الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٤
مِنْ زَمْزَمَ: قَال: فَشَرِبْتَ مِنْهَا كَمَا يَنْبَغِي؟ قَال: فَكَيْفَ؟ قَال: إِذَا شَرِبْتَ مِنْهَا فَاسْتَقْبِل الْكَعْبَةَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَنَفَّسْ ثَلاَثًا مِنْ زَمْزَمَ، وَتَضَلَّعْ مِنْهَا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَاحْمَدِ اللَّهَ تَعَالَى.
وَمِنْهَا: أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْبَيْتِ فِي كُل مَرَّةٍ يَتَنَفَّسُ مِنْ زَمْزَمَ، وَيَنْضَحُ مِنَ الْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَصَدْرِهِ، وَيُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ عِنْدَ شُرْبِهِ، وَيَشْرَبُهُ لِمَطْلُوبِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، وَيَقُول عِنْدَ شُرْبِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ﷺ أَنَّهُ قَال: مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ (١) وَأَنَا أَشْرَبُهُ لِكَذَا - وَيَذْكُرُ مَا يُرِيدُ دِينًا وَدُنْيَا - اللَّهُمَّ فَافْعَل ذَلِكَ بِفَضْلِكَ، وَيَدْعُو بِالدُّعَاءِ الَّذِي كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ﵄ يَدْعُو بِهِ إِذَا شَرِبَ مَاءَ زَمْزَمَ وَهُوَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا وَاسِعًا، وَشِفَاءً مِنْ كُل دَاءٍ (٢) .
وَنَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ شُرْبَ مَاءِ زَمْزَمَ لِنَيْل الْمَطْلُوبِ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ شَامِلٌ لِمَا لَوْ شَرِبَهُ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ خَاصًّا بِالشَّارِبِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ كَذَلِكَ، بَل يُحْتَمَل تَعَدِّي ذَلِكَ إِلَى الْغَيْرِ، فَإِذَا شَرِبَهُ إِنْسَانٌ بِقَصْدِ وَلَدِهِ أَوْ أَخِيهِ
_________
(١) حديث: " ماء زمزم لما شرب له ". أخرجه ابن ماجه (٢ / ١٠١٨ - ط الحلبي) وفي إسناده ضعف كما قال البوصيري، ولكن له طرق أخرى كما في المقاصد الحسنة للسخاوي (ص ٣٥٧ - ط السعادة) يكون بها صحيحا.
(٢) الاختيار ١ / ١٥٥، مواهب الجليل ٣ / ١١٠ - ١١٦، ونهاية المحتاج ٣ / ٣٠٩، والمغني ٣ / ٤٤٥.
مَثَلًا حَصَل لَهُ ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ إِذَا شَرِبَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ. (١)
وَنَصَّ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ الْجُلُوسُ عِنْدَ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ كَغَيْرِهِ، وَقَالُوا: إِنَّ مَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ قَال: سَقَيْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ مِنْ زَمْزَمَ وَهُوَ قَائِمٌ (٢) مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَمُعَارِضٌ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَاصِمٍ قَال: ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعِكْرِمَةَ فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا فَعَل - أَيْ مَا شَرِبَ قَائِمًا - لأَِنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ رَاكِبًا (٣) .
ج - نَقْل مَاءِ زَمْزَمَ:
٥ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّزَوُّدُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَنَقْلُهُ؛ لأَِنَّهُ يُسْتَخْلَفُ، فَهُوَ كَالثَّمَرَةِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ يَزُول فَلاَ يَعُودُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّزَوُّدُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَحَمْلُهُ إِلَى الْبِلاَدِ فَإِنَّهُ شِفَاءٌ لِمَنِ اسْتَشْفَى، (٤) وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِل مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَتُخْبِرُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَ
_________
(١) نهاية المحتاج ٣ / ٣٠٩، والجمل ٢ / ٤٨٢.
(٢) حديث ابن عباس: " سقيت رسول الله ﷺ من زمزم ". أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٤٩٢ - ط السلفية) .
(٣) فتح الباري ٣ / ٤٩٣، والجمل ٢ / ٤٨٢.
(٤) رد المحتار ٢ / ٢٥٦، مواهب الجليل ٣ / ١١٥، القليوبي ٢ / ١٤٣، كشاف القناع ٢ / ٤٧٢، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ١ / ٢٥٨ - ٢٥٩.
يَحْمِلُهُ، وَرَوَى غَيْرُ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَحْمِلُهُ وَكَانَ يَصُبُّهُ عَلَى الْمَرْضَى وَيَسْقِيهِمْ (١)، وَأَنَّهُ حَنَّكَ بِهِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا (٢)، وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ اسْتَهْدَى سُهَيْل بْنَ عَمْرٍو مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ (٣)، وَفِي تَارِيخِ الأَْزْرَقِيِّ " أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَعْجَل سُهَيْلًا فِي إِرْسَال ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ بَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِرَاوِيَتَيْنِ " (٤) .
د - اسْتِعْمَال مَاءِ زَمْزَمَ:
٦ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّطْهِيرَ بِمَاءِ زَمْزَمَ
_________
(١) حديث عائشة: " أنها كانت تحمل من ماء زمزم ". أخرجه الترمذي (٣ / ٢٨٦ - ط الحلبي) . ورواية: " كان يحمله وكان يصبه على المرضى ويسقيهم ". أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (٣ / ١٨٩ - ط دائرة المعارف العثمانية) من ترجمة خلاد بن يزيد الجعفي، وقال عن خلاد هذا: " لا يتابع عليه ".
(٢) حديث: " أنه ﷺ حنك بماء زمزم الحسن. . . " ذكره صاحب رد المحتار (٢ / ٢٥٦ - ط الميمنية) ولم نهتد إليه في المراجع الموجودة لدينا.
(٣) حديث ابن عباس: " أن رسول الله ﷺ استهدى سهيل بن عمرو. . . " أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٢٨٦ - ط القدسي) وقال: " رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه عبد الله بن المؤمل المخزومي، وثقه ابن سعد وابن حبان وقال: يخطئ، وضعفه جماعة
(٤) حديث: " استعجال النبي ﷺ سهيلا في إرسال ماء زمزم " أخرجه الأزرقي في أخبار مكة (١ / ٢٩٠ - ط ليدن) من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين مرسلا. والرواية: المزادة فيها الماء، والدابة التي يستقى عليها الماء. (المعجم الوسيط) .
صَحِيحٌ، وَنَقَل الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي، وَالنَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الإِْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ.
وَفِي اسْتِعْمَال مَاءِ زَمْزَمَ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَفِي إِزَالَةِ الْخَبَثِ تَفْصِيلٌ (١) يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (آبَارٍ) الْمَوْسُوعَةُ الْفِقْهِيَّةُ (١ / ٩١) .
هـ - فَضْل مَاءِ زَمْزَمَ:
٧ - فِي فَضْل مَاءِ زَمْزَمَ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: خَيْرُ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الأَْرْضِ مَاءُ زَمْزَمَ، فِيهِ طَعَامٌ مِنَ الطُّعْمِ وَشِفَاءٌ مِنَ السَّقَمِ (٢) أَيْ أَنَّ شُرْبَ مَائِهَا يُغْنِي عَنِ الطَّعَامِ وَيَشْفِي مِنَ السَّقَامِ، لَكِنْ مَعَ الصِّدْقِ، كَمَا وَقَعَ لأَِبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ أَقَامَ شَهْرًا بِمَكَّةَ لاَ قُوتَ لَهُ إِلاَّ
_________
(١) رد المحتار على الدر المختار ١ / ١٢٠ - ١٢١، والفواكه الدواني على كفاية الطالب ١ / ١٢٨، ومواهب الجليل ٢ / ٢٠٨، ٣ / ١١٥ - ١١٦، وجواهر الإكليل ١ / ١٠٦، وحاشية الدسوقي ١ / ٤٠٧، وحاشية الجمل ٢ / ١٤٥، ونهاية المحتاج ١ / ١٢٩، وأسنى المطالب ١ / ٣٠٠، وحاشية البيجوري على شرح ابن قاسم ١ / ٢٨، وبجيرمي على الخطيب ١ / ٦٥ - ٦٦، وكشاف القناع ١ / ٢٨، وشفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ١ / ٢٥٨، وفتح القدير ٢ / ١٨٩.
(٢) حديث: " خير ماء على وجه الأرض ". أخرجه الطبراني (١١ / ٩٨ - ط وزارة الأوقاف العراقية) وأورده الهيثمي في المجمع (٣ / ٢٨٦ - ط القدسي) وقال: " رواه الطبراني ورجاله ثقات ".
مَاءَ زَمْزَمَ، وَرَوَى الأَْزْرَقِيُّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: تَنَافَسَ النَّاسُ فِي زَمْزَمَ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى أَنْ كَانَ أَهْل الْعِيَال يَفِدُونَ بِعِيَالِهِمْ فَيَشْرَبُونَ فَيَكُونُ صَبُوحًا لَهُمْ، وَقَدْ كُنَّا نَعُدُّهَا عَوْنًا عَلَى الْعِيَال، قَال الْعَبَّاسُ: وَكَانَتْ زَمْزَمُ تُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ شُبَاعَةَ (١) .
قَال الأَْبِيُّ: هُوَ لِمَا شُرِبَ لَهُ، جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لإِسْمَاعِيل وَأُمِّهِ هَاجَرَ طَعَامًا وَشَرَابًا، وَحَكَى الدَّيْنَوَرِيُّ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ قَال: كُنَّا عِنْدَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَحَدَّثَنَا بِحَدِيثِ مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَجْلِسِ ثُمَّ عَادَ فَقَال: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَلَيْسَ الْحَدِيثُ الَّذِي حَدَّثْتَنَا فِي مَاءِ زَمْزَمَ صَحِيحًا؟ قَال: نَعَمْ، قَال الرَّجُل: فَإِنِّي شَرِبْتُ الآْنَ دَلْوًا مِنْ زَمْزَمَ عَلَى أَنَّكَ تُحَدِّثُنِي بِمِائَةِ حَدِيثٍ، فَقَال لَهُ سُفْيَانُ: اقْعُدْ، فَقَعَدَ فَحَدَّثَهُ بِمِائَةِ حَدِيثٍ. وَدَخَل ابْنُ الْمُبَارَكِ زَمْزَمَ فَقَال: اللَّهُمَّ إِنَّ ابْنَ الْمُؤَمَّل حَدَّثَنِي عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَشْرَبُهُ لِعَطَشِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ (٢) .
وَمَاءُ زَمْزَمَ شَرَابُ الأَْبْرَارِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَال: صَلُّوا فِي مُصَلَّى
_________
(١) حاشية الجمل ٢ / ٤٨٢، تهذيب الأسماء واللغات ٣ / ١٣٩.
(٢) فتح القدير ٢ / ١٨٩، ١٩٠، وجواهر الإكليل ١ / ١٧٩.
الأَْخْيَارِ وَاشْرَبُوا مِنْ شَرَابِ الأَْبْرَارِ، قِيل: مَا مُصَلَّى الأَْخْيَارِ؟ قَال: تَحْتَ الْمِيزَابِ، قِيل: وَمَا شَرَابُ الأَْبْرَارِ؟ قَال: مَاءُ زَمْزَمَ وَأَكْرِمْ بِهِ مِنْ شَرَابٍ (١) .
وَقَال الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: إِنَّ حِكْمَةَ غَسْل صَدْرِ النَّبِيِّ ﷺ بِمَاءِ زَمْزَمَ لِيَقْوَى بِهِ ﷺ عَلَى رُؤْيَةِ مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ؛ لأَِنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ مَاءِ زَمْزَمَ أَنَّهُ يُقَوِّي الْقَلْبَ وَيُسْكِنُ الرَّوْعَ. (٢) رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: فُرِجَ سَقْفِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَل جِبْرِيل ﵇ فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَبَرِحَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا (٣) .
زَمَّارَةٌ
انْظُرْ: مَلاَهِي.
_________
(١) حاشية البجيرمي على الخطيب ١ / ٦٦.
(٢) شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ١ / ٢٤٧.
(٣) حديث: " فرج سقفي وأنا بمكة. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٤٩٢ - ط السلفية) .
زِنَى
التَّعْرِيفُ:
١ - الزِّنَى: الْفُجُورُ (١) .
وَهَذِهِ لُغَةُ أَهْل الْحِجَازِ، وَبَنُو تَمِيمٍ يَقُولُونَ: زَنَى زِنَاءً: وَيُقَال: زَانَى مُزَانَاةً، وَزِنَاءً بِمَعْنَاهُ.
وَشَرْعًا: عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِتَعْرِيفَيْنِ: أَعَمُّ، وَأَخَصُّ. فَالأَْعَمُّ: يَشْمَل مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَمَا لاَ يُوجِبُهُ، وَهُوَ وَطْءُ الرَّجُل الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُل فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ.
قَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلزِّنَى فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ.
فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَخُصَّ اسْمَ الزِّنَى بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ مِنْهُ بَل هُوَ أَعَمُّ. وَالْمُوجِبُ لِلْحَدِّ مِنْهُ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ. وَلِذَا قَال النَّبِيُّ ﷺ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا
_________
(١) لسان العرب والقاموس المحيط والمصباح المنير مادة: (زنا) .
الْعَيْنِ النَّظَرُ. . . (١) الْحَدِيثُ. وَلَوْ وَطِئَ رَجُلٌ جَارِيَةَ ابْنِهِ لاَ يُحَدُّ لِلزِّنَا، وَلاَ يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِالزِّنَا، فَدَل عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ زِنًا وَإِنْ كَانَ لاَ يُحَدُّ بِهِ.
وَالْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ الأَْخَصُّ لِلزِّنَى: هُوَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَهُوَ " وَطْءُ مُكَلَّفٍ طَائِعٍ مُشْتَهَاةً حَالًا أَوْ مَاضِيًا فِي قُبُلٍ خَالٍ مِنْ مِلْكِهِ وَشُبْهَتِهِ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، أَوْ تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ تَمْكِينُهَا ". وَعَرَّفَهُ الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنَّهُ وَطْءُ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ فَرْجَ آدَمِيٍّ لاَ مِلْكَ لَهُ فِيهِ بِلاَ شُبْهَةٍ تَعَمُّدًا.
وَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِيلاَجُ حَشَفَةٍ أَوْ قَدْرِهَا فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ مُشْتَهًى طَبْعًا بِلاَ شُبْهَةٍ.
وَعَرَّفَهُ الْحَنَابِلَةُ: بِأَنَّهُ فِعْل الْفَاحِشَةِ فِي قُبُلٍ أَوْ فِي دُبُرٍ (٢) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْوَطْءُ، وَالْجِمَاعُ:
٢ - أَصْل الْوَطْءِ فِي اللُّغَةِ: الدَّوْسُ بِالْقَدَمِ،
_________
(١) حديث: " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا. . . " أخرجه البخاري (الفتح ١١ / ٢٦ - ط السلفية)، ومسلم (٤ / ٢٠٤٦ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(٢) شرح فتح القدير ٥ / ٣١، دار إحياء التراث العربي، حاشية ابن عابدين ٣ / ١٤١ دار إحياء التراث العربي، حاشية الدسوقي ٤ / ٣١٣ دار الفكر، مغني المحتاج ٤ / ١٤٣ دار إحياء التراث العربي، حاشية الجمل على المنهج ٥ / ١٢٨ دار إحياء التراث العربي، مطالب أولي النهى ٦ / ١٧٢ منشورات المكتب الإسلامي بدمشق ١٩٦١ م، المبدع في شرح المقنع ٩ / ٦٠ المكتب الإسلامي ١٩٧٩ م، كشاف القناع ٦ / ٨٩ عالم الكتب ١٩٨٣ م.
وَمِنْ مَعَانِيهِ النِّكَاحُ، يُقَال: وَطِئَ الْمَرْأَةَ يَطَؤُهَا أَيْ نَكَحَهَا وَجَامَعَهَا (١) . وَمَعْنَاهُ اصْطِلاَحًا: الْجِمَاعُ. (٢)
فَكُلٌّ مِنَ الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ أَعَمُّ مِنَ الزِّنَى، إِذْ قَدْ يَكُونُ مَعَ امْرَأَتِهِ فَيَكُونُ نِكَاحًا حَلاَلًا، وَمَعَ أَجْنَبِيَّةٍ فَيَكُونُ زِنًى حَرَامًا.
ب - اللِّوَاطُ:
٣ - اللِّوَاطُ لُغَةً: إِتْيَانُ الذُّكُورِ فِي الدُّبُرِ، وَهُوَ عَمَل قَوْمِ نَبِيِّ اللَّهِ لُوطٍ ﵇. يُقَال: لاَطَ الرَّجُل لِوَاطًا وَلاَوَطَ، أَيْ عَمِل عَمَل قَوْمِ لُوطٍ. (٣)
وَاصْطِلاَحًا: إِدْخَال الْحَشَفَةِ فِي دُبُرِ ذَكَرٍ (٤) . وَحُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنَى عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.
ج - السِّحَاقُ:
٤ - السِّحَاقُ وَالْمُسَاحَقَةُ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا: فِعْل
_________
(١) لسان العرب والقاموس المحيط والمصباح المنير مادة: (وطأ) .
(٢) المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص ٥٢٦ دار المعرفة بيروت، والمغرب ص ٤٨٨ دار الكتاب العربي.
(٣) لسان العرب والقاموس المحيط مادة: (لوط)، والمطلع ٣٧١ المكتب الإسلامي ١٩٦٥ م، والمفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ٤٠٩ دار المعرفة بيروت.
(٤) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ٤ / ٣١٣.
النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ بِبَعْضٍ، وَكَذَلِكَ فِعْل الْمَجْبُوبِ بِالْمَرْأَةِ يُسَمَّى سِحَاقًا. (١)
فَالْفَرْقُ بَيْنَ الزِّنَى وَالسِّحَاقِ، أَنَّ السِّحَاقَ لاَ إِيلاَجَ فِيهِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
٥ - الزِّنَى حَرَامٌ. وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَالْقَتْل. قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِل عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّل اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (٢) . وَقَال تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ . (٣)
قَال الْقُرْطُبِيُّ: قَال الْعُلَمَاءُ: قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى﴾ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يَقُول: وَلاَ تَزْنُوا. فَإِنَّ مَعْنَاهُ لاَ تَدْنُوا مِنَ الزِّنَى.
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَال: سَأَلْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَكْبَرُ؟ قَال: أَنْ تَجْعَل لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟
_________
(١) لسان العرب والقاموس المحيط مادة: (سحق)، والمغرب ٢١٩ دار الكتاب العربي، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ٤ / ٣١٦.
(٢) سورة الفرقان / ٦٨ - ٧٠.
(٣) سورة الإسراء / ٣٢.