الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٤
آدَابُ زِيَارَةِ النَّبِيِّ ﷺ
٥ - أ - أَنْ يَنْوِيَ زِيَارَةَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَيْضًا لِتَحْصِيل سُنَّةِ زِيَارَةِ الْمَسْجِدِ وَثَوَابِهَا لِمَا فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: لاَ تُشَدُّ الرِّحَال إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأَْقْصَى. (١)
ب - الاِغْتِسَال لِدُخُول الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، وَلُبْسِ أَنْظَفِ الثِّيَابِ، وَاسْتِشْعَارُ شَرَفِ الْمَدِينَةِ لِتَشَرُّفِهَا بِهِ ﷺ.
ج - الْمُوَاظَبَةُ عَلَى صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ مُدَّةَ الإِْقَامَةِ فِي الْمَدِينَةِ، عَمَلًا بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. (٢)
د - أَنْ يُتْبِعَ زِيَارَتَهُ ﷺ بِزِيَارَةِ صَاحِبَيْهِ شَيْخَيِ الصَّحَابَةِ ﵄ وَعَنْهُمْ جَمِيعًا، أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَقَبْرُهُ إِلَى الْيَمِينِ قَدْرَ ذِرَاعٍ، وَعُمَرَ يَلِي قَبْرَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى الْيَمِينِ أَيْضًا.
مَا يُكْرَهُ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ
٦ - يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أُمُورٌ مَكْرُوهَةٌ فِي
_________
(١) حديث: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ". أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٦٣ - ط السلفية)، ومسلم (٢ / ١٠١٤ - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
(٢) حديث: " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة ". أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٦٣ - ط السلفية)، ومسلم (٢ / ١٠١٣ - ط الحلبي) .
زِيَارَتِهِمْ لِقَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ نُشِيرُ إِلَى أَهَمِّهَا:
١ - التَّزَاحُمُ عِنْدَ الزِّيَارَةِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ لاَ مُوجِبَ لَهُ، بَل هُوَ خِلاَفُ الأَْدَبِ، لاَ سِيَّمَا إِذَا أَدَّى إِلَى زِحَامِ النِّسَاءِ فَإِنَّ الأَْمْرَ شَدِيدٌ.
٢ - رَفْعُ الأَْصْوَاتِ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ أَوْ بِالدُّعَاءِ عِنْدَ زِيَارَتِهِ ﷺ.
٣ - التَّمَسُّحُ بِقَبْرِهِ الشَّرِيفِ ﷺ أَوْ بِشُبَّاكِ حُجْرَتِهِ. أَوْ إِلْصَاقُ الظَّهْرِ أَوِ الْبَطْنِ بِجِدَارِ الْقَبْرِ.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ يُسْتَحَبُّ التَّمَسُّحُ بِحَائِطِ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَلاَ تَقْبِيلُهُ، قَال أَحْمَدُ: مَا أَعْرِفُ هَذَا. قَال الأَْثْرَمُ: رَأَيْتُ أَهْل الْعِلْمِ مِنْ أَهْل الْمَدِينَةِ لاَ يَمَسُّونَ قَبْرَ النَّبِيِّ ﷺ يَقُومُونَ مِنْ نَاحِيَةٍ فَيُسَلِّمُونَ. قَال أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَكَذَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَل. (١)
وَقَال النَّوَوِيُّ مُنَبِّهًا مُحَذِّرًا: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُطَافَ بِقَبْرِهِ ﷺ، وَيُكْرَهُ إِلْصَاقُ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ بِجِدَارِ الْقَبْرِ. قَالُوا: وَيُكْرَهُ مَسْحُهُ بِالْيَدِ وَتَقْبِيلُهُ، بَل الأَْدَبُ أَنْ يُبْعَدَ مِنْهُ، كَمَا يُبْعَدُ مِنْهُ لَوْ حَضَرَهُ فِي حَيَاتِهِ ﷺ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَطْبَقُوا عَلَيْهِ، وَلاَ يُغْتَرُّ بِمُخَالَفَةِ كَثِيرِينَ مِنَ الْعَوَّامِ وَفِعْلِهِمْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الاِقْتِدَاءَ وَالْعَمَل إِنَّمَا يَكُونُ بِالأَْحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَقْوَال الْعُلَمَاءِ، وَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَى مُحْدَثَاتِ الْعَوَامِّ وَغَيْرِهِمْ
_________
(١) المغني ٣ / ٥٥٩.
وَجَهَالاَتِهِمْ. (١)
قَال ﷺ: لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ. (٢)
مَعْنَى الْحَدِيثِ لاَ تُعَطِّلُوا الْبُيُوتَ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهَا وَالدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقُبُورِ، فَأَمَرَ بِتَحَرِّي الْعِبَادَةِ بِالْبُيُوتِ وَنَهَى عَنْ تَحَرِّيهَا عِنْدَ الْقُبُورِ، عَكْسَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ النَّصَارَى وَمَنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ مِنْ هَذِهِ الأُْمَّةِ. وَالْعِيدُ اسْمُ مَا يَعُودُ مِنَ الاِجْتِمَاعِ الْعَامِّ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَادٍ عَائِدًا مَا يَعُودُ السَّنَةَ أَوْ يَعُودُ الأُْسْبُوعَ أَوِ الشَّهْرَ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
قَال فِي عَوْنِ الْمَعْبُودِ: قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: الْعِيدُ مَا يُعْتَادُ مَجِيؤُهُ وَقَصْدُهُ مِنْ زَمَنٍ وَمَكَانٍ مَأْخُوذٍ مِنَ الْمُعَاوَدَةِ وَالاِعْتِيَادِ، فَإِذَا كَانَ اسْمًا لِلْمَكَانِ فَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُقْصَدُ فِيهِ الاِجْتِمَاعُ وَالاِنْتِيَابُ بِالْعِبَادَةِ وَبِغَيْرِهَا كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَةَ وَالْمَشَاعِرَ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عِيدًا لِلْحُنَفَاءِ وَمَثَابَةً لِلنَّاسِ، كَمَا جَعَل أَيَّامَ الْعِيدِ مِنْهَا عِيدًا. وَكَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَعْيَادٌ زَمَانِيَّةٌ وَمَكَانِيَّةٌ فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالإِْسْلاَمِ أَبْطَلَهَا وَعَوَّضَ الْحُنَفَاءَ مِنْهَا
_________
(١) المجموع ٨ / ٢١٧.
(٢) حديث: " لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا. . . " أخرجه أبو داود (٢ / ٥٣٤ - تحقيق عزت عبيد دعاس)، وحسنه ابن حجر كما في الفتوحات الربانية (٣ / ٣١٣ - ط المنيرية) .
عِيدَ الْفِطْرِ وَعِيدَ النَّحْرِ، كَمَا عَوَّضَهُمْ عَنْ أَعْيَادِ الْمُشْرِكِينَ الْمَكَانِيَّةِ بِكَعْبَةٍ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَسَائِرِ الْمَشَاعِرِ.
قَال الْمُنَاوِيُّ فِي فَيْضِ الْقَدِيرِ: مَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنِ الاِجْتِمَاعِ لِزِيَارَتِهِ اجْتِمَاعَهُمْ لِلْعِيدِ، إِمَّا لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ أَوْ كَرَاهَةِ أَنْ يَتَجَاوَزُوا حَدَّ التَّعْظِيمِ. وَقِيل: الْعِيدُ مَا يُعَادُ إِلَيْهِ أَيْ لاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا تَعُودُونَ إِلَيْهِ مَتَى أَرَدْتُمْ أَنْ تُصَلُّوا عَلَيَّ، فَظَاهِرُهُ مَنْهِيٌّ عَنِ الْمُعَاوَدَةِ وَالْمُرَادُ الْمَنْعُ عَمَّا يُوجِبُهُ، وَهُوَ ظَنُّهُمْ بِأَنَّ دُعَاءَ الْغَائِبِ لاَ يَصِل إِلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ (١) أَيْ لاَ تَتَكَلَّفُوا الْمُعَاوَدَةَ إِلَيَّ فَقَدِ اسْتَغْنَيْتُمْ بِالصَّلاَةِ عَلَيَّ.
قَال الْمُنَاوِيُّ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ اجْتِمَاعَ الْعَامَّةِ فِي بَعْضِ أَضْرِحَةِ الأَْوْلِيَاءِ فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ مَخْصُوصٍ مِنَ السَّنَةِ وَيَقُولُونَ: هَذَا يَوْمُ مَوْلِدِ الشَّيْخِ، وَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَرُبَّمَا يَرْقُصُونَ فِيهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، وَعَلَى وَلِيِّ الشَّرْعِ رَدْعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْكَارُهُ عَلَيْهِمْ وَإِبْطَالُهُ.
وَقَال شَيْخُ الإِْسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الْحَدِيثُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَا يَنَالُنِي مِنْكُمْ مِنَ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ يَحْصُل مَعَ قُرْبِكُمْ مِنْ قَبْرِي وَبُعْدِكُمْ عَنْهُ، فَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى اتِّخَاذِهِ عِيدًا. (٢)
_________
(١) حديث: " وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ". تقدم تخريجه ف ٦.
(٢) عون المعبود ٦ / ٣٢ - ٣٣.
صِفَةُ زِيَارَتِهِ ﷺ:
٧ - إِذَا أَرَادَ الزَّائِرُ زِيَارَتَهُ ﷺ فَلْيَنْوِ زِيَارَةَ مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ أَيْضًا، لِتَحْصُل سُنَّةُ زِيَارَةِ الْمَسْجِدِ وَثَوَابِهَا.
وَإِذَا عَايَنَ بَسَاتِينَ الْمَدِينَةِ صَلَّى عَلَيْهِ ﷺ وَقَال: اللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُ نَبِيِّكَ فَاجْعَلْهُ وِقَايَةً لِي مِنَ النَّارِ وَأَمَانًا مِنَ الْعَذَابِ وَسُوءِ الْحِسَابِ. (١)
وَإِذَا وَصَل بَابَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ دَخَل وَهُوَ يَقُول الذِّكْرَ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ دُخُول الْمَسَاجِدِ: " اللَّهُمَّ صَل عَلَى مُحَمَّدٍ، رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ".
وَعِنْدَ الْخُرُوجِ يَقُول ذَلِكَ، لَكِنْ بِلَفْظِ " وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ ". (٢)
وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يَقْصِدُ الْحُجْرَةَ الشَّرِيفَةَ الَّتِي فِيهَا قَبْرُهُ ﵊ فَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ وَيَسْتَقْبِل الْقَبْرَ وَيَقِفُ أَمَامَ النَّافِذَةِ الدَّائِرِيَّةِ الْيُسْرَى مُبْتَعِدًا عَنْهَا قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ إِجْلاَلًا وَتَأَدُّبًا مَعَ الْمُصْطَفَى ﷺ فَهُوَ أَمَامَ وَجْهِ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ دُونَ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ، بِأَيِّ صِيغَةٍ تَحْضُرُهُ مِنْ صِيَغِ التَّسْلِيمِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَيُرْدِفُ ذَلِكَ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ ﷺ بِمَا يَحْضُرُهُ أَيْضًا.
_________
(١) الاختيار لتعليل المختار ١ / ١٧٣.
(٢) حديث: " ذِكْر دخول المسجد ". أخرجه الترمذي (٢ / ١٢٨ - ط الحلبي) من حديث فاطمة، وأصله في مسلم (١ / ٤٩٤ - ط الحلبي) من حديث ابن حميد أو أبي أسيد دون ذكر الصلاة على النبي ﷺ.
٨ - وَقَدْ أَوْرَدَ الْعُلَمَاءُ عِبَارَاتٍ كَثِيرَةً صَاغُوهَا لِتَعْلِيمِ النَّاسِ، ضَمَّنُوهَا ثَنَاءً عَلَى النَّبِيِّ ﷺ.
فَيَدْعُو الإِْنْسَانُ بِدُعَاءِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَيُصَلِّي وَيُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَيَدْعُو بِمَا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ.
٩ - وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ قَدْ أَوْصَاهُ بِالسَّلاَمِ عَلَيْهِ ﷺ فَلْيَقُل: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُول اللَّهِ مِنْ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ، أَوْ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ يُسَلِّمُ عَلَيْكَ يَا رَسُول اللَّهِ، أَوْ مَا شَابَهُ ذَلِكَ.
١٠ - ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إِلَى صَوْبِ الْيَمِينِ قَدْرَ ذِرَاعِ الْيَدِ لِلسَّلاَمِ عَلَى الصِّدِّيقِ الأَْكْبَرِ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ ﵁، لأَِنَّ رَأْسَهُ عِنْدَ كَتِفِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ بِمَا يَحْضُرُهُ مِنَ الأَْلْفَاظِ الَّتِي تَلِيقُ بِمَقَامِ الصِّدِّيقِ ﵁.
١١ - ثُمَّ يَتَنَحَّى صَوْبَ الْيَمِينِ قَدْرَ ذِرَاعٍ لِلسَّلاَمِ عَلَى الْفَارُوقِ الَّذِي أَعَزَّ اللَّهُ بِهِ الإِْسْلاَمَ سَيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁، وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ بِمَا يَحْضُرُهُ مِنَ الأَْلْفَاظِ الَّتِي تَلِيقُ بِمَقَامِهِ ﵁.
١٢ - ثُمَّ يَرْجِعُ لِيَقِفَ قُبَالَةَ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَالأَْوَّل، وَيَدْعُو مُتَشَفِّعًا بِهِ بِمَا شَاءَ مِنَ الْخَيْرَاتِ لَهُ وَلِمَنْ يُحِبُّ وَلِلْمُسْلِمِينَ. وَيُرَاعِي فِي كُل ذَلِكَ أَحْوَال الزِّحَامِ بِحَيْثُ لاَ يُؤْذِي مُسْلِمًا. (١)
_________
(١) انظر الاختيار ١ / ١٧٤ و١٧٥، والمجموع للنووي ٨ / ٢١٦ - ٢١٧، وفتح القدير ٢ / ٣٣٧، والمغني لابن قدامة ٣ / ٥٥٨ وغيرها من مراجع الفقه ففيها كثير من الصيغ المختارة للزيارة.
زِيَارَةُ الْقُبُورِ
حُكْمُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ:
١ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ تُنْدَبُ لِلرِّجَال زِيَارَةُ الْقُبُورِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ بِالآْخِرَةِ، (١) وَلأَِنَّهُ ﷺ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْبَقِيعِ لِزِيَارَةِ الْمَوْتَى وَيَقُول: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ. وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: أَسْأَل اللَّهَ لِي وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ. (٢)
أَمَّا النِّسَاءُ، فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ تُكْرَهُ زِيَارَتُهُنَّ لِلْقُبُورِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ (٣) . وَلأَِنَّ النِّسَاءَ فِيهِنَّ رِقَّةُ قَلْبٍ، وَكَثْرَةُ جَزَعٍ، وَقِلَّةُ احْتِمَالٍ لِلْمَصَائِبِ، وَهَذَا مَظِنَّةٌ
_________
(١) حديث: " إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور. . . " أخرجه مسلم (٢ / ٦٧٢ - ط الحلبي) وأحمد (٣ / ٣٥٥ - ط الحلبي) واللفظ له.
(٢) حديث: " خروجه ﷺ إلى البقيع ". أخرجه مسلم (٢ / ٦٦٩، ٦٧١ - ط الحلبي) .
(٣) حديث: " لعن الله زورات القبور ". أخرجه الترمذي (٣ / ٣٦٢ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة، وقال: حديث حسن صحيح.
لِطَلَبِ بُكَائِهِنَّ، وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِنَّ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي الأَْصَحِّ - إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلنِّسَاءِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ كَمَا يُنْدَبُ لِلرِّجَال، لِقَوْلِهِ ﷺ: إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ (١) الْحَدِيثُ.
وَقَال الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ لِتَجْدِيدِ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّدْبِ وَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ فَلاَ تَجُوزُ، وَعَلَيْهِ حُمِل حَدِيثُ لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ. وَإِنْ كَانَ لِلاِعْتِبَارِ وَالتَّرَحُّمِ مِنْ غَيْرِ بُكَاءٍ، وَالتَّبَرُّكِ بِزِيَارَةِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ فَلاَ بَأْسَ - إِذَا كُنَّ عَجَائِزَ - وَيُكْرَهُ إِذَا كُنَّ شَوَابَّ، كَحُضُورِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَهُوَ تَوْفِيقٌ حَسَنٌ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: تُكْرَهُ زِيَارَةُ الْقُبُورِ لِلنِّسَاءِ، لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ ﵂ نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا (٢) فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَقَعُ مِنْهُنَّ مُحَرَّمٌ، حَرُمَتْ زِيَارَتُهُنَّ الْقُبُورَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَل قَوْلُهُ ﷺ: لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ.
قَالُوا: وَإِنِ اجْتَازَتِ امْرَأَةٌ بِقَبْرٍ فِي طَرِيقِهَا فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ وَدَعَتْ لَهُ فَحَسَنٌ؛ لأَِنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ لِذَلِكَ.
وَيُسْتَثْنَى مِنَ الْكَرَاهَةِ زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ، فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُنَّ زِيَارَتُهُ، وَكَذَا قُبُورُ الأَْنْبِيَاءِ غَيْرِهِ
_________
(١) حديث: " إني كنت نهيتكم. . . " تقدم تخريجه ف / ١.
(٢) حديث: " نهينا عن اتباع الجنائز. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ١٤٤ - ط السلفية)، ومسلم (٢ / ٦٤٦ ط عيسى الحلبي) من حديث أم عطية.
عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِعُمُومِ الأَْدِلَّةِ فِي طَلَبِ زِيَارَتِهِ ﷺ. (١)
زِيَارَةُ قَبْرِ الْكَافِرِ:
٢ - ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ زِيَارَة قَبْرِ الْكَافِرِ جَائِزَةٌ.
وَقَال الْمَاوَرْدِيُّ: تَحْرُمُ زِيَارَةُ قَبْرِ الْكَافِرِ.
قَال الْحَنَابِلَةُ: وَلاَ يُسَلِّمُ مَنْ زَارَ قَبْرَ كَافِرٍ عَلَيْهِ، وَلاَ يَدْعُو لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ (٢) .
شَدُّ الرِّحَال لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ:
٣ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ شَدُّ الرَّحْل لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ، لِعُمُومِ الأَْدِلَّةِ، وَخُصُوصًا قُبُورُ الأَْنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ.
وَمَنَعَ مِنْهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَابْنُ تَيْمِيَّةَ - مِنَ الْحَنَابِلَةِ - لِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ تُشَدُّ الرِّحَال إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الأَْقْصَى، (٣) وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ قَال: لَقِيَ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَهُوَ جَاءٍ مِنَ الطُّورِ فَقَال: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قَال: مِنَ الطُّورِ، صَلَّيْتُ فِيهِ. قَال: أَمَا لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْل أَنْ تَرْحَل
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٦٠٤، الشرح الصغير ١ / ٢٢٧، شرح البهجة ٢ / ١٢٠، كشاف القناع ٢ / ١٥٠، غاية المنتهى ١ / ٢٥٦، المغني ٢ / ٥٦٥، ٥٧٠.
(٢) أسنى المطالب ١ / ٣٣١، كشاف القناع ٢ / ١٥٠، الجمل على المنهج ٢ / ٢٠٩.
(٣) حديث: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٦٣ - ط السلفية)، ومسلم (٢ / ١٠١٤ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة، واللفظ لمسلم.
إِلَيْهِ مَا رَحَلْتَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: لاَ تُشَدُّ الرِّحَال إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الأَْقْصَى (١) . وَنَقَل ابْنُ تَيْمِيَّةَ هَذَا الْمَذْهَبَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. (٢)
وَحَمَل الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَسَاجِدِ، فَلاَ تُشَدُّ الرِّحَال إِلاَّ لِثَلاَثَةٍ مِنْهَا. بِدَلِيل جَوَازِ شَدِّ الرِّحَال لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَلِلتِّجَارَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لاَ يَنْبَغِي لِلْمَطِيِّ أَنْ تُشَدَّ رِحَالُهُ إِلَى مَسْجِدٍ يَنْبَغِي فِيهِ الصَّلاَةُ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الأَْقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا. (٣)
زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ:
٤ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِحْبَابِ زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَفِي زِيَارَةِ قُبُورِ الأَْنْبِيَاءِ وَالأَْوْلِيَاءِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ .
آدَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ:
٥ - قَال الْحَنَفِيَّةُ: السُّنَّةُ زِيَارَتُهَا قَائِمًا، وَالدُّعَاءُ
_________
(١) حديث: " أبي بصرة الغفاري مع أبي هريرة " أخرجه أحمد (٦ / ٧ - ط الميمنية) وإسناده صحيح.
(٢) ابن عابدين ١ / ٦٠٤، فتح الباري ٣ / ٦٥، سبل السلام ٤ / ٢١٣، مطالب أولي النهى ٢ / ٩٣١، شرح البهجة ٢ / ١٢٠.
(٣) حديث: " لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله. . . " أخرجه أحمد (٣ / ٦٤ - ط الميمنية) من حديث أبي سعيد الخدري، وأورده الهيثمي في المجمع (٣ / ٣ - ط القدسي) وقال: رواه أحمد، وفيه شهر، وحديثه حسن.