الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٥
النِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْل، وَأَكْثَرُهُمْ يُجَوِّزُونَ عَقْدَ الإِْجَارَةِ بِأُجْرَةِ الْمِثْل، كَالْغَسَّال وَالْخَبَّازِ وَالْمَلاَّحِ وَقَيِّمِ الْحَمَّامِ وَالْمُكَارِي، وَالْبَيْعَ بِثَمَنِ الْمِثْل كَبَيْعِ مَاءِ الْحَمَّامِ.
فَغَايَةُ الْبَيْعِ بِالسِّعْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ بِثَمَنِ الْمِثْل فَيَجُوزُ. قَال: وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ وَهُوَ عَمَل النَّاسِ فِي كُل عَصْرٍ وَمِصْرٍ (١) .
وَرَاجِعْ مُصْطَلَحَ (بَيْع الاِسْتِجْرَارِ) .
زِيَادَةُ السِّعْرِ بَعْدَ إِخْبَارِ الرُّكْبَانِ بِهِ:
٥ - لَوِ اشْتَرَى شَخْصٌ مِنَ الرُّكْبَانِ بِغَيْرِ طَلَبِهِمْ مَتَاعًا قَبْل قُدُومِهِمْ الْبَلَدَ وَمَعْرِفَتِهِمُ السِّعْرَ بِأَقَل مِنْ سِعْرِ الْبَلَدِ، فَإِنَّهُمْ يُخَيَّرُونَ فَوْرًا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ لِلْغَبْنِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ تَلَقَّوُا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ - أَيْ صَاحِبُهُ - السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ (٢) . ر: مُصْطَلَحَ (بَيْع مَنْهِيّ عَنْهُ ف ١٣٠ وَمَا بَعْدَهَا) .
الإِْخْبَارُ بِالسِّعْرِ:
٦ - قَال فِي مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى: يَجِبُ عَلَى
_________
(١) ابن عابدين ٤ / ٢١ والدسوقي ٣ / ١٥ ومغني المحتاج ٢ / ١٦ ومطالب أولي النهى ٣ / ٤٠ وإعلام الموقعين ٤ / ٥ - ٦.
(٢) حديث: " لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه. . ". أخرجه مسلم (٣ / ١١٥٧ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
عَارِفٍ بِالسِّعْرِ إِخْبَارُ مُسْتَخْبِرٍ جَاهِلٍ بِهِ عَنْ سِعْرٍ جَهِلَهُ؛ لِوُجُوبِ نُصْحِ الْمُسْتَنْصِحِ (١)، لِحَدِيثِ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ (٢) .
نَقْصُ سِعْرِ الْمَغْصُوبِ:
٧ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ نَقْصِ قِيمَةِ الْعَيْنِ بِسَبَبِ تَغَيُّرِ الأَْسْعَارِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ يَضْمَنُ النَّقْصَ؛ لأَِنَّهُ يَضْمَنُ النَّقْصَ إِذَا تَلِفَتِ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ. فَكَذَلِكَ يَضْمَنُهُ إِذَا رَدَّ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ بَعْدَمَا نَقَصَ سِعْرُهَا (٣) . وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (غَصْب) .
أَثَرُ غَلاَءِ الأَْسْعَارِ عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ:
٨ - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَتِ النَّفَقَةُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ وَحَالِهَا ثُمَّ غَلاَ السِّعْرُ كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِأَنْ يَزِيدَ فِي الْفَرْضِ، وَلِلزَّوْجِ أَنْ يُنْقِصَ النَّفَقَةَ إِذَا رَخُصَتِ الأَْسْعَارُ (٤) .
_________
(١) مطالب أولي النهى ٣ / ٥٧.
(٢) حديث: " الدين النصيحة ". أخرجه مسلم (١ / ٧٤ - ط الحلبي) من حديث تميم الداري.
(٣) البدائع ٧ / ١٥٥ والدسوقي ٣ / ٤٥٢ - ٤٥٣ والقوانين الفقهية ص٣٢٤ ومغني المحتاج ٢ / ٢٨٧ والمغني ٥ / ٢٦٠.
(٤) فتح القدير ٣ / ٣٣١ - ٣٣٢.
نُقْصَانُ سِعْرِ الْمَسْرُوقِ:
٩ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ، إِلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ بِقِيمَةِ الْمَسْرُوقِ حِينَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ، وَبُلُوغِهِ نِصَابًا، فَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطِ الْقَطْعُ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: قَال الْحَصْكَفِيُّ: تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقْتَ السَّرِقَةِ وَوَقْتَ الْقَطْعِ وَمَكَانَهُ، بِتَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ لَهُمَا مَعْرِفَةٌ بِالْقِيمَةِ، وَلاَ قَطْعَ عِنْدَ اخْتِلاَفِ الْمُقَوِّمِينَ.
وَقَال الْكَاسَانِيُّ: إِنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ يُورِثُ شُبْهَةَ نُقْصَانٍ فِي الْمَسْرُوقِ وَقْتَ السَّرِقَةِ، لأَِنَّ الْعَيْنَ بِحَالِهَا قَائِمَةٌ لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَتَغَيُّرُ السِّعْرِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى السَّارِقِ أَصْلًا، فَيُجْعَل النُّقْصَانُ الطَّارِئُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ السَّرِقَةِ (١) .
الْبَيْعُ بِالسِّعْرِ الْمَكْتُوبِ عَلَى السِّلْعَةِ:
١٠ - ذَهَبَ الأَْكْثَرُونَ إِلَى مَنْعِ الْبَيْعِ بِالسِّعْرِ الْمَكْتُوبِ عَلَى السِّلْعَةِ إِذَا جَهِلَهُ الْعَاقِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا. وَأَجَازَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ.
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (رَقْم) .
_________
(١) البدائع ٧ / ٧٩ وابن عابدين مع الدر ٣ / ١٩٣ والمنتقى شرح الموطأ ٧ / ١٥٨، والقوانين الفقهية ص ٣٥٢ ومغني المحتاج ٤ / ١٥٨ وكشاف القناع ٦ / ١٣٢.
سَعْيٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - السَّعْيُ لُغَةً: مِنْ سَعَى يَسْعَى سَعْيًا؛ أَيْ: قَصَدَ أَوْ عَمِل أَوْ مَشَى أَوْ عَدَا (١)، وَيُسْتَعْمَل كَثِيرًا فِي الْمَشْيِ.
وَوَرَدَتِ الْمَادَّةُ فِي الْقُرْآنِ بِمَا يُفِيدُ مَعْنَى الْجِدِّ فِي الْمَشْيِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ: ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ (٢) وَقَال تَعَالَى: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَال يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ (٣) .
٢ - وَالسَّعْيُ فِي الاِصْطِلاَحِ: قَطْعُ الْمَسَافَةِ الْكَائِنَةِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ذَهَابًا وَإِيَابًا بَعْدَ طَوَافٍ فِي نُسُكِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الطَّوَافُ:
٣ - الطَّوَافُ هُوَ الدَّوَرَانُ حَوْل الْكَعْبَةِ عَلَى
_________
(١) القاموس المحيط.
(٢) سورة الجمعة / ٩.
(٣) سورة يس / ٢٠.
الصِّفَةِ الْمَعْرُوفَةِ. وَاسْتُعْمِل أَيْضًا بِمَعْنَى السَّعْيِ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ (١) . أَيْ: يَسْعَى.
وَفِي الأَْحَادِيثِ كَحَدِيثِ جَابِرٍ: حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ (٢) أَيْ: آخِرُ سَعْيِ النَّبِيِّ ﷺ.
وَتَقَدُّمُ الطَّوَافِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ السَّعْيِ.
أَصْل السَّعْيِ:
٤ - الأَْصْل فِي مَشْرُوعِيَّةِ السَّعْيِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ الآْيَةَ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَعَى فِي حَجِّهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَال: اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ (٣) .
وَقَدْ وَضَعَتِ الشَّرِيعَةُ السَّعْيَ عَلَى مِثَال
_________
(١) سورة البقرة / ١٥٨.
(٢) حديث جابر: حتى إذا كان آخر طوافه على المروة. أخرجه مسلم (٢ / ٨٨٨ - ط الحلبي) .
(٣) حديث: " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي ". أخرجه الدارقطني (٢ / ٢٥٦ - ط دار المحاسن) من حديث صفية بنت أبي تجراة وصححه ابن عبد الهادي كما في نصب الراية (٣ / ٥٦ - ط المجلس العلمي) .
سَعْيِ السَّيِّدَةِ هَاجَرَ عِنْدَمَا سَعَتْ بَيْنَهُمَا سَبْعَ مَرَّاتٍ لِطَلَبِ الْمَاءِ لاِبْنِهَا كَمَا فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَفِي آخِرِهِ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: قَال النَّبِيُّ ﷺ: فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا (١) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
٥ - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، لاَ يَصِحَّانِ بِدُونِهِ. وَهُوَ قَوْل عَائِشَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ السَّعْيَ وَاجِبٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلَيْسَ بِرُكْنٍ فِيهِمَا، فَمَنْ تَرَكَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ، وَإِنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ لاَ يَجِبُ بِتَرْكِهِ دَمٌ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ سِيرِينَ (٢) .
_________
(١) حديث سعي السيدة هاجر عندما سعت بين موضع الصفا والمروة. أخرجه البخاري (الفتح ٦ / ٣٩٦ - ط السلفية) .
(٢) انظر المذاهب والأدلة في فتح القدير ٢ / ١٥٧ - ١٥٨، والبدائع ٢ / ١٣٣، ١٤٣، ورد المحتار ٢ / ٢٠٢ وشرح الرسالة ١ / ٤٧١ والشرح الكبير ٢ / ٣٤ وشرح المنهاج ٢ / ١٢٦ - ١٢٧، المهذب والمجموع ٨ / ٧١ - ٧٢ و٧٣ - ٧٥، والمغني ٣ / ٣٨٨ - ٣٨٩ والفروع ٣ / ٥١٧، وفيه قول المرادي: " والصواب أنه واجب ". وانظر كشاف القناع ٥ / ٢١.
وَسَبَبُ الْخِلاَفِ أَنَّ الآْيَةَ الْكَرِيمَةَ: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ. . .﴾ لَمْ تُصَرِّحْ بِحُكْمِ السَّعْيِ، فَآل الْحُكْمُ إِلَى الاِسْتِدْلاَل بِالسُّنَّةِ وَبِحَدِيثِ: اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمِ السَّعْيَ (١) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ ﵁ قَال: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ فَقَال: بِمَا أَهْلَلْتَ؟ قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلاَل النَّبِيِّ ﷺ. قَال: هَل سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ؟ قُلْتُ: لاَ. قَال: فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حِل (٢) .
فَاسْتَدَل بِذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ؛ لأَِنَّ " كَتَبَ " بِمَعْنَى فَرَضَ؛ وَلأَِنَّهُ ﷺ أَمَرَ أَبَا مُوسَى بِالسَّعْيِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحِل فَيَكُونُ فَرْضًا.
وَاسْتَدَل بِهِ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الْوُجُوبِ؛ لأَِنَّهُ كَمَا قَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: " مِثْلُهُ لاَ يَزِيدُ عَلَى إفَادَةِ
_________
(١) حديث: " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي ". سبق تخريجه ف٤.
(٢) حديث أبي موسى: قدمت على النبي ﷺ وهو بالبطحاء. أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٤١٦ - ٥٥٩ - ط السلفية) ومسلم (٢ / ٨٩٥ - ط الحلبي) .
الْوُجُوبِ، وَقَدْ قُلْنَا بِهِ. أَمَّا الرُّكْنُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ. فَإِثْبَاتُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ (١) ". يَعْنِي بِغَيْرِ دَلِيلٍ يَصْلُحُ لإِثْبَاتِ الرُّكْنِيَّةِ. وَاسْتَدَل لِلْقَوْل بِالسُّنِّيَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ (٢) . وَنَفْيُ الْحَرَجِ عَنْ فَاعِلِهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ، فَإِنَّ هَذَا رُتْبَةُ الْمُبَاحِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ سُنِّيَّتُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ (٣) .
صِفَةُ السَّعْيِ:
٦ - بَعْدَ انْتِهَاءِ الْحَاجِّ أَوِ الْمُعْتَمِرِ مِنَ الطَّوَافِ يَتَوَجَّهُ إِلَى الصَّفَا لِيَبْدَأَ السَّعْيَ مِنْهَا، فَيَرْقَى عَلَى الصَّفَا، وَيَسْتَقْبِل الْكَعْبَةَ الْمُشَرَّفَةَ، وَيُوَحِّدُ اللَّهَ وَيُكَبِّرُهُ، وَيَأْتِي بِالذِّكْرِ الْوَارِدِ، ثُمَّ يَسِيرُ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَرْوَةِ، فَإِذَا حَاذَى الْمِيلَيْنِ (الْعَمُودَيْنِ) الأَْخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي جِدَارِ الْمَسْعَى اشْتَدَّ وَأَسْرَعَ مَا اسْتَطَاعَ، وَهَكَذَا إِلَى الْعَمُودَيْنِ التَّالِيَيْنِ الأَْخْضَرَيْنِ، ثُمَّ يَمْشِي الْمَشْيَ الْمُعْتَادَ حَتَّى يَصِل إِلَى الْمَرْوَةِ فَيَصْعَدَ عَلَيْهَا. وَيُوَحِّدُ وَيُكَبِّرُ كَمَا فَعَل عَلَى الصَّفَا، وَهَذَا شَوْطٌ وَاحِدٌ.
_________
(١) فتح القدير ٢ / ١٥٨.
(٢) سورة البقرة / ١٥٨.
(٣) المغني ٣ / ٣٨٩ والآية من سورة البقرة / ١٥٨.
ثُمَّ يَشْرَعُ فِي الشَّوْطِ الثَّانِي فَيَتَوَجَّهُ مِنَ الْمَرْوَةِ إِلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا حَاذَى الْعَمُودَيْنِ الأَْخْضَرَيْنِ اشْتَدَّ وَأَسْرَعَ كَثِيرًا حَتَّى يَصِل إِلَى الْعَمُودَيْنِ التَّالِيَيْنِ، ثُمَّ يَمْشِي الْمَشْيَ الْمُعْتَادَ إِلَى أَنْ يَصِل إِلَى الصَّفَا فَيَرْقَى عَلَيْهَا، وَيَسْتَقْبِل الْكَعْبَةَ، وَيُوَحِّدَ اللَّهَ وَيُكَبِّرَهُ، وَيَدْعُوَ كَمَا فَعَل أَوَّلًا، وَهَذَا شَوْطٌ ثَانٍ، ثُمَّ يَعُودَ إِلَى الْمَرْوَةِ وَهَكَذَا حَتَّى يَعُدَّ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَنْتَهِي آخِرُهَا عِنْدَ الْمَرْوَةِ.
فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَقَطْ أَوْ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَقَدْ قَضَى عُمْرَتَهُ وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ، وَيَتَحَلَّل التَّحَلُّل الْكَامِل. وَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا لِلْحَجِّ أَوْ قَارِنًا فَلاَ يَحْلِقُ وَلاَ يُقَصِّرُ، بَل يَظَل مُحْرِمًا حَتَّى يَتَحَلَّل بِأَعْمَال يَوْمِ النَّحْرِ.
(ر: إِحْرَام ف: ١٢٣ - ١٢٦ وَحَجّ ف ٨٢) .
رُكْنُ السَّعْيِ:
٧ - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ فِي الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، قَالُوا: إِنَّ الْقَدْرَ الَّذِي لاَ يَتَحَقَّقُ السَّعْيُ بِدُونِهِ: سَبْعَةُ أَشْوَاطٍ يَقْطَعُهَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، لِفِعْل النَّبِيِّ ﷺ وَلإِجْمَاعِ الأُْمَّةِ سَلَفًا فَخَلَفًا عَلَى السَّعْيِ كَذَلِكَ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَكْفِي لإِسْقَاطِ الْوَاجِبِ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ؛ لأَِنَّهَا أَكْثَرُ السَّعْيِ، وَلِلأَْكْثَرِ
حُكْمُ الْكُل، فَلَوْ سَعَى أَقَل مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ، أَمَّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لأَِدَاءِ مَا نَقَصَ وَلَوْ كَانَ خُطْوَةً، وَلاَ يَتَحَلَّل مِنْ إِحْرَامِهِ إِلاَّ بِذَلِكَ.
وَيَحْصُل الرُّكْنُ بِكَوْنِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الأَْشْوَاطِ الْمَفْرُوضَةِ، سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْل نَفْسِهِ أَوْ بِفِعْل غَيْرِهِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ الرُّقِيُّ عَلَيْهِمَا بَل يَكْفِي أَنْ يُلْصِقَ عَقِبَيْهِ بِهِمَا، وَكَذَا عَقِبَيْ حَافِرِ دَابَّتِهِ إِذَا كَانَ رَاكِبًا، وَهَذَا هُوَ الأَْحْوَطُ، أَوْ يُلْصِقُ عَقِبَيْهِ فِي الاِبْتِدَاءِ بِالصَّفَا وَأَصَابِعِ رِجْلَيْهِ بِالْمَرْوَةِ، وَفِي الرُّجُوعِ عَكْسُهُ، وَهَذَا هُوَ الأَْظْهَرُ.
لَكِنْ تَصْوِيرُهُمَا إِنَّمَا كَانَ يُتَصَوَّرُ فِي الْعَهْدِ الأَْوَّل حَيْثُ يُوجَدُ كُلٌّ مِنْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مُرْتَفِعًا عَنِ الأَْرْضِ، وَأَمَّا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَلِكَوْنِهِ قَدْ دُفِنَ كَثِيرٌ مِنْ أَجْزَائِهِمَا لاَ يُمْكِنُ حُصُول مَا ذُكِرَ فِيهِمَا، فَيَكْفِي الْمُرُورُ فَوْقَ أَوَائِلِهِمَا (١) .
_________
(١) انظر في أركان السعي مع المراجع السابقة: المسلك المتقسط ص١١٧ - ١١٨ و١٢٠ الشرطان الأول والسابع، وبدائع الصنائع ٢ / ١٣٥، وشرح الرسالة ١ / ٤٧١ - ٤٧٢، ومغني المحتاج ١ / ٣٩٣ والمغني ٣ / ٣٨٦ - ٣٨٧ والمحلى ٧ / ١٩٦.