْلِهَا؛ وَلأَِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لاَ يَعْرِفُونَ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ السَّاعِي عَدْلًا فَقِيهًا بِأَبْوَابِ الزَّكَاةِ يَعْرِفُ مَا يَأْخُذُهُ وَمَنْ يَدْفَعُ إِلَيْهِ (١) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (زَكَاة) .
السِّعَايَةُ فِي الْعِتْقِ:
٥ - وَهُوَ: أَنْ يَعْتِقَ بَعْضُ عَبْدٍ، وَيَبْقَى بَعْضُهُ الآْخَرُ فِي الرِّقِّ، فَيَعْمَل الْعَبْدُ وَيَكْسِبَ، وَيَصْرِفَ ثَمَنَ كَسْبِهِ إِلَى مَوْلاَهُ فَسُمِّيَ كَسْبُهُ لِهَذَا الْغَرَضِ سِعَايَةً. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ السِّعَايَةِ: فَقَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِذَا أَعْتَقَ بَعْضَ مَمْلُوكِهِ فَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِهِ غَيْرَ مُشْتَرَكٍ عَتَقَ
_________
(١) شرح روض الطالب ١ / ٣٦٠، وحاشية القليوبي ٣ / ٣٠٩.
الْبَعْضُ الْمُعْتَقِ، ثُمَّ يَسْرِي إِلَى بَاقِيهِ وَلَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ، عَتَقَ نَصِيبُهُ ثُمَّ سَرَى الْعِتْقُ إِلَى بَاقِيهِ، وَعَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ قِيمَةُ مَا أَعْتَقَ مِنْ نَصِيبِهِ يَوْمَ الإِْعْتَاقِ. وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا بَقِيَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ فِي الرِّقِّ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ سِعَايَةٌ، وَلاَ لِلشَّرِيكِ اسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ (١) .
وَاسْتَدَلُّوا بِخَبَرِ: مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ مَمْلُوكِهِ فَعَلَيْهِ خَلاَصُهُ فِي مَالِهِ (٢) وَخَبَرِ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ (٣) وَخَبَرِ: إِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ
_________
(١) روضة الطالبين ١٢ / ١١٠، والمغني ٩ / ٣٣٦، والحطاب ٦ / ٣٣٦، وبدائع الصنائع ٤ / ٨٦، وفتح القدير ٤ / ٢٥٥.
(٢) حديث: (من أعتق شقيصا. .) . أخرجه البخاري (الفتح ٥ / ١٣٣ - ط السلفية) ومسلم (٢ / ١١٤٠ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري.
(٣) حديث: (من أعتق شركا له في عبد. .) . أخرجه البخاري (الفتح ٥ / ١٥١ - ط السلفية) ومسلم (٢ / ١١٣٩ - ط الحلبي) من حديث ابن عمر.
أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ لاَ وَكْسَ وَلاَ شَطَطَ ثُمَّ يَعْتِقُ (١) .
وَقَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُْمِّ: كُلٌّ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ يُبْطِل الاِسْتِسْعَاءَ فِي كُل حَالٍ، وَيَتَّفِقَانِ فِي ثَلاَثَةِ مَعَانٍ:
(١) إِبْطَال الاِسْتِسْعَاءِ.
(٢) ثُبُوتُ الرِّقِّ فِي حَال عُسْرِ الْمُعْتِقِ.
(٣) نَفَاذُ الْعِتْقُ إِنْ كَانَ مُوسِرًا (٢) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ السِّعَايَةَ ثَابِتَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَاسْتَدَلُّوا لِثُبُوتِهَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ مَمْلُوكِهِ فَعَلَيْهِ خَلاَصُهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ الْمَمْلُوكُ قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ اسْتُسْعِيَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ (٣) .
وَقَالُوا: فَقَدْ دَل هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ السِّعَايَةَ ثَابِتَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَضَمَانُ السِّعَايَةِ لَيْسَ ضَمَانَ إِتْلاَفٍ، وَلاَ ضَمَانَ فِي تَمَلُّكٍ بَل
_________
(١) حديث: (إذا كان العبد بين اثنين. . .) . أخرجه أبو داود (٤ / ٢٥٨ - ٢٥٩ - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث ابن عمر، وهو في مسلم (٣ / ١٢٨١ - ط الحلبي) بلفظ: " من أعتق عبدا بينه وبين آخر. . ".
(٢) كتاب الأم ٨ / ٥.
(٣) حديث: (من أعتق شقيصا من مملوكه. . .) . أخرجه البخاري (الفتح ٥ / ٢٤٩٢ - ط السلفية) .
ضَمَانُ احْتِبَاسٍ، وَضَمَانُ سَلاَمَةِ النَّفْسِ وَالرَّقَبَةِ حُصُول الْمَنْفَعَةِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِيمَنْ يَحِقُّ لَهُ خِيَارُ الاِسْتِسْعَاءِ، وَمَتَى؟ .
فَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: يَثْبُتُ حَقُّ خِيَارِ الاِسْتِسْعَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ مَمْلُوكِهِ أَوْ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.
فَإِنْ أَعْتَقَ بَعْضَ مَمْلُوكِهِ صَحَّ، وَيَسْعَى فِيمَا بَقِيَ وَإِنْ شَاءَ حَرَّرَهُ.
وَقَال الصَّاحِبَانِ: عَتَقَ كُلُّهُ.
وَإِنْ أَعْتَقَ شَرِيكٌ نَصِيبَهُ، فَلِشَرِيكِهِ خِيَارَاتٌ ثَلاَثَةٌ:
أَنْ يُحَرِّرَ نَصِيبَهُ أَيْضًا، أَوْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ الأَْوَّل وَيَرْجِعَ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ، أَوْ أَنْ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ، وَالاِسْتِسْعَاءُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ حَتَّى يَأْخُذَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، وَلاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لأَِنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ إِتْلاَفًا لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ، بَل بَقِيَ مُحْتَبِسًا عِنْدَ الْعَبْدِ بِحَقِّهِ بِحَيْثُ لاَ يُمْكِنُ اسْتِخْلاَصُهُ مِنْهُ، وَهُوَ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَهَذَا لاَ يَقْتَضِي الْفَصْل بَيْنَ الْيَسَارِ وَالإِْعْسَارِ فَيَثْبُتُ خِيَارُ السِّعَايَةِ فِي الْحَالَتَيْنِ.
وَقَال صَاحِبَاهُ: لاَ يَثْبُتُ الاِسْتِسْعَاءُ إِلاَّ فِي حَالَةِ إِعْسَارِ الشَّرِيكِ الْمُعْتِقِ نَصِيبَهُ.
أَمَّا إِنْ أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ مَمْلُوكِهِ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ أَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فِي مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَلاَ سِعَايَةَ؛ لأَِنَّ الإِْعْتَاقَ لاَ يَتَجَزَّأُ فَكَانَ الْمُعْتِقُ مُتْلِفًا نَصِيبَ شَرِيكِهِ، فَوَجَبَ الضَّمَانُ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُتْلِفِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ، وَكَانَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَلاَّ تَجِبَ السِّعَايَةُ حَال الإِْعْسَارِ أَيْضًا، وَأَلاَّ يَكُونَ الْوَاجِبُ إِلاَّ الضَّمَانَ فِي الْحَالَيْنِ؛ لأَِنَّ ضَمَانَ الْمُتْلَفَاتِ لاَ يَخْتَلِفُ بِالإِْعْسَارِ وَالْيَسَارِ، وَلَكِنْ عُدِل عَنْهَا لِلنَّصِّ، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي حَال الإِْعْسَارِ. قَالُوا: وَلاَ يَجُوزُ فِي الْعَبْدِ الْمُسْتَسْعَى التَّصَرُّفَاتُ النَّاقِلَةُ لِلْمِلْكِ، كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَلاَ يُورَثُ، وَهُوَ أَحَقُّ بِمَكَاسِبِهِ، وَيَخْرُجُ إِلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ أَوْ الإِْعْتَاقِ، وَلاَ يَعُودُ إِلَى الْعُبُودِيَّةِ مُطْلَقًا وَإِنْ عَجَزَ (١) .
_________
(١) ابن عابدين ٣ / ١٥، ١٦ (وبدائع الصنائع) ٤ / ٨٦ - ٨٨.
سِعْر
التَّعْرِيفُ:
١ - السِّعْرُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الَّذِي يُقَوَّمُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَجَمْعُهُ أَسْعَارٌ، وَقَدْ أَسْعَرُوا وَسَعَّرُوا: اتَّفَقُوا عَلَى سِعْرٍ.
يُقَال: شَيْءٌ لَهُ سِعْرٌ: إِذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ، وَلَيْسَ لَهُ سِعْرٌ: إِذَا أَفْرَطَ رُخْصُهُ (١) .
وَسِعْرُ السُّوقِ: مَا يُمْكِنُ أَنْ تُشْتَرَى بِهَا الْوَحْدَةُ أَوْ مَا شَابَهَهَا فِي وَقْتٍ مَا (٢) .
وَالتَّسْعِيرُ: تَقْدِيرُ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ لِلنَّاسِ سِعْرًا، وَإِجْبَارُهُمْ عَلَى التَّبَايُعِ بِمَا قَدَّرَهُ. وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (تَسْعِير) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (٣) .
_________
(١) لسان العرب والمصباح المنير.
(٢) قواعد الفقه للبركتي (٣٢١) وانظر الموسوعة ١٥ / ٢٥.
(٣) مطالب أولي النهى ٣ / ٦٢ وأسنى المطالب ٢ / ٣٨ وانظر الموسوعة ١١ / ٣١.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الثَّمَنُ:
٢ - الثَّمَنُ لُغَةً: مَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الشَّيْءُ. وَاصْطِلاَحًا: هُوَ مَا يَكُونُ بَدَلًا لِلْمَبِيعِ وَيَتَعَيَّنُ فِي الذِّمَّةِ. ر: مُصْطَلَحَ (ثَمَن) .
وَتَقَدَّمَ فِي مُصْطَلَحِ (ثَمَن) أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالسِّعْرِ: أَنَّ السِّعْرَ هُوَ مَا يَطْلُبُهُ الْبَائِعُ. أَمَّا الثَّمَنُ فَهُوَ مَا يَتَرَاضَى عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ.
ب - الْقِيمَةُ
٣ - الْقِيمَةُ لُغَةً: الثَّمَنُ الَّذِي يُقَوَّمُ بِهِ الْمَتَاعُ؛ أَيْ: يَقُومُ مَقَامَهُ، وَالْجَمْعُ: الْقِيَمُ (١) .
وَاصْطِلاَحًا: هِيَ الثَّمَنُ الْحَقِيقِيُّ لِلشَّيْءِ (٢) .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السِّعْرِ: أَنَّ السِّعْرَ مَا يَطْلُبُهُ الْبَائِعُ ثَمَنًا لِسِلْعَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُسَاوِيًا لِلثَّمَنِ الْحَقِيقِيِّ أَوْ أَزْيَدَ مِنْهُ أَوْ أَقَل.
_________
(١) المصباح المنير مادة (قوم) وانظر قواعد الفقه للبركتي ٤٣٨ فإنه قال: القيمة الثمن الذي يقاوم المتاع، أي يقوم مقامه.
(٢) المجلة م (١٥٤) .
أَحْكَامُ السِّعْرِ:
الْبَيْعُ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ:
٤ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - كَمَا قَال الْمِرْدَاوِيُّ - وَعَلَيْهِ الأَْصْحَابُ إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ بِسِعْرِ السُّوقِ الْيَوْمَ أَوْ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ لاَ يَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ، كَأَنْ يَقُول: بِعْتُكَ بِمَا يَظْهَرُ مِنَ السِّعْرِ بَيْنَ النَّاسِ الْيَوْمَ.
ثُمَّ قَال الْمِرْدَاوِيُّ: وَعَنْ أَحْمَدَ يَصِحُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ الْقَيِّمِ وَقَال: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَصُورَتُهَا: الْبَيْعُ مِمَّنْ يُعَامِلُهُ مِنْ خَبَّازٍ أَوْ لَحَّامٍ أَوْ سَمَّانٍ أَوْ غَيْرِهِمْ. يَأْخُذُ مِنْهُ كُل يَوْمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا، ثُمَّ يُحَاسِبُهُ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ عَلَى الْجَمِيعِ وَيُعْطِيهِ ثَمَنَهُ، فَمَنَعَهُ الأَْكْثَرُونَ وَجَعَلُوا الْقَبْضَ بِهِ غَيْرَ نَاقِلٍ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ قَبْضٌ فَاسِدٌ يَجْرِي مَجْرَى الْمَقْبُوضِ بِالْغَصْبِ؛ لأَِنَّهُ مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ.
وَالْقَوْل الثَّانِي: جَوَازُ الْبَيْعِ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ، وَهُوَ مَنْصُوصُ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَسَمِعْتُهُ يَقُول: هُوَ أَطْيَبُ لِقَلْبِ الْمُشْتَرَى مِنَ الْمُسَاوَمَةِ، يَقُول: لِي أُسْوَةٌ بِالنَّاسِ آخُذُ بِمَا يَأْخُذُ بِهِ غَيْرِي.
قَال: وَقَدْ أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى صِحَّةِ