الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٤
الدَّعْوَى بَيْنَ مَا تَقَادَمَ مِنْهَا وَمَا لَمْ يَتَقَادَمْ، وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَهُمَا، فَقَالُوا: إِنَّ لِوَلِيِّ الأَْمْرِ مَنْعَ الْقُضَاةِ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى فِي أَحْوَالٍ بِشُرُوطٍ مَخْصُوصَةٍ لِتَلاَفِي التَّزْوِيرِ وَالتَّحَايُل. وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَعْيِينِ الْمُدَّةِ الَّتِي لاَ تُسْمَعُ بَعْدَهَا الدَّعْوَى فِي الْوَقْفِ، وَمَال الْيَتِيمِ، وَالْغَائِبِ، وَالإِْرْثِ، فَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ سِتًّا وَثَلاَثِينَ سَنَةً، وَبَعْضُهُمْ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَبَعْضُهُمْ ثَلاَثِينَ فَقَطْ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمُدَدُ طَوِيلَةً اسْتَحْسَنَ أَحَدُ السَّلاَطِينِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ جَعْلَهَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَقَطْ. وَمِنْ ذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ التَّقَادُمَ بِمُرُورِ الزَّمَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَمْرَيْنِ:
الأَْوَّل: حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ نَصَّ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ.
وَالثَّانِي: أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ يَجِبُ عَلَى الْقُضَاةِ فِي زَمَنِهِ اتِّبَاعُهُ؛ لأَِنَّهُمْ بِمُقْتَضَاهُ مَعْزُولُونَ عَنْ سَمَاعِ دَعْوَى مَضَى عَلَيْهَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِدُونِ عُذْرٍ، وَالْقَاضِي وَكِيلٌ عَنِ السُّلْطَانِ، وَالْوَكِيل يَسْتَمِدُّ التَّصَرُّفَ مِنْ مُوَكِّلِهِ، فَإِذَا خَصَّصَ لَهُ تَخَصَّصَ، وَإِذَا عَمَّمَ تَعَمَّمَ. (١) وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَقَادُمٍ) .
وَأَمَّا التَّقَادُمُ فِي وَضْعِ الْيَدِ وَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ بِذَلِكَ فَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (حِيَازَةٍ) وَمُصْطَلَحِ: (تَقَادُمٍ ف ٩)
_________
(١) حاشية ابن عابدين ٤ / ٣٤٢، ٣٤٣، ط. الأميرية، شرح المجلة للأتاسي ٥ / ١٦٨ المادة ١٦٦ ط. دمشق.
زَمَانَةٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الزَّمَانَةُ لُغَةً: الْبَلاَءُ وَالْعَاهَةُ، يُقَال: زَمِنَ زَمَنًا وَزَمِنَةً وَزَمَانَةً: مَرِضَ مَرَضًا يَدُومُ زَمَانًا طَوِيلًا، وَضَعُفَ بِكِبَرِ سِنٍّ أَوْ مُطَاوَلَةِ عِلَّةٍ. فَهُوَ زَمِنٌ وَزَمِينٌ.
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. قَال زَكَرِيَّا الأَْنْصَارِيُّ: الزَّمِنُ هُوَ الْمُبْتَلَى بِآفَةٍ تَمْنَعُهُ مِنَ الْعَمَل (١) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْقِعَادُ:
٢ - الْقِعَادُ: دَاءٌ يَأْخُذُ الإِْبِل فِي أَوْرَاكِهَا فَيُمِيلُهَا إِلَى الأَْرْضِ.
وَالْمُقْعَدُ: مَنْ أَصَابَهُ دَاءٌ فِي جَسَدِهِ فَلاَ يَسْتَطِيعُ الْحَرَكَةَ لِلْمَشْيِ. (٢)
_________
(١) لسان العرب، والمعجم الوسيط مادة: (زمن)، والإقناع ١ / ١٦٤، وحاشية الجمل ٤ / ٤١٦.
(٢) النهاية لابن الأثير، ومتن اللغة، والمصباح المنير مادة (قعد) .
فَالزَّمَانَةُ أَعَمُّ مِنَ الْقِعَادِ؛ لأَِنَّهَا تَحْصُل بِهِ وَبِغَيْرِهِ مِنَ الأَْمْرَاضِ.
وَقِيل: الْمُقْعَدُ هُوَ الْمُتَشَنِّجُ الأَْعْضَاءِ، وَالزَّمِنُ: الَّذِي طَال مَرَضُهُ (١) .
ب - الْعَضْبُ:
٣ - مِنْ مَعَانِي الْعَضْبِ: الشَّلَل وَالْخَبَل وَالْعَرَجُ.
وَالْمَعْضُوبُ: الضَّعِيفُ لاَ يَسْتَمْسِكُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَهُوَ مَعْضُوبُ اللِّسَانِ أَيْ: مَقْطُوعٌ عَيِيٌّ فَدْمٌ، وَالزَّمِنُ الَّذِي لاَ حَرَاكَ بِهِ.
فَالْمَعْضُوبُ أَعَمُّ مِنَ الزَّمِنِ (٢) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالزَّمَانَةِ:
حُضُورُ الزَّمِنِ الْجُمُعَةَ:
٤ - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ - إِلَى أَنَّ الشَّيْخَ الزَّمِنَ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ إِنْ وَجَدَ مَرْكَبًا مِلْكًا أَوْ إِجَارَةً أَوْ إِعَارَةً، وَلَمْ يَشُقَّ الرُّكُوبُ عَلَيْهِ كَمَشَقَّةِ الْمَشْيِ فِي الْوَحْل لاِنْتِفَاءِ الضَّرَرِ. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: وَلاَ يَجِبُ قَبُول الْمَوْهُوبِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمِنَّةِ. (٣)
_________
(١) محيط المحيط مادة: (قعد) .
(٢) متن اللغة والنهاية مادة: (عضب) وانظر البناية ٣ / ٤٣٢، والإفصاح ص ١٧٦، ونهاية المحتاج ٣ / ٢٤٥، وكشاف القناع ٢ / ٣٩٠.
(٣) الإقناع ١ / ١٦٤، والمجموع ٤ / ٤٨٦، والتاج والإكليل بهامش الحطاب ٢ / ١٨٢.
وَنَحْوُهُ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ، فَالْمَرِيضُ عِنْدَهُمْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ إِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِإِتْيَانِ الْمَسْجِدِ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا، أَوْ بِتَبَرُّعِ أَحَدٍ بِأَنْ يُرْكِبَهُ أَوْ يَحْمِلَهُ. (١)
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ الصِّحَّةَ، فَلاَ تَجِبُ عَلَى الزَّمِنِ وَإِنْ وَجَدَ حَامِلًا. (٢)
وَلِلتَّفْصِيل: (ر: صَلاَةُ الْجُمُعَةِ، وَعُذْرٌ) .
حَجُّ الزَّمِنِ:
٥ - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ - فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ - إِلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنِ السَّعْيِ إِلَى الْحَجِّ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَالٍ يَحُجُّ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، لأَِنَّهُ مُسْتَطِيعٌ بِغَيْرِهِ، إِذِ الاِسْتِطَاعَةُ كَمَا تَكُونُ بِالنَّفْسِ تَكُونُ بِبَذْل الْمَال وَطَاعَةِ الرِّجَال، وَإِذَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ. (٣)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ - فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ - وَالصَّاحِبَانِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا: إِنَّ الزَّمِنَ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ مَلَكَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ حَتَّى لاَ يَجِبَ
_________
(١) كشاف القناع ١ / ٤٩٥، والفروع ٢ / ٤١.
(٢) الفتاوى الهندية ١ / ١٤٤، والفتاوى الخانية بهامش الهندية ١ / ١٧٥.
(٣) نهاية المحتاج ٣ / ٢٤٥، ٢٤٦، وكشاف القناع ٢ / ٣٩٠، والإفصاح ص ١٧٦، والبناية ٣ / ٤٣٢، والعناية بهامش فتح القدير ٢ / ١٢٥ ط الأميرية، وابن عابدين ٢ / ١٤٢.
الإِْحْجَاجُ بِمَالِهِ، لأَِنَّ الأَْصْل لَمَّا لَمْ يَجِبْ، لَمْ يَجِبِ الْبَدَل (١) .
قَال الْكَاسَانِيُّ فِي تَعْلِيل عَدَمِ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الزَّمِنِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ الاِسْتِطَاعَةَ لِوُجُوبِ الْحَجِّ، وَالْمُرَادُ مِنْهَا اسْتِطَاعَةُ التَّكْلِيفِ، وَهِيَ سَلاَمَةُ الأَْسْبَابِ وَالآْلاَتِ، وَمِنْ جُمْلَةِ الأَْسْبَابِ سَلاَمَةُ الْبَدَنِ عَنِ الآْفَاتِ الْمَانِعَةِ عَنِ الْقِيَامِ بِمَا لاَ بُدَّ مِنْهُ فِي سَفَرِ الْحَجِّ؛ لأَِنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلاَ بُدَّ مِنْ سَلاَمَةِ الْبَدَنِ، وَلاَ سَلاَمَةَ مَعَ الْمَانِعِ. (٢)
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزَّمِنَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ؛ لأَِنَّهُ يَقْدِرُ بِغَيْرِهِ إِنْ كَانَ لاَ يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ، وَالْقُدْرَةُ بِالْغَيْرِ كَافِيَةٌ لِوُجُوبِ الْحَجِّ كَالْقُدْرَةِ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَكَذَا فَسَّرَ النَّبِيُّ ﷺ الاِسْتِطَاعَةَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ (٣)، وَقَدْ وُجِدَ. (٤)
إِعْتَاقُ الزَّمِنِ فِي الْكَفَّارَةِ:
٦ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ فِي
_________
(١) العناية بهامش فتح القدير ٢ / ١٢٥، والقرطبي ٤ / ١٥٠، والإفصاح ص ١٧٦.
(٢) البدائع ٢ / ١٢١.
(٣) تفسير النبي ﷺ " الاستطاعة بالزاد والراحلة ". أخرجه الدارقطني (٢ / ٢١٦ - ط. دار المحاسن) من حديث أنس بن مالك ورجح البيهقي (٤ / ٣٣٠ - ط. دائرة المعارف العثمانية) إرساله. وقال ابن المنذر: لا يثبت الحديث الذي فيه الزاد والراحلة. كذا في فتح الباري (٣ / ٣٧٩ - ط. السلفية) .
(٤) بدائع الصنائع ٢ / ١٢١، وفتح القدير ٢ / ١٢٥ - ١٢٦.
الْكَفَّارَةِ إِلاَّ رَقَبَةٌ سَالِمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَل ضَرَرًا بَيِّنًا، فَلاَ يُجْزِئُ الزَّمِنُ لِعَجْزِهِ عَنِ الْعَمَل. (١)
وَلِلتَّفْصِيل (ر: كَفَّارَةٌ) .
قَتْل الزَّمِنِ فِي الْجِهَادِ:
٧ - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَدَمَ جَوَازِ قَتْل الزَّمِنِ إِلاَّ إِذَا قَاتَل حَقِيقَةً أَوْ مَعْنًى بِالرَّأْيِ وَالطَّاعَةِ وَالتَّحْرِيضِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ. (٢)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الأَْظْهَرِ إِلَى جَوَازِ قَتْل زَمِنٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُقَاتِل، وَلاَ رَأْيَ لَهُ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ (٣)
وَلِلتَّفْصِيل: (ر: جِهَادٌ) .
أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنَ الزَّمِنِ:
٨ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ إِلَى أَنَّ الزَّمِنَ لاَ جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لأَِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْل الْقِتَال لَمْ يَكُنْ
_________
(١) الفتاوى الهندية ١ / ٥١١، وحاشية الجمل ٤ / ٤١٦، وكشاف القناع ٥ / ٣٨٠، والمغني ٧ / ٣٦٠، والزرقاني ٤ / ١٧٦، والشرح الصغير ٢ / ٦٤٦.
(٢) بدائع الصنائع ٧ / ١٠١، وابن عابدين ٣ / ٢٢٤، ٢٢٥، وكشاف القناع ٣ / ٥٠، والشرح الصغير ٢ / ٢٧٥ - ٢٧٦، وحاشية الجمل ٥ / ١٩٤.
(٣) سورة التوبة / ٥.
عَلَيْهِ جِزْيَةٌ كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. (١)
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَبُو يُوسُفَ وُجُوبَ الْجِزْيَةِ عَلَى الزَّمِنِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا أُجْرَةُ السَّكَنِ وَأَنَّهُ رَجُلٌ بَالِغٌ مُوسِرٌ، فَلاَ يُقِيمُ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ، وَيَدُل عَلَيْهِ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ خُذْ مِنْ كُل حَالِمٍ دِينَارًا (٢) . كَمَا يَتَنَاوَلُهُ حَدِيثُ عُمَرَ ﵁ بِعُمُومِهِ، فَإِنَّهُ أَمَرَ أَنْ تُضْرَبَ الْجِزْيَةُ عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوَاسِي، وَأَنَّ الْجِزْيَةَ إِنْ كَانَتْ أُجْرَةً عَنْ سَكَنِ الدَّارِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ فَكَذَلِكَ، فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لاَ يُقِرُّ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ. (٣) وَلِلتَّفْصِيل: (ر: جِزْيَةٌ) .
زُمُرُّدٌ
انْظُرْ: حُلِيٌّ، زَكَاةٌ
_________
(١) أحكام أهل الذمة ١ / ٤٩ وانظر ص ٤٢ - ٤٣، وفتح القدير ٤ / ٣٧٢ ط. الأميرية، وبدائع الصنائع ٧ / ١١١، ومغني المحتاج ٤ / ٢٤٦ نشر دار الفكر، وكشاف القناع ٣ / ١٢٠.
(٢) حديث: " خذ من كل حالم دينارا ". أخرجه أبو داود (٣ / ٤٢٨ - تحقيق عزت عبيد دعاس) والحاكم (١ / ٣٩٨ - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث معاذ وصححه، ووافقه الذهبي.
(٣) نهاية المحتاج ٨ / ٨٥، وحاشية الجمل ٥ / ٢١٣، ومغني المحتاج ٤ / ٢٤٦، وفتح القدير ٤ / ٣٧٣، وحاشية الدسوقي ٢ / ٢٠١، وحاشية الزرقاني ٣ / ١٤١، وأحكام أهل الذمة ١ / ٤٩.
زَمْزَمُ
التَّعْرِيفُ:
١ - زَمْزَمُ - بِزَايَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ - اسْمٌ لِلْبِئْرِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثُونَ ذِرَاعًا. (١)
وَسُمِّيَتْ زَمْزَمُ لِكَثْرَةِ مَائِهَا، يُقَال: مَاءُ زَمْزَمَ وَزُمْزُومٍ إِذَا كَانَ كَثِيرًا، وَقِيل: لاِجْتِمَاعِهَا؛ لأَِنَّهُ لَمَّا فَاضَ مِنْهَا الْمَاءُ عَلَى وَجْهِ الأَْرْضِ قَالَتْ هَاجَرَ لِلْمَاءِ: زَمَّ زَمَّ، أَيْ: اجْتَمِعْ يَا مُبَارَكُ، فَاجْتَمَعَ فَسُمِّيَتْ زَمْزَمُ، وَقِيل: لأَِنَّهَا زَمَّتْ بِالتُّرَابِ لِئَلاَّ يَأْخُذَ الْمَاءَ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَدْ ضَمَّتْ هَاجَرُ مَاءَهَا حِينَ انْفَجَرَتْ وَخَرَجَ مِنْهَا الْمَاءُ وَسَاحَ يَمِينًا وَشِمَالًا فَمُنِعَ بِجَمْعِ التُّرَابِ حَوْلَهُ، وَرُوِيَ: لَوْلاَ أُمُّكُمْ هَاجَرُ حَوَّطَتْ عَلَيْهَا لَمَلأَتْ أَوْدِيَةَ مَكَّةَ (٢) . وَقِيل: إِنَّ اسْمَهَا غَيْرُ مُشْتَقٍّ. (٣)
_________
(١) تهذيب الأسماء واللغات ٣ / ١٣٨.
(٢) حديث: " لولا أمكم هاجر حوطت. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٥ / ٤٣ - ط السلفية) من حديث ابن عباس بلفظ: " يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم "، أو قال: " لو لم تغرف من الماء لكانت عينا معينا ".
(٣) تهذيب الأسماء واللغات ٣ / ١٣٨، فتح الباري ٣ / ٤٩٣، السيرة النبوية لابن هشام ١ / ١١١، حاشية الجمل ٢ / ٤٨٢، ولسان العرب ٢ / ٤٨.
وَلِزَمْزَمَ أَسْمَاءٌ أُخْرَى كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: طَيِّبَةٌ، وَبَرَّةٌ، وَمَضْنُونَةٌ، وَسُقِيَا اللَّهِ إِسْمَاعِيل، وَبَرَكَةٌ، وَحَفِيرَةُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَوُصِفَتْ فِي الْحَدِيثِ " بِأَنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ، وَشِفَاءُ سُقْمٍ. (١)
٢ - وَزَمْزَمُ هِيَ بِئْرُ إِسْمَاعِيل بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، الَّتِي سَقَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا حِينَ ظَمِئَ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَالْتَمَسَتْ لَهُ أُمُّهُ مَاءً فَلَمْ تَجِدْهُ، فَقَامَتْ إِلَى الصَّفَا تَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى وَتَسْتَغِيثُهُ لإِسْمَاعِيل، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ فَفَعَلَتْ مِثْل ذَلِكَ، وَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيل ﵇ فَهَمَزَ لَهُ بِعَقِبِهِ فِي الأَْرْضِ فَظَهَرَ الْمَاءُ (٢) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِزَمْزَمَ:
أ - الشُّرْبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ:
٣ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ (٣)، وَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ: إِنَّهَا
_________
(١) حديث: " إنها مباركة، وإنها طعام طعم ". أخرجه مسلم (٤ / ١٩٢٢ - ط الحلبي) من حديث أبي ذر، وزيادة " وشفاء سقم " في مسند الطيالسي (ص٦١ - ط دائرة المعارف العثمانية) .
(٢) تهذيب الأسماء واللغات ٣ / ١٣٨، ولسان العرب ٢ / ٤٨، وحاشية الجمل ٢ / ٤٨٢، وفتح القدير ٢ / ١٨٩، والسيرة النبوية ١ / ١١١، وفتح الباري ٦ / ٣٠٩.
(٣) حديث: " أن النبي ﷺ شرب من ماء زمزم. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٤٩٢ - ط السلفية) من حديث ابن عباس.
مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ زَادَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: وَشِفَاءُ سُقْمٍ (١) .
وَيُسَنُّ لِلشَّارِبِ أَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، أَيْ يُكْثِرَ مِنْ شُرْبِهِ حَتَّى يَمْتَلِئَ، وَيَرْتَوِيَ مِنْهُ حَتَّى يَشْبَعَ رِيًّا، لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ: آيَةُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ لاَ يَتَضَلَّعُونَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ (٢) .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ فِي سَائِرِ الأَْحْوَال، لاَ عَقِبَ الطَّوَافِ خَاصَّةً، وَأَنَّهُ يُسَنُّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ لِكُل أَحَدٍ وَلَوْ لِغَيْرِ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ. (٣)
ب - آدَابُ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ:
٤ - لِلشُّرْبِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ آدَابٌ، عَدَّهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنَ السُّنَنِ أَوِ الْمَنْدُوبَاتِ أَوِ الْمُسْتَحَبَّاتِ، مِنْهَا: مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَال: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ جَالِسًا فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَال: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ قَال:
_________
(١) حديث: " إنها مباركة، إنها طعام طعم ". سبق تخريجه ف / ١.
(٢) حديث: " آية ما بيننا وبين المنافقين. . . " أخرجه ابن ماجه (٢ / ١٠١٧ - ط الحلبي) من حديث ابن عباس، وفي إسناده اضطراب.
(٣) فتح القدير ٢ / ١٨٩، جواهر الإكليل ١ / ١٧٩، قليوبي وعميرة على شرح المحلي ٢ / ١٢٥، المغني ٣ / ٤٤٥، فتح الباري ٣ / ٤٩٣.